< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرمة _القسم الثالث ما يحرم لتحريم ما يقصد منه شأناً بيع السلاح من أعداء الدين

بداءً بالروايات الواردة في بيع السلاح على أعداء الدين:-

عنوان أعداء الدين هو عنوان مصطلح اصطلح عليه الفقهاء يرتبط لعلم الملل والنحل والمذاهب والأديان ، هذا المصطلح إذا أردت أن أعرف مراد الفقهاء الحقيقي منه لابد أن أتتبع الأبواب الفقهية ، لأنه أخذ في موضوع المسألة وإذا أخذ في موضوع المسألة ليس من الضروري أن يبحثه الفقهاء بحثاً مفصلاً فهم بحثهم الآن في السلاح وبيعه وهلم جرا ، أما هذا الموضوع فكأنما هو مفروغ عنه ، وقد بحثوه في أبواب أخرى ، فأين تجد بحث الملل والمذاهب والأديان عند الفقهاء ؟ ، عدّة أبواب يجب على الانسان أن يتتبعها لأن الفقهاء نظراً لوجود جملة من الأحكام الفقهية مرتبطة الملل والنحل والمذاهب والأديان شيء طبيعي ينقحون هذا الموضوع في زوايا تمت صلة بعلم الفقه ، اصول الدين ما مراد الفقهاء من اصول الدين ؟ أصول المذهب ما مراد الفقهاء من المذهب ، لأنه تترتب عليه آثار كثيراً مع احرامنا ممن خاض في بحث التقليد للمذاهب أو حوار الأديان من فضلاء ليس هو واقف تماماً ومحيط بكلمات الفقهاء وتسالماتهم ، يعني هذه البحوث التي هي في الملل والنحل والمذاهب والأديان تم التذكير مراراً مع أنه باب من ابواب بحث الكلام ، بل هو الآن ليس باباً وإنما هو علم من علوم علم الكلام ، ولكن جملة من زوايا هذا البحث لأنها فقهية روائية وغير ذلك علماء الكلام لم ينقحونها تمام التنقيح وإنما نقحها نفس الفقهاء في أبواب الفقه فإذا كان الباحث والمتتبع لا يجري أن ينقحها الفقهاء كيف ينقح هذا المطلب ؟ ، ففي موارد عديدة خاض فيها الفقهاء ، أصول الدين مرادهم تختلف عن أصول المذهب ، الكثير من الباحثين أو ذوي الأقلام الكتّاب والفضلاء أصلاً ليسوا مطلعون على حقيقة مرام الفقهاء في هذا المجال وهذا شيء مهم ، شخص يريد أن يكتب في التعايش بين المذاهب الاسلامية صحيح هذا بحث حساس ومهم ولكن إذا أردت أن تلم بهذا البحث يلزم أن تعرف مضان هذا البحث في أبواب الفقه ، فالإلمام لا سيما الإلمام برأي المشهور فإنه رأي مهم ، ومقصودنا من الشهور ليس مشهورنا في هذا الزمان وإنما المقصود من اصطلاح المشهور في علم الفقه والعلوم الدينية يعني مجموع طبقات القرون فهذا أمر مهم.

فعلى كلٍّ توجد غفلة كثيرة في هذا المجال ، وبحث هذه المذاهب والأديان بحث الفقهاء قسم مهم منه في باب الطهارة في باب النجاسة الكفر منجّس ، وهناك حتى بحثوا النحل وليس فقط المذاهب ، والنحلة والملّة غير المذهب ، وقد بحثه الفقهاء وما هو الفرق بين النحلة والمذهب ، النحلة يعني انتحال ، وكذلك في بحث المطهرات فإنَّ الاسلام من المطهرات هناك بحثه الفقهاء ، ومرّ بنا ذكر كتاب حقائق الايمان للشهيد الثاني وهو كتاب جزل ولغة فقهية وكلامية جزلة والمجلسي شرحها بشكل مفرع فيه في كتاب البحار ، فعلى كلٍّ هذه أمور يجب أن نعيها ، مثلاً في بحث الغيبة كما سيأتي في المكاسب المحرمة هناك جزء من كم الفقهاء فيها ، وفي بحث البغاة لأنَّ البغاة هو الصراع بين الفئات الاسلامية ، بخلاف الجهات الأخرى والصراع مع غير المسلمين ، هذه البحوث لا سيما بلغة عصرية والإلمام ببوابها وجهاتها الالتفات إليه أمر ضوري ، بعض الفضلاء هداهم الله يقول إنَّ الأصول المذهبية اجتهادات ، وهذا عجيب وهذه غفلة عجيبة فهو يتوهم هكذا ، أو أنه أصلاً لا يفرّق بين أصول الاسلام وأصول الايمان ، الايمان هو الدين الواقعي ، ومثل هذه البحوث فلاحظ هنا أقحمها الفقهاء في هذه المسألة ، أحد العناصر في هذه المسألة بحث الملل والنحل والمذاهب والأديان ، أعداء الدين فهل مقصودهم من الدين الاسلام الظاهري أو مقصودهم من الدين هو الاسلام الواقعي وهو الايمان ؟ ، الايمان ليس فرع من فروع الدين وإنما هو النخاع الأصلي للدين ، الاسلام الظاهري أو الصوري مثل فقرات تحمي هذا النخاع أما النخاع الأصلي فهو هذا ، فهذه نكات يجب أن نلتفت إليها.

ليس كل ما بحثه الفقهاء اجتهادات وإنما الكثير من الأمور الضرورية المتسالم عليها بحثها الفقهاء وهم بحثوها لحفظها عن الاندراس وتجديد ذكر أسانيدها ، لماذا يستحب ختم القرآن الكريم فإنَّ الكثير من الأمور هي من ضروريات الدين فلماذا نقرأه ؟ لأنَّ هذه الضروريات تحتاج إلى إحياء مستنداتها ، فأنت تقول هذه ضرورة ولكن أين مستنداتها ، أحد الآفات التي سببتها مدرسة الانسداد عند الأًوليين ، وتعرفون أن نظرية الانسداد أو الانسداديين من الصوليين من الوحيد البهبهاني إلى الشيخ الأنصاري بل حتى صاحب المستمسك وكذلك استاذنا السيد الروحاني ولكنها تضاءل مسلك الانسداد بعد النائيني أو بعد صاحب الكفاية ، ولكن ثلاث قرون أو أربع قرون علاء الامامية كلهم انسداديين وهي مدرسة من مدارس الأصول ولها إيجابياتها العظيمة ولكن لها سلبياتها العظيمة ونحن لا نريد الخوض فيها الآن وهذا معلم مه ، فالذي وقف أمام المنهج الاخباري هم الانسداديون وليس الانفتاحيون ، هؤلاء الانسداديون مثل الشيخ جعفر كاشف الغطاء انسدادي وبحر العلوم والنراقي وأسد الله التستري وصاحب الجواهر وهلم جرا ، فهم أصوليون ولكنهم انسداديون ، فهؤلاء الانسداديون ليس خلافهم مع الاخباريين في الطريق والسند ، فإنه إذا كان الاخباريون يقولون بصدور كل الكتب الأربعة أو هي قطعية الصدور أو اعتبار الصدور على اختلاف الأقوال عندهم ، فالانسداديون يقولون كل كتب الحديث سواء كانت كتب أربعة أو عشرة أو عشرين كلّها معتبرة بدليل الانسداد ، مع ذلك قراءة تراث الحديث يوجد منهج أصولي ويوجد منهج إخباري ، والفارق بين المنهج الاخباري والمنهج الأصولي ليس هو قضية صدور الكتب الأربعة وعدم صدورها فإنَّ هذا غفلة ، بل أصل الخلاف هو أنه كيف تقرأ النص فإذا قرأت النص بسطحية قشرية فلها منهج اخباري ، أو أنك تجمد على اللفظ فها منهج اخباري أما إذا كنت تحلل وتفسر وتغوص في المعاني بضوابط وموازين فها منهج أصولي ، فالقضية ليست قصة طريق وسند ، كلا وإلا الانسداديون قائلون هم هؤلاء ، وقد ذكرت لكم أن الوحيد البهبهاني مرارا أن تشدده في الرعاية والحفاظ على تراث الحديث أشد من صاحب الحدائق كثيراً ، وأنجز مهمات في علم الحديث ورعاية ودفع شبهات وساوس عن تراث الحديث اكثر بكثير من صاحب الحدائق ، صحيح أن صاحب الحدائق عنده دورة فقهية وكذلك بعض الكتب العقائدية المهمة ونحن لا ننفي انجازاته ولكن بالقياس إلى الوحيد البهبهاني لا شيء ، اتفاقاً هذا المنهج الدقي في الطريق وغيره السيد الخوئي اتّبع فيه صاحب الحدائق ولم يتبع فهي الوحيد البهبهاني عيناً ولذلك السيد الخوئي يعتبر الدقة الرجالية لصاحب الحدائق أكثر من الوحيد البهبهاني أو غيره ، وأنا نظري بالعكس فإن الوحيد دقته أكثر من صاحب الحدائق، لكن منهج السيد الخوئي هو منهج صاحب الحدائق ، فالقصة ليست قصة الطرق وإنما قصة كيف تقرأ النص وبأي منهج فهل بمنهج أصولي أو بمنهج اخباري فإذا كنت تركز على الطريق فأنت تسلك نهج اخباري من حيث لا تشعر.

فعلى كلٍّ كنت في صدد ملامح المدرسة الانسدادية بلحاظ المصادر وأنه لماذا إذاً يبحث الفقهاء الضروريات والتسالمات ، أحد سلبيات المدرسة الانسدادية الأصولية أنها لا تبحث في المستندات كثيراً وإنما تكفيها دعوى الاجماع أو دعوى الشهرة كدليل لأنه يكفيها مطلق الظن وهذا سبب عدم الاكتراث بالمستندات والأدلة والنصوص بشكل وافر ، وهذا يجعل حتى الضرورات الفقهية تندرس وتنطمس لأنَّ الشيء الضروري لا يكفي أنه ضروري بل أحد أهداف الحوزات العلمية هو الحفاظ على علوم الدين وحقائق الدين من الاندراس ، وكيف لا يندرس ؟ بأنه حتى مستندات ودلائل الضروريات في الدين تصبح محل مذاكرة وتدريس بحث بمعنى أنه احياء الدلائل وإلا دليل واحد يكفي لإمامة أمير المؤمنين فلماذا العلامة الحيل يقول ألفي دليل ، فلاذا الفي دليل فهل هذه زيادة ؟ كلا هذه ليست زيادة وإنما هذه الضرورة بهذا الحجم يلزم أن تكون كل مستنداتها ناصعة وإلا تغيب حقائها فالبحث ليس في الجنب النظري فقط وغنما حتى الضروري يحتاج إلى احياء وابقاء ورعاية وشمولية وتفصيل وتفصّل ، فلماذا نقرأ القرآن فإنَّ الكثير من الضروريات في القرآن ؟ نحن نقرأ القرآن كي تبقى حية حتى لا يأتي شخص ويقول كلا إنَّ هذا أصل الضروريات في القرآن فيه جانب متغير فارفع يدك عن حدود العقوبات الموجودة في القرآن فإنها تاريخية ، وهذا الكلام مطروح ، كذلك الحجاب يقولون هو أمر تاريخي أو حرمة كذا هي أمر تاريخي ، فلاحظ أنها تتسبب عملية طمس حتى للضروريات ، ليس معنى أنَّ البحث والمباحثة والمفاكرة بين العلماء كلها نظرية ، كلا بل الكثير منها ضرورية ولكن لابد أن يبحثونها ولابد أن يحيوا دلائلها وأدلتها كي لا تنطمس وهذا من أحد سلبيات مدرسة الانسداد توكل على انجازات القرون السابقة وهذا لا يكفي من شهرة وغيرها ، بل عليك أن تلاحظ منشأ الشهرة ما هو منشأ الاجماع ما هو ، دلائله ما هي لذلك الكثير من فتاوى القدماء والمشهور المعاصرون خالفوها الزنا بذات بعل تتسالم عندهم نه حرمة ابدية ولكن الآن قالوا أحوط وجوبي أو استحبابي بينما الآن عندي رسالة لم أطبعها ولو أنَّ الجزء الثاني مطبوع منها في النكاح دلائل قرآنية للحرمة الأبدية بالزنا بذات بعل ، فلاحظ كيف أن قرآناً يُنسى ، نعم إذا لم تصر مدارسة ومذاكرة فسوف ينسى ، ينشغل بالأصل العملي والبراءة وغير ذلك وينسى ، وطبعاً ينسى لأنه بشر ، بينما يوجد عندي استدراك مخطوط على هذه المسألة وجدت ثلاثة عشر من الأعلام القدماء كلهم يصرح بأنَّ الدليل قرآني على الحرمة الأبدية بذات البعل على الزاني ، فهو قرآني ولكنه نسي فإنه بشر فإذا لم يتذاكر هذا فسوف ينسى ، البعض بقول لا يوجد نص واحد وإنما توجد رواية مرسلة من السيد المرتضى في كتب اسمة الطبريات وما شاء الله الاهمال إلى تراث الحديث إلى ما شاء الله تعالى ، ويقولون هذه النسخة مخطوطة موجودة في العتبة الرضوية ولم تطبع ، وكتاب الطبريات للسيد المرتضى لا نعلم به ولم يسافر أحد إلى مشهد حتى يطلع عليه فالمهم أنه يجري أصالة البراءة ، لذلك كثيراً ما قضية حتى الضروريات وحتى الواضحات في الفقه يلزم أن تبحث دلائلها ، لأنه قد يأتي جيل يغفل عنها أو ينسى أو ينشغل أو غير ذلك ، يقولون هذا ما ذكره إلا الاجماع والاجماع المنقول غير مقبول والاجماع المحصّل غير حاصل فإذاً نجري البراءة ، رحمة الله عليه العراقي أنا أنقل عنه بواسطتين وقف عند شط الكوفة للسيد اليزدي يريد أن يتناقش علمياً معه وهو من تلاميذ صاحب الكفاية وهما مدرستان متنافستان ، وأنا أنقل عن واحد عنه فهو وقف وقال له كيف تستند على الاجماع والاجماع غير مقبول ، فالسيد اليزدي قبل أن يدخل الشط ويسبح قال له سوف أذهب اسبح وارجع فإنه عندنا ثلاثمائة فرع ليس لها دليل إلا الاجماع ، وأنا أذكر لك ثلاثين منها ففكر لتحصيل دليل لها فعدد له ذلك ثم قال له أنا سوف أذهب أسبح وبعد ساعة أرجع وأنت أجبني عن ذلك ، وفعلاً احتار ضياء الدين العراقي ، وأنا في الحقيقة صناعياً في الدورتين الأصوليتين ذكرت هذه النكتة الصناعية وهي أنَّ الاجماع أو الشهرة ليست حجيته في نفسه وإنما حجيته أن منبه على لزوم الفحص عن المستند وقف عليه المتقدمون ، قد لا نوافقهم وإنما قد نخالفهم استنباطاً ولكن يوجد مستندا استندوا إليه فلا يجوز اجراء البراءة أو التمسك بالعمومات مع وجود شهرة قوية أو اجماع قوي ، بغض النظر عن وصوله إلى درجة الاطمئنان أو الكشف عن سيرة متصلى بعصر المعصومين ، فإنَّ الاجماع أو الشهرة هنا تصير حجيته بنفسه ، لأنّه حتى لو لم يبلغ الاجماع والشهرة القوية لم تبلغ الاعتبار في نفسها هي أدنى شيء ملزم صناعي ان تعطّل التمسك بالعموم أو الأصل العملي لأن الفحص ملزم ، فأنت إذا رأيت جمهرة من فحول الفقهاء سيما الطبقات المتقدمة أنهم ذهبوا إلى شيء فهذا محتمل عقلائياً أنه يوجد دليل يجب أن تفحص عنه ولا يهمك أن قال متأخري الأعصار أنه لا يوجد دليل بلعليك ان تفحص بنفسك ، الالزام بالفحص يجمّد لك الحجج سواء كانت عمومات أو أصول عملية لأنه لابد من الفحص ، شرط حجية الحجة هو الفحص عن حجة معارضة أو حجة مقدمة ، فأدنى فائدة صناعية في الشهرة الاجماع هي هذه ، فهي تلزمك بأجراء فحص مضاعف على الفحص الذي تجرية في موارد أخرى بسبب عقبة الاجماع أو الشهرة ، هذا هو الزام صناعي وليس قصة ترف علمي ، وكلامنا ليس في المدرك وإنما كلامنا أنه يجب أن تقف على المدرك وإن خالفتهم في الاستنباط ، ولكن يجب أن تصل إلى اطمئنان أنَّ هذا المدرك هو الذي استندوا إليه ، غاية الأمر أنت ليس ملزم بتقليد استنباطهم ولكن لابد أن تقف على هذا المدرك فإما أن تخطئهم أو توافقهم أو تفصّل ، لا أنك تقول أصلاً لم أشم رائحة لما ادّعوه ، كيف يكون ذلك ؟!! كلا فإنَّ فحصك ضعيف فإنَّ مسألة بهذا الوضوح وهي الزنا بذات البعل توجب الحرمة متسالمين عليها وأنت تقول لا يوجد دليل بل أحوط وجوباً ، ففي الجيل اللاحق تصير أحوط استحباباً مع أنَّ دليلها قرآني ، وهذا منبه على عدم استيفاء الوسع في البحث ، مثلاً هو يستنبط ولكنه لا يذهب ويرى ما هو موجود في كتاب الجواهر ، أو كتاب كاشف اللثام أو المسالك وإنما يذهب إلى كتاب المستمسك أو تنقيح السيد الخوئي فإنَّ هذا ليس بحثاً علمياً ، وهذا تقصير واضح في البحث العلمي ، بل عليه أن يلاحظ الدورات المتقدمة كالمبسوط ، أصلاً قد في عمره لم يفتح كتاب المبسوط للشيخ الطوسي والحال انه توجد فيه قواعد واستدلالات ، فعلى كلٍّ هذا بحث الفحص مهم جداً.

نعود إلى أنه في موضوع هذه المسألة وهي بيع السلاح على أعداء الدين هذه لفظة ( أعداء الدين ) ما هو مراد الفقهاء منها ؟ ، فأيّ كلمة يأتي بها الفقهاء في عنوان مسألة يجب أن نفهمها ، وإذا لم نفهمها ولم ننقحها صار البحث ناقصاً وفيه قصور.

الرواية الأولى:- وهي صحيحة أبي بكر الحضرمي ، وهي في الباب الثامن من أبواب المكاسب المحرمة تحريم بيع السلاح والسروج لأعداء الدين ، قال:- ( دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فقال له حكم السرّاج:- .... ) والسروج تعتبر أيضاً من الآليات الحربية وإن كانت هي آلية للدواب باعتبار أنَّ الدواب والفرس يستخدم في الحروب فهذا مما يدل على أنَّ المراد من السلاح ليس خصوص القاتل وإنما المراد كل ما يدخل في معونة القوة وبالتالي هنا لاحظ أن الموضوع يستسع وليس خصوص الشيء القاتل منت الأسلحة بل كل ما يؤثر في موازين القوى بالتعبير العصير ، ( دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فقال له حكم السراج:- ما تقول في من يحمل إلى الشام السروج وأداتها ؟ فقال:- لا بأس ) ، و ( يحمل إلى الشام ) يعني المعسكر الأموي ، فإذاً محل البحث هو الطرف الآخر ، فمحل الرواية هو الطرف الآخر من الداخل ، أي من دار الاسلام ، ( ما تقول في من يحمل إلى الشام السروج وأداتها ، فقال:- بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنكم في هدنة ) ، فالرواية أخذت عنوان الهدنة مع الطرف الآخر ( فإذا كانت المباينة ) وهنا عنوان ثاني ، ولم يقل ( إذا كانت الحروب ) وإنما قال ( المباينة ) ، وقد ذكرت لكم أنَّ جملة من محشي المكاسب المعاصرين قالوا إنه بعدما أقيمت دول على دار الايمان هنا تصدق درجة من المباينة ، بعضهم فسّر هذه المباينة ليس بهذا التفسير فقط ، بل حتى إذا أراد الفقيه أن يفسّر هذا العنوان الذي هو جعل عنواناً للتفصيل المباينة كيان الايمان وكيان غير إيمان من بقية المسلمين نظام قائم على دار الايمان بغض النظر عن الأمور الأخرى ونظام قائم على الطرف الآخر هذه الحالة جملة من الفقهاء قالوا هذه درجة المباينة ، وبعضهم فسّر المباينة بالتوتر الحاصل بين الطرفين ، وأي التفسيرين أصح ؟ ، قد ذكرت في مبحث سابق ولعله في الأصول وكتاب البغاة باب فقهي وهو مهم لمعرفة آراء الفقهاء وأقوالهم وأنظارهم في التعايش الداخلي بين مذاهب المسلمين ، أحد الأبواب المهمة التي سلط الفقهاء فيها الضوء على الأدلة في نظام ومنظومة التعاون بين المذاهب هو في باب البغاة هناك شرحوا معنى المباينة بهذا الشرح حيث قالوا الخوارج أو غير الخوارج التي تخرج على نظام إيمان معاوية بعد هدنته مع الامام الحسن فالإمام الحسن حينا هادن معاوية أو صلح يعني القوى العسكرية أو اتباع الامام الحسن عليه السلام لم يسلّموا أسلحتهم إلى النظام الأموي ، فإنَّ الأسلحة السيوف والدواب والعدة لاتباع الامام الحسن بقيت على حالها ، يعني أنَّ الامام الحسن عنده ميلشيا ومعاوية كنظام عنده ميليشيا أيضاً ، هذه بقراءة عصرية يجب أن نقرأها ، وليس بناءنا أن امام الحسن عليه السلام أخذ علماً وردياً ورفعه ، كلا بل في نظام واحد هذا له امتداداته العسكرية والأمنية والأموال وغير ذلك ، بل واشترط الامام الحسن عليه السلام على معاوية أنَّ قسماً من بيت المال يأتي إلى هذه الجهة وليس تلك الجهة فقط ، يعني مثل أحزاب معارضة أو تقاسم السلطة ، نستطيع أن نعبّر عن صلح الامام الحسن عليه السلام نوع تقاسم السلطة ، هذه عبارة جديدة مجهرية عن واقع صلح الامام الحسن عليه السلام وهي تقاسم سلطة صراحة ، لأنَّ أسلحة اتباع الامام الحسن عليه السلام بقيت على حالها وامتداده ونفوذه وهو يتهيب منه ، كم في مساجلات سياسية على المنبر يعني على الشاشة العامة والمحفل العام في المدينة المنورة أو في الكوفة معاوية يهدئ الوضع ويقول لا تثيروا علينا سيوف بني هاشم ، وهذا يعني أنَّ الامام الحسن عليه السلام عدته العسكرية بيده موجودة ، صلح بين فريقين عسكريين أو سياسيين هذا هو الواقع وهذه نكتة مهمة جداً ، لذلك بعبارة أخرى نسمّي صلح الامام الحسن عليه السلام تقاسم سلطة ، لا أنه عَلَمٌ وردي رفعه الامام الحسن علي السلام كلا أبداً ، وهو لم يتخلَّ عن قوته ولذلك لم يستطع معاوية أن ينصب تبنه يزيد والامام الحسن عليه السلام حي ، لأنه توجد هدنة وصلح وتقاسم سلطة وأنَّ الامام الحسن يلي بعد معاوية ، فما استطاع معاوية ذلك لذلك توسك بالاغتيالات المافوية الخفية لتصفية الامام الحسن ، فإنه لا يستطيع التصفية العسكرية بأن يأتي مسلحون يقبضون على الامام الحسن عليه السلام مثل ما كان الأمويون يقبضون على الامام الصادق أو الباقر أو الكاظم عليهم السلام ويأخذونه معتقلاً ، أبداً ، لأنَّ الامام الحسن لم يصير يداً عزلاء ، وإنما كانت قدرته بيده ، فلنصحح قراءة التاريخ لأنها قراءة مغلوطة عندنا كثيراً ، وهذه تؤثر حتى في الاستنباط الفقهي.

ولشرح كلمة ( مباينة ) الواردة في الرواية كي لا نمر عليها مروراً سطحياً ذكرها الفقهاء في بحث البغاة ونحن نريد شرح هذا المطلب ، فإنَّ معاوية استنجد بالإمام الحسن عليه السلام عدة مرات - وهذا بحث فقهي مرتبط ببحثنا - لقتال الخوارج ، فرق عسكرية ميليشيات تخرج تزعزع الأمن وهو يريد طابع مدني في حين عسكري ولكن هذه فرق مسلحة يصعب ضبطها ، فعدة مرات أصر على الامام الحسن عليه السلام يستنجده ، فقال له الامام الحسن عليه السلام لو أرت أن اقوم بأنشطة عسكرية فأول شيء سوف أُواجهك أنت وليس الخارج ، ولماذا وما هو الفرق الذي صار فإن الامام علي عليه السلام واجه الخوارج لكن الامام الحسن لم يواجه الخوارج بوصية من أمير المؤمنين ؟ لأنَّ الخوارج خرجوا عن بسط النظام الأموي ولم يخرجوا عن بسط النظام العلوي في عهد معاوية ، أما في زمن أمير المؤمنين فهم خرجوا عن النظام العلوي فتصير مواجهة عسكرية ، أما في زمن معاوية فهم خرجوا عن النظام الأموي ، فلاحظ أنه كم بيّن الامام الحسن عليه السلام قاعدة عجيبة في باب البغاة ، أنت تريد أن تحارب بغاة أو ميليشيا عسكرية تخرج عن النظام المدني تحت راية نظام أموي فإنَّ هذا لا يجوز ، فهذه نكات يلزم أن نلتفت إليها جداً.

ففي بحث البغاة قال الفقهاء إنَّ المباينة يعني أن تخرج فئة عن السلطة العسكرية والأمنية لنظام الوالي العادل وليس الوالي غير العادل ، هذه هي كلمة مباينة ، فالمباينة يعني ذهاب الخوارج إلى النهروان هي مباينة عن نظام أمير المؤمنين لأنهم في قطر في الأرض الاسلامية وفي دار الاسلام يشكلون دويلة اسلامية على حدّ تعبيرهم ، هذه عبر عنها الفقهاء مباينة فالمباينة واضحة إذاً المراد بها كيانين.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo