< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة وجوب دفع المنكر

حان الأوان للتعرض للطوائف الثلاث على ضوء نتيجة القواعد التي مرت:-

الطائفة الأولى:- وهي ما في الباب التاسع والثلاثون من أبواب ما يكتسب به تحريم اجارة المساكن والسفن للمحرمات:-

الرواية الأولى:- السند إلى عبد الله بن مسكان صحيح عن عبد المؤمن والمتبادر أنه معتبر عن صابر أو جابر ، فإنَّ كان صابراً فيستحسن حاله ، وأما جابر في هذه الطبقة فهو مجهول مثلاً ، وإجمالاً هذا السند ليس بمنتهى الضعف فإنَّ تمييز المشتركات في علم الرجال يمكن التوصل إليه ، ولأنَّ الروايات كثيرة في الباب لا نكترث بسندٍ دون سند لأنَّ المجموع مقداره يولّد وثوقاً ، ( قال:- سألت أبا عبد الله عن الرجل يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، قال: حرام أجره ) ، الآن نصّ الرواية إذا فسرت الفاء في قوله عليه السلام ( عن الرجل يؤاجر بيته فيباع ) للعطف والتفريع والصدفة فالجواب هو أنَّ حرمة الأجر والعوض على خلاف القواعد ، لأنه يؤجرها لمنفعة محللة والمنفعة تصرف في الموارد المحللة ولكن هذا المستأجر أساء واستعملها في المحرّم ، وهذا لا يسري إلى نفس الخلل في الاجارة ، مثل انسان يبيع سكيناً على مشترٍ ولكن هذا المشتري يستعمل هذه السكين في الجنايات فقط فهذا لا يسبب بطلان بيع السكين ، لأنَّ لها منافع محللة وليست منحصرة بالحرام.

فلاحظ أن كلامنا في هذه الخطوات الاستنباطية التي يلزم الالتفات إليها ، وهي ملكة الاجتهاد والاستنباط وضوابط الاستنباط ما هي ، فهنا بالدقة لاحظ الفقهاء ينقح القواعد التي ذات الصلة بالمسألة ما هي لذلك يعبرون في أوّل بحث المسائل في الاستنباط هو مقتضى القاعدة ، فيرون القواعد هنا ما هي قم بعد ذلك يرون نصوص خاصة تخرجنا عن القواعد أو أنها يمكن أن تؤوَّل وتطبَّق على القواعد ، هذا هو رسم الفقهاء ، وهو يعني أنَّ محكمات فقه الفروع فقه الكلام فقه السيرة المحكمات هي الأصل لا يعدل عنها إلا بدليل ، وهذا معناه تحكيم المحكمات ، نعم المحكمات هي طبقات لا أنَّ هذا النص الخاص يعوّل عليه أنه دين ومنجّز ومعذر بلغ ما بلغ ، فلاحظ هذا هو الفرق بين منهج الفقهاء ومنهج المحدثين ، منهج الفقهاء والمجتهدين والأصوليين ومنهج الاخباريين لا أن النص الخاص هو كل شيء ، والسند في النص الخاص ليس هو كل شيء ، بل يلزم ملاحظة المضمون وهل أنه ينطبق مع القواعد أو لا ، وهل هو متباين أو مخصِّص فإذا كان متبايناً فيؤول او يطرح أما إذا كان خاص وعام فله وجه ، وقد يكون لا خاص ولا عام وإنما قد يكون وفاقياً فتعال فسّر الفاء كيف هي ، تعال فسّر التركيب اللفظي كيف هو فهل هي فاء تفريع أو هي فاء شرطية داخل مورد التعاون ، فلاحظ كيف هو تفسير الرواية.

فهذه نكات حينما ننادي بأنَّ المضمون هو الأصل وننسب ذلك إلى المشهور وينادي به الشيخ الفيد والسيد المرتضى بأعلى صوته وغيرهم هذه الدعوى مستندة إلى نفس هذا المطلب ، أنه نفس الفقهاء مضطرون إلى بحث مقتضى القاعدة أولاً ، لا أنَّ مقتضى النص الآن مثلاً ( من ترك الصلاة فهو كافر ) فأيّ كفر هو هذا ، فالوهابية والخوارج عملوا بهذا النص بلغ ما بلغ ، ولكن يلزم الالتفات إلى أنَّ المدخل إلى الإيمان ما هو والمخرج من الإيمان ما هو ، وهل الكفر درجة واحدة أو أنه درجات ؟ ، فلاحظ أنه بعيداً عن النص الخاص أنت يلزم أن تلاحظ النظم ومنظومة القواعد في الدين ما هي وفي الفقه ما هي الضرورات في القه ما هي والقواعد العامة دون الضرورات مقتضاها ما هو ثم تأتي إلى النص الخاص وتقول ( من ترك الصلاة فهو كافر ) بأيّ معنى من الكفر ، لا أنك تريد أن تستخرج من النص الخاص ميزان الكفر بلغ ما بلغ فإنَّ هذا لا يمكن وهو غير معقول ، وهذا هو معنى تحكيم المضمون في اعتبار الحديث في الركن الركين ، لا أننا نحكّم الطريق صحيحاً أو ضعيفاً ، بل يلزم أوّلاً أن تلاحظ المضمون ثم بعد ذلك تصل إلى الطريق وهلم جرا ثم الكتاب الذي تأخذ عنه ، الكتاب الذي تأخذ عنه هو بنية الطريق ، كيف تقول الطريق صحيح بل ثبت العرض أوّلاً ثم انقش ، بل قل الطريق هذا أو ذاك كي تصفه بالصحة ، فمنطقياً صحة الكتاب موضوعياً بنيوياً مقدمة على صحة الطريق ، لأنَّ الطريق أيّ طريق أنت تقصده ومن قال لك أن هذا الكتاب لم يعبث به ولم تختلف النسخ فيه ، فانت ثبت العرش ثم انقش ، اثبت أن الطريق هو هذا أو هناك طريق آخر للحديث بعلم الدراية وعلم الحديث ، ولذلك علم الدراية وعلم الحديث مقدم على علم الرجال بعد ذلك تصل النوبة إلى الطريق صحة وضعفاً ، أصلاً هذا تسلسل منطقي ومبنى الفقهاء هو هكذا ، النداء بغير هذه العملية صراحة هو منهج اخباري ونحن لسنا في صدد التقاذف ، وإنما نقصد أن المنهج هو هذا وهي قضية نقاش علمي فإنَّ المنهج العلمي وهو منهج الأصوليين والفقهاء والمجتهدين أولاً يلاحظون المضمون أما انك تعمي نظرك العقلي عن المضمون وتقول الطريق بلغ ما بلغ فإنَّ هذا منهج محدثين واخباريين من دون ترديدي ، طبعاً الاخباريين الحشويين وليس المحققين منهم فإنَّ المحققين منهم متفقون منع الأصوليين ، وأقصد أن الانسان حينما يتابع الفقهاء يحلل كيف هي خطواتهم الصناعية الاستنباطية حتى يلتفت إلى المناهج والمباني ما هي فإنها ليست شعارات.

فلاحظ هنا الرواية تقول ( سالت ابا عبد الله عن ارجل يؤاجر بيته ) ، فإذا جعلنا ( فيباع فيه ) يعني يؤاجر بيته يعني مثل ليباع فيه أيّ أنَّ محل التعاقد ( فيباع فيه خمر ) فطبعاً الجواب هنا على القاعدة ، لأنه آجر البيت في حصّة من المنفعة وهي المنفعة المحرّمة ، لذا هنا حملها المشهور على هذا ، يعني قيَّد في نفس مورد التعاقد أنه يؤاجر بيته فيباع فيه الخمر ، يعني هو ضمن مورد التعاقد ، ( يؤاجر بيته فـيباع فيه ) يعني ليباع فيه ، وهذا هو تعاقد على خصوص المنفعة المحرّمة أنَّ البيت يستخدم حانوتاً لبيع الخمر فهنا الأجرة حرام ، لأنه ( إذا حرم الله شيئاً حرم ثمنه ) ، فلاحظ أنهم يلاحظون القواعد ثم يفسّرون النص الخاص على ضوئها ، زيارة الأربعين هل فيها نص خاص وكان النص الخاص هو الدين ، كلا ، بل النص العام هو الدين ، النصوص المتواترة هي الدين فإذا جاءك نص خاص لا يتفق مع التواترات والضرورات اطرحه ، مع وجود نص خاص في زيارة الأربعين ولكن مقصودي ليس اصل من الخصوصات وإما أصل التشريع من الضرورات والقواعد فإنَّ أصل التشريع بمثابة دستور فوقي مهيمن يقرأ النصوص الخاصة كأنما هي نصوص بلدية أو محافظات مثلاً لا أنه نص دستوري ، فلا تنقلب الآية عندنا في منهج الاستنباط فإنَّ هذا خطأ لأنَّ هذه صناعة مهمة ، عدم الوعي الصناعي كارثة وأزمة في الاستنباط وتصير أزمة حتى في الفكر الديني.

فإذاً هذه الرواية الأولى الخاصة لم نخرج فهيا عن القواعد وحسب المشهور ونعم ممشاهم.

الرواية الثانية:- وهي صحيحة ابن أذينة قال:- ( كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن الرجل يؤاجر سفينته أو دابته ممن يحمل فيها أو عليما الخمر والخنازير ، قال: لا بأس ) ، وأوّلاً هنا نلاحظ تفسير متن الرواية ، فهو قال ( يؤاجر سفينته أو دابته ممن يحمل ) فهو لم يقل ( ليحمل فيها وعليها الخمر والخنازير ) وإنما قال ( ممن ) فإذاً المنفعة مطلقة وليست مقيّدة ، وإذا كانت مطلقة فالإجارة صحيحة على القواعد.

نأتي من باب الاعانة على الحرام أو الاعانة على الاثم أو التعاون على الاثم ، فهنا لم يفرض التعاون ، لأنه لا يوجد تواطؤ ، فإنَّ القصد على الاعانة يعني التواطؤ ، وفي الرواية لم يفترض حتى يصير تعاوناً.

يبقى أنه إعانة أو وجوب دفع المنكر كيف نوفق بين هذه الرواية وبين قاعدة وجوب دفع المنكر أو حرمة الاعانة على الاثم ؟

والجواب:- أنه أو لاً كما مرّ هنا ( من يحمل عليها أو فيها الخمر ) يعني ممن يعرف عنه أنه يشرب الخمر أو ربما عمله هو هذا ، فالمهم من عمله هو هذا ، فهنا لا يوجد علم تفصيلي وإنما يوجد علم طبعي ، يعني بحسب الطبيعة العادة الغالبة ، فإذا كان هكذا فكون قاعدة وجوب دفع المنكر أو حرمة الاعانة تقتضي الحرمة مرّ بنا أنَّ فيها نقاش ، فتارة شركة خمور والعياذ بالله تأتي وتعقد صفقة مع بيّاع العنب هذا ، فهنا واضح أنَّ وجوب دفع المنكر صحيح والبيع فيه إشكال ، أما إذا كان المراد ( ممن يحمل فيها ) يعني عادةً هذا لا أبالي ويحمل وعمله هكذا ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الاجارة سيستخدمها في هذا المجال ، فـ( ممن يحمل ) يعني أنَّ شأنه هو هذا وصفته هي هذه ، ليس ( قد ) فإنَّ ( قد ) يعني احتمال أنه سيفعل هكذا ، وتارةً صفة مشبَّهة ، يعني أنَّ طبعه هو هذا ولكن في خصوص هذا المورد لا أعلم ، شبيه ما ذكره الفقهاء في المكاسب المحرمة وسيأتي أنه إذا كان شخص عنده مصدر حرام لأمواله ومصدر حلال كأن كان ثمانون بالمائة من أمواله حرام وعشرون بالمائة من أمواله حلال ، وليكن ذلك ، ثم أعطاني هدية أو دعاني إلى داره أو تعاوضت معه فهنا يقولون هذا جائز ، وفي ذلك نصوص موجودة ، ولماذا هو جائز ؟ لأني لا أعلم بأنَّ هذا المال الذي أعطانيه بالخصوص أنه من الحرام أو من الحلال ، لأنَّ الباقي ليس محل ابتلائي ، فهنا أجري قاعدة اليد بلا معارض ، نعم تارةً يقول لي هذه الخزينة الموجود اذهب وخذ منها ما شئت وأنا أعلم أن خزينته فيها حلال وفيها حرام فهنا لا يجوز الأخذ ، او افترض أن عنده بضاعة ومقدار منها حرام ومقدار منها حلال وقال لي خذ منها فهنا لا يجوز نها كلها محل ابتلاء فالعلم الاجمالي هنا يصير منجزاً ، ومرة هو يجلب لي ثلاجة فأنا لا أعلم أنه مغصوبة أو هي حلال فهنا يقولون تجري قاعدة اليد تجدل على الملكية ، ولو قيل لماذا لا تتعارض هنا فإنه يوجد علم أجمالي ؟ لأنَّ قاعد اليد لا تجري في الطرف الذي ليس محلاً للابتلاء ولم يفسح لي مجال على أن تصير محل ابتلاء كي تجري قاعدة في هذا وتعارض قاعدة اليد في ذاك فيتساقطان ، لأنه عندي علم بأنَّ مقداراً من العوض ليس ملكا له ، وهذا شبيه ما سيأتي بحثه هنا أيضاً الأمر كذلك ، الآن هذا من أنه ولكن الآن بهذا التفصيل وفي هذا المورد لا يوجد عندي علم ، أما أني أوقف عملية الحركة التجارية لأجل أني محتاط في هذا المورد وذاك المورد فهذا غير صحيح ، أما الوالي والحكومة فهذا بحث آخر ، أما التعامل الفردي فلا ، ولو أنَّ المسؤولية العامة على الكل فهذا صحيح ، ولكن بشكلٍ منظومي نظامي أني أأتي وأراقب الأمور فلا ، فهذا شأنه أنه هو من يحمل الخمر ويتعاطى مع الخمر والخنازير ولكن في هذا المورد لا يوجد علم تفصيلي ، فجملة من المشهور حملوا الرواية على هذا لا بأس به.

وأنا نسيت أن أذكر نتيجة نهائية في القواعد لم اذكرها لا بأس أن نذكرها:- وهي أن قاعدة وجو دفع المنكر أو حرمة الاعانة على الاثم غاية الأمر هي حرمة تكليفية وليست وضعية ، فإن اقتضت فهي تقتضي الحرمة التكليفية ولا تقتضي فساد المعاملة ، إلا في بعض الصور الآن لسنا في صدد التعرض لها ، وقد ذكروها في علم الأصول في باب النهي التكليفي عن المعاملة يقتضي الفساد وهو النهي الوضعي ، النهي يقتضي الفساد يعني النهي التكليفي ، و ( يقتضي الفساد ) يعني يقتضي النهي الوضعي ، الحرام التكليف يعني نفسه النهي التكليفي ، هل النهي عن المعاملة يقتضي الفساد ؟ يعني هل النهي التكليفي والحرام التكليفي عن المعاملة يقتضي الفساد يعني هل يقتضي النهي الوضعي والحرام الوضعي أو لا أو فيه تفصيل ، هذه معركة آراء لطيفة يلزم مراجعتها المرات بعد المرات كي يدقق فيها صناعياً ، في بعض الصور وفي بعض تلك التفاصيل ، نعم النهي التكليفي قد يستلزم في بعض الصور ذكروها هناك يستلزم الفساد الوضعي وإلا في طبعة لا يقتضي ذلك ، طبعاً إذا كان النهي التكليفي طارئ على المعاملة ، طبعاً الانسان يتجنب الحرمة التكليفية ولا يستسهل بها ولكن المقصود أنه لا توجد حرمة وضعية.

ويوجد مثال آخر وهو محل ابتلاء يسأل عنه الاخوان:- وهو القرض ربوي هل يقتضي الفساد أو لا ؟

طبعاً الربا فاسد ، أما أصل القرض فليس بفاسد عند أحد القولين المشهورين ، ففي باب عقد القرض في القرض الربوي هناك قولان مشهوران عند الأصحاب ، قول المحقق الحلي وقبله وبعده جماعة يقولون إنَّ أصل القرض يصير فاسداً ، والقول الآخر وهو الصحيح وهو مشهور أيضاً قالوا إنَّ القرض صحيح لكن الشرط والزيادة هي فاسدة وباطلة وحرام تكليفاً ( درهم من الربا كسبعين زنية بذات محرم في الكعبة ) ، فهو بالتالي مفاسد الربا تجرّ إلى المفاسد العجيبة وسرطان في الاقتصاد ، فالمقصود أنَّ باب القرض على القول الآخر المشهور إذا ارتكب كلا الطرفين قرضاً ربوياً فأصل القرض ليس باطلاً وإنما هو صحيح وضعاً ، الحرام التكليفي والحرمة الوضعية والتكليفية هي في الشرط الزائد لا في أصل القرض ، طبعاً هذا لا يبرر التهاون في الربا ولكن المقصود أنه يلزم أن يفكك الانسان ، نعم يوجد قول آخر أيضاً هو مشهور أنَّ أصل القرض فاسد ، هنا نظير ما نحن فيه أنه إذا أثبتنا القواعد وجوب دفع المنكر قاعدة تكليفية وحرمة الاعانة على الاثم قاعدة تكليفية غاية الأمر تكليف وليس وضعاً إلا في بعض الصور التي ذكروها استثناءً في علم الأصول النهي عن المعاملة يقتضي الفساد ، معادلات تتركب مع بعضها البعض لذلك هنا في صحيحة ابن أذينة أيضاً نفس الكلام للأعلام فسّروها ، ( ممن يحمل فيها أو عليها الخمر والخنازير ، قال: لا بأس ) يعني شأنه هنا لا أنه بالفعل الآن يعمل هذا لأنه لو كان بالعفل فقصد يكون موجوداً ويكون نوع تواطؤ عملي وهذا لا يجوّزه المشهور ولا يسوغونه ، وإنما يدخل في التعاون على الاثم ، وحتى لو دخل فسوف يكون تكليفياً وليس وضعياً إذا لم يقيد مورد الاجارة بالمنفعة المحرمة ، فلاحظ كم صورة وكم شق في بحث التعاقد والعقود ، وليس بشكل عشوائي يصير تنقيح البحث.

إذاً الباب التاسع والثلاثون ليس فيه شيء يخالف القواعد أو يصطدم مع القواعد أو يرفع اليد عنها.

طبعاً الرواية الأخيرة هي حساسة لأنه يوجد فيها ( يحمل ) ولكنها لا تفسّر أنه يعلم بخصوصه فلاحظ أنهم حاولوا أن يلائمون بين القواعد ومفاد صحيح ابن أذينة في الاجارة.

الطائفة الثانية:- وهي في الباب الحادي والأربعين من أبواب ما يكتسب به ، وقد عنونه صاحب الوسائل بتحريم بيع الخشب ليعمل صليباً:-

الرواية الأولى:- صحيحة عمر بن أذينة:- ( قال:- كتبت إلى أبي عبد الله عليه السلام أسأله عن رجل له خشب فباعه على من يتخذه برابط[1] ، فقال: لا بأس به ) ، فهذه الصحيحة تقول ( باعه من يتخذه ) نفس ( ممن يحمل ) أي شأنه ، نفس الرواية أو نفس الراوي سواء في نفس المجلس أو في مجلس آخر ، ( وعن رجل له خشب فباعة ممن يتخذه صلباناً ، قال: لا ) أي البيع لا يجوز ، وما هو الفرق ، فإنه في نفس الرواية فصّل أو أنهما روايتان سألهما الراوي في مجلسين أو افترض أنهما في مجلس واحد أو في نفس المكاتبة أو في مكاتبة ثانية.

فأيّاً ما كان سواء كانت مكاتبة واحدة أو مكاتبتان في هذا الرواية أنه لماذا التفصيل بين بيع الخشب ممن يعلمه آلات موسيقية وبين بيع الخشب ممن يعمله صلباناً ؟

يوجد توجيه من التوجيهات:- منها أنَّ الفساد الأخلاقي ، وهذا من الواضح حسب موازين الفقه من الواضح أنَّ الضلال العقدي عند الشارع أخطر من الضلال الأخلاقي ، صحيح أنَّ الضلال الأخلاقي أثام وتجاوزات وغير ذلك هذا صحيح ولكن عقيدته سالمة ، فهذه العقيد سوف تنتشله وتُرجِعه ، أما إذا كانت يوجد عنده انحراف عقائدي فهذا لا يسبب له انحراف أخلافي واحد فقط بل يفتح له باب اللا أخلاقيات على مصراعيه ، لأنَّ أصل المفتاح قد ذهب ، فلاحظ كيف هي أهمية العقائد على الاخلاق ، فهنا جماعة من الأعلام قالوا في مورد الفساد العقائدي نعم نلتزم بأن وجوب دفع المنكر دائرته وسيعة وهي تجفيف أصول الضلال ، أما في الفساد الأخلاقي تشدد الشارع ليس مثل تسدده في الفساد العقائدي.

وهذا الوجه من الجمع متين لأنه الراوي قال ( ممن يتخذه لصنع الآلات الموسيقية ) وقال ( ممن يتخذه لصنع الصلبان ) ، يعني نفس القصة ، يعني أنَّ هذا هو شأنه لا بالتفصيل ، ولكن في موارد الضلال العقائدي يوجد تشدّد وحيطة ، فقاعدة دفع المكر أوسع هنا وإن كانت الاشكالات الأخرى التي أشكلت على قاعدة وجوب دفع المنكر تندفع ولكن كما مرّ لا أنه يعمل بها بلغ ما بلغ بل في حدود أو درجات بحسب درجات المنكر مجموعي أو انحلالي أو غير ذلك وأنَّ له أهمية أو ليست له أهمية.

فهذا المقدار من الصحيحة أيضاً ليس متعارضاً مع ما تقدّم وما سيأتي على التوجيه الذي مرّ ، ولا بأس به ، أما بقية الروايات فسنلاحظها قليلاً قليلاً.

 


[1] البرابط نوع من الآلات الموسيقية والظاهر أنه الطبل.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo