< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/06/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: قاعدة وجوب دفع المنكر.

كنا في هذا المبحث باعتبار أن قاعدة وجوب دفع المنكر في مسألة بيع العنب على من يعلم أنه سيصنعه خمراً وكمثال عام وليس حصراً بها المثال في أن يعقد البائع أو المستأجر أو غير ذلك وإن شاء الله تعالى في نهاية المطاف نجرد بعض التقسيمات والصور ، يعني معاوضة أي معاوضة يتعاوض بها مع الطرف الآخر ويعلم أن هذا العوض في نفسه في أي معاملة افترضناها في نفسه له منافع محللة ولكن الطرف سينتفع بها في منافع محرمة فهل يجوز أو لا ؟ فبحث الأعلام من ضمن الأدلة المرتبطة بهذه المسألة العامة وجوب دفع المنكر وحيث إنَّ مسألة وجوب دفع المنكر مسألة مرتبطة ببحث الواجب الكفائي فهنا الأعلام باعتبار أن جملة منهم حيث أنهم نقّحوا البحث في وجوب دفع المنكر بأنها قاعدة في الوجوب ففي الوجوب الكفائي إذا علم بأن البقية لم يمتثلوا فلا ملزم له أن ينبري ويبادر لامتثال وأداء الواجب الكفائي ، هكذا قيل ، فمن ثم هذا سواء بعته أو لم أبعه فإنَّ البقية سوف يبيعونه لأنَّ العنب متوفر في السوق ، أو أني لم أؤجره هذه الدار فالآخرين سوف يؤاجروه فسواء آجرته أو لم أؤاجره لن يُسدّ باب المنكر ، فمن ثم إنما يحرم على البائع أو المؤجر إذا انحصر ألم به أو كان هو من الأول ليس منحصرا به ولكنه قاصداً لهذا العاقد الذي سيثمر عن انتفاع محرم من الطرف الآخر وقصدي الاعانة ، فالمشهور في هذه المسألة التزموا بالحرمة في خصوص هاتين الصورتين ان ينحصر به أو يقصد هو الاعانة ، وحملوا وحاولوا أن يجمعوا الطوائف الثلاث على هذه الشاكلة فجماعة كثيرة من الأعلام ربما قرروا المسألة هكذا أو فسّروا كلام المهور بهذا النمط ، فمن ثم هنا محشي المكاسب من الفحول حاولوا أن هذا التفسير لفتوى المشهور غير صحيح ، وسنفسره لأنهم جمعوا بين الطوائف الثلاث التي قرأناها وسنعاود قراءتها مرة أخرى في نهاية المطاف بقرائن لفظية أو بغير ذلك فهذا بحث آخر ، فوجوه الجمع النهائية سنتعرض إليها ، استعراض قائمة وجوه الجمع التي ذكرها الأعلام ، أما أن نجمع بهذه القرينة وهي قرينة كفائية وجوب دفع المنكر فهذه القرينة غير صحيحة لأنَّ حقيقة الواجب الكفائي والمسؤولية العامة ليس كما قرر الذي خلاصته ذكرناها مراراً وهو أن الوجوب في الواجب الكفائي غير معلق على الآخرين بل حسب تصوير السيد اليزدي لا هو مقيد ولا معلق وهذه نكتة نفيسة يجب أن لا نغفل عنها في عموم الواجبات الكفائية وهي حساسة جداً ، والنكتة الثانية التي نقحها لا سيما السيد اليزدي أنَّ الواجب الكفائي غير مرهون ومرتبط ومعلق بعمل الآخرين خلافاً لما هو شائع خطأً في الأذهان ، لأنَّ حقيقة الواجب الكفائي هو الاعداد والتهيؤ وليس نفي العمل المجموعي فإن العمل المجموعي في نفسه غير مقدور ولا أنَّ عملي يواكب اندفاعي ومبادرتي تواكب تقارن مبادرة الآخرين فإن هذا غير مقدور أيضاً فلا يمكن أن يكون هو متعلق الواجب الكفائي ، وإنما الواجب الكفائي هو أمر بالاستعداد واعداد الآخرين ﴿ وحرض المؤمنين على القتال ﴾ هذه ﴿ حرّض المؤمنين على القتال ﴾ ليس خصوص القتال كواجب كفائي بل كل الواجبات الكفائية هكذا ، ﴿ يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين ﴾ ، ﴿ وحرض المؤمنين ﴾ أو ﴿ لا تكلف إلا نفسك وحرّض المؤمنين ﴾ طبيعة الواجب الكفائي هي هذه أن تنبري أنت بنفسك ، ﴿ قوا أنفسكم وأهليكم ﴾ من هذا القبيل و ﴿ وأعدوا ﴾ وهلم جرا ، هذه نكتة نفيسة جداً ذكرها السيد اليزدي وغيره في حقيقة الواجب الكفائي ، فإذاً هذا التصوير لحقيقة وجوب دفع المنكر غير صحيحة.

النقطة الثالثة في الواجب الكفائي التي هي نفسية وأهم من هذا البحث لأنها تجري في بحوث كثيرة من المسؤوليات العامة والمسؤوليات العامة مرّ بنا مراراً هي ترجمة أخرى للواجب الكفائي نفس الاصطلاح العصري المسؤولية العامة تسمى الواجب الكفائي ومرّ بنا أمس أنه عند كلمات الأعلام من فحول محشي المكاسب:- أنَّ الوجوب الكفائي مع أنَّ مسؤوليته عامة اعظم وأخطر عند الشارع من الوجوب العيني لن تلك مسؤولية فردية.

وقبل أن نكمل كلام السيد الخميني أيضا في نفس هذا المضمار وهو مفيد جداً توجد فائدة أخرى في الواجب الكفائي وهو المسؤولية العامة كقاعدة أصولية فقهية نراعيها في كل الأبواب وللأسف مغفول عنها:- هذه النكتة هي أنه دائماً ننظر إلى الأعمال الدينية ونسميها باللغة العامة سواء كانت شعائراً أو غير الشعائر أو افترض الخيرات بالمعنى العام الانساني الذي يصب في سبيل الله ، كثيراً ما تبحث وتبحث فقط في بعها الفردي يعني المسؤولية الفردية فيقال هذا مستحب وليس بواجب ، والحال كما يشير إليه الكثير من الكبار أصلاً هذه موارد الأعمال الدينية أو الخيرات والخيريات والبرّ والمبرات نادراً أن تكون ليس فيها واجب كفائي ، مثلاً الصناعات والمهارات المعينة في المجتمع كالكهربائيات أو التقنيات أو علوم خدمية وعلوم سيادية ما شئت فقسم من القضايا ، نفس الأعلام في بداية المكاسب المحرمة في مسائل عديدة من المكاسب المحرمة قالوا هذه مباحة بعوانها الأولي كمسؤولية فردية أما كمسؤولية عامة فهي واجب كفائي لا أنها مستحبة فقط ، لأن النظام الاجتماعي حياته وبقاءه واجب شرعي وعقلي بل يقولون وجوبها الشرعي والعقلي ضروري ، ملاكها ضرورة لابدية ، مع أنها من المباحات أو الرجحانيات العامة مع ذلك يقولون ملاكها واجب كفائي مسؤولية عامة بل هي ضرورة ، كلهم ذكروها في بداية المكاسب المحرمة وفي مسائل عديدة ستأتي ينصن على هذا المطلب بأنه لها طابع وجوب كفائي مسؤولية عامة.

إذاً هذه المباحات بعض الأحيان رجحان عقلي فيها وواجب كفائي شرعي فيها فكيف فيما هو أعمال دينية مستحبة ، أنا نظن أنَّ لها بعداً واحداً وهو البعد الفردي في المسؤولية الفردية أنه مستحب عيني ونغفل عن بعد وجوبها الكفائي الشرعي ، مثلاً نصوص عديدة وردت في الوسائل في كتاب الحج في أبواب وجوب الحج نصوص عديدة أن أصحاب الجدة - يعني الثروة - يجب عليهم الحج كل عام ، الآن المستطيع أو غير الأثرياء يجب عليهم الحج مرة في العمر أما أصحاب الثروة كل عام يجب عليهم وهذه أفتى بها الصدوق ، وهي غير حجة الاسلام ،وغير عمارة المسجد الحرام اليت هي واجب كفائي وغير عمارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومسجد النبي التي هي أيضاً واجب كفائي ، إنه وردت روايات صحيحة ومتعددة فماذا صنع الفقهاء بهذه الروايات كما ان الصدوق أفتى بها ويوجد أخرون من القدماء أفتوا بها أيضاً ، فهل يفتون بها أو لا ؟ المشهور حملوها ونعم التأويل أنهم حملوها أنها تشير إلى نفس الواجب الكفائي لعمارة المسجد الحرام غاية الأمر أن هذا الواجب الكفائي تلقى مسؤوليته بشكل أشد وأوكد على الأثرياء قبل الفقراء ، فهم حملوها على هذا وهي نصوص موجودة في أبواب وجوب الحج في الوسائل باب وجوب الحج كل عام على أصحاب الجدة ، فالمقصود لذكر هذا المثال من هذه الزاوية ما هو ؟ ، هو غير أنه توجد طوائف أخرى من الروايات أنه يجب على والي المسلمين أن يحجج من بيت المال لبيت الله الحرام ولزيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كل عام لو افترض أنه هناك ليس من ذوي الاستطاعة بأن يحج ويعتمر ويزور بل حتى في سائر شهور السنة ، العمرة سميت عمرة لأنه يقال إن أحد أسباب تسميتها لأنها عمارة بيت الله الحرام وعمارة قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومسجده ، يعني المراقد المقدسة يجب أن تكون لها عمارة فالذهاب إليها عمرة والذهاب إليها حج ، حتى أنه عبّر في الزيارات لأهل البيت عليهم السلام وردت ورايات في زيارة أمير المؤمنين والحسين عليهما السلام أنَّ هذا حج ، يعني تقصد ، حج وعمرة ، وعمرة لأنك تعمر بها المراقد المقدسة وأماكن ومواطن العبادة ، فهذه ماهية عبادية مشتركة وليس مخصوصا ببيت الله الحرام ، حتى أنه عبّر عن آداب الزيارة لأمير المؤمنين أنها نُسُك وحتى في زيارة الحسين عليه السلام عبّر عنها بالنسك ، وفعلاً هي نُسُك لأنها آداب معينة خاصة.

فالمقصود هو هذا المطلب:- وهو أنَّ الكثير من الأعمال المباحة هي لها مسؤولية عامة وواجب كفائي يجب أن نلتفت إليها فكيف بك بالأعمال الدينية كالشعائر الدينية وغيرها البعد للواجب الكفائي لا نغلفه والمسؤولية العامة وهي ملاكاً بتذكير من الأعلام الفحول أهم من البعد الفردي الموجود ، مثلاً زيارة الحسين عليه السلام هل هي واجب عينياً عيلنا ؟ ، أنت لماذا تبحث عن الواجب العيني فإن المسؤولية الفردية عند الفقهاء أقل ملاكاً وأهمية من المسؤولية العامة فالمسؤولية العامة من لها إذاً ؟!! ، والحال أنه حسب كلام الأعلام في المسؤولية العامة في الواجب الكفائي وجوبه نفس الوجوب العيني والواجب فيه نف الواجب العيني لأنه غير معلق على فعل الآخرين بل أنت عليك أن تبادر ، وثوابه وملاكة أعظم من الواجب العيني ، يعني حينئذٍ فقط نتقيح الأمور من بعد الفقه الفردي مع التخلي عن الفقه الاجتماعي والفقه الديني والمسؤولية العامة هذا لا معنى له ، وهذا حتى في ثقافة المؤمنين وثقافة المكلفين فقط وانفساه ، هي النفس مسؤوليتها في الواجب الكفائي كما اعترف به الأعلام أعظم من مسؤوليتها في الواجب العيني.

فعلى أية حال هذه نكتة نفيسة اخرى ،لكن تبدل الذهنية العلمية فضلاً عن ذهنية عموم المؤمنين تحتاج إلى مسار طويل ، وهذا هو سبب قعود الكثير من المصالح في الواجبات الكفائية والمسؤولية العامة حسب كلام الأعلام سبب قعودها أو طرحها على الأرض من دون قيان هذه الذهنية المعرفية والوعي العلمي حول حقيقة الواجب الكفائي لم تتبدل لحدّ الآن.

نكمل اضافة السيد الخميني رحمة الله عليه وما هو الذي أضافه في المقام:- والذي أصافه في المقام نكتة لطيفة وربما ذكرها الميرزا علي الايرواني وغيره ، وهذه النكت هي الواجب الكفائي وهذا المبحث كما مرّ بنا أمس هو بحث معقد وصعب ومهم وفي أبواب فقهية عديدة فهو حينما يقول واجب كفائي فهل يعني يراد مجموعي ؟ هنا جملة من الأعلام ليس بالضرورة أن يكون مجموعياً وإنما يوجد كفائي هو مزيج من المجموعي والاستغراقي ويوجد كفائي مزيج من المجموعي والبدلي مثلاً ، فعلى كلّ كفائي مجموعي بقول مطلق ليس بالضرورة بل كثيراً ما كفائي استغراقي أو كفائي كذا ، وخلاصة ما مرّ بنا أمس وهو بحث حساس ومهم ومعقد صناعي هندسي رياضي في علم القانون وفي علم اصول الفقه كصناعة فقهية أو صناعة اصولية أن أشكال العمومات تعرفون مثلاً الرياضيات مثلاً فكرة معينة تستطيع أن تصورها بشكل معين ، الأمور الصناعية كالرياضيات أو غيرها أو القضايا القانونية أو الأصولية تستطيع أن تعبر عنها بشكل معين وتصورها تصويراً يعني توجد لغة تصوير وتوجد لغة معنى مجرّد في الصناعة ، الآن العموم الاستغراقي إذا اردت أن ترسمه فالرسم يحفظه الذهن أكثر من المعنى المجرّد ، فالمخيلة حينما ترتسم فيها صورة تحفظها أكثر، لذلك كثيراً ما الآن بحوث الجبر أو الحساب أو الرياضيات بدلها بلغة هندسية فسوف تحفظها أكثر ، كذلك الآن بحث العموم هل هو عموم استغراقي أو بدلي أو مجموعي إذا أردت أن تبدله بشكل هندسي فالمجموعي مثل حجرة تريد رفعها ، فالحجرة هي شكل هندسي للمجموعي ، واستغراقي يعني كل واحد يمشي على رجلين وبدنه يتكئ على رجليه ويمشي ، بدلي بأنَّ أحد الناس يوقظ النائم فهذا يكفي ، فالتمثيل هو نوع تصوير هندسي ، وأنا ذكرت هذا المطلب لأجل بيان أنَّ امتزاج العوم الاستغراقي مع العموم المجموعي مع العموم البدلي امتزاجهم مع بعضهم البعص كما بنا أمس أنه يمكن تصويره بأنماط هندسية عديدة وليس نمطاً واحداً ، هنا أنماط عديدة وليس نماً واحدة مثل ما مرّ بنا تصوير اتحادي أو كومفيدرالي أو مركزي أو دائري هذا بعينه في البواب لأن الكثير منها واجب كفائي مسؤولية عام ، قالب هيأة الكفائي ليس قالب وهيأة واحدة والاشتباه بما يصير عند الأعلام يؤاخذ بعضهم بعضا أن أحد الأعلام يرسم الواجب الكفائي بشكل معين في ذهنه فيلاحظ أنَّ هذا لا ينطبق في المقام فيقول إذاً الواجب هنا ليس كفائياً فالوجوب إما أن ننكره أو أنه مستحب أو غير ذلك أو أن الوجوب الكفائي هنا ساقط ، فيؤاخذ عليه الآخرون من الأعلام أنه لماذا فرضت الواجب الكفائي بهذا النمط بحيث تراه هنا غير ممكن وساقط وممتنع فبالتالي يسقط الوجب الكفائي ، كلا بل الوجوب الكفائي مثل مادة زئبقية تتشكل بأشكال عديدة لا أنَّ له شكلاً واحداً ، وهذه نكتة نفيسة جداً ، مثاله في المقام الآن مثل ترك الزنا قطعاً الشارع ليس فقط لا يريد مجموع الزنا في المجتمع بل كل فرد فرد من الفاحشة لا يريده ، فتطهير المجتمع من المعاصي أو من الفواحش او من المرديات أو الموبقات ليس فقط بنحو المجموع مثل أن ترفع حجر ، كلا بل نحو استغراق ولكن فيه جنبة مجموعية ، لأنَّ كل موردٍ مورد في هذه الفواحش الشارع لا يريدها ، كذلك الربا فصحيح أن الربا المجموعي يسقط دول ، الآن دول أقصى شرق آسيا يسمونها الدول الخمس كانت عملاقة في الاقتصاد ولكن قبل ثلاثة عشر أو خمسة عشر سنة سقطت وخفتت بسبب الربا وهم ذكروا ذلك ، ويسمونها الصقور الخمسة ، صحيح أنَّ الربا حينما عم له آثار غير كل فرد فرد من الربا ، وهذا صحيح ، ولكن ليس معنى ذلك أن الشرع ينهى فقط عن الدرجة العالية من الربا المجموعي التي تسقط دول وشعوب ، بل حتى فرد فرد كواجب كفائي ومسؤولية متوزع فبالتالي هذا الربا هذا الفرد لا يقدم عليه وهذا الربا الثاني الفرد الثاني لا يقدم عليه وهلم جرا إلى أن تصبح حصة مالية واقتصادية للمجتمع ، من قال لك أن كل الواجب الكفائي هو على شاكلة حمل الحجر ، وهذا غفلة عجيبة مغروزة في الذهن العلمي العام هنا يسجل هذه المؤاخذة جملة من الفحول أنه حينما تقول واجب كفائي ينصرف إلى شكل عين من الواجب الكفائي فعليك أن تلفت أيها الباحث والمجتهد لا تجعل الواجب الكفائي بشاكلة واحدة ، كيف غذاً التفت وانتبه إلى شاكلة الواجب الكفائي ؟ يقول ادرس الملاك الذي عرّفه الشارع ذلك الواجب الكفائي إذا رأيته استغراقي فإذاً توجد جنبة استغراقية ومجموعية وليس مجموعية محضة ، فيصير نحو من الانحلال الاستغراقي ، قد يكون بدلياً وقد يكون ..... ، ولربما الاخوة لم يمر بهم هذا العموم أو أنه مرّ بهم وهو العموم الامتدادي ، مثل لزوم الوفاء بالعقد الذي سيعن البحث فيه علينا مرة بعد أخرى ، ما معنى وجوب الوفاء بالعقد ؟ إنَّ وجوب الوفاء بالعقد لا هو عموم مجموعي ولا هو استغراقي ولا هو بدلي وإنما هو قسم رابع ، ليس قسماً رابعاً فقط وإنما العمومات فيها ألف قسم ، فهذا تعليم ابتدائي من الفقهاء والأصوليين أن العموم ثلاث أقسام ، فإنَّ العموم كما مرّ بنا الآن أنَّ العمومات عندما تتشكل مع بعضها البعض تشكل أشكالاً عجيبة غريبة أحد هذه العمومات يسمونه العموم الامتدادي ، يعني طبيعته انه يمتد الآن لبّاً يرجع إلى الاستغراق وليكن كذلك ولكن صورةً هو امتداد ، الآن مثلاً المعصية شرب جرعة من الخمر حرام ورب الكأس حرام ولكن من الواضح أنه يوجد اختلاف بين الحرمتين أيضاً اثماً وعقاباً وغير ذلك ولو أنها جَرَّة واحدة ، كذلك بقية المعاصي في الكثير منها عموم امتدادي وليس فقط عموم استغراقي أو مجموعي أو بدلي ، فإذاً العمومات مثل هذا وجوب الوفاء بالعقد يعبرون عنه عموم امتدادي يعني أنَّ التزامك مستمر ، لا أنه بنحو الاستغراق ولو أنه لموضوع واحد ولوجوب واحد وواجب واحد.

فإذاً هذه زاوية أخرى في الواجب الكفائي في وجوب دفع المنكر أن وجوب دفع المنكر ليس من قبيل حمل الحجر بل قد يكون من قبيل الاستغراق وهنا في المقام يؤكد السيد الخميني وجماعة وايضاً هذا صحيح أن بيع العنب على من يصنعه خمراً عند اشراع هو بنحو الاستغراق وليس فقط مجموعي فقط محض ، لأنَّ هذا العنب مبغوض للشارع أن يبدّل خمراً والعنب الثاني في السوق مبغوض للشارع أن يبدل عنبناً وهكذا كل الكمية بنحو الاستغراق في حين هي مجموع وليس مجموع مجرّد فقط بل مجموع فيه جنبة استغراق ، فإذاً سواء بادر الآخرون تخاذلوا ان لم يتخاذلوا هذا الجانب هو مسؤول ، ( كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ) ، فكل بنحو الاستغراق والمسؤولية حتى في الواجب الكفائي أيضاً هذا النمط.

فإذاً هنا التمسك بوجوب دفع المنكر في محلّه ومتين ، فإذاً تندفع هذه الاشكالات التي ذكرت.

وقبل أن نستثمر نهاية الحديث عن قاعدة الحكم الكفائي حقيقة وطبيعة الحكم الكفائي ولا يخفى عليكم أنَّ هاتان قاعدتان ، فإنَّ قاعدة الحكم الكفائي أعم من قاعدة وجوب دفع المنكر ، وجوب دفع المنكر هو واجب من الواجبات الكفائية ، فصار حديث عام عن الحكم الكفائي والمسؤولية العامة بالمناسبة اطراداً وإلا البحث ليس في خصوص دفع المنكر.

وتوجد فائدة لطيفة لا بأس أن نذكرها في قاعدة الحكم الكفائي بعد ذلك نكمل أنه كيف نطبق قاعدة وجوب دفع المنكر في المقام:- فلاحظ أن البحث حلقة بعد حلقة يتم تحرير وتنقيح الاستنباط وليس بشكل مكدس ومبهم وإما تحليل حلقات دقية حسب ما صنع الأعلام ، فهنا نكتة لطيفة أكّد عليها في الواجب الكفائي في الروايات وهي تؤيد دعوى السيد اليزدي في الواجب الكفائي وقد لفتت انتباهي انصافاً ، توجد روايات مستفيضة لأهل البيت عليهم السلام في زيارات أهل البيت يوجد تشديد على الذين خذّلوا ( أمة خذلتك ) أو ( خذّلت عنك ) ، فهذا يشير إلى الواجب الكفائي ، ففي الواجب الكفائي لا أنها لم تنصرك ولم تشهد ولم تستشهد وإنما خذلتك أو خذّلت عنك يعني معناه أن الشيء الرئيسي في الواجب الكفائي في النصرة والعون لأهل البيت عليهم السلام هو الاعداد هو تحريض الآخرين لا أنك نثبطهم ، يعني طبيعة الواجب الكفائي أن تحرّض ، يعني أنك تُوجِد فيهم الباعث لامتثال الواجب الكفائي والتعاون لا أنك تيئس ، يعني بث الإياس وهبط العزيمة والتخذيل في الواجبات الكفائية طبعاً معصية كبيرة للواجب الكفائي ، لأنَّ غالب الواجبات الكفائية كبائر نفس بث ورح الإياس هذه الروح هي عين المعين ، أصلاً هذا ليس ترك للواجب فقط ، أصلاً لم يقم بالمسؤولية فقط وإنما يريد أن يقعد الآخرين ولذلك القرآن الكريم يشدد على المرجفين في المدينة أو المقعدين أو الميئسين فلا هو يقوم ولا يترك غيره أن يقوم والحال أنه في الواجب الكفائي أنت بادر وحرّض الآخرين ، يبث روح التمرّد وروح التخلي عن حمل المسؤولية العامة ، وواقعاً هذه من أعظم المعاصي ، لذلك لعن لعناً شديداً في الروايات على حذو حتى القائم بنفس القتل ، ونكتته واضحة جداً ، على عكس ذلك في التعبير في الروايات ( ونصرتي لكم معدة ) أيضاً هذه إشارة أنَّ النصرة في الواجب الكفائي هي الاعداد.

هذه فائدة أخرى يستطيع أن يستشهد بها لدعوى السيد اليزدي أن الاجب الكفائي طبيعته هو المبادرة غير معلقة بإنبراء الآخرين ويجب فيها بث الهمة وبث العزيمة وبث التفاؤل ، بني اسرائيل قيل لهم ادخلوا الأرض ﴿ إنَّ فيها قوماً جبارين ﴾ و ﴿ لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجندوه ﴾ ، ﴿ اذهب انت روبك فقاتلا ﴾ ، فهذه حالة الجبن والتخويف.

فعلى كلٍّ في موارد عديدة من قضية المسؤولية هذه روح يمقتها الله تعالى ، قال ﴿ قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْۛ أَرْبَعِينَ سَنَةًۛ يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِۚ ﴾ ، فاقصد أنه لا أقل الانسان إذا لم يستطع عليه أن يبث الهمة والعزيمة والتفاؤل وهلم جرا ، وهذا أقل الواجب في الواجبات الكفائية ، أِعِن بمشورة صلاح لا مشورة فساد ، ولذلك ﴿ وتعاونوا على البّر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ ، ونسيت أن أذكر هذه الآية الكريمة أيضاً في مسؤولية الواجب الكفائي وهي:- ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ ، فلاحظ أنَّ بداية أداء الواجب الكفائي التاجي يعني حتى في الخفاء لا تثبط وتيئس وإنما بث الهمة حرَّض ، هذه بدايات امتثال الواجب الكفائي.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo