< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/05/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المسألة الثالثة من النوع الثاني.

كان الكلام في المسألة الثالثة وهي بيع العنب والتمر والعصير العنبي على من يعلم أنه يصنعه خمراً من دون مشارط ومن دون وجود هيئة محرمة وفي البين ثلاث طوائف من الروايات إذا بني على وحدة الموضوع يصير بينها تعارض وإن لم يبن على وحدة الموضوع فليس بينها تعارض ، ولقراءة هذه النصوص سيما الطائفة الثالثة التي هي روايات مستفيضة ، وقطعاً هي مستفيضة ولا ارتياب في ذلك ، الاستفاضة خمسة طرق فضلاً عن أكثر متباينة غير مشتركة في حلقات الرواة لا ريب أنها تشكل استفاضة سيما مع وجود قرائن كيفية فيها ، بعض علماء الراية من العامة عندهم خمس طرق تشكل تواتراً إذا كانت الطرق منفصلة تماماً عن بعضها البعض ، فعلى كلٍّ موجود قرائن كيفية يمكن فضلاً عن الاستفاضة فإنَّ الاستفاضة تتحقق ، ففي قراءة هذه النصوص الخطوة الأولى للأعلام أنه أبدوا هذه القاعدة يعني قراءتها بالقواعد ، وسبحان الله النصوص الخاصة تقرأ كما مرّ بنا مراراً ، وهذا على خلاف تنظير مثلاً المتراءى من سطح علم الأصول ، أما عمق علم الأصول فهو شيء آخر ، ما يتراءى من سطح علم الأصول من تقديم الخاص دائماً على العام السيرة الجارية لدى الفقهاء ارتكازاً قراءة النصوص الخاصة تقرأ وتفسّر بالنصوص العامة ، وهناك وبراهين وشواهد صناعية على أنه كما أنَّ الخاص يكمّل العام أيضاً العام يكمّل الخاص أو يفسّره وإلا الخاص من دون عام لا يمكن أن يقرأ قراءة تامة صحيحة سوية ، لذا هذه القراءة الموجودة في المنهج السطحي الذي قد ينسب إلى المحدثين وإن كان المحدثون فيهم محققون ، فالأحرى هو أنَّ المنهج السطحي موجود في كل مجموعة من مجموعات مشارب المدارس سواء كانوا أصوليين أو اخباريين أو محدثين أو مفسرين فيوجد سطحيين ويجد متعمقين ، فالأحرى نقول هو منهج ننسبه وننأى بالمحدثين عن ذلك إلا المحدث السطحي ، السطحية في المنهج في قراءة النصوص هي أن نقرأ النصوص الخاصة مبتورة عن بعضها البعض ومتباعدة ومتناثرة لا منسوبة إلى أصلها وهو العام والعمومات هذه القراءة ليست قراءة اجتهادية ، وليست قراءة بعمق منهج فقهي المنهج الفقهي لابد ان يقرأ الخاص في العام ، أنت تطالبني بنص خاص بزيارة الأربعين ؟! من دون أن تقول لو ورد نص خاص فالنص الخاص وراد في زيارة عرفة مع أنه النص الخاص وارد في زيارة الأربعين ولكن افترض الآن أن غضضنا النظر عن النصوص في زيارة الأربعين فالنصوص الخاصة في زيارة عرفة والزيارة الشعبانية هل تريد أن تقرأها مبتورة عن النصوص العامة في زيارة الحسين ، أصل زيارة الحسين وتشريعها ومعناها ؟ فإذا أردتها أن تقرأها بشكل مبتور فهذه ليست قراءة اجتهادية ولا فقاهتية.فإذاً أصل النصوص الخاصة هي النصوص العامة لا العكس ، النصوص الخاصة بمثابة قوانين وزارية أو برلمانية أو بلدية لأنه في بعض الأحيان القانون ينزل وينزل حتى يصير قانوناً بلدياً وهل من المعقول أن يصير قانوناً بلدياً أو وزارياً أو برلمانياً من دون قانون دستوري ؟! ، إنَّ هذا لا يمكن وهذا معناه أنها تصير فوضى محضة في نظام القانون واهوجية ، فإذاً هذه ليست قراءة مستحسنة مستحبة مندوبة كلا بل هي أصولية ، لابد أن يقرأ الخاص في ظل العمومات ، كأنما الخاص نسل متناسل من العام كيف تعرف الأنسان من دون أن تعرف الأسس والاباء والأصول فإنَّ هذ لا يمكن ، ولذلك دأب المحقق الحلي وقبله وبعده ، أما الشيخ الطوسي فلا يوجد عنده هذا التعبير وإنما عنده تعبير آخر فدائماً يعبر قواعد ، ففي المبسوط دائماً يذكر قواعد ، والمحقق الحلّي الذي هو خريج مدرية كتاب المبسوط للشيخ الطوسي ، أيضاً أنت لاحظ الشرائع فتراه يقول أشبه بالنص وأشبه بأصول المذهب وقواعده ، فالمقصود أنَّ النص الخاص لا يمكن أن يقرأ اجتهادياً من دون العام ، وهذه العبارة ذكرتها مراراً وهي أنَّ صاحب الجواهر في كتاب الصلاة وفي باب الأذان وفي باب بحث الشهادة الثالثة عنده الأصل في تشريع الخاص هو العمومات لا النص الخاص .

ونشرح هذا ولو باختصار:- لأنَّ الخاص بالدقة هو عبارة عن تقديم عموم آخر على عموم أوّل فتصير النتيجة هي خاص وإلا فلا يوجد عندنا خاص مبتدأ في التشريع ، حقيقةً في علم القانون لا يوجد عندنا خاص خاص بل بالدقة الخاص يرجع إلى تقديم بعض العمومات على بعضها البعض نفس هذه العمومات الدستورية حينما تتشابك وتختلط وإلا بالدقة خاص يخرج من نبتته خاص فهذا غير معقول ، يعني خاص في حقيقته لا يمكن أن يكون خاصاً وإنما لابد أن يرجع إلى عموم من العمومات ونقدمه على عموم آخر ، وهذا شيء مسلّم في علم القانون ، والمقصود منن علم القانون الفقه الدستوري لا فقهاء الدستور مرتبة فقهاء الدستور يعني متضلعين في القانون بخلاف فقهاء القانون البرلماني أو فقهاء القانون الوزاري ، أو فقهاء الشعب البلدية أو غير ذلك فإنَّ هذا يختلف ، فقهاء الدستور يعني متضلعين ومتبحرين في منظومة كل القانون ، فالمقصود أن خاصاً بمفرده أصلاً لا يمكن ، والذي لم يفسّر الخاص فهو لم يعرف أصل الخاص ما هو ، وهذه نكتة مهمة يلزم الالتفات إليها وهي تنعكس على كل أبواب الفقه ، طبعاً الفقهاء ليسوا على مستوى واحد ، نفس الفقيه الواحد ليس على مستوى واحد في كل الأبواب ، بل في بعض الأبواب يكون متضلعاً وفي بعضها الآخر يكون متوسطاً وهكذا ، لسبب ولآخر ، ولكن كلامنا ليس في الفقهاء أكثر من كلامنا في المنهج الصناعي ما هو ، تجريد المنهج عن الأشخاص ، فلاحظ الآن من حين أن بدأنا في المكاسب المحرمة إلى الآن فإن كلامنا ليس في هذه المسألة فقط وأنه كيف نحررها والأقوال فيها والاستدلال وإنما كلامنا أننا نصطاد الصنعة الفقهية الاجتهادية كيف يمارسها الفقهاء والفحول والأعلام فإن الكلام هو في هذا ، كي تبنى عنده الملكة ويستطيع أن يمارسها في أبواب أخرى ، يعني أي مسألة يخوض فيها الانسان مع الأعلام ليستفيد ويستثمر ليس تنقيح المسألة فقط بشكل دقيق وصناعي ، بل لينقح كبريات أخرى مطوية غير مصرح بها ولكن معتمد عليها بشكلٍ غير مصرّح به وهذا مهم وهو هذا المنهج الذي يلزم أن نلتفت إليه.

لذلك لاحظوا الآن ما هو حلّال المشاكل في هذه الطوائف الثلاث المتعارضة ؟ ، فلاحظوا كيف هي المنهجية فهم يلتجئون إلى القواعد العامة ، لأنها فيصل وحكم موازن ، ندقق فلاحظوا الآن أنَّ مشهور الأعلام لم يتوسّلوا بالسند والطريق ، وإنما توسلوا بضوابط المضمون بالقواعد ، وهذا ما سيأتي بحثه في التعارض عن قريب ، إنَّ أعظم علاجيات التعارض في الروايات هو علاج المضمون فإنه علاج فقهي اجتهادي ومنهج فقهي وليس العلاج بين الروايات بضوابط رجالية ، فإن هذه أضعف أنواع العلاج ، ولذلك في الروايات في الدورة الأصولية السابقة ذكرناها وسنذكرها في هذه الدورة الثانية عن قريب بمشيئة الله تعالى أنه في روايات أهل البيت عليهم السلام أنه مائتي رواية وردت - والعدد مائتين لأن المجلسي جمعها كلها في المجلد الثاني من البحار - ففقد وردت مائتي رواية في علاج التعارض غير الروايات التي ذكرها صاحب السوائل في عدد من أبواب القضاء باب على خمسين رواية وباب على سبعين رواية وباب على أربعين رواية فعدة أبواب ذكرها صاحب الوسائل في باب التعارض ، تجمع كل هذه الروايات باله عليك مائتي وراية كلها علاج مضموني أما عشرين رواية باللتيا والتي هي علاج بضوابط رجالية ، حتى هذه العشرين رواية اثنا عشر رواية أو خمسة عشر منها ضوابط رجالي والباقي علاج مضموني ، القدماء في علم أصول الفقه عندهم العلاج بالمضمون هو الأساس فلاحظوا كتاب القوانين ولاحظوا كتاب الفصول وكتاب المعالم وغير ذلك ، بينما مع السف في عصرنا صار العلاج للتعارض كله بضوابط رجالية والحال أنَّ هذا هو أضعف العلاج.فالمقصود إنَّ هذه منهجية في الاجتهاد ، يعني ليس فقط حينما نخوض في المسائل مع الأعلام والفحول يشغلنا البحث الخاص التفصيلي في المسألة أو في الباب بل يجب أن نستخرج منهم عبر كلية كيف هي منهجيتهم ، هذه هي السيرة العلمية للفقهاء لا ينازع فيها أحد ، أنه هنا تعارض الروايات أرادوا أن يعالجوه بالقواعد ، ونحن نرجع إلى القواعد ولو أننا نأخذ وقت كثير لأنجل بيان المنهجية لأنَّ الاجتهاد ملكة ، الاجتهاد لا ينبى إلا بعد الالتفات إلى المنهجية وغير ذلك.

هنا لأجل معالجة تعارض هذه الطوائف الثلاث الأعلام أوّلاً تشبثوا بالقاعدة العامة وهي حرمة الاعانة على الاثم ، وهذه القاعدة هي بنفسها هامة وخطيرة بغض النظر عن بحث المكاسب المحرمة ، يعني أنَّ المكاسب المحرمة عنوان ذو أفق واسع ، قاعدة حرمة الاعانة مستند الحرمة فيها أمس شطر من الكلام مرّ بنا وطبعاً غاية المفاد أنَّ الحرمة تكليفية وليست وضعية وهل هذه الحرمة التكليفية تستلزم الحرمة الوضعية في المقام أو لا فهذا سيأتي بحثه ، أصلاً الحرمة مرّ بنا أنه توجد جماعة من الأعلام قليل جداً وهم الميرزا علي الايرواني والسيد والخوئي وجماعة قليلة ذهبوا إلى أنه لا نسلّم بقاعدة حرمة الاعانة على الاثم ، فظاهر عبارتهم هو هكذا ولكن ارتكازهم وتصريحاتهم الأخرى يعني يضيقون القاعدة جداً لا أنهم ينكرونها أصلاً ، أو إذا كان ينكرون فهو ينكرون دلالة الآية الكريمة لا الأدلة الأخرى ، ومحصل كلام هؤلاء المنكرون للقاعدة أنَّ حرمة الاعانة هي في الموارد التي فيها مفسدة كبيرة جداً في الدين وفي بيضة الدين وفي النفوس الدماء وأموال خطيرة وأعراض خطيرة ، لأن الأموال درجات والأعراض درجات فإذا كانت خطيرة فنعم نلتزم بحرمة الاعانة على المعصية في هذه الموارد ، هذا هو محصل كلامهم ، ومر انه استشهدوا بـ ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ فقالوا إنَّ التعاون هنا على البرّ مستحب وراجح فأيضاً هنا يكون راجحاً مثلاً أو التعاون تفاعل والتفاعل يقتضي أن يكون الطرفان على مستوىً واحد في الفعل ، يعني مشاركة غير الاعانة والاعانة غير التعاون فإن التعاون هو أصدره بشكلٍ مشترك ، فبلا شك إذا صدر يشكلٍ مشترك يكون حراماً ، هذا محصّل كلامهم واستشهاداتهم.

وهناك شاهد آخر أمس بسطنا فيه الكلام والآن نذكره إجمالاً:- وهو أنه لو نلتزم بأنَّ الاعانة حرام بلغ ما بلغ فسوف يتجمد النظام الاجتماعي ونظام الاشراف الديني ، لأنه إذا كان المفروض أن يدفع الانسان ويحيل دون وقوع المعاصي قبل الوقوع يستلزم توقف نشاط المجتمع والديني ، فلأجل بعض المعاصي التي تقع في الأنشطة الدينية في الشعائر الدينية - وهذه نكتة لطيفة جداً ويذكرها حتى السيد الخوئي - هل نعطّل الشعيرة الدينية ؟! كلا ، فإنَّ المعاصي هي تقع دائماً ، الحج ماذا يقع فيه وغير ذلك ، وهل تعطّل الحج تحت ذريعة الاعانة على الاثم ؟ كلا ليس الأمر كذلك ، فهل تريد أن تترك الملاك الأهم بسبب قصة الاعانة على الاثم ؟!! إنَّ هذا ليس مقبولاً ، وهذه بصيرة مهمة في هذا البحث ، فقضية الشعائر وغيرها لأجل كذا وكذا يجمّد ويعطّل نشاط مهم ذو مصلحة عظيمة فإنَّ هذا لا معنى له ؟!! ، فهذه نكتة مهمة أَلفَتوا إليها.

في مقابل المشهور أو الأعلام الكثر قالوا بأنَّ قاعدة الاعانة على الاثم في الآية تامة وكل هذه اشكالات مدفوعة ، أو قل كما سيأتي المختار أنه يمكن أن تهذّب أو تشذّب القاعدة ، فدائماً الأقوال حينما تقرأ ليس بالضرورة أن أحدها صحيح مطلق والقول الآخر خطأ مطلق ، بل عادةً توجد موازنة ويوجد توازن يخلقه الانسان ، نعم اجمالاً قد يكون قول منها يمتلك نسبة كبيرة من الصحة أما القول الآخر ففيه نسبة ضئيلة من الصحة ، أو الصحة ثمرتها تكون في موردٍ آخر ، فالموازنة كثيراً ما تكون نافعة.فعلى أية حال دفع الأعلام هذه الشواهد والقرائن:-

فدفعوا القرينة الأولى:- وهي ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ ، فهنا يوجد إثم وعدوان ، أما هنا افترض أنه مستحب وهو برّ وتقوى ولكن هنا يوجد إثم فكيف يصير مكروهاً ، بل المناسب هو الالزام ، والسياق ضعيف في مقابل القرينة الخاصة

ودفعوا القرينة الثانية أيضاً في التعاون:- حيث قالوا إنَّ التعاون تفاعل من الطرفين حيث أجابوا بأنه ليس المراد من التعاون المشاركة على السواء في الفعل ، في الكثير من الموارد استعمال هذه الهيئة من هيئات الفعل مثل تخاصم ومثل تضارب ومثل تغابن وغير ذلك ليس من الضروري أنه في فعل واحد بل في موارد عديدة استعملت هذه الهيئة في مواد المادة لا تصدر من اثنين وإنما تصدر من واحد ، واحد واحد منهم ولو على نحو التعاقب تارة هذا وتارة ذاك ، ( لا تباغضوا ) فتارة هذا يبغض هذا وتارة ذاك يبغض هذا ، ليس إلا في فعل واحد يتباغضون فإنَّ هذا ليس دائماً ، بل توجد بغيضة واحدة كلاهما يتشاركان فيها ، ويستعمل ﴿ ولا يغتب بعضكم بعضاً ﴾ فلا يشترط أنه في مورد واحد وفي غيبة واحدة كلاهما تشاركا ، كلا بل كل فعل مستقل ولكن يوجد تقابل ، فيستخدم بمعنى التقابل أيضاً ، فهذه الهيئة التفاعل خلافاً لدعوى الآخرين ، وهذه أيضاً هي دعوى المرحوم الكمباني حيث قال في حاشية المكاسب إنَّ هذه الدعوى ليس في محلّها ، بل التعاون أو التفاعل يستخدم في مواد عديدة بمعاني عديدة.

فهذه الهيئة لمطلق المقابلة ولو في أفعال متعددة انحلالية استغراقية مستعمل وكذلك هنا في المقام ، فإذاً الشاهد الثاني ليس في محلّه.

أما الشاهد الثالث الذي ذكره الأعلام:- وهو أن الاعانة لو بنينا أنها مطلقاً حرام إذاً لتعطل النظام الاجتماعي أو الديني أو الشعائر بل حتى غير ذلك بضاعة أنا أجلبها والدولة الوالي يقوم بكذا فعل ويستفيد منه الأشقياء أو العصاة أو غير ذلك فهذا مثل اعتراض الملائكة حيث قالوا ﴿ أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ﴾ ، فإنه يوجد اشقياء في البشر ، فهم راوا هذه الصفحة ولكنهم لم يروا الصفحة الثانية والوجه الآخر الذي هو أكبر وأهم ، فهذا الذي ذكر ، وأجاب عنه المشهور وقالوا إنه أوّلاً نحن لا نسلّم بصدق الاعانة - وهذه الاعتراضات والأجوبة السابقة شبيه بالقضايا النقضية وهي قرائن مشتتة أما هنا فيأتي بيت القصيد وهو بداية البحث - وهو أنَّ الاعانة بماذا تصدق ، فـ( تعاونوا ) عونٌ من طرفين ، فالإعانة بماذا تصدق ؟

هنا صارت بلبلة لغوية عند الأعلام وهي مهم ، فكيف تصدق الاعانة والعون ؟ فجماعة كثيرة ولا سيما المتأخرين أما المتقدمين فقد اطلقوا حتى في استعمال الروايات يوجد توسعة لكن المتأخرين مثل المحقق الكركي والمقدس الأردبيلي قالوا لابد من قصد المعين للمعان على ذلك الفعل ، والمعان هو المشتري الذي يصنعه خمراً ، فقصد البائع المعين على اعانة المعان هذا قيد ، ويوجد قيد ثانٍ وهو أنهم قالوا لابد من ترتب الفعل الحرام الصادر من المعان - وهو المشتري - ، وهذان الشرطان مأخوذ فيهما العلم ، شبيه بالمقدمة الموصلة فهي تكون علمية وموصلة وهلم جرا ، ففي هذه الحدود تصدق الاعانة بهذا المقدار.وطبعاً الجماعة المنكرين لهذا المبحث ينكرون بأنَّ العون والاعانة مقيدة بالقصد بل حتى مع الجهل وحتى مع عدم القصد بل مطلق الاعداد هو عون ، ولذلك قال المنكرون كما مرّ بنا - نعيد شيء من كلامهم من زاوية أخرى - إنه يجب أن ينظر إلى درجة ملاك المعان عليه وأهميته.إنه يمكن شخص أن يستخرج محصّل من هذا التبادل في النقض والابرام اللغوي الذي ذكره الأعلام في المقام أنَّ الاعانة فيها درجات متفاوتة وليست درجة واحدة ، بعيدة ، قريبة ، قوية ضعيفة ، والأمثلة التي ذكروها كثيرة ، ومدى أهميته المعان عليه ، فالمحصّل اللغوي من النقض والابرام في كلماتهم يستفاد منه أنه إذاً يوجد تفاوت في الاعانة والعون وليس على درجة سواء ، من جهة قرب وبعد ، من جهة قوة الاعانة وضعفها ، ومن جهة المعان عليه ، فتوجد ثلاث جهات أو أكثر ، أو ترتب المعان عليه أو عدم ترتبه ، أو غير لك ، فإذاً الاعانة على درجات وليست على درجة واحدة.ونذكر نكتة قبل أن نذهب إلى الشواهد الروائية التي استعملت فيها الاعانة في موارد عديدة لأنَّ هذه تحتاج إلى تتبع استعمالي روائي وقرآني لنرى أنَّ المراد من التعاون على الاثم والعدوان ما هو معناه.

فهنا نذكر نكتة مهمة:- وهي أنَّ الفقهاء عندهم قرينة عامة يعتمدونها وهي أنه في الأفعال طبائع الأفعال التي هي بحسب طبعها متفاوتة ، افترض مثل صلة الرحم ، افترض مثل العدوان والمحبة والمودة والموالاة والبراءة وغيرها ، في موارد عديدة طبائع الفعال ليست على درجة واحدة وإنما فيها شدة وضعف ، التبرّم من الأبوين لا سمح الله سواء أبوين اللذين ولّدا بدن الانسان ، أو الوالدين اللذين ولّدا روح الانسان ، فأب وأم من أب وأم من الأرواح ( يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة ) ، فالتبرّم من الأبوين درجات ، فتوجد أفأفة ﴿ ولا تقل لهما أفٍّ ... ﴾ وهذا غير أن يعتدي عليهما فهذا قطيعة رحم شديدة جداً.

فإذاً توجد عناوين كثيرة في المحرّمات أو في الواجبات هي متفاوتة ، يعني نفس الطبيعة فيها تشكيك شدّة وضعف ، وهذه لها صلة مهمة بالمقام.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo