< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الده المتنجس.

كنا في هذا المبحث الرابع وهو مبحث أنه هل الأصل في المتنجسات وبتبعه أيضاً في النجاسات وإن كان لك مبحث يعقد مستقلاً إلى حدّ ما ، فهل الأصل في المتنجسات جواز الانتفاع إلا ما نصّ على تحريمه مثل أكل المتنجس أو شربه ومن هذا القبيل ، أو ثمن المتنجس باعتبار ( إنَّ الله إذا حرّم شيئاً حرم ثمنه ) ، فهل الأصل في المتنجسات في الانتفاعات غير المنصوصة بخصوصها على حرمتها ، الآن غير منصوصو على حرمتها سواء بنصوص عامة في غيرها أو بنصوص خاصة فيها ، في غير ما نصّ على حرمته بنصّ عام أو نصّ خاص على الحرمة هل الأصل فيه الحرمة ؟ ، مثلاً لا يسوغ أكل إلا الطيب والطيب بمعنى الطاهر ، أما النجاسات والمتنجسات لا يسوغ مثلاً دهن متنجس أو إلية نجسة وهلم جرا ، هذه أدلة ناصّة على حرمة بعض الأفعال بنحو العموم وهي تمل المتنجّسات في الأكل والشرب ، وتارةً ليس هناك نصوص عامة ولا خاصة فهل الأصل في الانتفاع بالمتنجّسات الحرمة ؟ هذا مقام ويوجد مقام آخر سيأتي أو سيتعرض إليه الشيخ الأنصاري بعد هذا هو في أعيان النجاسات ، مثلاً اللحم الميتة يحرم أكله ويحرم شربة مثلاً إذا كان مَرَقاً ويحرم بيعه أيضاً ، لكن مثلاً التسميد بالميتة كيف ؟ أو اعطاء الميتة إلى الحيوانات مأكولة اللحم كغذاء ومن هذا القبيل ، الانتفاع بها منافع لم ينص عليها بخصوصها هل هذا سائغ أو ليس بسائغ ؟

ونستطيع أن نقول بعبارة عصرية أن تحريم النجاسات أعيان النجاسات أو المتنجسات هل الشارع يريد أن يعدمها من البيئة ويقوض وجودها من البيئة يعني مثلاً يأمر بدفنها واهلاكها واتلافها ، بتعبير الفقهاء إتلاف ، أو أنه يمنع عنها في جهات معنية لا أنه يأمر بإتلافها أو تقويضها وابعادها عن البيئة ، مثل النفايات النووية فهذه النفايات النووية منبوذة لأنها أين ما تحل تسبب كوارثاً ، وهذا أحد مصائب النووي حتى لو استعمل باستعمالٍ سلمي ، أما الاستعمال المحرّم من أسلحة التدمير الشامل بتعبيرهم .... ، فهذه العناوين والأعراف من الضروري أن يُتعرَّف عليها لأنها أعراف قانونية جديدة ، الآن جديدة الموضوع ولكن قد لا تكون جديدة التقنين ، فمن الجيد أن يتعرف عليها الباحث حتى يترجم ، لأنَّ ترجمة الفقه الشرعي والرؤى الدينية إلى البيئة المعاصرة أيضاً ضرر وإلا كيف يتم توصيل الخطاب الديني ؟ !! ، فالإنسان حينما يشغل نفسه بالمقارنة أمر جدّي ، يومياً مثلاً يلاحظ سلسلة أخبار وغير ذلك فهذه الأخبار تارةً يأخذها الانسان بنحو التفرج وتارة يأخذها كمادة علمية دراسية يقارن بين الاصطلاحات فهذا شيء مهم ومؤثر جداً ويقوي الإنسان في ترجمة الخطاب الديني إلى البيئة المعاصرة.فالمقصود الآن مثل النفايات النووية ففيها منافعة محللة وفيها أيضاً منافع محرمة عند الكل بأنها تستخدم كسلاح تدمير شامل ، وتوجد فيها منافع محللة كتوليد الكهرباء وللاستعمالات الطبية والكيمياوية والتصنيعية ولكن نفس هذه النفايات النووية كارثة بيئية ، على الماء وعلى الهواء وعلى التربة وعلى كل شيء ، يا ترى هل المتنجسات أو الأعيان النجسة يعتبرها الشارع كارثة بيئية يعني أزيلوها وقوضوها - تقريباً بهذا المعنى - ؟ ، فهل هو يحرّم بقية المنافع أو لا ؟طبعاً بلا شك أدلة المانعين عن مطلق الانتفاع بالمتنجسات أدلتهم في المتنجسات اضعف منها في أعيان النجاسات ، بل حاولوا أن يستندوا في المنع في المتنجسات بأدلة النجاسات باعتبار أنَّ المتنجس من توابع ولواحق النجاسات ، فإن المتنجس لِمَ صار متنجساً ؟ بسبب ملاقاته لعين نجسة فكأنه من شؤونه نجاسة تلك العين النجسة وتداعياتها.

إجمالاً أيضاً مرّ بنا أنَّ التمسّك بتحريم الشارع حتى لأعيان النجاسات وما شابه ذلك والمتنجسات تحريم الشارع اطلاقه الذاتي أو اطلاقه اللفظي هذا لا يعتمد عليه كإطلاق دلالي كاشف عن الاطلاق اللحاظي أو الاطلاق الملاكي لأنه المنافع المهمة البارة مقيِّدة وإذا كانت مقيِّدة فالتمسك بالاطلاق اللفظي أو الذاتي لا يعتمد عليه لأنه الاطلاق الدلالي يحتاج إلى مقدمات الحكمة - أن يكون في مقام البيان ولم يقيد وأن الاطلاق الذاتي موجود - والحال أنَّ بروز المنافع المعروفة فاللحم للأكل وليس للتسميد ، أو مائع معين هو للشرب مثل العصير تنجس فمنفعة البارزة وماليته هي بلحاظ شربة أما أنه يستخدم لسقي الأشجار أو الحيوانات فهذا ليس من منافعة البارزة فنفس بروز المنفعة قرينة مقيدة صادة عن الاطلاق فالتمسّك بالإطلاقات يكون في غير محله من هذه الجهة حتى في الأعيان النجسة ﴿ والرجز فاهجر ﴾ أو ﴿ رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه ﴾ ، يعني بلحاظ الثياب أو الصلاة أي هذه الموارد البارزة ، أما بمعنى أنَّ هذه نفايات نووية أبعدوا البيئة عنها مطلقة جنبوا كل البيئة عنها هذا فهمه يحتاج إلى أدلة خاصة تبين خطورة هذا الشيء بشكلٍ متصاعد كأنه الوباء ، كيف أنَّ الوباء تجنب كل البيئة عنه فلا تنتفع به أي انتفاع ، فهذا الشيء وبائي لا يفهم من ﴿ حرمت عليكم الميتة﴾ أنَّ هذا شيء وبائي يبتعد عنه مطلقاً ، كلا ، فمثل ﴿ حرم عليكم الميتة والدم ﴾ لا يستفاد منه هكذا.

نعم هذه الموارد فيها مجال ، حتى ما ورد مثلاً في بعض الروايات التي سنقرأها ( اهريقه ) ( اتلفه ) يعني كناية عن أنه لا تستعمله في الأكل والشرب والوضوء ، لا أنَّ اللازم هو توقية البيئة عنه مطلقاً وتلافه واعدامه كوباء بيئي ، فهذا الفهم لا يفهم منه ، قال سقطت قطرة في أحد الاناءين قال اهرقهما فأهرقهما ليس معنى ذلك أنَّ هذا وباءاً يعدم ويتلف ، نعم مثل الآن الأخشاب التي يستخدم أصناماً أو الآلات المعازف يستفاد منه محق هذه الأمور ولكن محقها من جهة الهيئة وليس من جهة المادة ، وتوجد عندنا رواية لعلها معتبرة على مبنى مشهور القدماء أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( بعثت لأمحق المعازف ) أي كل آلات العزف الموسيقية نعم هذا يستفاد منه أن هذه الهيئة الشارع على كل تقدير يريد اعدامه كما انه يريد اعدام الأصنام يعي لا يريد أن يبقيها موجودة وهذا بعد الهيئة وليس بعد المادة ولذلك لم يستفيدوا منها من جهة المادة ، فالمقصود استفادة أنَّ هذا الشيء بقولٍ مطلق الشارع لا يريد أي ارتباط مساورة فعل معه يحتاج إلى دليل ومؤونة ، وهذه الأدلة التي سنقرؤها التي استدل بها المانعين لا يوجد فيها قوة يستفاد منها هذا المطلب ، وطبعاً الشيخ الأنصاري في البداية باعتبار أن الشيخ انسدادي ، يعني تبعاً لمدرسة الوحيد البهبهاني ، والوحيد البهبهاني نفس الوحيد رحمة الله عليه والرعيل الأول من تلاميذه ككاشف الغطاء وبحر العلوم والنراقي والميرزا القمي وصاحب الرياض وعشرات الفحول والجيل الثاني صاحب مفتاح الكرامة والشيخ أسد الله التستري وغيرهم والجيل الثلث الذي هو صاحب الجواهر ، أخر طبقة أدركت الوحيد البهبهاني صاحب الجواهر وهو يعتبر من الجيل الثالث أي من صغار تلاميذ الوحيد البهبهاني ، ومفتاح الكرامة يعتبر من الجيل الثاني وصاحب الجواهر من الجيل الثالث وهو في سنّه ، فعلى أية حال هذه الثلاث أجيال إلى أنجاء الجيل الرابع وهم ليسوا تلاميذ الشيخ الوحيد البهبهاني وإنما تتلمذ على تلاميذه كالشيخ موسى ابن الشيخ جعفر كاشف الغطاء يعتبر من الجيل الثاني والشيخ علي والشيخ حسن يعتبر من الجيل الثالث وهلم جرا ، فتوجد ثلاث طبقات لتلاميذ الوحيد البهبهاني ، هذه الثلاث طبقات ثم الطبقة الرابعة التي لم تدرك الوحيد البهبهاني مثل الشيخ الأنصاري غيره والميرزا حبيب الله الرشتي وغيرهما أغلب هؤلاء إلا ما ندر انسداديون ، مدرسة الانسداد ، وهي وصلت حت إلى السي محسن الحكيم وتقريباً السيد محسن الحكيم في مستمسكه مبناه مبنى الانسداد وكذلك أستاذنا السيد الروحاني.

فالمقصود أنَّ مبنى الانسداد مبنى شائع ذائع وله سلبيات وله إيجابيات لا نريد الخوض فيها ، ولكن غالباً الانسداديون يهتمون بالقوال لأنَّ الشهرة عندهم حجة في نفسها ، مطلق الظنون الناشئة عن التراث الشرعي مطلق الظنون ، فضلاً عن مطلق الروايات ، هؤلاء الذين هم بالعشرات وربما لو أحصيتهم فهم قد يكونون خمسين أو ستين أو سبعين أو مائة عالم أو أكثر كلّهم زعماء المذهب يميلون إلى الانسداد ، هؤلاء عندهم مطلق التراث الروائي حجة مرسلة أو ضعيفة او حسنة كلها حجة ، إذا الاخباريون قالوا بحجية الكتب الأربعة فهؤلاء الأعلام هم أصوليون وليس أصوليون فقط بل هم أسود علم الاصول يقولون بحجية مطلق الروايات الواردة في التراث ومن لا يدري هذا المطلب لا يدري عن علم الانسداد شيئا فمبحث الانسداد هو هذا ، نعم عند التعارض عند الفذلكات الصناعية العلمية يأتي دور السند في الترجيح أو في غير ذلك فنعم بهذا المعنى ، وإلا نفس المتن الساس عندهم هو بلحاظ المادة ، بل هم ليس فقط الروايات مطلقة عندهم حجة إلا ما تعارض أو تناقض بل عندهم الشهرة أيضاً حجة واقوال العلماء حجة ، الظنون التي تنبثق وتتولد عن التراث مطلقاً حجة غاية الأمر دورهم هو في الفذلكة الصناعية الفقهية العلمية في هذه الظنون ، فهم لا يعملون بهذه الظنون بشكل ركامي فوضوي وإنما بشكل منسق صناعي هذا خلاصة مبنى الانسداد ، لذلك الشيخ الأنصاري يصرّ الآن هل مشهور القدماء سيما أنتم تعلمون بأن مشهور القدماء والقدمين خطورة الشهرة عندهم انها قد تكون كاشفة عن سيرة متصلة بعصر المعصومين وبالتالي الاجماع والشهرة عند القدماء احد مناشئ وخطورتها وأهميتها أنها قد تكون كاشفة عن السيرة فالشيخ الأنصاري كصاحب الجواهر أو غيره طبعاً صاحب الجواهر وصاحب مفتاح الكرامة عندهم مسلم أنه في الأعيان النجسة الشارع يعتبرها كأنما هي وباء بيئي لا تنتفع بها مطلقاً إلا ما نصّ عليه مثل الكلب الصيود ، أو مثل الدهن المتنجس أو عين النجس يستصحب به أو مثل الأمة والعبد يشترى فهذا ينتفع به فإن الكافر نجس العين ولكن مع ذلك ينتفع به حتى الانتفاعات الليلية مثلاً ومن هذا القبيل ، فالمقصود عندهم الأصل أنّ الأعيان النجسة لا ينتفع بها مطلقاً إلى ما استثناه ونصّ عليه الشارع بالخصوص في الأعيان النجسة أما في المتنجسات فلا ينصّوا على هذا الشيء ، والشيخ الأنصاري يريد أن يثبت أنه بحصر كلمات نفس القدماء وقد مرّ بنا أنَّ القدماء ومرّ بنا أنهم من الصدوق إلى ابن إدريس وقبل الصدوق هم الاقدمون ، هنا الشيخ الأنصاري يجهد نفسه ونعم الجهد فيثبت أنَّ الصريح في هذا المبنى بعض القدماء وإلا ابن زهرة مثلاً او غيره يأتي بشواهد عن جملة من كلام القدماء لا يذهبون إلى الاطلاق في حرمة الانتفاعات لا في المتنجسات ولا في الأعيان النجسة ، ومن ذهب إلى الاطلاق فكلامه محمول على المنافع البارزة لا مطلق المنافع ، فالمهم أنَّ صاحب الجواهر إذا تراجعون كلامه أو صاحب مفتاح الكرامة عندهم في أعيان النجاسات أمر مسلّم وأنه توجد سير واطباق وتسالم بينما الذي يذكره الشيخ الأنصاري يحاول أن يأتي بشواهد من كلمات القدماء دالة على أنَّ مقصودهم ليس مطلق الانتفاعات وإنما الانتفاعات البارزة ، هذا النسبة إلى أصل الأقوال هل هي تكشف عن سيرة وتسالم أو لا كوجه أوّل يردّه الشيخ الأنصاري.طبعاً مرّ بنا التنبيه على أنَّ هناك رواية رواها في الدعائم الذي هو من التراث المصري للاثنا عرية أو الشيعة بالمعنى العام ، في الدعائم وفي الأشعثيات رويت هذه الرواية ، والأشعثيات إن لم يعتمد عليه باعتبار ضياع نسخة كتابه إلا أنَّ الرواندي في القرن الخامس روى عن نفس الأشعثيات ، يعني إذاً موجود في المصدر لأنَّه وصلت الأشعثيات للراوندي بالطريق المعروف ، لأنه فقد في القرن السابع أو الثامن ، يعني ثلاث أو أربع قرون قريب القرن العاشر كان مفقوداً ثم وجدوا نسخته ، ولكن وجود هذه الرواية في كتاب الراوندي واضح في أنها موجودة في نسخة الأشعثيات الأصلية التي وصلت إلى الأصحاب بالسند المعروف ، وفي هذه الرواية وهي منسوبة إلى الامام أمير المؤمنين عليه السلام وفيها يسوّغ الامام عليه السلام استعمال الزيت حتى في الصابون ، لأنَّ الصابون يحتاج إلى أمور دهنية ، فبالتالي صناعة الصابون قديمة تستعمل فيها الدهون ولو كانت نجسة أو متنجسة ، وهذه غير الاستصباح فتدلّ على أنه يوجد تعدّد منافع.

طبعاً ماذا يستدل ؟ ، أنت الشيخ الأنصاري تريد أن تخدش بأدلة الطرف الآخر فأنت نفسك ما هو الدليل عليها ؟ إنه يوجد دليل قد يستخدم ( كل شيء لك... ) ، الآن يوجد عندنا دليل على حلية كلّ الانتفاعات أو لا - أي قاعدة - ؟ فهل الأصل في الأشياء جواز الانتفاع وهل نتمسك بأصالة الحل ( كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام ) فهل يمكن ذلك أو لا فإنَّ هذا نصّ معتبر وبطرق متعددة فلماذا لا نتمسّك به ، فهل نتمسّك به أو لا ؟ الكثير تمسك به ، الآن بخصوص أصالة الحل طبعاً أصالة الحل أصل عملي وليست أصلاً اجهادي ، فإذاً أدلة على أنَّ الأصل في الانتفاعات الحل ألا يوجد عندنا دليل اجتهادي ؟ ، طبعاً أصالة الحل المروية بطرق متعددة المرحوم النراقي الابن ملا أحمد صاحب كتاب مستند الشيعة وممن يذهب في كتابه مستند الشيعة إلى استحباب الشهادة الثالثة في التشهد داخل الصلاة تبعاً لأستاذه صاحب الحدائق فإن صاحب الحدائق أيضاً في الحدائق يذهب إلى هذا ، فملا أحمد ذهب إلى أن ( كل شيءّ لك حلال ) صدرها ليس اصلاً عملياً وإنما هو دليل اجتهادي ، ووافقه عليه الكثير ممن بعده ، وصاحب الكفاية وافقه بنحو الجزم ، والكمباني وافقه أيضاً والميرزا علي الايرواني والكثير من الفحول وافقوه على هذه الدعوى ، ولماذا ؟ لأنَّ صدر الروايات الواردة في أصالة الحل تقول ( كل شيء لك حلال ) فلا يوجد شك ولا يوجد عدم العلم فإذاً هذا دليل اجتهادي ، فقط صدر الرواية هو دليل اجتهادي أنَّ الأشياء كتأسيس عموم عام هي حلال اجتهادي يعين واقعي أولي وليس ظاهرياً ، ( كل شيء لك حلال ) ، ( كل شيء لك طاهر ) فأيضاً هو ذهب في أصالة الطهارة غلى هذا الشيء ، لأنَّ أصالة الطهارة هي دليل اجتهادي على طهارة الأشياء بطهارة واقعية بعنوانها الأولي وليست ظاهرية إلا ما استثنى الدليل من أعيان النجاسات أو المتنجسات ، ولماذا ؟ لأن هذه ملة تامة ( كلّ شيء لك طاهر ) ( كلّ شيء لك حلال ) ، أما الذيل ( حتى ) استفاد منها قاعدة ثانية قاعدة ظاهرية وهي الاستصحاب ، ( تعلم أنه نجس ) أو ( تعلم أنه حرام بعينه ) استفاد منها قاعدة ثالثة ، فلاحظ هؤلاء فقهاء كبار استفادوا من متن واحد ثلاث قواعد وليس من باب استعمال اللفظ في أكثر من معنى ، يعني نفس لفظة ( حتى بمفردها ) هي قاعدة ، و ( تعلم أنه نجس أو حرام ) فهذه قاعدة ثالثة ، ولم يشكل أحد من الأعلام على هذا الاستظهار أنه ممجوج ، نعم قد رفض البعض استظهاره هذا لكن الكثير قبلوا استظهاره ، بين الطريفين الرافض والموافق لم يستشكلوا بأنَّ هذا تلاعب في التركيب بل قالوا هذا على الموازين اللغوية الأدبية.

وأنا عندي كلام عملي من هذه الجهة:- من جهة أنَّ الكثير من روايات أهل البيت عليهم السلام في تفسير الآيات الكلمة الواحدة المعصوم يفسّرها بغير السياق ، والكلمة التي قبلها يفسرها بتفسير كأنما كل كلمة هي جملة وللأسف الكثير من المفسّرين حتى من الخاصة يحملونها على التأويل وأنها تعبّد وأن هذا لا يوافق موازين الظهور وتركيب الظهور ، بينما لاحظ الآن النراقي وصاحب الكفاية وفحول كثيرون ( كل شيء لك حلال حتى تعلم أنه حرام ) استفادوا منها ثلاث قواعد ، وهذا شائع في التركيب العربي ، الآن كيف هو فأنا لا أريد أن أدخل في التفاصيل وإنما أريد أن أقول هذا البيان فقط وهو روايات أهل البيت عليهم السلام الواردة في تفسير القرآن الكريم تعالج الظاهر لا أنها تعالج الباطن بل تعالج نفس الظاهر ، وهذا المبحث أيضاً ذكروه في علم المنطق أيضاً أنه كيف تكون الكلمة الواحدة جملة ، في حين هي تتركب وهي جملة ، فاللبنة في حين أنها تتركب تصير جداراً في حين أنَّ لها وجود مستقل ، أما كيف هذا فأنا لا أريد الخوض فيه ولكن صناعياً من باب الفائدة المعترضة.

فالمقصود أنَّ النراقي وجملة من الأعلام عندهم ( كل شيء لك حلال ) عندهم هو دليل اجتهادي على حلية الأشياء فالأصل في الأشياء الحلية والنافع وهذا دليل تام لا بأس بهز

والشيخ الأنصاري استدل بآية ﴿ خلق لكم ما في الأرض جميعاً ﴾[1] ، وطبعاً هذا المبحث لا يختص بالمكاسب المحرمة فقط وإنما يعم الأطعمة والأشربة وباب إحياء الموات ، فهذا المبحث يمنع فهل الأصل في الأشياء الحلية ، ﴿ خلق لكم ما في الأرض جميعاً ﴾ فهل هذه تنفع ويف تنفع ؟ فـ( خلق لكم ) هذا أخبار تكويني فكيف استفاد منه الفقهاء أمراً تشريعياً ، وهذا مبحث مهم ، وهو أنه هل الآيات الواردة حول المفاد التكويني في الخلقة في القرآن الكريم هي من آيات التشريع وكيف ذلك ؟ فبدل أن تكون آيات التشريع خمسمائة آية تصير آيات التشريع آيات آلاف عديدة إذا تمت هذه القاعدة وهي أنَّ آيات التكوين يمكن أن تقرّر آيات تشريع.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo