< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الدهن المتنجس.

وصل بنا البحث إلى الجهة الثالثة في هذه المسالة الدهن المتنجس أو النجس يباع ليستصبح به ، هل يشترط في الاستصباح أن يكون تحت السماء ، وطبعاً هذا الشرط أو القيد ليس في صحة البيع ولا في مالية اليع ولا في الحكم التكليفي للبيع وإنما هذا حكم في فعل مجرّد للمشتري بعد البيع ، وتعبير الفقهاء بالفعل المجرّد ، يعني فعل منفرد للشخص في بعد ليس معاملي فليس عقداً ، فهل يا ترى أنَّ المشتري بعدما يشتري هذا الدهن المتنجس هل يشترط في تصرفه في استصباحه بالدهن أن لا يكون تحت السقف وإنما في السماء كما ورد في الروايات ؟ طبعاً في المبسوط كما قال إنه روى أصحابنا أنه يستصبح تحت السماء دون السقف ، يعني هذه مرسلة للشيخ الطوسي ، فأصل التقيد هو رواية مرسلة للشيخ الطوسي وإلا الروايات المسندة التي ذكرت في أصل البحث لم تقيد بتحت السماء وإنما هذه فقط رواية مرسلة ذكرها الشيخ ، ولكن هذه الرواية المرسلة أفتى بتقييدها الكثير إن لم يقال المشهور.

فبالتالي هذا القيد من أين يأتي ؟ ، وأصل هذا البحث طبعاً بحث الفقهاء هل الدهن بالتبخر يستحيل ، مثلاً ما متنجّس إذا بُخِّر ثم كثّف فنعم يطهر ، يقولون هذا التنجس أجلكم الله الآن افترض أنَّ مياه الصرف الصحي بغض النظر عن إزالة الميكروبات في عمليات كيمياوية معينة ولكن كيف يطهر ؟ توجد وجوه للطهارة وهي الآن محل ابتلاء ، مثلاً ماء الشرب في جملة من المدن الغربية هو نفس ماء الصرف الصحي يكررونه ثم بعد ذلك يستعملونه ، وهذا في مدن كبيرة ومزدهرة عندهم فكيف يطهر هذا ؟ إذا يوجد أكرار دفعةً وكان الماء مضافاً وصار ماء مطلقا دفعة فها قابل لتصوّر الطهارة بغض النظر عن القذارة النفسية أو التأفف ولكن هذا حكم آخر ، ولكن كحكمٍ شرعي ، إذا كان ماء مضاف نجس بحجم كرّ أو أكرار إذا انقلب دفعةً واحدةً فهو سيطهر ، أما إذا انقلب بالتدريج فيبقى متنجساً ، أنت الآن لو جمعت الآن ماءً قليلاً متنجّساً شيئاً فشيئاً إلى أن بلغ به عشرة أكرار فهذا لا يطهر ، ولو أنَّ هذه المسألة محل جدل عند الفقهاء في باب الطهارة ، ولكن المشهور شهرة عظيمة ( إذا بلغ الماء قدر كر فلا ينجسه شيء ) حملوه على أنَّ عاصمية الكر للماء قبل طروّ النجاسة أي قبل الملاقاة ، أما إذا كان من الأوّل هو متنجّس ثم بلغ كراً فهذا لا يطهر ، وإن كان العامة عندهم هذه الفتوى وبعض شواذ علماء الامامية ربما عندهم هذه الفتوى ، ولكن المشهور شهرة مطبقة ، خلافاً للعامة أنَّ الماء المتنجس إذا أضيف قسماً بعد قسمٍ فهذا لا يسبب طهارته وإنما يبقى متنجّساً مثل التغيّر.

كما أنه إذا افترضنا أن الكرّ فالكر لا يتنجّس بالملاقاة ولكنه يتنجّس بالتغير ، فإذا أزيل تغيره هل يطهر ؟ إنه يطهر بشرط وهو أن يكون الباقي غير المتغيّر منه كراً فأكثر ، فقسم المتغير زال تغيره بأن اتصل بكرٍّ طاهر فهنا يطهر ، وأما إذا كان يوجد كرّين أو كرّ كامل أو أكرار كله متغير أو جله متغير وغير المتغير منه قليل وزال التغير فهنا لا يطهر عند علماء الامامية ، أما عند العامة يطهر وربما بعض شواذ علماء الامامية ولكن المشهور وهو الصحيح أنه لا يطهر.

فالمقصود إنه في كيفية هذه المياه التي هي محل الابتلاء ولو في جملة من البلاء إذا كان هذا الماء المضاف - وليس المطلق - انقلب من ماء مضاف إلى مطلق دفعة أكرار كرّ فما زاد فنعم يطهر الماء ، لأنَّ هذا ليس متنجّس أضيف له متنجس وأضيف له متنجّس حتى صار أكرار ، وإنما هذا يختلف ، فهذا أصلاً وجد دفعةً ماءً مطلقاً أكرار ولم يطرأ عليه سبب النجاسة أو شيء آخر ، فالماء طريقة تطهيره هكذا ، والآن ذكرنا هذه البحوث من جهة أننا الآن في الدهن المتنجس كذلك طريقة تطهير الماء فأحد طرق تطهير الماء هي أنه بُخِّر الماء ثم كثّفه يصير طاهراً ، أجلكم الله هذا المثال بحثوه في باب الطهارة إذا تبخر البول وكثّف ولو في سقف دورة المياه وتساقطت قطرات منه فهل هذه القطرات طاهرة أو نجسة ؟ قالوا إذا كان هذا الماء الذي تجمع أيضاً بولي أيضاً فيصير نجساً لأنه بول بخّر وكثّف بولاً فيكون نجساً ولو بلحاظ بعض عناصر البول ما إذا تبدل من بول إلى ماء مطلق فهذا طاهر ، أما الماء المطلق يتبخّر ماءً متنجساً مطلقاً فيكثف ماءً مطلقاً مرّة أخرى لكنه يطهر ، هذا هو الفرق بين عين النجاسة وبين الماء المتنجس ، وهذه بحوث ذكروها في باب الطهارة.

فماذا عن الدهن ؟ الدهن من الواضح أن تبخّره لا يقلبه بعد ذلك إلى الدهن وإنما هو أيضاً يتكثف دهناً ولذلك يصير سقف المكان الذي يستصبح بالدهن المتنجس تحته يصبح دهني فهذه جزئيات عرفاً يقال نفسه دهن ، فهل هذا يسبب طهارة الدهن ؟ كلا سيما إذا كان عين النجس كإليات الميتة ، فبالتالي إذ كان نجساً أو عين النجس الصحيح أن إدّهان السطح بسبب بخار الدهن وكذلك حتى الكازوئيل وغير ذلك تراه نفسه إذا أُحرق فنفسه يتكثف نفس المادة ونفس الكربونات وغير ذلك ، فالمقصود إذاً هذه الرواية إشارة ، وتعبير الشيخ الطوسي في هذه الرواية المرسلة التي ذكرها يقول:- ( روى أصحابنا أنه يستصبح به تحت السماء دون السقف ) ، فهل هنا يستصبح به تحت السماء هل هذا إرشاد أو هو قيد تكليفي ؟ ارشاد إلى أنه يتنجس أو لا ؟ الصحيح هو ما استحصله الشيخ جعفر كاشف الغطاء وقد ذكرناه في بدايات مبحث المكاسب أن المحصّل من الأدلة ، ولو أنَّ متأخري هذا العصر لا يلتزمون به ، ولكنه هو صحيح ، ولكن بعضهم في الجملة التفت إليه ، وهو صيح ، وهو أن تلوث البيئة له حرمة نفسيه بملاك مقدمي ، وذكرنا ثمّة سابقاً روايات معتبرة في موارد عديدة دالة على هذا الحكم الذي ذكره جملة من الأصحاب القدماء وبلوره الشيخ جعفر كاشف الغطاء بشكلٍ جيد.

أوّلاً نشرح هذا المطلب الذي ذكره في الكفاية كبحث صناعي في الأحكام:- ماذا يعني حكم نفسي ملاكه مقدمي ؟ ، لذلك صاحب الكفاية لم يقبل أنَّ نفية الحكم بأن يكون ملاكه ذاتي ، كلا بل ربما حكم نفسي مثل وجوب التعلّم المشهور شهرة عظيمة وهو الصحيح وجوب تعلم الأحكام الفرعية وجوبه - وليس استحبابه - نفسي يأثم الإنسان إذا لم يتعلم في محل الابتلاء وإن لم يؤدِّ جهله وعدم تعلمة إلى المعصية ولكن مع ذلك يجب التعلّم في موارد الابتلاء التي هي في معرض الابتلاء وإن لم يقع الابتلاء ، فهنا وجوبه نفسي ، وإن كان ملاكه ليس نفسياً ، فوجوب معرفة العقاد وجوبها نفسي وملاكها ذاتي لأنها كمال في الإنسان بأنَّ يعلم بالتوحيد والنبوة والامامة والمعاد وبقية تفاصيل العقائد من أصول العقائد وضرورياتها هي في نفسها ملاكها نفسي كمال وغير ذلك ، أما وجوب تعلم الفروع العلمية نعم وجوبه نفسي ولكن هل ملاكه ذاتي كوجوب لا كاستحباب فهو كاستحباب نعم هو كمال أما كوجوب فليس ملاكه ذاتي نفسي وإنما ملاكه مقدمي ، يعني مقدمةً لأن يمتثل الإنسان ويطيع ربه تعالى في أوامره ونواهيه فإذاً ملاكه مقدمي مع ذلك هذا لا يمانع أن يكون وجوبا نفسياً ، وهذا ذكره صاحب الكفاية ، كما أنه في بعض الموارد وجوب نفسي ثبوتي ملاكه طريقي ، وهذا ذكره صاحب الكفاية في أقسام الحكم ، لا يتخيّل متخيّل أنه إذا كان الملاك طريقي فهذا يعني أنه حكم ظاهري ، صحيح أنَّ غالب الأحكام التي ملاكها طريقي يعني استطراق استكشاف ، غالب الأحكام التي ملاكها طريقي هي أحكام ظاهرية وليست أحكام واقعية ثبوتية ، ولكن هناك بعض القليل من الأحكام النفسية رغم مع أنَّ ملاكها طريقي ولكنها نفسية مثل الردع حكم الحاكم الشرعي القاضي ، المعصوم أكرم وانعم ، أو غير المعصوم وإنما هو نائب المعصوم الذي هو الفقهاء ، قضى بالموازين الشرعية أنَّ هذا المال لفلان ، فلا يصح ردّ حكم الحاكم إذا كان على الموازين الشرعية ، ولو أردت أن ترده فعلية أن تأتي بموازين أخرى وأدلة شاهدة معارضة فهذا بحث آخر ، أما قبل أن تأتي بذلك فلا يجوز ردّه ولو يعلم المتنازعان أنه ما بينه وما بين الله أنه هو صاحب الحق وذاك مبطل وهذا المال ماله فحكم القاضي طريق ولكن وجوبه نفسي ، الردّ علية لا يصح ، مثل ما المعصوم ﴿ فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكّموك فيما شجر بينهم ﴾ ، فلا يصح ردّ حكمه ولو كان على الموازين الظاهرية ، فوجوب الأخذ بالحكم الشرعي القضائي الموزون على الموازين الشرعية وجوبه نفسي إلى أن تستطيع أن تستأنف الدعوى ، أو تقيم دعوى أخرى ، أو تأتي بأدلة أخرى ، فهذا باب آخر ، وتفصيله مذكور في باب القضاء ، ولكن الوجوب نفسي مع أنَّ الحكم طريقي.

وهذا القالب عجيب من نوع الحكم ، وكيف هو عجيب ؟ من جهة أنت حتى لو تعلم أنَّ الواقع خلافه فأنت لا تستطيع أن تخالفه لأنه نفسي ثبوتي واقعي ، ومن جهة ذاك المبطل حكم القاضي لأن يسبب حلية واقعية له ، وإنما يكون آكلاً للمال الحرام ، فلاحظ هنا جمع بين الخاصيتين بين أن يكون حكم القاضي نفسي واقعي وبين أن ملاكه طريقي فهو يجمع ،ولكن هذا قليل في الأحكام وإنما غالباً الملاك الطريقي حكمه ظاهري ، فعلى كل أقسام وفنون في أنماط الأحكام عجيبة كثيرة موجودة في أبواب الفقه يلزم الالتفات إليها فمن غير الصحيح أن تحكّم الإنسان الطبيعة الغالبة كلا بل توجد طبائع قليلة تأخذ امتيازات وآثار مزدوجة من الطبائع وهذا يلزم الالتفات إليه ، شبيه ما قالوه في حكم القاضي في الهلال ، حكم الحاكم في الهلال البعض بنى عليه أنه حكم قضائي ملاكه طريقي ، ما هي الآثار إنه بحث آخر ، فإذاً توجد عندنا موارد من هذا القبيل .

لذلك مع أنه ليس بظاهري وإنما هو واقعي ولكن يأخذ بعض خواص الظاهري في بعض الآثار ، كذلك عندنا كما ذكر صاحب الكفاية وكثير من علماء الأصول أنه لدينا حكم نفسي ملاكه مقدمي ، ومقدمية ملاكه لا تنافي أن يعاقب الإنسان المكلف عليه نفه بغض النظر عن ذي المقدمة.

فإذا تبيّن هذا المطلب ، ونحن لماذا أشرنا إلى الأقسام ؟ لأنه إذا عرف الإنسان أقسام الأحكام فسوف يعرف حينئذٍ ظهور الأدلة أنها ناظرة إلى أيّ نمط من أنماط الأحكام ، هنا النهي عن تلويث البيئة لماذا هو نفسي ، أليس لأجل أن يؤدي إلى أكل المتنجس أو شرب المتنجس أو الصلاة في المتنجس أو أنَّ اليد تتلوث وأنت تلمس القرآن مثلاً ؟!! ، فالمهم أنَ تلوث البيئة إذا جرَّ إلى ارتكاب فعلٍ مشروطٍ بالطهارة سيكون إثماً ، فإذا ملاكه مقدمي ، وصحيح وإن كان ملاكه مقدمي ولكنه حكم نفسي ونهي وحرمة نفسية ملاكها مقدمي.

يعني بعبارة أخرى:- إنَّ هذا البحث ذكروه ، فالوسواسي ليس بصحيح ، وتعبير الاغا رضا الهمداني إذا بنينا على المتنجّس ينجّس لا يبقى شيء طاهر ، طبعاً إذا بنينا على أنَّ المتنجس ينجّس بواسطة أولى وثانية وثالثة وعاشرة وعشرين ومائة فسوف تصير كل البيئة نجسة ، ولكن الكثير لا يلتزمون بأنَّ المتنجّس مطلقاً سواء الأول أو الثاني أو العاشر ينجّس ، وإنما إلى واسطة أولى أو ثانية أو ثالثة أما الزائد فلا ، فيوجد بحث عندهم في باب الطهارة مرتبط بهذا المطلب وهو أنَّ التقصير في البيئة يؤدي إلى تلويث البيئة ، هذا الحكم وسطي بين الاهمال وبين التشدد كالوسواسي ، فلا هو تشدد وسواسي ولا هو إهمال ، وإنما هو أمر وسطي ، ففي باب الطهارة والنجاسة إذا كان عندك علم أنه بعينه نجس فقل نجس أو متنجس وإلا فـ( كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر ) ، و ( حتى تعلم ) لا أنه يوجد اهمال كأن تأتي بكلبٍ إلى الدار وتأتي بنجاسات فالأمر ليس كذلك ، فأنت البيئة محافظ عليها وأنت غير مهمل ، مثل ما يقولون الحائض المتهمة أو أي شخص متهم ، ومتهم يعني لا أبالي ، فاللا أبالي ليس ( كل شيء لك طاهر حتى تعلم أن قذر ) فهنا ليس قصة وسواسي بل هذا الشخص أصلاً لا أبالي ، نعم إذا صار لا أبالي فهذا ليس من باب الوسواسي ، هذا اللا أبالي إذا أدّى في الواقع إلى شرب النجس فسوف يعاقب عليه وإن لم يعلم تفصيلاً ، لأنه من الأوّل بالمقدمات القريبة بوسائط قريبة هو كان لا أبالي ، في الأكل وفي الشرب وفي الصلاة ، حتى صلاته لا تكون صحيحة ، ولماذا فهو ليس لديه علم تفصيلي أو هو ناسي وإنما حصل ذلك بوسائط ثلاث وشائط صارت نجاسة في الثوب ولكن من باب اللا مبالاة ؟ ، فإذا كان من باب اللا مبالاة الصلاة أيضاً تعاد ، فإذاً هذا الحكم وهو حرمة تلوث البيئة القريبة من الأكل والشرب والصلاة وما يشترط فيه الطهارة نعم هو مسؤول عنه ، صحيح أن الشارع جعل كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه نجس ، ولكن ليس بمعنى الاهمال مطلقاً ، بل يجب أو تقي البيئة ، هذا هو الحكم الوسطي في باب الطهارة والنجاسة ، ومرّ ذكر جملة من الروايات في الموارد المتعددة الدالة على هذا لحكم النفسي الحرمة النفسية لتلويث البيئة.

حينئذٍ هذه الرواية الواردة في المقام مع فتوى الأكثر بها محمولة على نفس المطلب ، لأنه تلويث البيئة ، وهذه بيئة قريبة وتعلم أنه يوجد مطر وعرق يتساقط وغير ذلك ، فهذا على القاعدة ، وهذا لا ربط له ببحث صحة البيع ولا غير ذلك ولكن بهذا اللحاظ.

إذاً قضية هذا القيد مرتبط بنفس هذا الحكم الذي مرّ بنا ، وهو أنه توجد نصوص متعددة دالة عليه وهو على القاعدة ، فلا يوجد فيه أيّ شذوذ.

حتى الذين قالوا بأنَّ الأحكام اعتبارية لكن لها ملاك تكويني ، صحيح هي اعتبارية ولكن اعتبار له منشأ ملاك تكويني ، العدلية خلافاً للأشاعرة والمعتزلة يقولون إنَّ الأحكام ذات ملاكات مصالح ومفاسد ، نعم الشرع لم يرتب على العنوان التكوين لأنه غير معلوم عند المكلفين هنا ضرورة الشريعة وضرورة التقنين والتشريع الاعتباري- ( دين الله لا يصاب بالعقول ) - كي يلتفتوا.

فالمقصود أنَّ هذا القيد في هذه الجهة الثالثة لا نرى فيه شيئاً زائداً على ما تقدم ، ولذلك في روايات مرّت بنا وهي من ضمن روايات هذا الحكم ، وهي روايات الصيقل ، والصيقل عندنا الأب والابن محسّنان إن لم يكونا ثقتين ، فإنه توجد قرائن عديدة على ذلك ، ( أني اتخذ كذا من جلود الميتة وأصنعها ، قال: اتخذ لصلاتك ثوباً ) ، يعني إن كانت بيئة عملك ملوثة فهذا بحث آخر ، ولكن لا أقل الصلاة اجعل لها ثوباً آخر ، ولا تقل أبني على الطهارة ( كل شيء لك طاهر ) .

فلاحظ كيف هذا ، فأنت اجمالاً تعلم فتصير تداعيات واهمال فكيف تقول لي ( كل شيء طاهر ) ، كلا بل هنا يلزم أن تتوقَّ فتجعل ثوباً للصلاة وثوباً للمنزل للأكل والشرب ، اعزل البيئة الملوثة عن البيئة المشروطة بالطهارة ، ( قال السائل للإمام الجواد عليه إني قد سألت أباك أبا الحسن الرضا وأجابني هكذا ، قال: نعم هو كما قال لك أبي ، قال: هذا صعب ، قال: كلّ أعمال البر بالمشقة ) ولكن تثاب عليها ، فلو كنت تريد الطاعة فهي هذه ، فالمقصود أنَّ هذه قضية ليس فيها مؤونة زائدة عن حكم تلوث البيئة ، وهي على القاعدة حتى لو كانت هذه الرواية مرسلة مع أنه أفتى بها الأعلام.

ثم بعد ذلك يدخل الشيخ في الجهة الرابعة والأخيرة في هذه المسألة وهي مسألة بيع الدهن المتنجس أو النجس:- وهذه المسألة هي ليست في الدهن المتنجّس أو النجس فقط ، بل حتى هذه المسالة هي مثال لكل المتنجّسات ولكل أعان النجاسة وهذه من الطرائق الصناعي التي مرّ التنبيه عليها مراراً عند الفقهاء أنه رغم أن الأدلة خاصة والعناوين خاصة لم يحملوها على الخصوص ، الآن الله يعلم من بادية المكاسب إلى هذه المسالة كم مرت مسألة مرت علينا سبع مال أو ثمان مسائل أو عشر مسائل ذات شقوق عديدة أدلة خاصة وروايات خاصة إلا أنَّ المشهور شهرة مطبقة لم يحملوها على خصوص هذه العناوين ولا على التعبد الخاص بل فسّروها كلها بالقواعد العامة ، فهم عالجوا الدلالة الخاصة وضوابطها بغية الوصول إلى أنها ضوابط عامة مع أنها أدلة خاصة ، ولكنهم اعتبروها عامة ودققوا في دلالتها وقيودها لأجل استخلاص قالب قيودي عام ، لذا هذه الجهة الرابعة صحيح هي في الدهن المتنجّس أو النجس ولكنها ليست خاصة بخصوص الدهن المتنجّس ، ولذلك هم صرّحوا وقالوا إنَّ هذا في مطلق المتنجّس ومطلق عين النجس ، ما هو هذا البحث المهم ؟ ، وهذا البحث كأنما ليس بحثاً في الدهن المتنجّس وإنما هو في كل المكاسب المحرّمة ، وما هو هذا البحث ؟

الآن يبدأون بالمثال الخاص ثم ينطلقون إلى العموم ، هل في الدهن المتنجّس أو عين النجس كالإليات يسوغ تكليفاً - غير بحث البيع بل حتى بحث البيع يتأثر به - الاستصباح به فقط ؟ فلو أردت أن استعمله في الاصباغ ولكن لا بما يلوث البيئة كأن أطلي به بعض الدواب أو أصبغ به الأبواب البعيدة عن محل الابتلاء أو غير ذلك فالمهم أني استخدمه في منافع أخرى محللة في نفسها فهل يوجد مانع من ذلك ؟ ، ومقصودهم من محلّلة يعني ليس هناك دليل خاص على الحرمة ولا دليل عام على الحرمة ، لا دليل خاص على الحرمة لفعل منفعي معيّن ولا دليل عام ، فهل الأصل في المتنجّسات المنع من الانتفاع بها ألا أن يأتي دليل خاص وينصّ على المنفعة الخاصة أو لا ؟ - فلاحظ هذا بحث عام كلّي - أو أنَّ الأصل في المتنجّسات هو ما نُصّ على حرمته هو الحرام سواء كان بدليلٍ خاص أو عام وأما غيره فيبقى على عمومات الحل ؟

والبحث في أعيان النجاسات نفس الكلام ، والشيخ يقيم بحثين ، بحثٌ في المتنجسات ، وبحث في أعيان النجاسات ، وهو بحث مهم وابتلائي ، ولكن المهم قبل الدخول فيهما ضبط النكتة الصناعية ، ونذكر الفهرست فقط ونؤجل البحث إلى الجلسة اللاحقة.

ماذا يعني الفقهاء من عبارة ( هل المنافع الأخرى غير المحرّمة حلال أو لا ؟ ) ، فإذا كانت غير حرّمه فهي حلال فكيف يقولون غير محرّمة وحلال ؟!!

نعيد هذا السؤال لأنه توجد فيه نكتة صناعية فقهية:- يعني مقصودهم أنه غير منوص على حليته بالخصوص ، وغير منصوص على حرمته بالخصوص ، منفعة لا هي منصوص بالخصوص على حلّيتها ولا منفعة منصوص بالخصوص على حرمتها ، فلا يوجد نصّ خاص لا لهذا الطرف ولا لذاك الطرف ، هذه المنفعة للمتنجّس أو قل لعين النجس الأصل في المنافع لا يوجد دليل عام ولا خاص على الحرمة ولا دليل عام أو خاص على الحلّية - يعني نفترض أنه لا يوجد دليل خاص على الحلية - ، فحينئذٍ في منافع المتنجّس هل هي الحلّية أو الحرمة ؟ ، فالأصل في منافع أعيان النجاسات هل هو الحلّية أو الحرمة ؟ ، فصناعة البحث وتحرير موضع البحث من المهم الالتفات إليه ، وتتمة البحث إلى غدٍ إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo