< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الدهن المتنجس.

كنا في صدد استعراض الشيخ الأنصاري أو أدلة بقية الأعلام على حرمة قاعدة التغرير ، وفي خضمّ هذا البحث تارة الطرف الآخر جاهل بالحكم أصلاً ليس قصة جاهل بالموضوع ، في نفس هذه الصورة وهي صورة أنَّ فعل الإنسان شرطاً لفعل الغير المحرّم فتارةً هو جاهل بالحكم هنا هل يجب إخباره بالحكم الكلّي يعني الموضوع هو ليس جاهلاً به وإنما هو جاهل بالحكم فهنا يجب الإخبار لا من باب قاعدة التغرير بل من باب وجوب تعليم الجاهل ، ارشاد الجاهل إلى أحكام الشرع واجب مجّاني ، مسؤولية وأمانة في كلّ من تعلّم مسألة فهذا العلم له ضريبة سواء كان رجل دين أو ليس برجل دين ، فالعلم بالمسألة الشرعية مسؤولية ولها ضريبة وهو أنَّ الجاهل بتلك المسألة عليك تعليمه لا أنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلاحظ أنه تأتي عدّة قواعد في البين ، من باب لزوم ارشاد الجاهل بالشبهة الحكمية ، فإرشاد الجاهل بالشبهة الحكمية واجب ، وهذا خارج عن محل بحثنا إذا كان من باب أنَّ الطرف الآخر ليس جاهلاً بالموضوع وإنما هو جاهل بالحكم ، إنما الكلام فيما إذا كان عالماً بالحكم جاهلاً بالموضوع هل يجب إعلامه أو لا وإلا يصبح تغرير في البين.

فالشيخ استدل أوّلاً بما ورد في أن من أفتى بغير علم أو قضى بغير علم وهلم جرا.

وهذه القاعدة - وهي من أفتى بغير علم أو قضى بغير علم - في نفسها صحيحة متينة ، ولكن هل لها صلة بقاعدة التغرير ؟

أشكل جماعة من الأعلام:- بأنَّ هذه القاعدة ليست لها صلة بالغرير وإنما يه قاعدة أخرى وهي أنَّ الإنسان لا يسوغ له التصدي للفتيا ومن أكبر الكبائر واكبر المعاصي أن يتصدى الإنسان لمنصب ديني لا تتوفر فيه شرائطه سواء في الفتيا أو في القضاء أو بقية الشؤون والمناصب الشرعية ، فهذا من أكبر الكبائر وهو نوع من اغتصاب الولاية الشرعية ولو النيابية عن المعصوم عليه السلام من دون حق ، هذا في نفسه بغض النظر عن الطرف الآخر مغرور أو ليس بمغرور بل هذا في نفسه كبيرة من الكبائر فما ربطه حتى يستدل بها الشيخ في المقام.

ولكن الذي ذكره الأعلام صحيح:- وهو أنَّ هذه القاعدة في نفسها من جهة معصية وكونها كبيرة من الكبائر العظيمة جداً في الدين أن يتسنّم الانسان منصباً ليس متوفر فيه الشرائط الشرعية فمن هذه الجهة صحيح ، ولكن أيضاً مذكور فيها أنَّ هذا نوع تغرير للآخرين أيضاً ، يعني هذه القاعدة التي ذكرها الشيخ فيها جهة أخرى أيضاً وهي تغرير الآخرين المكلفين سواء كان في الفتيا أو في القضاء أو في بقية تنفيذ الأحكام الأخرى غير القضاء كالحسبية وغير ذلك إذا لم يكن هو واجداً للشرائط وليس مأذوناً ولا غير ذلك فالكلام هو الكلام.

أقول إنَّ اجتماع حيثيتين في موردٍ واحد لا مانع منه ، والروايات تشير إليه ، فالاستدلال على قاعدة التغرير بهذه القاعدة الأخرى لا مانع منه ، صحيح أنَّ هذه القاعدة الأخرى ليست متمحّضة في التغرير ، يعني ليست الحرمة من جهة التغرير فقط وإنما الحرمة من جهة أصل الاغتصاب أو غصب منصب شرعي والانسان غير واجد للشرائط فيه وهذا من أكبر الكبائر ، حتى أنَّ الكثير من الكبار يقولون هذا لا يقل عن غصب الحكم السياسي بل ربما اخطر ، وهذا صحيح ، وطبعاً هذه المسؤولية وهذه القاعدة تلاحق الإنسان ليس في أصل التصدّي بل حتى في الفتاوى ، افترض أنه مجتهد وفقيه عادل ، وكل هذا صحيح ، ولكن في مورد لم يستنفذ الاستنباط فالكلام أيضاً نفس الكلام فتأتي المسؤولية نفسها ، يعني يجب أن تكون الفتيا مستندة إلى طي هذه الموازين والاستنباطات وهي على درجات ، وفي القضاء أيضاً هكذا قد يكون ، نعم هو واجد للشرائط ولكن في خصوص هذ المسألة وفي خصوص هذا الباب قصّر في استيفاء الأدلة ، فالكلام هو الكلام فإنَّ المسؤولية تأتي أيضاً ، فالمهم أنَّ استدلال الشيخ وإن كان صحيحاً هذا قاعدة أخرى ولكن لا تنافي أنَّ أحد جهات حرمتها من جهة التغرير.

وطبعاً هذه رواياتها كثيرة ، والروايات كما ذكرت للإخوان في الوسائل في أبواب صفات القاضي الباب الرابع وقبل وبعده توجد روايات لو تمت مراجعتها ففيها معتبرة السند ، كتاب القضاء اسمه كتبا القضاء ولكنه في الحقيقية أحاديث الفتيا والمفتي والاجتهاد والتقليد والقضاء وحتى الفقه السياسي كلها موجودة في كتاب القضاء ، لا أقول فقط هناك ولكن عمدتها موجودة في كتاب القضاء من الوسائل ، فمن الجيد تصفح كتاب القضاء مراراً ، وجملة من الأعلام هذا الكتاب استفادوا منه سواء من جهة قضاء أو من جهة الفتيا أو الاجتهاد أو غيرها ، حتى فيه الكثير من البحوث مثل حجية الكتاب والسنَّة وحتى الخلاف بين الاخباريين والأصوليين هناك نكات لطيفة سنلتفت إليها وبحث الاجتهاد وحث حجية العقل وحجية ظهور القرآن ، بحث الحج ، وكأنما هو كتاب أصولي أصلاً ، فهذا كتاب القضاء في الوسائل هو كتاب مفعم بالقواعد الشرعية في علم أصول الفقه ، وأيضاً قواعد فقهية كثيرة ، باب الاجتهاد والتقليد وغيره فلا يفوتنكم ، وواقعاً الإنسان كلما يقرأه مراراً مثلاً بابٍ من الأبواب حشد فيه صاحب الوسائل خمسين أو ستين رواية ، وفي بابٍ آخر سبعين رواية ، وفي باب أخر ثلاثين رواية ، وكلّها مفيدة ومتينة ، والكثير من الشبهات الآن التي تذكر سواء من الحداثويين أو العلمانيين حول أصل نظام الدين وهيكل طبقات صلاحيات الدين هنا بحوثها موجودة وقراءتها والتدبر فيها ممتع جداً ومفيد لبحوث كثيرة.

نعود:- فالقاعدة الثانية التي استدل بها الشيخ روايات واردت في أبواب صلاة الجماعة الباب السادس والثلاثين ، وليس هذا الباب فقط بل توجد أبواب أخرى بعيدة وقريبة منها في أبواب صلاة الجماعة - في الباب السادس والثلاثين وغيره - ورت عدة روايات وليست واحدة أو اثنين أو ثلاث وإنما هي كثيرة ، فالكلام ليس في أصل سندها وصدورها وإنما الكلام في لسانها ومفادها من قبيل:- ( ما من إمام صلّى بقوم فيكون في صلاتهم تقصير غلا كان عليه أوزارهم ) ، أو في رواية أخرى ( فيكون في صلاته وصلاتهم تقصير إلا كان إثم ذلك عليه ) ، وتوجد روايات أخرى أيضاً عن الامام الصاق عيه السلام حيث يسأل الراوي الامام عليه السلام:- ( هل الامام ضامن لصلاة المأموم ؟ فقال: وأيّ شيءٍ يضمن غير الحمد والسورة ؟!! ) فهي قالت ( لا يضمن الامام صلاته إلا أن يصلّي بهم جُنُباً ) ، وكأنما هذه تعارض الروايات التي تقول إنَّ وزرهم عليه ، فهل هذا تعارض ؟ ، عدّة روايات تنفي أنَّ الامام ليس عليه مسؤولية المأموم إلا أن يكون جنباً أو هو غير واجد لشرائط امام الجماعة وهذا ذاك بحث آخر ، وإلا فإمام الجماعة لا يضمن مسؤولية صلاة المأمونين.

فجملة من الأعلام هنا في بحث المكاسب المحرمة قالوا إنه كيف يستند الشيخ بتلك الروايات التي تقول عليه وزر تقصيرهم فإنَّ هذه الروايات للتقية فهي مطابقة للعامة.

وفعلاً الأمر كذلك ، بينما الروايات التي تنفي المسؤولية تقول ليست مسؤوليتهم عليه إلا أن يكون هو غير واجد لشرائط إمام الجماعة ، فالشيخ استند إلى روايات أشبه مفادها بالتقية ، فهذه القاعدة هنا ليس مسلّمة حتى تكون من باب اثبات قاعدة حرمة التغرير.

ولكن الصحيح كما حرّر في أبواب صلاة الجماعة:- أنه لا يوجد تعارض بين الروايات وإن كان ما قالوه من التقية صحيح ولكن لا يوجد تعارض ، وكيف ذلك ؟ عن هذا يحتاج إلى توضيح لطيف نستفيد منه كبرى كلية في موارد عديدة ، بعض القضايا مثلاً افترض في سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أمير المؤمنين أو الامام الحسن أو الامام الحسين أو افرض قول من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لأمير المؤمنين أو للأئمة المتقدمين عليهم السلام هذا القول أو هذا الفعل صدر أن بني أمية أو بني العباس ولا سيما بني أمية لأن فصدهم تشويه والازراء والعياذ بالله بالني صلى الله عليه وآله وسلم أو بأمير المؤمنين عليه السلام أو بالأئمة عليهم السلام يحرّفون الفعل عن وجهته يضخّمونه بشكلٍ بشع أو غير ذلك ، وهذا يسمونه عالم الإعلام فيصورونه بصورة مشوهة جداً ، مثل قضية أصل زواج الامام الحسن عليه السلام ، وأنا لا أريد أن أدخل فيه وقد ذكرنا جواباً من خمسة نقاط يمكن مراجعتها ، أصل هذه القضية كيف ورها بني أمية وضخموها بشكل كبير لأجل أن يطعن بها على الامام الحسن عيه السلام ، يعني هي فعل يمكن تصويره بشكلٍ ملتبس لكي يطعن به على الامام الحسن عليه السلام ، فأصل الفعل موجودٌ ولكن ليس بهذه الصورة والضخامة والبشاعة التي هو يصورونها بل جهة إيجابية مثل جده المصطفى ولكنهم هم يصورونه من جهة كمية ومن جهة كيفي يعني سوداوية يشوهون بها ويطعنون بها الامام السحن عليه السلام.

فهنا لاحظوا أنه توجد ثلاث أو أربع زوايا في البين وليس هذا المثال فقط بل توجد أمثلة كثيرة ، كما يقول الامام الصادق عليه السلام إنَّ أكثر انحراف الطرف الآخر في أساسيات الفقه هو بهذا السبب ، فإما أنَّ مقالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليست كاملة عندهم وإنما سقط منها بعض الكلمات ، أو أنَّ الفعل حُرِّف عن وجهته الأصلية ، مثل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما شاهد الشاة ميتة عند أم سلمة فقال:- ( ما كان على أهلها لو انتفعوا بإهابها ) ، فهم فهموا من ( انتفعوا بإهابها ) يعني بعد موتها يدبغون الجلد فيَطهُر ، بينما النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس هذا مراده ، وإنما مراده أنه ذكّوها قبل أن تموت ، قالوا هي مريضة فقال انتفعوا بإهابها فإنه حتى إذا لم ينتفعوا بلحمها فلا أقل ينتفعون بإهابها ، فلاحظ أنهم نفس غرض الكلام لم يفهموها وقرائن الكلام لم يفهموها ، ومن هذا القبيل بيّن الامام الصادق في وقت صلاة العصر ووقت صلاة العصر ، وسببه هو سقط كلمة في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندهم قلبت كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مائة وثمانين درجة بالعكس ، وهناك أمثلة كثيرة لا نريد الخوض فيها.

فأصل الكلام أو أصل الفعل قد يكون موجوداً ولكن هم صوّروه بشكل خاطئ ونقلوه بشكلٍ خاطئ وفهموه بشكلٍ خاطئ عمداً أو جهلاً أو سهواً ، ولكن حينما تأتي إلى روايات أهل البيت مجاراةً لهم فكثيراً ما في روايات أهل البيت عليهم السلام يجارونهم ، ولكن في روايات أخرى عند أهل البيت عليهم السلام تقول لك إنَّ هذه مجاراة وتقية فالتفت إلى ذلك ، وقد تأتي روايات ثالثة عند أهل البيت علهم السلام تقول إنَّ أصل المطلب صحيح ، والطائفة الثالثة أيضاً صحيحة ، يعني أصل الفعل أو أصل القول صحيح ولكنهم ضخّمون ويحرّفونه عن وجهته الأصلية.

فههنا في علاج الأعلام قسم منهم يأخذون بأنه بالتقية فيطرحون اللسان الثاني والثالث بالمرّة ، بينما يوجد قلّة من الأعلام وهو الصحيح أنَّ أصل القضية لها صحّة ولكن تضخيمها وتحريفها عن وجهتا تقيةً ، والنفي ناظر إلى التضخيم المشوِّه وللتحريف المشوّه لا لأصل القضية ، وتوجد أمثلة كثيرة في هذا المجال ، حتى قصّة هاروت وماروت ، فإنه بعد التدقيق في الروايات الواردة عند أهل البيت عليهم السلام فطائفة لسانها مثل لسان العامة فهي تقية ، وطائفة تنفي ما ينسب إلى الملكين هاروت وماروت تماماً ، وطائفة ثالثة تقول إنَّ أصل القضية موجودة ولكنهم فهموه خطأً وباطلاً وليس بهذا التشويه الذي يقولونه ، فهنا الطائفة الثانية تنفي الأولى وليس الطائفة الثانية تنفي الثالثة.

وما نحن فيه أيضاً هكذا ، فما نحن فيه لاحظ أنه يوجد لسان يقول إنَّ الامام يتحمّل وزر المأموم ، والعامة فهموا منه أنه يتحمّل حتى ذكر الركوع وذكر السجود وذكر التشهد أو الركوع والسجود ، وهذا ليس بصحيح ، فهذا الفهم خاطئ ، وروايات أخرى تنفي ( وأي شيء يضمن ؟!! ) فهو لا يضمن ، وهذه هي الطائفة الثانية ، وهذه الطائفة لا تنفي الطائفة الأولى من رأس وإنما تريد أن تنفي الفهم الخاطئ من الطائفة الأولى لا أنها تنفي أصل قضية الطائفة الأولى ومنشؤها ، فالطائفة الأولى التي تقول إنَّ الامام يتحمّل وزرهم لا أنَّ معناه أنه يضمن عنهم ، ولست تحصر الوزر فيما يضمنه الامام عن المأموم ، كلا ، وحتى أنه موجود في الروايات أنَّ الامام ركوعه لا يكون تاماً وإنما هو نقر كنقر الغراب فهذا النقص في صلاتهم يتحمّل وزره الامام لأنهم يتابعونه ، صحيحٌ أنَّ التطويل والتثقيل ليس بجيّد ولكن لا تكون نقراً كنقر الغراب ، وكما يقول أمير المؤمنين عليه السلام:- ( كان رسول الله أخف الناس صلاةً ) ولكن كانت صلاته تامة ، ركوعه تام ، وسجوده تام ، وكان يذكر ثلاث أذكار في الركوع وثلاث أذكار في السجود مع أنه كان يخفّف الركوع والسجود ولكن مع ذلك كان يذكر ثلاث تسبيحات ، فالمقصود هو أنَّ هذه الطائفة الأولى التي تقول بأنَّ الامام يتحمّل وزر النقص في صلاة المأمومين ليس معناه ما فهمه الطرف الآخر وهو أنه ضان فإنَّ هذا الفهم خاطئ ، وكون هذا الفهم خاطئاً شيء وأصل المطلب شيء آخر ، وفهمه الصحيح وهو أنه إذا سبَّب تغريراً أو تسبيباً - يشمل كلا الصورتين - في أن يصير نقصٌ في ركوعهم وسجودهم ووقار صلاتهم وما شابه ذلك فهو يحتمّل وزره ،كما ورد أنَّ ( امام الجماعة هو وافدكم إلى الله فانظروا بمن تفدون على اله عزّ وجل ) ، يعني هو الرائد الذي يتقدّم الوفد ، فالمقصود أنها هي بهذا المعنى.

فإذاً هذه ليست للتقية ، فلا يوجد تناقض بين الطائفتين الذي ادّعاه الكثير من المحشيّن على المكاسب ، فالروايات الأولى صحيحة المضمون وليست للتقية ويمكن الاستدلال بها كما ذكر الشيخ الأنصاري لقاعدة الغرور.

وأيضاً استدل الشيخ الأنصاري بما ورد في أبواب الأشربة المحرمة الباب العاشر كراهة سقي البهيمة أو اطعامها ما لا يحلُّ للمسلم أكله أو شربه ، والشيخ حملها على الكراهة ، وطبعاً في الخمر البعض التزم حتى بالحرمة ، ولكن إجمالاً بالنسبة إلى عموم ما لا يحلّ للمسلم أكله أو شربه الكراهة ، وطبعاً الشيخ يقول الكراهة أيّ صلة لها بالمقام - فنفس الشيخ يسأل هذا التساؤل - ؟ يقول هذا الاستدلال منّي بهذا الدليل من باب الإشعار ، فإذا كانت البهيمة التي هي ليست مكلّفة هكذا فكيف بك بالمكلف ؟!! وهذا كإشعار.

وما معنى هذا الإشعار فهل هو استدلال أو ليس استدلالاً ؟ ، فالفقهاء تارة يقولون ( ويستدل له ) وتارة يقولون ( ويشهد له ) ، وتارة يقولون ( يشعر ) وتارة يقولون ( يؤيَّد ) - غير تأييد الرواية وإنما نفس الاستدلال - ؟

الاستدلال بنحو الاشعار أو الاستدلال بنحو التأييد ليس دليلاً مستقلاً تاماً ، ولكن ما هي فائدته ؟ غالباً الفقهاء المتبحّرين كثيراً ما يستقصون الاشعارات أو المؤيدات ولا يكتفون بالأدلة والشواهد ، وما الثمرة في ذلك إذا كان الإشعار أو التأييد ليس دليلاً مستقلاً ؟ ولذلك السيد الخوئي ولعلّ جملة كثيرة من تلاميذه لا يعتنون بالإشعار والتأييد ، ولكن نفس السيد الخوئي في الكثير من المواطن حينما يريد أن يحتاط ويتجنّب مخالفة المشهور إذا كان في البين أدلة مشعرة أو منبهة فهو يحتاط وجوباً ، فما هي فائدة الدليل بقدر الإشعار ؟

إجمالاً لتوضيح هذا المطلب لأنَّ هذه روّية موجودة في صاحب الجواهر وكاشف اللثام والشيخ الأنصاري والكثير من كبار الفقهاء وصاحب الرياض وغيرهم ، أما الانسداديون الذين هم مدرسة الوحيد البهبهاني وطبقات تلاميذه إلى الشيخ الأنصاري وتلاميذ تلاميذ تلاميذه فحدّث ولا حرج عندهم الإشعارات والتأييدات مهمة جداً ، يعني على المبنى الانسدادي أدنى درجات الظن تكفي عندهم ، أو أنها تتراكم فتفيد ظنوناً أو اطمئناناً أو وثوقاً بالدليل ، فعلى مبناهم الأمر سهل ، أما على المبنى الانفتاحي غير الانسدادي ما الفائدة فيه وما الثمرة العملية في ذلك ؟ إنَّ المرحوم المظفر في أصول الفقه تعرّض إلى دلالة الاشارة والتنبيه ، وربما في العام الماضي أو قبل عامين أثرنا هذا المبحث وهو أنَّ باب الاشارة والتنبيه والاقتضاء - ثلاث دلالات - ، أصلاً ما هو تعريف هذه الثلاث دلالات الاشارة والتنبيه والاقتضاء ؟ وماذا يقول عنها علماء البلاغة في باب البيان - وليس في علم المعاني - ؟ ، العلم الثاني في علم البلاغة هو علم البيان وهناك تعرضوا لدلالة الاشارة والتنبيه والاقتضاء ، والاشعار أحد هذه الثلاث ، والتأييد أحد هذه الثلاث ، والشيخ المظفر يذكر أنَّ هناك قولان عند الأعلام أو أكثر في حجية هذه الدلالات ، وأنتم راجعوا هذه الدلالات ، أصلاً موضوعاً كيف هي ومحمولاً كيف هي ، وهو باب مهم وليس بالسهل يعبّر عنه بالظهور الخفي وليس الظهور الجلي وما هو نظامه وما هو ميزانه ، فهو مبحث مهم ، ابن سينا عنده كتاب ( الاشارات والتنبيهات ) ، ولماذا سمّاه إشارات وتنبيهات ، فلماذا لم يسمِّه كتاب البراهين ؟ ، ففي الاستدلال العقلي لماذا يكتفي بالإشارات والتنبيهات ؟ إنَّ معنى ذلك أنه توجد درجة من اليقين خفيَّة ، والسيد المرتضى رحمة الله عليه في كتاب الشافي ينبه على هذا المطلب وهو أنه هناك أدلة يقينية أو قطعية ولكنها خفية وليست جليّة ، يعني الرواد بالكاد يلتفتون إليها ذلك القسم من الأدلة يسمّى الاشارات والتنبيهات ، يعني اللبيب يعرفها فهي بدلاً من أن تصير له إشارة وتنبيه تصير له دلالة واضحة ، أما عموم الأفهام فيرونها مبهمة مجملة ، فالمهم هذا باب واسع لو لاحظناه فهو جيد وهو باب الاشارة والتنبيه والاقتضاء وأنه يتم لا يتم ، فمن الجيد ملاحظته ، والفقهاء هم بهذا اللحاظ ، فحينما يقولون إشارة أو تنبيه أو تأييد فهو بهذا اللحاظ ، يعني في الوهلة الأولى تراه كأنه ظن غير معتبر وقالب مجرّد فيه رائحة الاستدلال ، ولكن حينما تدخل في تحليله والتدبّر فيه ترجع إلى أصوله القانونية ، لذلك السيد الخوئي لا يتابع ولا يستقصي الاشارات في الأدلة والتنبيهات ولكن إذا صار خلاف المشهور يقف عن الفتيا خلاف المشهور إذا كان في البين إشارات أو منبهات أو مؤيدات.

وإجمالاً المؤيّد أو المنبّه بعض الأحيان حتى عموم الطرف الآخر لو أتيت له ببراهين قد لا يقتنع أما إذا أتيت له منبهات فسوف يلتفت ويستيقظ بشكل أسرع ، ولماذا ؟ لا أقول إنَّ الاشارة في نفسها حجّة في الوهلة الأولى ، كلا ، ولا التنبيهات ولا الاقتضاء ، لأنه توجد معركة ينقلها المظفر في أصول الفقه ومن المهم مراجعتها ، وأيضا ًهو يذكر القوانين ، وواقعاً هو مبحث مهم ، والذي يريد أن يعرف علم التأويل وغير ذلك وبحث علوم التفسير فمن الضروري مراجعة هذه البحوث ، ولكن إشمالاً لكي نفسّر رويّة الكثير من الفقهاء ، وإلا فالشيخ الأنصاري دائماً يذكر الإشعار فيقول ( ويؤيد ، ويشعر به ، ويشير ) ، فهو لا يعتمد عليه مستقلاً ولكن مع ذلك يضمّه ، فلماذا يضمّه وما هي النكتة ؟

وإجمالاً أذكر هذه الكلمة وأختصر:- إنه يرجع إلى الاشارة ، إلى أصول التشريع ، إلى أصول القانون.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo