< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الدهن المتنجس.

كنّا في هذه الجهة الثانية من بيع المتنجس أو عين النجس مع وجود منافع محللة فيه فالشيخ الأنصاري بعدما بحث الجهة الأولى التي هي جهة وضعية بحث الجهة الثانية وهي إعلام البائع للمشتري بأنَّ المنفعة البارزة في هذا هي محرّمة مثلاً الأكل أو الشرب والمنافع غير البارزة هي محللة كالاستصباح ، فالشيخ الانصاري كما مر قسّم إعطاء أو بيع أو نقل عين معينة من شخص لشخص ثانٍ تارةً فعل هذا الأوّل يستلزم أو يرغم الطرف الآخر أي يكون علّة تامة لفعل الغير ، وتارةً يسبب فعل الغير ، وتارة يكون شرطاً لفعل الغير ، وتارة لا هو يلجئ الغير ولا يسبب فعل الغير ولا هو شرط وإنما يمكنه أن يمانع فعل الغير ، وبالتالي الآن فرغنا من بحث الارغام وبحث التسبيب ، وبقي بحث الشرط.

وبحث الشرط كما مرّ هنا الشيخ يستوفي بعض أبحاثه وأما الأبحاث الأخرى في بحث الشرط سيأتي في بحث بيع العنب لمن يعلم أنه يصنعه خمراً أو بيع الحطب لمن يعلم أنه يصنعه آلة قمار أو بيع أي مواد أخرى لمن يعلم بأنه يصنعها آلات موسيقى آلات محرّمة ومن هذا القبيل الكثير فهذا سيأتي الحدث فيه ، أو بيع السلاح على أعداء الدين ، فالشيخ سيبحث هناك مفصّلاً ، هناك الشيخ يقسمها إلى أربع أو خمسة أقسام يعني نفس القسم الثالث أنه فعل الأوّل شرط لفعل الثاني وهو الغير ، فهذه الأقسام التي هنا ونحن في الثالث وهو الشرط هناك الشيخ يقسّم هذا القسم الثالث إلى خمسة أقسام سيأتي ،البحث فيها ، وإجمالاً الآن نقتصر على ما اقتصر عليه الشيخ في مقابل الأعلام في هذا القسم الثالث ، فعل الغير شرطٌ ، لأنه الآن هذا الدهن المتنجس أو الدهن الذي هو عين النجس اعطاء البائع أو المالك سواء ببيع أو بهبة أو ببذل أو بإباحة لا يفرق ذلك ، اعطاء المالك هذا الدهن للطرف الآخر ، استقرار هذا الدهن المتنجس أو النجس - فإذا كانت إليات فهي عين النجس - تحت يد الثاني هذا شرط لفعل الحرام ، وشرطٌ لأنه بدون استحواذ الغير على هذا الدهن لا يستطيع أن يأكله أو يشربه افترض أنه لا أبالي أو جاهل أو غير ذلك ، فإذاً وصول الدهن مثل وصول العنب لمن يصنعه خمراً فوصول العنب إلى يد الغير هو شرط في الحرام وليس علّة تامة للحرام ولا سبب ، وصول المواد الخشبية أو غير الخشبية إلى صانع الآلات القمارية أو الموسيقية او الأصنام - ولازال جماعة يعبدون الأصنام في الهند أو في القارات الأخرى - فوصول هذه المواد إلى صانع الأصنام شرط وليس علّة لصنع الأصنام ولا سبب وإنما هو شرط اعدادي ، إذاً فعل الأوّل المالك مثلاً شرط في فعل الثاني وهو الغير ومن دون هذا الشرط لا يتمكن.

الآن البحث في المقام ليس في كل صور الشرط عند الشيخ الأنصاري ، بل بحث الشيخ الأنصاري الآن في هذه الصورة الثالثة فقط في صورة التغرير يعني كون الطرف الغير جاهل ، وإلا نفس هذا بحث الشرط كما مرّ بنا الآن هو خمس صور أخرى سيبحثها الشيخ في مسائل لاحقة في مسألة بيع العنب على من يعلم أنه يصنعه خمراً فهذه صور خمس أخرى ستأتي ، هنا لمن هو جاهل أي أنَّ الغير جاهل ، أما إذا كان الغير عالم فستأتي صور خمس ، أما إذا كان الغير جاهل فهنا بحث الشيخ في المقام ، فعل الأوّل المالك شرط في فعل الغير ونفترض أنَّ الغير جاهل فيكون فعل الأوّل يوقع الغير في الغرور إذا لم يخبره بأن هذا متنجس أو نجس ، فعلاً إذاً بحث الشيخ في الشرط في مورد قاعدة الغرور هل هذا حرام أم لا ؟

ونصوص المقام قد قرأناها ونعيد قراءتها ، فهي قالت ( يبيعه ويبينه ) ، ( إذا باعه اشترط عليه ليستصبح به ) وهلم جرا فنصوص المقام فيها أمر بالإعلام ، وهي نصوص متعددة ، فنصوص المقام في الحقيقة هي أحد طوائف الروايات الدالة على حرمة التغرير بالحرام ، هذه قاعدة حرمة التغرير بالحرام ، وماذا يعني التغرير بالحرام ؟ يعني فعلٌ حرام يرتكبه الغير وهو جاهل ، ومرّ بنا هذا البحث وهو مراحل الحكم الشرعي الذي بحثوه في علم الأصول ، مرّ بنا أنَّ الجهل لا يرفع أصل فعلية الحكم وإنما الجهل يكون عذراً في تنجيز الحكم ، يرفع منجّزية الحكم وليس الجهل يرفع أصل الحكم وفعلية الحكم ، فإذاً ما يرتكبه الغير حرام ومبغوض للشارع بتغرير من الأول ، هذا هو مورد قاعدة الغرور ، فالشيخ الأنصاري لكي يستدل على قاعدة الغرور استدل بعدة أدلة وعدة طوائف ، فلا نخلط بين محل البحث وبين ما سيأتي في مسائل لاحقة التي هي حيثيات أخرى في المسألة أو ليس من جهة قاعدة الغرور ، وإن كانت تلك المسائل التي ستأتي هي أيضاً في مورد أنَّ فعل الأول شرط في فعل الثاني ولكن عند العلم وليست موضوع قاعدة الغرور ، بينما هنا خوص البحث في الغير الجاهل ومرود قاعدة الغرور ، فالروايات في المقام التي قرأناها وجملة من أسانيدها تامة هي أحد أدلة قاعدة الغرور.

فإذا كانت هي أحد أدلة قاعدة الغرر فبالتالي توجد أدلة في المقام بغ النظر عن قاعدة الغرور تمت أو لم تتم ليكتفي الشيخ الأنصاري بهذه الدلة الخاصة فلماذا يبحث قاعدة الغرور ؟والجواب:-

أولاً:- إنَّ قاعدة الغرور قاعدة مهمة ، فإذا كانت أدلة المقام أحد أدلتها فهذا شيء مهم ، فهذه الأدلة الواردة في المقام غير خاصة بمثال الدهن المتنجس أو الدهن الذي هو عين النجس ، بل هذه الأدلة هي مثال لمطلق قاعدة الغرور فتتقرر وتثبتت قاعدة الغرور وهي قاعدة مهمة ، هذا من جانب.

ثانياً:- إنه قد يلاحظ على الروايات الخاصة في المقام أنَّ مفاد هذه الروايات ليس الجهة التي نحن فيها الآن ، فإنَّ الجهة التي نحن فيها مع الشيخ الأنصاري ما هي ؟ أصل المسألة هي بيع الدهن المتنجس أو النجس على الغير مع جهل الغير ، أو مع علم الغير الذي سيأتي ، فأصل المسألة هو هذا ، وهذه المسألة - وهي بيع الدهن النجس أو المتنجس على الغير - مسألة غير خاصة بالدهن ، بل الشيخ عقدها لمطلق الأعيان المتنجسة أو النجسة التي تكون المنافع البارزة فيها محرّمة بسبب النجاسة أو التنجّس ولكن هناك منافع أخرى غير البارزة فيها وهي محللة وهذا بحث الشيخ كمثال ، وهذا البحث وهذه المسألة الشيخ عقد لها أربع جهات الجهة الأولى التي مرت وهي في الجهة الوضعية وأنه متى يصح هذا البيع وضعاً ومتى لا يصح ومّر أن المدار على المالية فهل المالية بلحاظ المنافع المحرمة فإذا كانت بلحاظ المنافع المحرّمة فالمالية باطلة والبيع باطل ، أو المالية بلحاظ المنافع المحللة فالبيع صحيح ، هذه هي الجهة الأولى وقد مرّت وهي جهة وضعية ، أما الجهة الثانية التي نحن فيها الآن فهي جهة حكم تكليفي وأنه هل يجب على البائع أو المعطي أن يخبر بأن هذا نجس أو متنجّس أو لا ؟ ، وهذا البحث كمثال ، هذه هي الجهة الثانية وهي جهة تكليفية ، وهذه الجهة الثانية التكليفية قسّمها الشيخ إلى أربع صور وقد مرّت بنا ، أما الجهة الثالثة التي لم ندخل فيها بعد - وعمداً أنا أذكر فهرست البحث حتى يكون الانسان على بصيرة ولا يخلط بين جهات البحث ويفرق بينها وبين المسائل التي ستأتي فيما بعد - ، فالجهة الثالثة التي سيعقدها الشيخ هي أنه هل يشترط في الاستصباح أن يكون تحت السماء أو لا ؟ وهذا أيضاً مثال لبحث كلّي تكليفي لا نريد الخوض فيه الآن وأنا ذكرت صورته فقط في العبارة - الجهة الثالثة وهو أنه هل يشترط في الاستصباح بالدهن المتنجس أن يكون تحت السماء ؟ - ، أما الجهة الرابعة في نفس المسألة التي سيبحثها الشيخ هل يجوز منافع أخرى محللة للدهن المتنجس أو الدهن النجس غير الاستصباح أو لا يجوز ؟ هذا هو البحث في الجهة الرابعة ، وهذه الجهة الرابعة ايضًا الدهن المتنجّس أو النجس هو مثال لكل المتنجسات ولكل النجاسات ، هناك يبحث الشيخ قاعدتان في الجهة لرابعة لا نريد الخوض فيهما الآن ، فالمقصود أنَّ المسألة هنا في المقام إذاً جهات أربع ، ونحن الآن في الجهة الثانية هي جهة تكليفية ، هذه الجهة التكليفية فهيه أربع صور فعل الأول لفعل الغير علة تامة أ يكون فعل الأول تسبيب أو يكون فعل الأول شرط وهذه هي صورة ثالثة لفعل الغير ، وهناك صورة رابعة وهي أن يكون فعل الأوّل لا هو شرط ولا سبب ولا علة وإنما يمكنه أن يمانع فله قدرة الممانعة ، هذه أربع صور ذكرها الشيخ في الجهة الثانية ، الآن نحن في الصورة الثالثة وهي الشرط ، الصورة الثالثة في صورة جهل الغير فقط وإلا نفس الصورة الثالثة كما مرّ ستاتي في المسائل اللاحقة يصيرها مرّة أخرى الشيخ الأنصاري لكن تحت خمس صور أخرى مع علم الغير ، يعين نفس هذه الصورة الثالثة التي يريد أن يثيرها الشيخ الأنصاري بعد هذه المسألة في جهاتها الأربع سيثير نفس الصورة الثالثة في مال لاحقة ولماذا لا يستوفيها هنا ؟ لأنه هنا الشيخ يريد أن يبحث فقط مع جهل الغير ، أما مع علم الغير فهذا سيأتي في مسائل اخرى ، ما الآن فقط مع جهل الغير.

نرجع إلى نفس السؤال الذي كنا فيه:- وهو أنه لماذا لم يكتفِ الشيخ الأنصاري بروايات المقام وإنما بحث قاعدة الغرور كلّها ؟

هو يذكر لماذا ، ونحن سنذكر كلام الشيخ.

وقبل أن ندخل في الجواب لتوضيح محل البحث إذاً البحث في المقام هو قاعدة الغرور وهي في الصورة الثالثة ، وهو أنَّ فعل الأول شرط في فعل الثاني مع قيد كون الغير جاهلاً وألا لا يصدق الغرور والتغرير ، فلاحظ كيف أنَّ قاعدة الغرور موضوعها ضيّق وليس واسعاً ، فهي لا تشمل التسبيب ولا تشمل العلّة التامة وإنما تلك لها أدلة أخرى.

نرجع إلى نفس التساؤل:- وهو أنه لماذا لم يكتفِ الشيخ بالروايات الخاصة في المقام ، فلماذا يثير قاعدة الغرور ويأتي لها بأدلة أخرى ويشيد أركان قاعدة الغرور ؟

هذا التساؤل له أجوبة:-

الجواب الأوّل:- إنَّ قاعدة الغرور في نفسها ثمينة فهي تنفع في المقام وتنفع في مقامات كثيرة بعد تنقيح موضوعها .

الجواب الثاني:- هو أنَّ الروايات الخاصة في المقام أليس فيها أمر بإعلام الغير ( وبيّنه له ) ( أعلمه ) ( اشترط عليه كذا ) هذه الروايات الخاصة في المقام قال جملة من الأعلام إنَّ مفادها ليس هو الجهة الثانية التي نحن فيها ، بل مفاد هذه الروايات هو الجهة الأولى التي هي وضعية وليست الجهة الثانية التي هي تكليفية ، ولماذا الجهة الأولى وضعية ؟ يعني يقول له لماذا تقول هذا رزٌّ وليس عدس ، أو هو رزُّ عنبرٍ وليس رزُّ كذا ، فهنا تعيين مالية ، وإلا يصير البيع باطلاً لأنه لا يُعيَّن المبيع ، وكذلك في الجهة الأولى كذلك إذا لم تبيّن بأن هذا الدهن نجس أو متنجس مالية لا تصير محدّدة ، أو لم تعيّن ماليته وماليته بلحاظ أنه أخفض قدراً من مالية الدهن الذي يشترى للأكل والشرب ، فالبعض حمل روايات المقام عل الجهة الأولى أنه من باب تعيين المبيع ماليته وقدره ونوعيته وهو دخيل في صحة البيع ، فهم حملوا هذا الأمر على الارشاد ، فإذا حمل على الجهة الأولى واقتصروا في دلالتها على الهة الأولى ولم يستظهروا من دلالتها الجهة الثانية فلا بكون الأمر تكليفياً فتحتاج إلى قاعدة الغرور والتي تحتاج إلى أدلة أخرى غير روايات المقام ، وما الفائدة فلا نعتمد على روايات المقام وإنما نعتمد على قاعد الغرور فإذاً لابد من إنكار قاعد الغرور ؟ كلا بل فيها ثمرة أيضاً ، نفس أدلة قاعدة الغرور الأخرى قرينة على أنَّ مفاد الروايات في القمام مفادان مفاد الجهة الأولى ومفاد الجهة الثانية وليس فقط الجهة الأولى - الجهة الأولى وضعية والجهة الثانية تكليفية - ، فضمّ الشيخ الأدلة الأخرى لقاعدة الغرور مع روايات المقام هو لأجل هذه النكتة حتى يلتفت المستنبط والباحث إلى أنّ روايات المقام لها دلالة على جهتين وليس على جهة واحدة ، بل عند الشيخ وعند جماعة كثيرة من الأعلام أنَّ لها دلالة على الجهة الثالثة والرابعة أيضاً ، من أمرٍ واحد أو من جملة واحدة ( بعه وبيّنه ) ، ( بعه وأعلمه ) ، ( بعه ليستصبح ) كأنه قيد ، فهذا اللسان أو الألسن من روايات المقام الكثير من الأعلام الروّاد استفادوا منها جهات أربع لا الجهة الأولى فقط ولا الجهة الثانية فقط ، فلا يوجد أي امتناع من دلالة واحدة في الروايات يستفاد منها جهات أربع - وليس صور أربع بل جهات أربع والجهة الثانية فهيا صور أربع -.

وهذا ليس من استعمال لفظ في أكثر من معنى ، فأصلاً ليس لها صلة باستعمال لفظ في أكثر من معنى ، فهذه نكتة صناعية مهمة ، وأنا عمداً ذكرت فهرست البحث حتى لا يصير خلط مع المسائل اللاحقة ، ولا يصير خلط في الجهات في المسألة.

وكيف بيان أنه ليس من استعمال الفظ في أكثر من معنى ؟

لأنه في هذا المقام ألسن الروايات أولاً متعدد وليس على وتيرة ( بعه ليستصبح به ) ، فهذه ( ليستصبح به ) ظهورها الأولي أنها قيد وضعي وقيد وضعي يعني المالية لا أنها من باب الأمر ، فتوجد قرائن على أنَّ الجانب الوضعي ملحوظ وإنما الأمر التكليفي مبنى على الوضعية ، فلاحظ قوله ( بِعْهُ وأَعْلِمهُ ) فهنا واضح في أنَّ صحة البيع فرضت ثم الأعلام ، فالإعلام أيّ بيع يفرض صحته ؟ عيّنت ماليته قدره ... وهلم جرا ، فالشارع إذاً لاحظ كِلا الجهتين أو أكثر ، وأقصد أنَّ الجملة الواحدة تارةً بلحاظ كلّ كلمة كملة فيها جهات متعددة أربع كلمات أو خمس كلمات جملتين أو ثلاث لها دلالات مختلفة ، صحيح هي روايات واحدة وطائفة واحدة ولكن تحمل دلالات متعدّدة لجهات متعدّدة ، وهذه نكتة يجب أن لا تخفى على المستنبط.

إذاً بحثنا في المقام هو في الجهة الثانية وهي اللزوم الأمر التكليفي على البائع ليطلع ويعلم المشتري في فرض المشتري وهو الغير أهل بـأن هذا نجس أو متنجس والوجوب من باب قاعدة الغرور يغره بالحرام ، كما أنَّ أصل فرض المسألة أيضاً قد نُقّح وهو أنه هنا لماذا يفرض أنه غرور وحرام من الغير ؟ لأنَّ الجهل ليس يعدم الحكم ، فـ( ما لا يعلمون ) أو الغفلة أو ما شابه ذلك هي إنما تعذّر عن التنجيز وليست تعدم الحكم ، وهذه نكتة مهمة ، فإذاً قاعدة الغرور أحد أدلتها نفس روايات المقام.

وما هي الأدلة الأخرى التي يذكرها الشيخ ؟ ، سنعاود قراءة أدلة المقام أيضاً ، الأدلة الأخرى التي استدل بها الشيخ أو بقية الأعلام أضافوا أدلة أخرى سنتعرّض لها أيضاً ، استدل الشيخ بما ورد من الروايات أنَّ المفتي ضامن ، فإذا كان ضامناً فذلك يعني أنَّ له مسؤولية.

وطبعاً هذه الأدلة أقرب للتسبيب من كونها في التغرير فقط ، وهي تشمل التغرير ، هذه ملاحظة عليها.

والروايات متعددة:- وهي موجودة حتى أبواب القضاء من كتاب الوسائل ، فهي موجودة في بدايات أبواب كيفية الحكم أو آداب القاضي من الباب الأوّل إلى الخامس تقريباً ، فتوجد نصوص متعددة مستفيضة سواء في القاضي أو المفتي.

ولكن تسجّل عليها ملاحظة:- وهي أنها ليست خاصة بقاعدة الغرور بل تشمل التسبيب ، وهذا صحيح.

وهناك ملاحظة ثانية ذكرها جملة من الأعلام:- وهي إنه لعل هذه الروايات في المقام ليست في صدد قاعدة الغرور أو التسبيب وإنما هي في صدد تحريم الفتيا بغير علم أو الفتيا بخلاف العلم ، يعني بالتالي بدون مسؤولية ، ( القضاة أربعة ثلاثة في النار وواحد ناج من النار ، من قضى وهو لا يعلم أو قضى بالباطل وهو يعلم أو قضى بالباطل وهو لا يعلم أو قضى بالحق وهو لا يعلم ) فحتى الذي قضى بالحق وهو لا يعلم فهو أيضاً في النار ، نعم من قضى بالحق وهو يعلم فهذا ناجٍ من النار ، وهذا ليس خاص بالقاضي وإنما يشمل حتى المفتي - الفتوى - ، فلا يكفي فيها أن يبيّن الانسان الأحكام المطابقة للواقع فقط ، فلابد أن يعلم ، والعلم أكبر مسؤولية ، فقالوا إنَّ هذه الروايات في صدد مسؤولية العالم والقاضي ، فأصل العلم مسؤولية أعظم مسؤولية وليست في صدد قاعدة الغرور ، أكبر تقوى يزاولها طالب العلم أو العالم أن يملأ وقته من التعلّم ، وأكبر - لا سمح الله - لا تقوى أو فسق يرتكبه طالب العلم أن يبدّده في غير التعلّم ، وهذا كلام كِبار ، أكبر عدم ورع يرتكبه طالب العلم أن لا يملاً وقته بالعلم - يبدده - ، والكثير من الأعلام يقول إنه حتى المقدار الروتيني ليس مجزياً بالنسبة إلى طالب العلم.

فالمقصود أنَّ أصل المطلب هو أنَّ ظاهر الروايات هو في هذا الصدد ، وهو أنَّ مسؤولية العلم والتعلّم أخطر الواجبات وأكبر الواجبات ولا ربط لها بالغرور والتغرير ، وهذه ملاحظة سجلت على الشيخ ، وهل هذه الملاحظة صحيحة أو لا ؟ سنواصل ذلك غداً.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo