< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

محاضرة:

كنا في هذه المسألة الدهن المتنجس والدهن الذي هو عين النجس وهذا مثال كما مر وليس حصراً في الدهن وإنما هو مثال للأعيان النجسة أو الأعيان المتنجسة إذا جدت فيها منفعة محللة فيسوغ حينئذٍ بيعها بمالية وقيمة العين بلحاظ المنافع المحللة ، فذها هو التنبيه الأول الذي مرّ ذكره عند الشيخ الأنصاري أنه يشترط عليه الاستصباح ومر معنى الاشتراط.

التنبيه الثاني أيضاً مرّ بنا ، وهو مهم وهو عملية اعطاء أو بيع ودفع العين التي يمكن أن ينتفع بها انتفاعات محرّمة هل هذا الاعطاء هل هذا الاعطاء حرام أو لا ، وذاك البحث الأوّل أي التنبيه الأوّل بحث وضعي ، أما التنبيه الثاني فهو بحث تكليفي فهو في نفسه بحث تكليفي وعنوانه هكذا وهو أنه هل يجوز التغرير بالحرام ؟ ، فالشيخ الأنصاري قسّم هذا البحث إلى أربع صور والتغرير هو للصورة الثالثة فقط ، بالتالي يعين فعل إنسان يستلزم صدور فعل محرّم من إنسان ثانٍ ، فهل فعل الانسان الأول يكون حراماً لأنه يستلزم فعل الحرام من الثاني ؟ ، وهذا محل ابتلاء ، فالشيخ تبعاً لمشهور الفقهاء قسم هذا الاستلزام لفعل الأول لفعل فاعل ثانٍ إلى أربع أقسام ، وهذا يبحثوه الفقهاء في بحث الديات أو القصاص وايضاً في بحث الغصب يعني كأبواب رئيسية يبحثونه في هذا البابين ، الفعل الأول النسبة يه العلّة التامة أن يكون الفعل الأول علّة تامة ، الآن بعض الأعلام ناقش بأن هذا ليس اصطلاحا فلسفياً عقلياً وكلن هذا ليس بمهم وإنما أصطلح عليه الفقهاء بأنه علّة تامة ، مثل يقوم إنسان بإدخال أكل محرّم في حلقوم شخص فهذا يعبّر عنه الفقهاء هنا علّة تامة ، الصورة الثانية هي أن يكون فعل الأول سبباً لفعل الثاني وموارد السبب يكون صدور الفعل الثاني من الثاني بالنسبة إلى الأوّل ، يعني محطّ الكلام الآن في هذه القاعدة هو الفعل الثاني والفعل الأوّل يعني الفعل الثاني بلحاظ نسبته إلى الفعل الأول ، بالدقة هو هذا ، حكم الفعل الأوّل بلحاظ استلزامه للفعل الثاني ، تارة يكون من السبب ، السبب درجة الاستناد الفعل الثاني لفاعل الفعل الأوّل تكون أضعف ، بخلاف الصورة الأولى فإنها قوية جداً ، هذه هي الصورة الثانية ، يعني بحث موضوعي ، ليس موضوعي شبهة موضوعية وإنما بحث في الموضوع الكلّي ، الصورة الثالثة أن تكون النسبة بين الفاعل أو قل الفعل الأوّل مع الفعل الثاني نسبة الشرط وهي أضعف من النسبة في الصورة الثانية وهي التسبيب فضلاً عن الصورة الأولى ، الصورة الرابعة وهي أضعف من الثلاث ، الصورة الثالثة يعبّرون عنها بعدم الممانعة ، الفعل الأوّل استلزامه للفعل الثاني بنحو عدم الممانعة ، يعني يمكن للفاعل في الفعل الأوّل أن يمانع ولكن لم يمانع فصدر الفعل الثاني ، فهنا الاستناد أو النسبة في الصورة الرابعة أضعف فأضعف.

والآن نمشي مع كلمات الأعلام ، ثم إنهم عندهم صور أخرى ذكروها في باب الديات في النسبة بين الفعل الأوّل والفعل الثاني ، فإذاً تارةً النسبة قوية تامة مثل العلّة التامة ، وتارةً بنحو التسبيب - أي اضعف - ، وتارةً أضعف من ذلك وهو بنحو الشرط ، وتارةً بنحو عدم المانع ، فهي أربع نسب ، اصطلح الفقهاء بالتعبير عن الصورة الثالثة بالتغرير ، والصورة الثانية بالتسبيب ، والصورة الرابعة عبّروا عنها بعدم الممانعة ، فإذاً هذه أربع صور أربع فروض - فلاحظ هنا الصناعة الفقهية عند الفقهاء أن الفقه ليس مجرد تتبع حرفية جمود نصوص وأدلة وإنما الفقه هو منظومة معاني نظم معاني وهذا هو الصناعة والفن - ، وههنا الفقهاء قالوا الأمر بالمعروف والأمر بالمنكر أين يقع في هذه الأقسام الأربعة أو خارج عنها ؟ ، موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أين يكون ؟ فالكثير جعل موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر القسم الرابع ، الاعانة على الاثم ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ ما هو فرق الإثم وما فرق العدوان وهل هذان قسمان من المحرّمات أو كل المحرّمات ؟ هذه بحوث لم تفتح إلى الآن ، ليس في هذه القاعدة وإنما في معارف القرآن ، ما هو الفرق بين الاثم والسيئة والخطيئة والمعصية والذَّنوب والذُّنوب عناوين عشرة أو عشرين عنوان للمخالفة في القرآن الكريم ما هو الفرق الجوهري بينها سواء كان بنظرة عقلية أو فقهية أو كلامية ؟ فهذا كلّه مسكوت عنه إلى الآن لم يخاض في هذا البحث ، ولماذا هنا عبّر وقال ﴿ ولا تعاونوا على الاثم والعدوان ﴾ ولم يعبّر بعناوين أخرى ، فهل في هذه الموارد او شيء آخر ؟ فعلى كلٍّ هذه إثارة.

فقال البعض إنَّ قاعدة التعاون تجري في القسم الثالث ، أما القسم الأوّل والثاني فما الدليل على الحرمة فيه ؟ فإنه ليس من باب قاعدة الاعانة والتعاون ولا من باب قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإذاً هي من أي باب ؟ قالوا إنَّ القسم الأول الثاني له ضوابط وقواعد أخرى أحداها أنَّ الشارع في بعض الأبواب وبعض الأحكام يعلم منه أنَّ هذا الملاك مهم جداً عنده سواء كان ملاك مفسدة أو ملاك وجوب مثل الدماء والأعراض ودرجة من الأموال الفساد في المال يكون بدرجة كبيرة أو متوسطة ، هذه الملاكات فيها لا يفرق الشارع بين وقوع هذا الملاك ، يعني إما إذا كان ملاك مصلحة تفويته وإذا كان مفسدة فوقوعه ، فبعض الملاكات سواء كانت مصلحة أو مفسدة الشارع نعلم بأنه لا يرضى بالتفريط في هذا الملاك ، يعني لا يرضى بأن يفرط في هذا الملاك سواء نسبة الانسان مع هاذ الملاك والتفريط به نسبة مباشرة أو نسبة غير مباشرة ، فالشارع هذا الملاك لا يريده ، أجلّكم الله الفواحش فالفواحش مفسدتها ليس فقط على المباشر والمتباشرين وإنما هذا الملاك لا يريده الشارع أن يقع حتى ولو كان المتباشرين جاهلين معذورين ما شئت فعبّر فإنَّ هذه الفاحشة لا يريدها الشارع ، سفك الدم افترض وإن كان المباشر معذوراً كأن كان مغمىً علية أو غير ذلك فالتفريط في الدم لا يريده الشارع ، وأمثال هتك المقدسات لا يريدها الشرع وإن كان المباشر معذوراً بأن كان نائماً أو جاهلاً أو مجنوناً ، ولماذا ؟ لأنَّ أهمية هذا الملاك عند الشارع ليست مختصة بالمباشر وإما الشارع أصلاً لا يريده ، طبعاً لا يخفى عليكم قالوا في هذه الضابطة هي لا تعمّ الأول والثاني بل تعم حتى الرابع إذا كان الملاك بهذه الدرجة فيف كل الصور الأربع أنت أيها الفاعل بالفعل الأول تكون مسؤولاً حتى لو كانت علاقتك بالفعل من الثاني عبارة عن الصورة الرابعة فأيضاً الشارع لم يرض لأنه لماذا لم تمانع ، فأنت تعلم أنَّ هذا برئ وفي كلمة منك تنقذ هذا البريء فأنت مسؤول ، هذه ضابطة فيما إذا كان الملاك لا يفرّط فيه الشارع ولكن هذه لا تخصّ الأول والثاني بل تعم الصور والأربع.

وتارةً أيضاً من دليل الحكم سواء كان تحريمياً أو وجوبياً نفس دليل التحريم أو دليل الوجوب دليل الحكم يستفاد منه أن الشارع شرّع هذا الحكم للأعم من صدور الفعل مباشرة أو تسبيباً ، كما لا يبعد ذلك في الخمر ، فإنَّ الخمر أدلته أن مفسدته سواء نسبت إلى المباشر أو نسبت إلى المسبب.

هنا الدليل وارد في المباشر ﴿ حرم عليكم الخمر ﴾ ولا تشرب الخرم وارد في المباشر ولكن من دليل الحرمة استفيد إلحاق التسبيب به ، لذلك الفقهاء سيما الفقهاء من متأخري الأعصار دأبوا أنههم في كل باب إذا نقحوا حكماً معيناً ينقحون معه شيء معين وهو أنه هل الحكم الوجوبي أو التحريمي هل هو خاص بالمباشر أو يعم التسبيب ، في جلمة من الأبواب يعم التسبيب ولكن كما نلاحظ أنَّ هذا يشمل الصوة الأولى والثانية فقط ولا يشمل الصور الثالثة والرابعة ، هذه هي الضابطة الأخرى.

وهناك ضابطة ثالثة:- قالوا إنَّ بعض عناوين الأفعال المأخوذة في الأحكام سواء وجوبية أو تحريمية ، بعض عناوين الأفعال هي في نفسها تسند إلى الفاعل بنسبة أعم من المباشر أو العلّة التامة في الايجاد أو التسبيب.

ولا بد للإخوان أن يكونوا ملتفتين ، أنَّ العلة التامة الآن صور أربع في استلزام العفل الأوّل من الفاعل الأوّل لفعلٍ ثانٍ من فاعل ثانٍ وهذا غير الفعل مباشر ، فهذه أربع ضر في الفعل غير المباشر ، أما الفعل المباشر على حِدَة ، إنما الكلام في الفعل غير المباشر ، يعني فعل يستلزم فعل آخر فالنسبة بين الأوّل والثاني إما هي الصورة الأولى وإما الصورة الثانية وإما الصورة الثالثة وإما الصورة الرابعة ، علّة ، تسبيب ، شرط ، عدم مانع ، فقالوا إنَّ بعض الأفعال هي طبيعتها أعم من المباشر الذي هو غير الأربعة أو الصورة الأولى أو الصورة الثانية مثل ( من أتلف مال الغير فهو له ضامن ) ، و (ضامن ) حكم وضعي والحكم الضوع أخذ فيه فعل يعم المباشرة أو العلة التامة أو التسبيب ، أصلاً نفس عنوان الاتلاف هو في الأصل ليس خاصاً بالمباشر بل عم غير المباشر سواء كانت الصورة الأولى أو الصورة الثانية ، فهنا مثل عنوان الاتلاف الضمان يترتب عليه ولا يحتاج ، فلاحظ أن ( من أتلف مال الغير فهو له ضامن ) من الأوّل هو ليس خاصاً بالمباشر ولا بالصورة الأولى ولا الصور الأربع في قبال الفعل المباشر ، بل من الأصل عنوان ( أتلف ) ليس مثل ( شرب ) ، فشرب الخمر مباشر ، أجلكم الله الفواحش مثل زنى ، القيادة حرمتها غير حرمة الزنا فإنها فعلٌ آخر ، أما ( قتل ) قيل إن ( قتل ) عنوانه ليس مختصاً بالمباشر بل يشمل غير المباشر ، وهذه هي المغالطة ، فالآن جريمة تحدث من قبل نظام دولة ، يقتل إنسان فهل يزيد مبرأ أو غير مبرأ مثلاً ؟ البعض يقول إنَّ سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم ولم لم يباشر قتل إنسان ، وهل هذا الكلام صحيح ؟ إنه غير صحيح أصلاً ، ثم ما الفرق فإنه أمر بالمعارك أو هو باشر بنفسه فما الفرق ؟ ولو أنه يوجد عندنا في الروايات أنَّ أمير المؤمنين عليه السلام هو باب نصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومفتاح نصره وسيف ظفره ، يعني أنّ الله عزّ وجلّ قدّر النصر والظفر الذي حققه النبي صلى الله عليه وآله وسلم كله على يد عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، كل نصرٍ حقق وأنجز لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجراه الله على يد أمير المؤمنين عليه السلام ، قدّر هكذا ، تاج نصره ، باب ظفره ، باب فتحه ، فكلّ الفتح أجراه الله على يد أمير المؤمنين عليه السلام ، يعني بالتالي الاسلام قام على يده الشريفة مواساةً وفداءً لسيد الرسل صلى الله عليه وآله وسلم ، فالقول بأنَّ رسول الله لم يباشر القتل فسواء باشر أو لم يباشر فما هو الفرق ، فبعض الأحكام مثل القصاص يكون للمباشر للقتل ، أما الآمر بالقتل أيضاً هو قد قتل ولكن يؤخذ بحكمٍ مؤبّدٍ مثلاً .

والعلامة الحلي رحمة الله عليه - وهذه بحوث حساسة في كل أبواب الفقه وليس في هذه القاعدة فقط فيلزم أن يضبط الانسان الفعال - وقد وافقناه على ذلك وربما خالفنا المشهور قال:- إنَّ الرحم القاتل لا يرث ، والمشهور خصوا القتل المانع عن الإرث بالمباشر ، أما العلامة فقال بل حتى الآمر بالقتل ، فصحيحٌ أنه لا يقتصّ منه ولكن يقال له أنت قاتل أبيك عرفاً ، فيقال له أنت قاتل أبيك أو أنت قاتل أخاك أو أنت قاتل رحمك ، فالإسناد موجود ، فمن قال لك هنا أنَّ الإسناد خاص بالمباشر غير الأربعة ؟ كلا بل يعم الصورة الأولى والثانية ، وهذا هو الصحيح ، وهو أنَّ القتل المانع عن الإرث هو حتى غير المباشري ، فلاحظ أنَّ عنواناً واحداً وهو القتل هو فعلٌ ولكن في بابٍ يأخذ الشارع منه حصة وهو القصاص وفي بابٍ الارث يأخذ الشارع حصة أعم ، وهذا يلزم أن نلتفت إليه.

لذلك قال الفقهاء - وهذه صناعة فقهية وليست أصولية وهذا ليس استظهاراً فقهياً - إنَّ الأفعال إذاً في الأبواب وتيرتها ليست واحدة في الإسناد وفي أخذها موضوعاً للأحكام ، فإذاً هنا ضابطة الصورة الأولى والثانية قال الفقهاء إنَّ بعض الأفعال هي بنفسها تعم المباشر وغير والمباشر ، وغير المباشر يعم الصورة الأولى والثانية العلة أو التسبيب ، ولربما بعض الأفعال تعم حتى الصورة الثالثة أيضاً وهو الشرط ، مثل لفظ ( أعان ) مثلاً ، فهو يشمل الصورة الثالثة أيضاً ، فإنه في الصورة الأولى أعان وفي الصورة الثانية أعان وفي الصورة الثالثة أعان ، وحتى في الروايات أنه يقتص للمظلوم يوم القيامة بمن أعان عليه ولو بكلمة فهذا إسناد بأيّ درجة ؟ ، فالمقصود لذلك من أعان على دم مسلم ولو بكلمة هذا حرام ، فلاحظ هو لا هو مباشر ولا علة تامة ولا تسبيب وإنما هو شرط ، فحتى بمقدار الشرط أنت مأثوم ، نسبة من دم المظلوم أنت تشارك فيه ، فإذاً الأفعال والأحكام في الأبواب تختلف عن بعضها البعض ، شبيه ما سيأتي في المكاسب المحرّمة بالنسبة إلى النظام الجائر جوز النظام الجائر لا كل النظام الجائر ، نظم النظام الجائر لا إشكال فيه ولكن جور النظام الجائر أو إبقاء جور النظام الجائر ، يعني إسناد ودعم جوز النظام الجائر هذا يؤاخذ عليه الإنسان ، وكما تذكر بعض الروايات ( ولو بجرّة قلم ).

فالمقصود أنَّ بعض الأفعال لها مسؤولية كبيرة جداً مثل بحثنا عنوان ( أضلَّ ) ، فمن أضلَّ إنساناً لا تقبل توبته حتى يُرجِع المضلّل عن ضلالته سواء كان بنحو المباشرة أو العلّة التامة أو بنحو التسبيب أو حتى الشرط ، ولماذا ؟ لأنَّ نفس عنوان أضلَّ يشمل هذه الموارد.

إذاً يقول الفقهاء في هذه القاعدة أنَّ بعض الأفعال تنقَّح ، فتارةً تختص بالمباشر ، وتارة تعم المباشر وغير المباشر ، وغير المباشر لا بد أن ننقح فيه الصورة الأولى أو الثانية أو الثالثة أو الرابعة.

وهنا توجد نكتة مهمة:- وتوجد نكات كثيرة صناعية يلتذّ الأنسان أن يتدبر فيها ويتصفح كلمات الفقهاء حتى يرى النكات الصناعية كيف هي وهي من يوميات الاستنباط في الأبواب الفقهية ، وهذه القاعدة هي ملحمة إذا غاص الباحث فيها ، فهناك نكتة أخرى ذكروها في هذه القاعدة ، أليس مرّ بنا أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الصورة الرابعة ، ولكن الصورة الرابعة متى يصير الأمر بالمعروف لازم والنهي عن المنكر لازم ؟ إنه يكون لازماً فيما إذا كان منجّزاً على الفاعل الثاني ، المنكر ليس كلّ حرام ، بل المنكر اسمٌ للحرام إذا تنجّز فيصير منكراً ، ولكن – استثناءً - يستثنون ملاكاً هاماً كالدماء والأعراض والأموال الخطيرة ، فالنهي عن المنكر إذاً لا ينطبق على الصورة الرابعة ، فإنه في الصورة الرابعة الفرض أنَّ الفاعل الثاني جاهل ، فإذاً النهي عن المنكر قل هو صورة سادسة ، والمباشر قسم وهذه الأربعة صور هي أربعة أقسام واجعلها صورة خامسة وسادسة للأقسام النهي عن المنكر ، كذلك الأمر ، فمتى يصير الأمر بالمعروف واجباً ؟ إنه يصير واجباً إذا كان الواجب منجّزاً ، أما إذا كان الواجب ليس منجّزاً فلا يصير الأمر بالمعروف واجباً ، إلا – استثناء - إذا كان الواجب هامّاً جداً كحفظ حياة من يهتم الشرع بحياته كالمعصومين عليهم السلام وغيرهم.

ولا بأس أن نذكر هذ الفائدة المعترضة:- وهي أنه من أسرار علم أصول الفقه وهو مرتبط بهذه الصناعة الفقهية وإن كانت تلك صناعة أصولية ، من أسرار علم أصول الفقه الذي يؤثر على أبواب أصولية وفقهية كثيرة والتي ذكرها بعض المحققين وإلا فالكثير من الأعلام غافلون عنها هو أنَّ الحكم الشرعي أليس له مراحل هذا الحكم الشرعي الذي له مراحل مرحلة إنشائية ومرحلة فعلية ومرحلة منجز ومرحلة امتثال ومرحلة احراز الامتثال وغير ذلك هذا الحكم الشرعي الذي له مراحل وبعضهم يعتبرها سبعة أو عشرة أو اثنا عشر على الاختلاف هذا الحكم الشرعي التكليفي الذي له مراحل هو بلحاظ كل مرحلة له اسم والكثير من الأعلام يخلطون بين مراحل الحكم مع هذه الأسماء ، مثلاً يذكرون بأنَّ التكليف ، يعني أصل الحكم الفعلي وهذا خطا إنما التكليف ليس اسماً للحكم في مرحلة الفعلية وإنما التكليف اسم للحكم في مرحلة التنجيز ، وماذا يؤثر هذا ؟ إنه يؤثر كثيراً في أبواب الأصول وأبواب الفقه ، يؤثر على قواعد فقيهة كثيرة ، وعلى قواعد أصولية كثيرة ، فلاحظ هذا اسم واحد ومصطلح واحد ، كيف هنا المنكر فإنَّ المنكر لا يقال لكل حرام هو منكر ، وإنما يقال له منكراً فيما إذا صار منجّزاً أو كان ملاكه هاماً ، هذه اصطلاحات شرعية ، وهذه بحوث مهمة سنواصلها إن شاء الله تعالى.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo