< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الدهن المتنجس.

كنّا في هذا المبحث وهو صحة بيع الدهن المتنجس ومرت بنا هذه الروايات ، الجواز بالتالي سواء كان عين النجس كما في الإليات لأنها تصير ميتة ، فكل عضو يقطع من حي يصبح ميتة ، فالميتة ليست فقط ما زهقت الروح تمام البدن ، خروج الروح من عضو من البدن يموت ذلك البدن والله يعلم اين يذهب العضو فإن الروح أعضاء ، فلابد أن يسأل الانسان من جهة بحث روحي الذين يصيبهم لا سمح الله قطع يد أو قطع رجل شعورهم أين الرجل ، فعلى أية حال هذا بحث روحي لا يخصّ بحثانا في المقام ، فالمقصود خروج الروح من عضو واحد في باب الطهارة يعتبر ميتة نجس العين ،غاية الأمر في الانسان بالتغسيل أو بغيره يطهر فهذا بحثٌ آخر ، فالإليات التي تقطع من الغنم هذه تصير عين النجاسة لا أنها متنجسة فدهنها عين النجاسة ومع ذلك سوّغ الاستصباح بها وأما أنه يوجد دهن في الأصل طاهر ولكن يتنجس أو الزيت يتنجس أيضاً يستصبح بها ، فالنصوص موجودة والروايات موجودة ، وبالتالي جلّ الفقهاء استنبطوا واستظهروا من هذين الموردين وأمثالهما في موارد مرّت أنه حتى أعيان النجاسة فضلاً عن المتنجسات إذا كانت فيها جهة منفعة محللة مرغوبة عقلائياً يمكن التعاوض عليها ويصح الانتفاع بها في الجهات المحللة.

إذاً هم لم يخصّصوا الأدلة بهذين المثالين رغم أنَّ النصوص واردة في الدهن والزيت ولكن مع ذلك لا يخصصونها ، كما في الكلب الصيود أنه نجس العين وأنه كلب وغير ذلك فهم بحثوه من جهة عنوانه الحاص ولكن مع ذلك لم يستفيدوا الخصوصية في خصوص نجس العين كالكلب والدهن ، بل عمموا لأيَّ عين نجسة أو عين متنجّسة إذا كان فيها منافع محللة ، فيمكن المالية بلحاظها والتعاوض بلحاظها ولا إشكال في ذلك ، فهذا أخذوه من باب المثال ، وهذه نكتة لطفيفة في صناعة الفقه ، فإنه في حين بحثوه بلسان عنوانه الخاص وخصوصيه وأمثلته من كلب الصيد إلى كلب الحراسة وغير ذلك ولكن مع ذلك لم يجمدوا على الخصوصية ولم يشموا استنباطاً من هذا أي خصوصية لمثال الكلب الصيود أو لمثال الإليات المقطوعة التي هي عين نجسة أو الدهن المتنجس ، فبالأحرى تصير ثلاثة أمثلة ، وهذه نكتة لطيفة وهي أن الأدلة تدل على الخاص ولكنهم يعمّمون.

ولذلك يقول صاحب الجواهر الذي هو ليس فقيها ومجتهداً عادياً وإنما له تضلّع كبير ولا يتكلم جزافاً فهو يقول في باب الصلاة - وهذا ما ذكرناه مرمراً - إنه في باب الاذان والاقامة عند حديث صاحب الجواهر عن الشهادة الثالثة في الأذان والاقامة يقول يكفي في الجزئية للإقامة والأذان عمومات الشهادة الثالثة ، وما ربط هذا بالأذان والاقامة ؟ إنه يذكر ثلاث تقريبات باعتبار أنَّ الأذان متضمن لماهية التشهد ولا أريد الدخول في التفاصيل ولكن أريد أن أذكر هذه النكتة الصناعية وهي أنَّ صاحب الجواهر من أدلة عامة غير خاصة بباب الصلاة ولا خاصة بالإقامة والأذان ولكن يوجد ربط طبعاً بهذا الدليل العام يستفيد الجزئية التي هي قالب خاص ، وكلام صاحب الجواهر لا نستغرب منه فهو لا يتكلم في استظهار لرواية خاصة أو آية معينة وغنما يتكلم صناعياً فهذه الصناعة ماذا تعني ؟ ، فلاحظ نفس الكلام هنا في المقام في المكاسب الحرمة أدلة هي خاصة استفادوا منها قالب عام مع أنهم حافظوا على الخصوصية ، خصوصية الأدلة وخصوصية القوالب لا تنافي العمومية في نفس الوقت ، هذا المبحث الصناعي ليس مبلوراً عند كثرين من الأعلام صراحة وهو أنه كيف الخاص عين العام وعين العام هو عين العام والحال أنَّ المعروف عدم ذلك فإنَّ رتبة الخاص غير ورتبة العام غير ، الآن ثبوتاً تختلف العام مقدم ولكن اثباتاً الخاص مقدم فكيف يكون العام عين الخاص والخاص عين العام ؟ هذا بيانه هنا ، لا فقط مسألة بيع الدهن المتنجس أو الدهن النجس وإنما من بن بدأنا المكاسب المحرّمة كلّه هذا البحث نفسه ، وهذه نكتة مهمة وهي أن الفقيه والمستنبط في منهج الاستنباط يلتفت إلى أنَّ العمومات هي أصل التشريع وهذا مرّ بنا مراراً ، دائماً القوانين الدستورية التي هي أصل التشريع لكل القوانين لأي بلد في أي عرف عقلائي قديم الزمان وإلى الآن حينما تكون القوانين الدستورية مبدأ التشريع أساس التشريع التأصل في التشريع فيها الأدلة الخاصة تبع لها لا أنَّ الأدلة الخاصة أقوى منها ، إذا قرأنا الخاص بطبقات نازلة من القانون والعمومات كلما تصعد تزداد عمومية وهي الأصل المتأصل للتشريع حينئذٍ سيكون ركون الاستنباط إلى العموم أشد من ركونه وانضباطه واعتماده على الأدلة الخاصة ، بل تفسّر الخاصة بالعامة وهذه نكتة مهمة.

ومن باب الشيء بالشيء يذكر:- مثل قضية زيارة الأربعين ، بناءه أنَّ الدليل الخاص لا أحد فوقه ، كلا بل الدليل الدستوري ليس فوقه شيء ، فالدليل الدستوري دائماً هو عام وليس خاصاً ، أصلاً الخاص من دون دليل دستوري عام لا نسب له ولا أب له ولا أمّ ، فلا يصير هذا الدليل الخاص ابن حلال ، وكيف أصله وفصله ؟ ( إذا اتاك الحديث عنّا ) دليل خاص ( فاعرضه على الكتاب والسنَّة ) أي فلاحظ هل له نسب أصلي ؟ ، فشجرة النسب له موجودة أو لا ؟ ، فمعنى ( فاعرضه على الكتاب والسنَّة) هذا معناه ، فالأصل في النسب الشرعي في القوانين هو العام لا العكس بأن تهمّش العام الذي هو أساس الدين وأصول دستورية في الدين وتتشبث بالخاص ؟!! ، كلا الخاص أصل انحداره من العام من تركيبات خلطات معينة من العمومات ، هذه نكتة ليست شعراً ولا أدب قصَّةٍ وإنما هي صناعة فقيهة درج عليها غالب علماء الامامية في المكاسب المحرمة ، أصلاً لا تقوم قائمة للمكاسب المحرمة والمعاملات من دون الالتفات إلى هذه الصناعة ، ونحن مراراً نؤكد عليها لأنها غابة عن أذهان جملة من الأعلام فضلاً عن عموم الفضلاء ، ونحن لسنا مبتكرين لها وإنما نحن ناقلون ومنبهون على ما عليه روّاد علماء الامامية الآن في المكاسب المحرمة كما سنشاهد الآن.

فهذه أوّل استفادة من روايات الدهن المتنجس أو الدهن النجس ، استفادة عامة وليست خاصة وهلم جرا مع ذلك الخصوصية على حالها أبداً ليس هناك فقيه من الفقهاء لم يأت بالدهن المتنجس وأنه ليس له خصوصية ، بل له خصوصية وقد ورد فيه النص ، وهناك شروط خاصة ذكروها ولكن كلّها فهموها أنها تنطبق في قالب العمومات ، خصوصيتها خصوصية ولكن حقيقتها عمومية ولا تنافي بين العمومية والخصوصية بل حقيقة الخصوصية ترجع إلى العموم هذا لب البحث.

الآن توجد أبع جهات صناعية حساسة يطرحه الشيخ الأنصاري وهي ليست خاصة في الدهن المتنجس لعلمكم ، بل تجري في كلّ المعاملات ، ولذلك هي مهم يلزم التركيز عليها:-

الجهة الأولى:- وقد استعرضنا ولا يحتاج إلى تكرارها ، وهي أنه هل حينما يبيعه بقصد منه المنفعة المحللة قصد شخصي أو يشترط أو لا يصرح بالجهة المحرمة - هي ترجع إلى هذا المطلب - ، أو كما مرّ بنا أمس من أنه أو يرجع إلى أنَّ المالية يجب أن تكون صفة المحللة وليست المالية بقدر تكون صفة لمنفعة المحرمة ، ومرّ بنا هذا البحث سابقاً ولا حاجة إلى التمويل فيه وإن كان بحثاً حساساً مرتبط وبنظام المالية وتموّل الأشياء وأن القصد المراد فيه هو هذا وأنَّ قاعدة العقود تابعة للقصود لا نظن أنها قاعدة واحد بل هي قواعد كثيرة في باب المعاملات ، ومتشابهة مع بعضها البعض وإذا لم يفرز ويميز الباحث المستنبط في باب المعاملات بين بعضها البعض يتيه عليه الأثر.

فعلى كلٍّ بمناسبة معينة سنخوض فيها اكثر فأكثر ، فنعبّر ( قواعد العقود تابعة للقصود ) لأنها ليست قاعدة واحدة وإنما هي قواعد عديدة ، فعلى كلٍّ بكلّ مناسبة في موردٍ نتعرّض إلى واحدة واحدة من تلك القواعد ، وهذه واحدة منها أنه هنا حينما يقولون بقصد الاستصباح ليس مقصدهم قصد شرطي أو قصد شخصي وإنما مقصودهم القصد الارتكازي المالي ، ولذا فرّعوا على هذا أنه لو باع هذا الدهن النجس أو المتنجس باعه بمالية ما يستصبح به ولو قصد ذاك المشتري الجانب المحرّم لأنه يريد أن يأكله فهذا لا يضر بصحة البيع ، أو بالعكس البائع قصد هذا الشيء لكن كعنوان معاملي واضح في أنَّ هذا البيع بيع وقود استصباح لا بيع مواد غذائية ، فهذا لا يسمونه بيع مواد غذائية من جهة قدر ماليه فإذا القصد الشخصي لا يضر ، حتى لو صرّح ولكن بينهما بمالية والجوّ المالي له جو بيع وقود استصباحي ، افترض مثل البنزين الآن هذا الشخص باعه لكي يشربه وهو سام ومضر ، فقصده هذا لا يبطل البيع حتى لو اشترطوا ذلك ، فهذا الشرط فاسد لكنه لا يفسد البيع ، ولماذا ؟ لأنَّ هذا بيع بنزين كوقود استصباح لا أنه مادة غذائية ، بل ماليته بهذا اللحاظ ، ونفس الكلام في الدهن النجس أو المتنجس ، إذا كانت المالية صفتها يباع كوقود لا يباع كمادة غذائية ، هذه بعنوان وقود لا بعنوان قصد شخصي بل قصد نوعي عند العقلاء بلحاظ قر المالية ن هذا تمام الكلام في هذه الجهة ، وهذا كما مرّ هذه الضابطة هي قاعدة في الحقيقة وليست دليلاً خاصاً في الدهن المتنجس ، بل ترد في شراء المغنية وفي موارد عديدة فلاحظ هذه ضابطة واحدة وهي أحد قواعد العقود تابعة للقصود أي القصد المالي النوعي ، فهي أحد القواعد ، وقد مرّ بنا الآن قاعدة القصود تابعة للقصود وإنما هي قواعد كلّها بهذا العنوان ، توجد قواعد عديدة كلّها لها اسم واحد.

ويوجد مثال آخر:- وهو أصالة الصحة ، فكلّها أصالة الصحة وأصالة الصحة ..... ولكن أصالة الصحة في الأبواب الفقهية هي قواعد وليست قاعدة واحدة ونموذج منها قاعدة التجاوز والفراغ ، وإلا فأصالة الصحة هي قواعد عديدة لها شرائط مختلفة كلّها تسمّى بقاعدة الصحة ، الآن أنت ترى جنازة أتوا بها الآن وهم لم يغسلونها ولم يحنطونها ، فمن قال لك أنه يسقط التكليف عنك فإنّ هذا واجب كفائي ؟ إنك تبني على الصحة ولكن هذا ليس من باب قاعدة التجاوز والفراغ وإنما من باب آخر ، فأصالة الصحة اسمٌ وعنوانٌ لقواعد كثيرة.

ويوجد مثال ثالث لقواعد مع أنها عنوان واحد:- وهو قاعدة الملك ، ولكن هذه القاعدة هي عنوان لقواعد كثيرة ، ( من ملك شيئا ملك الاقرار به ) ، ( من ملك شيئاً ملك الاخبار عنه ) هذه قاعدة ثانية ، ( اليد تدل على الملكية ) هذه قاعد ثالثة ، فيعبّرون عهنا بقاعدة اليد أو قاعدة الملك ، فقاعدة اليد قواعد عديدة وليست قاعدة واحدة ، أو قل قاعدة الملك هي قواعد عديدة ، وهذه نكتة مهمة في القواعد الفقهية وهي أنَّ جملة من القواعد الفقهية تشترك في عنوان أو اسم واحد.

الجهة الثانية التي تعرض إليها الشيخ الانصاري في هذا المبحث:- وهي جهة ليست خاصة بالدهن الذي هو عين النجس وهو إليات الميتة ولا بالدهن المتنجس بل هي عامة ، وهذه الجهة معقّدة صناعياً ، يعني تحتاج إلى تدبّر وتأمل كالمسألة الرياضية فإنها تحتاج إلى أن تطالعها مرة ومرتين وأكثر حتى تصير قوالبها وزواياها واضحة ، فهذه مسألة صناعية تحتاج إلى تركيز ، وهذه الجهة الثانية صاغها الشيخ بعدة صياغات لأجل الأقوال الموجودة فيها ، هل هو واجب تكليفي نفسي أن يخبر البائع المشتري بأنَّ هذا الذهن نجس عين النجاسة ميتة لأنَّ من الإليات المقطوعة أو المتنجس ، فهل يجب تكليفاً نفسياً أو هو وجوب شرطي لصحة البيع لأنه في الروايات المتعددة ( يبيعه ويعلمه ) و ( إذا بعته اعلمته ) و ( بِعهُ وبيّنه ) فهذا أمرٌ ، فهل هذا وجوب نفسي تكليفي أو هو وجوب شرطي أو هو أيّ شيء ؟ طبعاً قالوا بالوجوب ولكن أدرجوه في قاعدة ، وهذه القاعدة معقّدة ومهمة ، فهم أدرجوه في قاعدة عدم التسبيب أو التغرير بالحرام ، وهذه قاعدة مهمة جداً ، ما هي زواياها وما هي قيودها ؟ ، فكأنما هذا البائع حينما يبيع العين المتنجسة من الدهن أو عين أخرى فإنه مرّ بنا أنَّ البحث ليس خاصاً بالدهن المتنجس ولا بالدهن الذي هو عين النجاسة - ميتة - وإنما هذا البحث سيّال ، فأيّ عين يبيعها البائع إذا كانت هي في الأصل تصلح كمواد غذائية أو تصلح لفعال مشروطة بالطهارة وهي نجسة أو متنجسة يجب عليه أن يعلم المشتري بأنَّ هذا لا تستخدمه فيما يشترط فيه الطهارة من أكلٍ أو شربٍ أو لبسٍ أو غير ذلك ، فبالتالي هل هذا الوجوب خاص بالدهن أو هو عام بسبب قاعدة عدم التسبيب أو التغرير بالحرام ؟ ، فههنا الشيخ يقسّم الأفعال تبعاً لتقسيم الفقهاء في أبواب عديدة مثل باب القصاص وباب الديات الفقهاء قسّموا الفعل الذي يصدر من الإنسان إلى أقسامٍ أربع ، فتارة يصدر الفعل من الانسان بنحو العلّة فهو يصدر منه مباشرة ، أو هو يلجئ الغير على الفعل ، ويلجئه يعني يفقده اختياره بالإرضاخ وغير ذلك فبالتالي نفسه كأنما هو الذي أتى بالفعل مباشرةً فهذا صدور الفعل عن الإنسان بالعلّة ، ولكن الآن طبعاً لا يخفى عليكم أنَّ الكلام في القاعدة هو في صدور الفعل من الغير بسبب الإنسان وبإسنادٍ من الإنسان سواء كان على التي هي الدرجة الأولى أو الدرجة الأنزل وهي التسبيب أو الدرجة الأنزل من التسبيب وهي صدور الفعل من الغير بإسنادٍ من الإنسان بدرجة الشرط ، وتوجد درجة أنزل من هذه ، يعني أربع درجات ، وإن كان قد قلنا في باب الديات توجد خمس أو ست درجات ذكروها في باب الديات ، ولكن دعونا ندرج إجمالاً مع درج الشيخ ، الدرجة الرابعة أن لا يمانع مع أنه بإمكانه الممانعة ولكنه لا يمانع ، طبعاً هذا المبحث معقّد أوّلاً من جهة فهم الأقسام وفرقها عن بعضها البعض ، وفعلاً هو بحثٌ معقّد ، فإنه حتى الفقهاء بين بعضهم البعض في بحث الديات وبحث القصاص يوجد لغط علمي قوي أنَّ الفرق بين هذه الأقسام الأربعة تنظيراً ما هو ؟ ، هذه جهة يلزم أن نخوض فيها.

وهناك جهة أخرى:- وهي أنَّ الأمثلة والمصاديق لهذه الأقسام الأربعة أيضاً اختلف فيه فبعضهم يجعل المصداق من القسم الأول والبعض يجعلها من القسم الثاني والبعض الآخر يجعل مصداق آخر من القسم الثاني أو القسم الثالث ، بعض المصاديق إلى درجة أنها معقدة ومبهم يدور أمرها بين القسم الأوّل والقسم الرابع ، فهذه جهة ثانية وهي التحرير المصداقي للأقسام الأربعة سواء كان شبهة موضوعية أو شبهة حكمية ، والاخوان لابد أن يستحضروا هذا المطلب وهو أنَّ الشبهة المصداقية أعم من الشبهة الموضوعية ، ولماذا ؟ لأنَّ مصداق يعني هذا مصداق لشيء ولكن قد يكون هذا حكم كلّي مصداق لحكم كلي فوقه ، مثل من مرّ بنا قبل قليل الدليل الخاص أليس هو شبهة حكمية وبحث حي أو لا ؟ طبعاً الدليل الخاص هو بحث حكمي ولكنه يندرج في العموم أيضاً هو بحث شبهة حكمية فهي أيضاً تشمله ، فحكمي هو مصداق لحكمي وفوقه ، وفوق كلّ عمومٍ عموم ، طبقات العموم ، مع أنَّ مصاديق بعضها البعض ، فكون الشبهة مصداقية لا يتوهم الإنسان أنَّ معناها أنها شبهة موضوعية ، بل يمكن أن تكوون شبهة مصداقية وهي حكمية ، وللشبهة المصداقية أقسام كما أنَّ الشبهة الحكمية أقسام ، وقد تكون شبهة مصداقية موضوعي.

فإذاً هناك أكثر من جهتان ، جهة أصل معرفة الأقسام الأربعة تنظيراً ، والجهة الثانية هي أنَّ المصاديق لهذه الأقسام الأربعة الشبهة المصداقية للأقسام الأربعة ، هذه الشبهة المصداقية للأقسام الأربعة مرّ بنا الآن أنه ليس بالضرورة ان تكون شبهة موضوعية وإنما ربما تكون شبة حكمية ولكن كمصداقٍ للعام.

وهناك جهة ثالثة في البحث:- ولعلّنا نجعلها الجهة الأولى في البحث - ولكنها جهة ثالثة في البحث فالمهم هي ثلاث جهات - ، فالجهة الثالثة في هذا البحث هي أنه كل محرّم من المحرّمات له هذه الأقسام الأربعة حرمته بنحو العلة التامة وحرمته بنحو التسبيب وحرمته بنحو الشرط وحرمته بنحو عدم المانع ؟ ، مثلاً شرب الخمر فإنك تُلجِئ غيرك وترغمه بنحو العلّة التامة على أن يشربه بأن توجره في حلقة ، فالفعل فعلك ولكنه هو الذي يشرب - وهذا غير شرب الإنسان نفسه وإنما إشرابه للغير بنحوٍ يكون هو العلّة التامة لشرب الغير - ، أو أنَّ الغير غافل ويعتقد أنَّه ماء أو عصير وذاك الانسان الآخر يضع له كوباً من الخمر فهذا تسبيبٌ ، أو بنحو الشرط وهو أنه لا يجعل له كوباً وإنما يبيعه عنباً ويعلم أنَّ هذا يريد أن يصنعه خمراً وهذا بنحو الشرط ، أو أنه لم يعطِ الغير كوباً ، فالمثال الثالث في شرب الخمر صار هو الفعل بنحو الشرط ، فبيع العنب ليصنع خمراً أو بداعي نفس الخمر هذا صدور شرب الخمر من البائع يعبرون عنه بنحو الشرط ، لأنه هيأ الشرط والأرضية ، فهل هذا المقدار حرام من حرمة الخمر ؟ إنَّ دائرة ( حرّم عليكم الخمر ) يشمل القسم الأوّل ، فهو يشمل شرب الإنسان نفسه فهذا واضح وهو خارج عن هذه الأقسام الأربعة ، ولكن هل يشمل شرب الغير إذا كان الانسان علّة لشرب الغير أو سبب لشرب الغير أو شرط لشرب الغير ؟ ، ويوجد قسم رابع ، فتارةً لا أنَّ الإنسان يبيعه عنباً ولا أنه يعطيه كوباً وإنما هو يريد أن يشرب كوبا فوجده هذا الغير في مكانٍ وكان يعتقد أنه عصير أو ماء ولكني أعلم أنه خمر وذاك غافل عنه ويعتقد أنه ماء الشعير ولكن في الواقع هو فقّاع - طبعاً الآن الارشاد الحكمي فهذا بحث آخر - فهل من الواجب عليّ أن أخبره بأنَّ هذا ليس ماء شعير وإنما هو فقّاع ؟ فهل يجب عليَّ أن أمانعة أو لا ؟ ، فإذا لم أمانعه فهو سوف يشربه بجهالة وغفلة ، فهنا هل شرب الغير له نسبة إسناد لي مع أنني لم أوجد الشرط ولا السبب ولا العلّة وإنما أترك إيجاد المانع ، فهل حرمة شرب الفقاع الحرام ( خمر استصغره الناس ) يشربونه لا يشعرون بالخمر ولكن فيه نشوة ونتونة الخمر موجودة فيه فهل يجب أن نجعل إعلاماً وممانعة أم ماذا ؟ ، حرمة شرب الفقّاع وحرمته كحرمة الخمر يجلد شاربه ثمانين جلده وحدّ البائع له أن يقتل - هذا مع العلم لا مع الجهل - فيا ترى حرمة الخمر بما في ذك الفقّاع الذي هو خمرٌ صغير فالخمر الكبير والخمر الصغير ( خمرٌّ استصغره الناس ) كلاهما حرام ، فهل يجب درجة رابعة أو لا ؟

فالجهة الثالثة التي يجب أن تبحث هي هذا المطلب:- وهو أنه هل دليل حرمة أي حرام غير أنَّ هذا الحرام يحرّم الشيء على الإنسان نفسه يحرّم صدور الفعل من الغير بإسناد من الإنسان في الأقسام الأربعة ؟ ، مجرّد أتى ( حرّم عليكم الخمر ) أو ( حرّم عليكم الميسر ) ( حرّم الزنا ) وهلم جرا ، فهل ذا التحريم يشمل المباشر وغير المباشر ثم غير المباشر اقسام أربعة ؟ ، يعني صدور الفعل من الغير يسمونه غير مباشرة وهو أربعة أقسام علّ وتسبيب وشرط وعدم المانع.

فلاحظ هذه القاعدة كم هي ثقيلة ومهمة ، فإنه فيها ثلاث جهات ، وهذه لعلمكم ليست في باب المكاسب المحرمة ، بل في باب الديات وباب النكاح وأبواب فقهية عديدة هذا البحث في هذه القاعدة هو هو ، وهي بصراحة معقّدة في جهاتها الثلاث ، أعلامٌ كلٌّ يهدّف الآخر ، يعني من جهة مداقّة بعضهم مع بعض ، ونعم المداقّة ، وهي محل ابتلاء ، فإتقان هذه القاعدة مؤثر في أبواب عديدة ، هذه هي فهرست البحث ، ولا بأس بأن تلاحظوا الحواشي وتلاحظون كيف صار.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo