< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مسألة جواز المعاوضة على الدهن المتنجس.

كنّا في صدد قراءة الروايات الواردة في الاستصباح بالدهن المتنجس ومرّ أنَّ البحث في هذه الروايات في الحقيقة ليس مختصاً بالدهن المتنجس بل هو يعم المتنجسات أو قل يعم أيضاً كل ما كانت منفعته الأصلية محرّمة وبدت له منفعة أخرى جانبية ، فالبحث في الحقيقة صحيح هو في الدهن المتنجس يستصبح به ولكن بالدقة البحث عام وهذا كمثال ، وغالباً البحوث التي ترجي في المكاسب المحرمة والموارد والعناوين التي يذكرها الفقهاء هي نماذج وليست حصرية بالعنوان المذكور في مورد المسألة.

وصل بنا المقام إلى رواية ابن إدريس عن جامع البزنطي ، وجامع البزنطي من الكتب المشهورة أيضاً صاحب الرضا عليه السلام ، يعني كيف نحن الآن نتعاطى مع كتاب الكليني وأنه مستفيض عندنا هذه الأصول المهمة كما مرّ بنا إلى زمن القرن السابع وهو المحقق الحلي جملة منها كانت مشهورة مستفيضة ، وإلا لا يأتي المحقق الحلي وهو زعيم الطائفة وكتابه المعتبر وهو من الكتب المهمة حينما يريد أن يجرد المصادر الروائية التي استند إليها في كتابه يأتي ويذكر جملة من الأصول الأربعمائة مقدّماً لها على الكتاب الأربعة ، وبظنّي أنَّ هذا التركيز على خصوص الكتب الأربعة بدأت خطوة من السيد أحمد بنن كطاووس وأنا أظن لا أنني أجزم ولا أنسب ، لأنَّ العلامة الحلي إلى حدّ ما منه أما بداية المصادر يذكرها مثل جامع البزنطي والمشيخة للحسن بن محبوب وكتب أصول ابن أبي عمير وغيرها من الكتاب المشهورة ، يعني إلى جيته في المصادر اختلفت عن استاذه المحقق الحلي المحقق الحلي وهو النصف الثاني من القرن السابع الحلي كما ذكرت لكم في كتاب المعتبر في الفائدة الرابعة في مقدمة الكتاب أصلاً يذكر الكتب الأربعة في نهاية مطاف المصادر فضلاً عن القرن السادس وفضلاً عن القرن الخامس يعني ما بعد الشيخ الطوسي ، كيف أنه في زمن الطوسي الفقهاء ، نفس الشيخ المفيد لم يعتمد على التهذيب أو الاستبصار حينما كتب المقنعة أو اعتمد على الفقيه أو الكافي ، الكافي والتهذيب تعتبر كتب جديدة بالنسبة إلى المفيد ، الكتب الأصلية عند الشيخ المفيد هي الأربعمائة ، نفسه الشيخ الطوسي ، لاحظوا النسبة المئوية لاعتماد الشيخ الطوسي على الكافي في التهذيب والاستبصار فرقه عن اعتماده على الأصول الأربعمائة - وهذا شاهد مهم - ، فإذا قلت إنَّ الشيخ الطوسي اعتمد على كتاب الكافي بنسبة عشرة بالمائة فهذا رقم مبالغ فيه ، إنه بالكاد يكون خمسة بالمائة ، وعليك أن تجري احصائية.

فلاحظ أنَّ الشيخ الطوسي في زمانه لم يحصر في ذلك ، نعم كتاب الكافي عظيم ونحن لا نريد أن نقلّل من شأن الكافي ولا التهذيب ولا الاستبصار فهذه كتب عظيمة ، ولكن كلامنا في الحصر فيها فهذا ليس بصحيح ، ومتى بدأت هذه الظاهرة ؟ عندي حدس قوي بقرينة منهجية العلامة الحلّي أنها بسبب استاذه السيد أحمد بن طاووس ، ومدرسة السيد أحمد بن طاووس جرّت كوارث عجيبة على التراث ، لأنَّ هذه المدرسة تخالف حتى النجاشي وتخالف ابن الغضائري وتخال فالطوسي وتخالف المفيد وهلم جرا ، كيف أن الشيخ الطوسي في زمانه كتاب عظيم ولكن ليس مصدراً أصلياً حتى يعتبره ن فهذه الحالة بقيت إلى زمن 676 اِرفع منها خمسين ، يعني ستة وشعرين سنة ، يعني أكثر من نصف النص الثاني من القرن السابع ، يعني قريب نهاية القرن السابع هذه الحالة موجودة وهي أنَّ الكتب الأربعة مع عظمتها وقدسيتها لكنها تعتبر جزءاً من المصادر العظيمة لا أنها هي المصدر حصراً ، وهذه نكتة مهمة جداً يلزم الالتفات إليها ، فلا نستغرب أنَّ الشهيد الثاني يعتمد على رواية تعتبر رواية مهمة في باب الفقه السياسي التي هي مثل قضية علي بن يقطين وغيره ، طبعاً النجاشي والي الأهواز من قبل الامام الصادق عليه السلام رواية رواها بسنده الشهيد الثاني وروايات عديدة يرويها الشهيد الأوّل أو الشهيد الثاني أو الكركي أو تصل إلى الحر العاملي وهي مصادر افتقدت عندنا ، ولكن هذا لا يعني أنها لم تكن مشهورة في ذلك الزمان ، فتتبع تاريخ التراث شيء مهم جداً.

فإذاً هنا نقل ابن إدريس عن جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السلام قال:- ( سألته عن الرجل تكون له الغنم يقطع إلياتها وهي أحياء أيصلح ان ينتفع بما قطع ؟ قال: نعم يذيبها ويسرج بها ولا يأكلها ولا يبيعها ) يعني البيع لأجل الأكل ، وهذه الرواية منسدة ، لأنه رواها ابن إدريس عن جامع البزنطي والحميري في قرب الاسناد بسنده عبد الله بن الحسن بن علي بن جعفر عن جدّه علي بن جعفر عن موسى بن جعفر عليه السلام ، فالرواية على أيّ حال متصلة وصحيحة سنداً.

فالمهم إذاً يسوغ أن يكون للشيء مالية بلحاظ منافع أخرى ، هنا الشيخ الأنصاري بعد ما نقل أنه هناك إجماع وغير ذلك بحث أربعة بحوث صناعية مهمة في هذه المسألة ، ومرّ بنا أنَّ هذه المسألة ليست خاصة بالدهن المتنجّس وإنما هي أعم والدهن المتنجّس هو مثال ، وفي الحقيقة هذا المثال لاحظ مع أنه متنجّس بل بالنسبة إلى الأليات المقطوعة من الغنم ليست متنجّساً فقط وإنما هي عين النجاسة لأنها تصير ميتة ، فلاحظ أنه لا يوجد فرق بين الدهن المتنجّس وعين النجاسة ، لاحظ تلك المسائل السابقة الدم والروث الأعيان النجسة كيف تخطّى الأعلام ولم يجمدوا على نصّ الأدلة أنَّ بيعها سحت وحرام ولا مالية لها بل قالوا إذا كانت هناك منافع محللة تستجدّ والمنافع المحللة تستجد بحسب تبدل بيئات البشر وأطوار معيشتهم فربما شيء ليس له منفعة في جيل إما لعدم حاجتهم أو لم يكتشفوا المنافع فيه فلا مالية له وبيعه باطل وغير ذلك هذا صحيح ولكن يأتي في بيئة أخرى في نفس الزمان عندهم حاجة معنية محللة لهذه المنفعة تصبح له مالية ويباع صحيح وينتفع به فإنَّ هذا ممكن ، هنا نلاحظ وهذا بحث معاملي قبل أن ندخل فيما قاله الشيخ وهو أنَّ الأشياء إذاً ماليتها بتوليد من العرف بحسب الحاجة ، ويمكن أن يتبدل هذا تلقائياً إما إلى النفي أو إلى الاثبات أو إلى غير ذلك ، الشارع إنما يلغي المالية في موارد لأجل المنفعة المحرّم ( إذا حرّم الله شيئاً حرّم ثمنه ) ثمنه الذي هو بلحاظ هذه المنفعة ، هذه إذا نكتة صناعية مالية يجب أن نلتفت إليها وهي أن المالية توليد مصنع العقلاء والعرف وليس تعبداً شرعياً ، الشارع يحدد ويرشّ ويهذّب فهذا صحيح ، أصل مالية المال ليس حقيقة شرعية ، ومن ثم لابد أن ينفتح الفقيه ولا أقول يتخصص وإما يستعيد بخبراء الكال في بحث المالية لأنه موضوع عقلائي والشارع لا توجد عنده حقيقة شرعية في وقد ينفيه في موارد وقد يثبته ، لا أنه يثبته وإنما مقصودنا يمضيه لأنه أصلاً هو عقلائي ، وهذا يعبّر عنه في بعث الفقه التحام التشريع العقلائي مع التشريع الشرعي ، كيف روافد التشريع العقلائي تجوب أو تخط في بحر التشريع الشرعي الديني ، العلاقة بين التشريع العقلائي والتشريع والقانون العقلائي والسيرة العقلائية وبين التشريع الشرعي.

وأنا عمداً أثير هذه البحوث لأنها الآن مطروحة بسخونة على الساحة القانونية وفلسفة قانون الدين والفقيه يلزم أن يلم بهذه الأمور ، فهذه همزة الوصل الموجودة بين التشريع العقلائي والتشريع الشرعي ، هذا جانب متغير في التشريع الشرعي ، ولماذا ؟ لأنَّ الشارع يمضي البيع أو يمضي المعاملات ، ( بيع عين بمال ) لو افترضنا أنَّ هذا هو تعريف البيع ، أو ( اجارة منفعة المال ) ، فالشارع لا يأتي ويحدد لك أين البيئة أين المال وأين الكذا فلاحظ هذه أومر تستجد ، يعني الجانب المتغير في الشريعة لا أنَّ الشريعة متغيرة ، كلا فالشريعة ليست متغيرة وإنما موضوعاتها العقلائية قابلة للتجدّد والتغيّر ، انعدام وانوجاد ، فهذه قابلة للتجدد والتغيّر ، هذه يسمّونها العلاقة بين الثابت في الشريعة والمتغير فيها ، الشريعة لا تنسخ ولكن موضوعاتها التكوينية أو العقلائية قابلة للتغيّر ، وهذا ليس تغيراً في الدين ، فهذه الأمور يجب أن نلتفت إليها ، نعم الدين يغطي كل أطوار الحياة ، فالمحمول ثابت لكن الموضوع يتغيّر ، الصغرى أين توجد أين تنوجد ؟ ، ليس صغرى جزئية حقيقة بل حتى صغرى كلية ، هذه البحوث يجب أن نلتفت إليها ، وقضية التحام التشريع العقلائي والتزاوج وهمزة الوصل - ما شئت فعبّر - بين التشريع العقلائي وبين الشريعة مهم جداً ، حتى في الحكم السياسي النظام مدني أو حكومة دينية ؟ ، قد المسيحيين بسبب تخلّف كنائسهم أو رجال الدين عندهم أو اليهود كذلك الوهابية تقول حكومة دينية تعني أصلاً الموضوعات العقلائية شطّب عليها وشطّب على العقلاء ، ولكن من قال لك أنَّ الحكومة الدينية تعني شطّب على العفلاء ؟! ، من قال لك أنه إذا كانت حكومة دينية أو فقه ديني يعني مات اللحى الطويلة مثلاً أو لا تركب سيارة واركب البغال والحمير وغير ذلك ؟!! ، فأصلاً لم يقل الشارع هكذا ، من قال أنه إذا كانت حكومة دينية يعني أنك أَبعِد التقنية والتطور ، كلا بل يوجد تلاحم وتزاوج لا عقلائية محضة ولا تعقد أنها حقائق شرعية محضة وإنما هي أمرٌ بين أمرين ، وهذا لا يعني أنه نوع من المزايدة ، ، فالآن أنت لاحظ نفس العلاقة الموجودة ، ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ نفسه موضوعه عقلائي فالشارع ترك العقلاء كيف ما هم ينظمون موضوعاتهم وبيئاتهم أما الحلّية فهو قد حدد للبيع بأن لا يكون غسيلَ أموالٍ وتلاعب فقال ﴿ لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ﴾ يعني غسيل أموال ، فلا يصير تحايل ، إلى الآن أحد سرطانات الاقتصاد في العالم هو التحايل ، شركات قابضة هرمية ولكنها سرقة وتحايل ، فالشارع يقف أمام هذا ، الشارع وضع يده على عشر أو خمسة عشر غدّة سرطانية في الاقتصاد أما الباقي فقد قال للعقلاء لا بأس بأن تولّدوا أنتم نُظُماً كما تشاؤون ، فأنا أحدد الخطوط الحمراء والباقي أتركه حسب بيئاتكم.

فلاحظ أنَّ الاقتصاد لا هو حقيقة شرعية محضة ولا هو حقيقة عقلائية بأن تقول دولة مدنية مخضة فإن هذا غير ممكن فهل نحن بغنىً عن ربّ العالمين ؟!! كلا بل نحن قد كالبنا بمشير معيّن لا هي عقلائية محضة ولا هي شرعية محضة وإنما مسير وسط ، هذا نفسه الذي يذكر في المعاملات بعينة يذكر في الفقه السياسي وفي الفقه القضائي وفي أي فقه لأنه يبين لنا النسبة الصناعية في العلاقة بين تشريع الشارع وتشريع العقلاء ، هذا هو الذي يجري.

فلذا حينما يقال عن الشريعة فيها جانب متغير فهذا صحيح بلحاظ الموضوعات كالمالية وغير ذلك ، ويوجد جانب آخر بلحاظ التعبّد الشرعي ، لذلك أنتم لاحظوا استنباط الفقهاء كلهم وجلّهم من أوّل ما بدأنا بالمسائل إلى الآن تلاحظهم يراعون القواعد والضوابط وفسح المجال إلى جانب المالية وسابقاً وقفنا كثيراً في بحث المالية ، فإذاً هذه نكتة مهمة يلزم أن نلتفت إليها وهي أنَّ المالية قد تتجدد وقد تكون وقد لا تكون وهلم جرا ، ولو قيل: كيف أنَّ الفقهاء السابقين كانوا يحرّمون أما الفقهاء الآن يحرّمون ؟ نقول: نعم هم يحلّلون الآن لأنَّ الموضوعات قد تتبدل شؤونها أو حيثياتها أو ماليتها أو صفتها فإنَّ هذا ممكن والفقهاء يدورون مدار القوالب ، صفات الموضوع وحالات الموضوع ومصاديقه وحيثياته قابلة للتبدّل ، وهذا ليس تبديلاً في الدّين ولا تلاعباً في الأحكام الشرعية ، وإنما هذا انضباط ، أنَّ المحمولات والأحكام تترتب على القوالب الموضوعية ، وهذه نكتة مهمة يجب أن نلتفت إليها.

الآن دعونا ندخل مع الشيخ رحمة الله عليه فيما ذكره من جهات أربع في المسألة وهي مهمة جداً وحساسة:- فهنا عبارة الشيخ في هذه الجهات الأربع التي تعرض إليها.

أما الجهة الأولى:- فلاحظوا عبارة الشيخ هي هكذا: أنَّ صحة بيع هذا الدهن سواء إليات التي هي عين نجسة ميتة أو دهن متنجس أنَّ صحة بيع هذا الدهن هل هي مشروطة باشتراط الاستصباح به صريحاً أو يكفي قصد البائع والمشتري لذلك أو لا يشترط المشارطة للاستصباح ؟

بعد ذلك ينقل الشيخ كلمات كثيرة للأعلام ، وحقيقة هذا البحث أنَّ الجهة الأولى ما هي ؟

وربما يشكل على الشيخ:- بأنه كأنما الشيخ هنا يريد أن يعنون أنَّ هذا البيع بيع الدهن المتنجس أو الدهن الذي هو عين نجسة في الميتة أو أعيان النجاسات كلّها أو المتنجّسات لأنَّ هذا البحث ليس خاصاً بهذا الدهن هل حلّيته التكليفية مشروطة بقصد المتبايعين أو حليته مشروطة بالتصريح بالمشارطة بأنَّ هذا أنا أبيعك إيّاه بشرط أن تنتفع به في الجهة المحللة ؟

وطبعاً هاتان الصياغتان يختلف بعضهما عن بعض ، فالقصد شيء والمشارطة شيء آخر ، أو أصلاً حقيقة هذا البحث ليس هذين الأمرين اللذين ذكرهما الشيخ وإنما هي شيء آخر ، وهو أنَّ مالية هذه العين سواء كانت متنجّسة أو عين نجسة ماليتها إن كانت بلحاظ مالية الأكل والشرب المحرّم فالبيع محرّم أو المعاوضة عموماً حرام سواء كان بيعاً أو صلحاً أو شيئاً آخر ، وأما إذا كانت المالية بلحاظ المنافع المحلّلة فحينئذٍ البيع صحيح.

لاحظوا هذه الصياغة الثالثة وفرقها عن الصياغتين الأوليين ما هي ؟ إنه في الصياغة الثالثة بالدقة هكذا: وهي أنه ليس المدار على القصد الشخصي للمتعاقدين ، وليس المدار على التصريح بالشرط ، بل المدار على الصفة النوعية ، فالمالية شيء نوعي عقلائي ، المالية صفة من الصفات، هل هذه مالية المنفعة المحللة أو هي مالية المنفعة المحرّمة ؟ طبعاً ماليتان وليست مالية واحدة وهذه صفة نوعية مرّ بنا قبل قليل أنَّ الذي يوجدها الوسط العقلائي والبيئة العقلائية ، فالبحث نوعي وليس قصداً شخصياً ، فحقيقة البحث هي الصياغة الثالثة ، ولكن العبارة التي عبّر بها الشيخ أشكل عليها جملة من المحشّين الكبار ، وإشكالهم من جهة صياغة عبارة الشيخ في محلّه ، فليس البحث في قصد الشخصي للمتعاقدين .

على كلٍّ المدار سيما في باب المعاملات عموماً حتى المعاملات بالمعنى العام الشامل للنكاح قلّما يكون المدار على القصد الشخصي ، أوّلاً الغالب في المعاملات هو القصد النوعي العقلائي وليس القصد الشخصي ، هذا من جانب ومن جانب ثاني أيضا مفاد الروايات في المقام التي قالت ( ليستصبح به ) و ( تبيّنه ) وغير ذلك أشير فيه إلى لحاظ الجانب النوعي لا جانب بحث القصد والمشارطة ، نعم الظاهر الأولي البدوي بدون تدبّر قد يتوهم الإنسان أنَّ المراد هو صيغة الاشتراط في العقد لكي يحل البيع ، كلا ولكن الصحيح المراد ليس هذا ، بل المراد هو الجانب المالي والجهة المالية ، وهذا بحث ربما أثرناه العام الماضي في بداية البحث أنه مثلاً كما سيأتي مثال آخر في مسألةٍ أخرى الجارية المغنّية ثمنها سحت فبيعها والمعاوضة عليها والصلح حرام ، نفس هذه الجارية إذا بيعت لا على أنها مغنية وإما خادمة وغير ذلك من المنافع المحللة يصير بيعها حلال ، فهذه عين واحدة تارة التعاوض عليها حرام وتارة يكون التعاوض عليها حلال كيف يكون ذلك ؟ ذلك بلحاظ صفة المالية فمالية المغنية هي أبهض الأثمان وغير ذلك ولكنها حرام أما ماليتها في الجانب الآخر فهي حلال ، وهذا يختلف من عين إلى أخرى ولكن المهم هو هذا الجانب ، فإذاً التعاوض بصفة المالية المحللة الناشئ من منافع محللة المالية صحيحة والمعاوضة ايضاً صحيحة ، وأنَّ الشارع لم يعدم صفة المالية بلحاظ المنافع المحللة ، أما بلحاظ المنافع المحرّمة الشارع أعدم صفة المالية فقال هي سحت يعني مثل لا بقاء له يعني يعدمه ، ليس من الجانب الأخروي فقط وإنما بلحاظ الجانب القانوني ، يعني يعدمه.

فإذاً الصحيح في هذه الجهة ، مع أنَّ الشيخ أطال الحديث عن ذلك ، لكن هذا البحث متكرر في المكاسب المحرّمة وفي المعاملات ويجب أن نلتفت إليه ، أنه عين واحدة تباع فتصير حراماً ونفسها تباع بنمطٍ آخر فتصير حلالاً ، وهذا ليس لعباً بالأحكام ولا تناقضاً ولا تضاداً ولا هو قصد شخصي كما توهم ذلك عبارة الشيخ ، إذا اشتريت الجارية بقصد الغناء حرام هذا ليس قصّة قصد شخصي ، إذا اشتريت الدهن بقصد الأكل حرام وهذا ليس قصّة قصد شخصي ولا قصّة اشتراط بين المتعاقدين ، وهاتان الصيغتان اللتان مرّ أنهما ليستا صحيحتان ، بل الضابطة هي الصياغة الثالثة وهي أنَّ المالية هنا كصفة لها وعلى ضوئها المالية هي التي تقوّم المعاوضة ، فالبيع والمعاوضة تتقوم بها هذه المالية ، فإذا اتخذت ولوحظت فيها المالية المحللة فيصير صحيحاً ، وإذا لوحظت واتخذت فيها المالية المحرّمة كان باطلاً ، وتعيين محللة من محرّمة هو الفارق القيمي السوقي ، فدرجة القيمة السوقية واضحة ، فالدهن لأجل الأكل والشرب إذا كان نوعيةً جيدة فهو غالٍ ، أما الدهن لأجل الإنارة وغير ذلك فقيمته هابطة جداً ، ففرق بين الأمرين ، فإذاً هذا تعاوض على وقود أو تعاوض على طعام - الصفة المالية - ، فإذاً الضابطة هي كما مرّ وهذا ليس خاصاً بالمسألة كما مرّ ، بل في جملة من مسائل تقدمت وهذه واحدة منها وستأتي العديد منها أنَّ المدار هو على هذا هو المدار على صفة المالية كقصد نوعي وليس على القصد الشخصي ولا على الاشتراط المصرّح به بين المتعاقدين.

ونذكر هذه النكتة ونختم:- وهذه النكتة هي باطن ولبّ هذا البحث ، يعني هي قاعدة هيمنية فوق هذا البحث ، وهي قاعدة صعبة ، هي ليست قاعدة وإنما هي شركة قواعد ومجموعة قواعد ولكنها عنوان واحد وهي( العقود تابعة للقصود ) مرّ بنا مراراً هذه ليست قواعد وإنما هي مجموعة قواعد ومن أصعب بحوث المعاملات بل والفقه أيضاً ، وما معنى ( العقود تابعة للقصد ) وأيّ قصود هنا القصود الشخصية أو النوعية أو قصود ارتكازية أو غير ذلك ؟ هذه بحوث حتى العلماء الجدد الأكاديميين في حيرة من هذا البحث وعندهم مذهبان .

فعلى كلٍّ هذه قواعد وليست قاعدة ، هنا هذا له صلة بهذا البحث من جهة أنَّ الشيخ قال ( القصد ) وهل هو القصد الشخصي ؟ مرّ أنه الصحيح هو القصد النوعي ، وهذا القصد النوعي الصفة النوعية المالية ، درجات القصد النوعي العقلائي كم نوع وكم نمط ؟ هذه بحوث مهمة في باب المعاملات غالبا المدار على النوعي وليس الشخصي ولا الاشتراط المصرّح به ، أما ضابطة واكتشافه كيف هو فهذا بحث وعر وطويل الذيل ، وكما مرّ بنا هذه قواعد وليست قاعدة واحدة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo