< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المعاملة على الدهن المتنجس.

كنّا في مسألة العصير العنبي وقد انتهينا منها ، وقبل أن ندخل في مسألة جديد وهي بيع الدهن المتنجس توجد تتمة لمسألة بيع الكلب وظاهراً استعرضنا روايات الدية فيها وانتهينا منها.

مسألة جديدة:- وهذه المسألة الجديدة بالدّقة وكما مرّ مراراً التنبيه على ذلك في المكاسب المحرّمة أنَّ الأبحاث الموجودة في المكاسب المحرمة غالباً لا تختص بعنوان المسألة التي عنونها الشيخ الانصاري ، يعني دأب الفقهاء من الأولين والآخرين تقريباً على أنَّ هذه العناوين والمسائل ليست تعبّداً خاصاً بالدهن أو بالميتة أو بالخمر أو بغير ذلك ، طبعاً درجة الحرمة في الخمر قد يكون لها شأن ودرجة الكذا لها درجة معينة هذا كله صحيح ونحن لا ننفيه ولكن ضوابط المعاملة المعاوضات عليها بيع أو غير بيع جانب الحكم التكليفي ضابطته المالية غالباً ليس هو تعبّد خاص وإنما يفسّره الأعلام على طبق القواعد والضوابط واشتباك القواعد وتداخلها مع بعضها البعض ، فالبحث في هذه الموارد تمثيل ومثال أكثر مما هو حصر وانحصار فلا يغفل عن ذلك.

الآن هذه المسألة:- وهي مسألة جواز المعاوضة على الدهن المتنجس.

طبعاً لا لأجل الأكل أو الشرب في مرقٍ أو غير ذلك ، كلا لأنه متنجس غير قابل للتطهير ، و ( غير قابل للتطهر ) هذا محل كلام وهو معروف ، ولكن إذا ألقي دهنٌ متنجس في أكرار من دهون طاهرة لا يبعد حينئذٍ الحليّة ، هذه طريقة ، لأنه جملة من الأعلام السيد أبو الحسن الأصفهاني والسيد محسن الحكيم وغيرهما التزموا وهو الصحيح أنَّ المائع المضاف الأكرار الكبيرة منه لا يتنجس كلّه بالملاقاة ، الآن مخزن نفطي كبير مثل هذه الأحواض الضخمة وهذا له تأثيره لأصحاب المصانع فهي غالباً محل ابتلاء لأنه قد يموت فيه الفأر أو حيوانات ذات نفس سائلة تموت فيها وهذه كلها موائع أو حليب بالأكرار ، الآن من الجانب الطبي هذا بحث آخر ، ولكن من جهة الطهارة والنجاسة هو قابل للتصوير أنه لا يتنجس وينفعل كله إذا كان بكمية وحجم أكرارا كثيرة كبيرة ، وهذا هو المبنى الصحيح ، الآن ما قرب من عين النجاسة يزال فهذا بحث آخر أما كل الأمرار فلا ، سيما هذه المخازن الضخمة وإن كانت سائلة سواء كان عصيراً أو غير ذلك ، ولكن لا أنه يجمع النجس والنجس .... حتى يصير كثيراً فإنَّ هذا شيء آخر ، وإنما هو طاهر ولكن لاقى طرف منه النجاسة ، بل وقفنا على أدلة والتزم بها بعض نادر من المتقدمين أو المتأخرين رواية تدل على أنه حتى الكرّ من المضاف لا ينفعل بالملاقاة وإنما ينفعل بالتغير ، وهذا داع لمبنى هؤلاء الأعلام ، فهم لا يلتزموا بذلك في الكرّ وإنما التزموا به في الأكرار وهذا بحث ابتلائي عملي ذكرته من هذه الجهة.

الآن افترض أنَّ هذا المائع المضاف أو الدهن المتنجس كان كمية قليلة وليست أكراراً فلاقى النجاسة فهل يحرم المعاوضة عليه ؟ نعم يحرم إذا كان لأجل الأكل والشرب أما لأجل الاستصباح به فلا ، لأنكم تعلمون أنَّ الدهن والزيت طاقة حتى طاقة تشتعل وهلم جرا فيمكن استخدامه كوقود في الاستصباح أو ما شاكل ذلك ، فهل هذا سائغ أو لا ؟

قد وردت فيه نصوص ، فلاحظ هنا الفقهاء وإن ذكروا الدهن أو الزيت ولكن ليس حصراً وإنما مثالاً ، فالمعروف لدى الأعلام كما يكر الشيخ تبعاً للنصوص جائز لأنَّ الاستصباح منفعة محللة ، الآن لها شروط - البيع لأجل الاستصباح - سيتعرض إليها الشيخ ، فالمقصود إن النصوص وإن كانت واردة في هذا.

مثلاً:- صيح معاوية بن وهب عن أبي عبد الله عليه السلام ( قال:- قلت له: جرذ مات في سمن أو زيت أو عسل ، قال عليه السلام أما السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله والزيت يستصبح ) يعني الزيت يتنجس بملاقاة العين النجسة ، وطبعاً صحيح معاوية بن وهب في الوسائل في أبواب ما يكتسب به الباب السادس.

وأيضاً صحيح سعيد الأعرج متنه هكذا:- ( في الفأرة والدابة تقع في الطعام والشراب فتموت فيه ؟ قال: إن كان سمناً أو عسلاً أو زيتاً فإنه ربما يكون بعض هذا فإن كان الشتاء في اسمن والعسل فانزع ما حوله وكله وإن كان الصيف فادفعه حتى يسرج به ) ، وهذا في الباب 43 من أبواب الأطعمة المحرّمة الحديث الرابع ، وظاهرها حتى العسل يمكن أن يُسرَج به لأنه فيه اشتعال لأنه فيه كاربون وغير ذلك ، فالمقصود أنه فيه مواد قابلة للاشتعال ، والسّكّريات هكذا.

وأيضاً موثق أبي بصير ، وهذا الموثق في أبواب ما يكتسب به الباب السادس ، ومتنه:- ( عن الفأرة تقع في السمن والزيت فتموت فيه ، قال: إن كان جامداً فاطرحها وما حولها ويؤكل ما بقي وإن كان ذائباً فاسرج به وأعلمهم إذا بعته ) ، فهنا يجوز الاستصباح به ويجوز البيع لأجل ذلك فإنَّ هذه منفعة محللة.

وأيضاً رواية إسماعيل بن عبد الخالق في نفس الباب:- ( قال: سأله سعيد الأعرج السمّان وأنا حاضر عن السمن والزيت والعسل تقع في الفأرة فتموت كيف يصنع به ؟ قال: أما الزيت فلا تبعه إلا لمن تبيّن له فيبتاع للسراج ).

ودعونا نرى هذا الباب من الوسائل نفسه ، لأنَّ سند هذه الرواة مهم ، نعم صحيحة معاوية بن وهب هي الرواية الأولى في الباب ، وصحيحة زرارة لم نقرأها أيضا وهي الثانية:- ( عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا وقت الفأرة في السمن فماتت فيه فإن كان جامداً فألقها وما يليها وإن كان ذائباً فلا تأكله واستصبح به الزيت مثل ذلك ) ، فلاحظوا أنَّ هذه الرواية يبحثها الأعلام في باب الطهارة ويبحثونها في باب الأطعمة ويبحثونها في باب البيع فهي رواية واحدة لها جهات عديدة ، وقد تُقطَّع كما يُقطِّع الكليني ، وهذه موثقة أبي بصير أيضاً قرأناها ( وأعلِمهم إذا بعت ) ، فهي اشترطت الإعلان في البيع أو أوجبت الإعلام في البيع حيث قال ( وأعلمهم إذا بعت ) لا كشرط وإنما كوجوب.

وعنه ، أي بإسناد الشيخ الطوسي عن الحسن بن محمد بن سماعة عن أحمد الميثمي وهذا من نسل ميثم وهو بيت أقل شيء فيهم هو حسن حالهم متكلّمون من نسل ميثم التمّار ، عن معاوية بن وهب وغيره ، يعني الرواية حسنة:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام في جرذ مات في زيت ما تقول في بيع ذلك ؟ قال: بعه وبيّنه لمن اشتراه ليستصبح به ) ، وهذه ليست شرط ( بعه ) وهل هذا شرط في البيع أو لا ؟ سيأتي البحث فيه.

الرواية الخامسة:- وهي أيضا تعرّض إليها الشيخ ، وهي مهمة في الدلالة والاستدلال كما سيأتي ، وهي في نفس الباب ، وهو الباب السادس من أبواب ما يكتسب به ، عبد الله بن جعفر الحميري في قرب الاسناد عن محمد بن خالد الطيالسي ، وهو من الثقات الأجلاء ، والرواية معتبرة ، ولا ندري كيف عبّر عنها الشيخ اليزدي بالرواية ، يعني اصطلاح الفقهاء أنهم لا يعبّرون عنها رواية إلا أن يصححوا أو يعتدّوا باعتبار السند ، عن اسماعيل بن عبد الخالق عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( سأله سعيد العرج السمّان وأنا حاضر عن الزيت والسمن والعسل تقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع به ؟ قال: أما الزيت فلا تبعه إلا لمن تبين له ) ، يعني منهيٌّ عن البيع إلا بهذا الشرط ، وهذا اللسان غير لسان ( بعه وبيّنه فيبتاع للسراج وأما الأكل فلا وأما السمن فإن كان ذائباً فهو كذلك وإن كان جامداً والفأرة في أعلاه فيؤخذ ما تحتها وما حولها ثم لا بأس به والعسل كذلك عن كان جامداً ) ، وإن كان ذاك يحتمل الشرطية أو ظاهر فيها ولكن هذا اللسان أصلح ، فهو قال ( لا تبعه إلا لمن تبيّن له ) ، والمقصود هنا أنَّ الرواية اشترطت في البيع أنه بتبيين البائع للمشتري أنَّ هذا متنجس.

في الرواية التي قبل قالت ( بعه وبيّنه لمن اشتراه ) ، فالواو إما عطف واجب على البيع أو عطف شرط على البيع . تعبير الكثير من الأعلام أنه في باب المركبات والمعاملات الظهور الأوّلي يكون وضعياً وإن كان تكليفياً ، فهو تكليفي وضعي وليس تكليفياً محضاً ، في باب المعاملات حتى المركبات في باب العبادات يختلف عن باب الأطعمة وباب الأشربة افترض ، باب يوجد مركّب سواء كان مركّب عبادي أو مركّب معاملي أو مركّب باب التذكية فإنَّ التذكية مركّب من المركّبات ، أيّ بابٍ فيه تركيب وضعي ظهور الأدلة عند متأخري هذا العصر من النائيني إلى الآن يقولون بأنَّ ظهوره ليس في التكليفي المحض وإنما إما تكليفي وضعي أو وضعي ، وهذه نكتة مهمة في باب الأدلة الواردة في المركّبات عباديةً كانت أو معاملية أو لا معاملية ولا عبادية مثل باب التذكية في الأطعمة والأشربة فهذه ليست معاملية ولا عبادية ، حينما يكون مركّب في البين ظهور الأدلة هو في كونه وضعياً أو تكليفياً وضعياً وليس تكليفياً محض ، فإنَّ التكليفي المحض يحتاج إلى مؤونة يحتاج إلى قرينة ، لا يمنعون التكليفية وإنما يمنعون التكليفية المحضة التي لا صلة لها بالوضع ، ﴿ أحلّ الله البيع ﴾ هذه حلّية تكليفية ولكنها ليست تكليفية محضة وإنما حلية تكليفية لها صلة بالوضع – بصحة البيع - ، فيلزم الالتفات إلى أنَّ هناك أحكاماً تكليفية ذات صلة بالحكم الوضعي يعبّر عنها أحكاماً تكليفية وهي حقيقةً أحكام تكليفية ولأنها ذات صلة بالحكم الوضعي ، تكليفي كمعيار ولكن ليس تكليفياً محضاً يعني مستقل عن الوضعي وأجنبي عنه ، وجوب صلاة الظهر هو وجوب ولكن له صلة بالوضعي الذي هو نفس صحة صلاة الظهر ، مركّب صلاة الظهر ، مركّب الصوم ، وجوب الحج مركّب تكليفي مرتبط بوضعي ، أما حرمة الغيبة فهذه لا ربط لها بالقضية الوضعية وإنما هو حرمة تكليفية محضة ، حرمة شرب الخمر لا ربط لها بقضايا وضعية ، أما حرمة الربا فهي تكليفية مرتبطة بجانب وضعي ، والوضعيات أيضاً هكذا فيوجد وضعي محض ويجد وضعي مرتبط بالتكليفي ، وحينما يقال أحدهما مرتبط بالآخر لا أنَّ الآخر تبعي انتزاعي وليس أصلي ، كلا بل هو أصلي ولكن له ارتباط بالوضعي.

الرواية الأخرى التي أوردها الشيخ الحرّ في الوسائل في الباب ما ينقله ابن إدريس عن جامع البزنطي.

ولا بأس أن نذكر فائدة رجالية مهمة لأنَّ بعض الروايات في بعض الأبواب يعتمد المشهور على ورايات مستطرفات السرائر:- والسيد الخوئي يقول سند وطريق صاحب السرائر إلى هذه الأصول الروائية لم يفصح عنه فيكون مرسلاً ، مع أن ابن ادريس تعلمون أنه ابن بنت بنت الشيخ الطوسي ظاهراً بهذه الواسطة يعني سبط الشيخ الطوسي ولكن اتصور أنه ببنتين وليس ببنت واحدة ، والفاصل بينه وبين الشيخ الطوسي ليس كثيراً فالشيخ الطوسي توفي سنة 460 هجرية يعني المنتصف الثاني من القرن الخامس وأبن إدريس توفي في سنة 590 تقريباً فالفاصل يصير مائة وثلاثين سنة فالفاصل ليس كبيراً بين الشيخ الطوسي وابن إدريس، طبعاً بين الشيخ الطوسي وابن إدريس الراوندي ومزار المشهدي ، والراوندي اثنان أحدهما السيد فضل الله الراوندي والآخر الشيخ فضل الله الراوندي ، والكراجكي وابن براج في هذه الحقبة بين الطوسي وابن إدريس ، ابن الشيخ الطوسي الذي يسمونه المفيد الثاني أتوقع أنه توفي سنة 510 ، فعلى كلٍّ سلسلة من العلماء الكثيرين ، الآن الكلام في الروايات التي استطرفها ابن إدريس من أصول روائية هل هذه مرسلة أو لا ؟ هنا السيد الخوئي يضع القسطاس فيقول هذه مراسيل ، أما كلمات النجاشي أو الأصول الرجالية عن طبقات مائة سنة أو مائتين سنة أحوالهم ما مذكور السند فتلك ليست مراسيل ، فالنجاشي لم يذكر السند وهو ليس دائماً لا يذكر السند ولا ابن الغضائري والسيد الخوئي لا يعتمد على ابن الغضائري ككتاب ، الآن الطوسي والعقيقي والبرقي ولكن مع ذلك السيد الخوئي يدّعي أنَّ تلك الأقوال مسندة ، ولماذا يدّعي ذلك ؟ يقول لأنه يوجد تواتر ، ويا عجباً هناك تواتر وهنا لا يوجد ؟!! ، لكن الصحيح أنَّ هذه ليست مراسيل ، طبعاً السيد الخوئي استثنى وقال إن كتاب محمد بن علي بن محبوب القمّي ، والحسن بن محبوب بغدادي من أصحاب الرضا أعلى طبقة من أصحاب الرضا لا صلة له بمحمد بن علي بن محبوب فذاك قمي وهو من أصحاب الهادي عليه السلام تقريباً والحسن العسكري عليه السلام ، بينما الحسن بن محبوب الزراد من أصحاب الاجماع وهو من كبار الطائفة في بغداد ، محمد بن علي بن محبوب عنده أصل روائي ينقل عنه ابن إدريس في المستطرفات هنا السيد الخوئي هذا السند أقبله لأنَّ ابن إدريس قال عن أصل محمد بن علي بن محبوب بخط جدي الطوسي وهو يعرف خط جدّه لنه من نفس البيت فالنسخة هي نسخة الطوسي وهه النسخة هي مسندة عند الشيخ الطوسي إلى محمد بن علي فالسند صحيح ، أما بقية الأصول الروائية التي نقل عنها ابن إدريس في المستطرفات بعضها هو الوحيد في الباب أو الرواية هذه التي في المستطرفات فيصلية هي التي تَندِس طوائف روايات في باب معين ، فالكلام الذي نخوض فيه أهميته من هذه الجهة وقد ذكرناه في صلاة المسافر الكتاب المطبوع ، الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور او الكثير من الأعلام كالميرزا القمّي وصاحب البحار وغيرهما أنَّ الكتب المشهورة سواء نقل عنها ابن إدريس أو نقل عنها المحقق الحلي أو نقل عنها الراوندي أو ابن المشهدي ونقل عنا السيد ابن طاووس في كتب الأدعية الكتب المشهورة إذا ثبتت انها مشهورة إلى زمانه لا يتوقف في سندها وإن لم يذكر لها سنداً ، وباي دليل ؟ المجلسي عنده كتاب أربعين حديثاً نقل كلام الميرزا القمي والكثير من الأعلام شواهد عديدة لا خصوص المستطرفات فقط ، فإذاً التفصيل ما هو ؟ المستطرفات اغلب ما نقل عنه كتب مشهورة ، بعضها غير مشهور ، الان غير المشهور تتوقف في سنده فهذا بحث آخر وأن النسخة كيف وصلت إلى ابن إدريس ، أما الكتب المشهورة المستفيضة إن لم تكن متواترة فهذه لا يتوقّف في سندها ، ولماذا ؟

أوّلاً لاحظوا المحقق الحلي صاحب كتاب المعتبر ، والمحقق جزلٌ في الاستدلال غير متساهل وأصولي نجم ، وملاحظة كتب الأصحاب مهمة جداً نفسها تعطيك اطلاع على تراث المذهب وإلا كيف نعرف تراث المذهب ونحن لا نقرأ كتبهم ولا نطالسها ونأتي نصدّر احكاماً على تراث المذهب ؟!! ، الله أكبر ، المحقق الحلي في كتاب المعتبر في مقدمة كتابه المقدمة الرابعة وهو زعيم الطائفة في زمانه ومن الكبار ولولب علمه في زمانه وهو ما شئت فقل من أوصاف في المحقق الحلي فهو في المقدمة الرابعة في كتاب المعتبر ينقل المصادر الروائية التي ينقل عنها ويذكر الكتب الأربعة في ذيل المصادر ، وهذا عجيب ، فإذاً المصادر التي تنقل عنها ما هي ؟ يقول جامع الحسن بن محبوب كتاب المشيخة وأصل كذا وكذا ، فيذكر أصولاً مشهورة في زمانه أكثر الفقهاء يرجعون إليها أكثر من رجوعهم إلى الكتب الأربعة في زمان القرن السابع ، هذه وفيات العلماء يلزم أن نحفظها حتى نعرف طبقات هذا التراث حتى لا يتلاعب به ، المحقق الحلي توفي سنة 676 يعني في نصف النصف الثاني باقي ربع قرن فيصير القرن الثامن ، فالمحقق الحلي هذه وفاته وقبله بثلاث سنوات توفي السيد علي بن طاووس أبو السيد أحمد، هذا المحقق الحلي في زمانه في أواخر القرن السابع يقول بلفظة لسانه أن علماء الامامية يعتمدون على أصل ابن أبي عمير - وأنتم لاحظوا الأسماء التي ذكرها - وأصل زرارة واصل حمّاد هذه الأصول الأربعمائة الكبيرة منها وليست الصغيرة وفي آخر المطاف يذكر الكتب الأربعة ، فبالله عليكم أيها الكتاب المركزي عند الامامية إذاً ؟! نعم الكتب الأربعة عظيمة ولكنها ليست هي المركزية ، هذه الأصول مشهورة بقيت مشهورة تتداول يداً بيد إلى زمان المحقق الحلي ، ولولا كونها أصولاً مشهورة بل وحتى مقدمة حتى على الكتب الأربعة في زمن القرن السابع لما ذكرها المحقق الحلي، وأنا أتعجب من مقولة السيد البروجردي أو غيره من الأعلام هي والباقي يوجد كلام فيها ، ولكن أي كلام فيها ؟!! نعم الكتب الأربعة عظيمة ولكن ليس الحصر فيها ، فملاحظة تراث المذهب مهم جداً فأنت من أين تعرف أن الكتاب مستفيض أو ليس مستفيضاً ، إنه لا ينزل علينا الوحي في ذلك ولا أني أراجع خاتمة الوسائل أو المستدرك فإنَّ هذا لا يكفي ، فلو أردت أن لا أكون مدققاً ومتثبتاً وليست متساهلاً أي تثبت وأي تتبع ولا يوجد عندك تتبع ؟!! ولا يوجد عندك مطالسة لكتب المذهب ، لابد أن نعرف فقهائنا مجلاً بعد جيل أي الكتب هي مستفيضة عندهم لا أنني أطلق أحكاماً رجماً بالغيب فإنَّ هذا غير صحيح ، بل لابد أن أذهب وابحث ، فهذه العبارة من المحقق الحلي ثمينة وأمثال كثير موجود في كتب الأعلام ، كتب مختلفة سواء كتب فقهية أو كتب حديثية أو كتب عقائدية فلاحظوها ، والطيف أنه مما ذكره المحقق الحلي في المعتبر جملة من مصادر مستطرفات السرائر التي يقول عنها السيد الخوئي مرسلة يعني سند ابن إدريس إليها مرسل ، فكيف يصير مرسلاً والحال أنَّ المحقق الحلي يعتبرها في الاستفاضة أكثر من الكتب الأربعة فكيف تتصور هذه ؟! واضح أنه توجد مؤاخذة على كلام السيد الخوئي ومدرسة السيد وأمثاله من مدرسة أحمد بن طاووس.

فعلى كلٍّ شهرة الكتاب إذا أُثبتت وهذا مهم اثباتها ، وكيف تثبت ؟ هذا هو طريق المحقق الاغا بزرك الطهراني أنه تراجع كتب المذهب ليس في علم معين وإنما في علوم عديدة فتجد اسم الكتاب مذكور جيلاً بعد جيل فهل هذا كتابٌ نكرةٍ حتى تأتي وتشكل فيه ؟! كلا بل هو مشهور ، نعم الكتب غير المشهورة فهذا بحث آخر ، وتوجد قرائن كثيرة على هذا المطلب ، ولذلك حتى في زمن الشيخ الطوسي السيد الخوئي يقول سند الشيخ الطوسي إلى هذا الكتاب ضعيف ولكن سنده في الفهرست صحيحة ، ولكن نقول:- انَّ هذه الكتب المشهورة هو الشيخ الطوسي نفسه صرّح والصدوق نفسه صرّح بأنَّ هذه نبذة من طرقنا وإنما توجد عندنا طرق كثيرة أخرى ، لذلك السيد الخوئي وقف على طرق أخرى ذكرها الشيخ الطوسي لا في الفهرست ولا في المشيخة في التهذيب وإنما ذكرها في الاستبصار ، أو ليس في الثلاثة وإنما ذكرت في كتاب رابع أو خامس مما يدل على أنَّ هذه الكتب المشهورة الأسانيد إليها من باب البركة وإلا فهي مشهورة ، وإلا الآن شخص يقول لي ما هو سندنا إلى كتاب الكافي ؟ فنقول له ما هذا الكلام فإنَّ كتاب الكافي مستفيض ؟!! ، أو يقول ما سندنا المتصل إلى نسخة القرآن الكريم ؟ فنقول له ما هي قصّتك فمتى غاب القرآن الكريم عن تناول أيدي المسلمين حتى تريد السند له ؟!! ، متى غاب الكافي ، متى غاب كتاب الصدوق ، هذه الكتب المستفيضة فضلاً إذا كانت متواترة ليست محلاً للكلام وإنما هي مشهورة جيلاً بعد جيل ولم تخلُ الساحة العلمية والساحة الشيعية عنها.

هذه نكتة مهمة في الكتب المشهورة لا تغفلوا عنها والبحث الصناعي فيها مهم منّا إلى صاحب الكتاب ، لا الطريق الموجود داخل الكتاب ، فلا يصير خلط ، وإنما الكلام منّا إلى صاحب الكتاب - الكتب المشهورة - ، لذا مستطرفات صاحب السرائر نعتمد على الكتب المشهورة التي نقل عنها كما اعتمد الكبار ، أما الكتب غير المشهورة فهذا بحثٌ آخر.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo