< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع العصير العنبي..

المسألة اللاحقة التي يتعرض إليها الشيخ الأنصاري كمستثنيات من بيع الأعيان النجسة:- هي بيع العصير العنبي الذي غلى.

العصير العنب إذا غلى ولم يذهب ثلثاه كان نجساً وحراماً ، ولكن مع ذلك يجوز بيعه بلحاظ منافعه المحللة وحتى الشرب ، حتى الشرب بعد ثلثيه يحل ، فلأن العصير العنبي قابل للتطهير وقابل للانتفاع عقلائياً المالية لا تنتفي عنه وإن كان الآن بالفعل هو نجس وحرام ولكن النجس والحرام مع امكانية المعالجة تتقرر المالية له وهذا من ظرائف عالم المال أنَّ المال بلحاظ الوجود القريب للمنفعة ، الوجود القريب هذا مسوّغ للمالية عند العقلاء وإن لم تكن منفعة موجودة بالفعل ، نعم قد يثبت للمشتري إن كان جاهلاً بعدم ذهاب ثلثيه أنَّ حالته الفعلية هذا العصير النجس الحرام المحتاج إلى المعالجة قد يثبت للمشتري حقّ خيار العيب ، لأنَّ هذا نوع عيب لأنه نجس ويحتاج إلى تطهير وتتبدل كميته من الحجم المعين إلى ثلث الحجم وما شابه ذلك ، هذا صحيح ولكنه لا ينفي أصل المالية ، ثبوت حقّ تبعّض الصفقة أو حقّ الخيار لا يمانع أنَّ له مالية بالفعل.

فالمهم أنَّ الشيخ في صدد هذا المطلب: وهو أنَّ بعض الأعيان الآن بالفعل لا منفعة محللة لها موجودة ولكن مع ذلك المالية مقررة عقلائياً وعند الشارع بلحاظ الوجود القريب التقديري للمنفعة وهذا كافٍ ، وفي الحقيقة عالم المال أو الأعيان المالية عالم وسيع كبير وأنَّ له درجات ، واللازم على الفقيه في باب المعاملات المداقة والدقة في معرفة أنواع المال ومراتب المال وهذا أمر مهم ، ليست كلها على وتيرة واحدة ومن أخطأ الاخطاء أنَّ الفقيه يظن بأنه وتيرة المال وتيرة واحدة أو أي باحث مالي ، بل أنواع المال تختلف عن بعضها البعض نوعية درجةً سنخاً ، بتبع هذا سيأتي مهم وبحوث وهو أنواع الملك ، فالملك له أنواع أيضاً ، وكل زمان بلحاظ حاجيات العقلاء في المعاملات يبتكرون انواعاً من الملك ، وهل هذا سائغ أو ليس بسائغ إلا أن يأتي دليل خاص على تسويغه أو العكس الأصل تسويغه مع عدم الردع الخاص ؟ هذا بحث من البحوث المهمة المستجدة في باب المعاملات ، إذاً لدينا علاوة على أنواع المال وانحاء متعددة لمالية المال لدينا أيضاً أنواع وأنحاء للملكية ، كذلك لدينا – وهذا شيء ثالث- أنحاء وانواع من الحقوق ، حق السرقفلية حق التحجير حق السبق حقوق كثيرة ، وأيضاً هناك لغط علمي لدى الأعلام هل يصح تقرير وتصحيح الحقوق المستجدة أم لا ؟ صحيح هذه صحيحة ما لم يردع عنه الشارع بردع خاص ، وسيأتي بحثه ، الحقوق حق التأليف حق الامتياز حق الطباعة حق براءة الاختراع وغير ذلك من الحقوق ، الآن ما الفرق مالية ، ملكية ، حق ، ثلاث امور ما الفرق بينها ؟ المالية شيء مقدم عل الملكية والحق ، الحق والملكية بمثابة الحكم ، والمالية بمثابة الموضوع تمام الموضوع أو جزء الموضوع.

قد الملكية بنحوٍ غالب جلّ الملكية لابد أن يكون مالية مثلاً ، فالمهم أن المالية عندنا وعندنا الملكية وعندنا الحقوق ، كل هذه المحاور الثلاثة أو العناوين الثلاثة لها مراتب وأنواع وليس مرتبة واحدة ، وحينما يكون لها مراتب وأنواع يأتي البحث المستجد فيها وهو أنه هل الحقوق العصرية المتولدة عقلائياً سوق العقلاء كمصنع تولد ماليات جديدة وتولد حقوق جديدة وتولد ملكيات جديدة فهل هذه صحيحة ويمضيها الشارع أو لا ؟ ، وهل تحتاج إلى الامضاء بدليلٍ خاص أو عام أو عدم الردع ، هذه بحوث مهمة ولكن المهم الالتفات إليها ، الخمس ملك أو حق في المال ؟ ، الزكاة في المال الزكوي ملك أو حق ؟ فلاحظوا هذه كلها بحوث مثمرة في أبواب عديدة إذا تعرف الانسان على أنواع الملك أو أنواع الحق ، الشيخ الأنصاري ربما في باب البيع وأيضاً في باب الخيارات مثلاً يستعرض أنواع حقوق كثيرة حق العتق لأم الولد وحق انعتاق المدبّر أو غير ذلك فيتعرض لحقوق عديدة ثم يرى دليلاً في باب معين وفي مسألة معينة مفاده حق ولكنه لا ينطبق على الحقوق المعهودة فهل يمكن التعويل على تلك الأدلة ؟ لـِمَ لا بناءً على أنَّ الحقوق تستجد ؟!! أو أنَّ هذا ذات أنواع عديدة فما المانع في ذلك ؟!! لا هو من قبيل حق الرهن ولا هو من قبيل حق الدين ، حقوق عديدة ولكن ليس من الضروري أن تكون كل أنواع الحقوق على شاكلة واحدة ، وهذا بحث فضيع لخطورة في باب المعاملات وهو أنواع الحقوق ، سيما العقلاء كأنه عندهم معرض أزياء كلّما يستجد حقوق من نمط معيّن يصوغون صياغة جديدة لحق معيّن جديد ، وهل يوجد مانع ؟ هذا محل كلام عند الأعلام ، ملكية شركاء في شقة واحدة أو افترض بيتاً واحداً او أرضاً معينة واحد له الشهر الأول من السنَّة والثاني له الشهر الثاني من السنة ، اثنا عشر شخصاً يتشاركون في ملك بحسب الأشهر فهل يصح هذا أو مع أنه جارٍ في السوق الآن ولو في جلمة من البلدان ؟ وفعلل وتفعلل من أنواع الملك أو أنواع الحق يصح أو لا يصح ؟

فإذاً هذه نكتة مهمة ، إذا ورد لدينا دليل على حق معين الآن بغضّ النظر عن الحقوق المستجدة أو على ملك معيّن من الخطأ أن نحمل الدليل ومفاده حصراً على الحقوق المعهودة أو الملك المعهود ، ولماذا ؟ لأنَّ باب الملك والحقوق من قال لك حصيرة بثلاثة عشر حقاً او سبعة انواع من الحقوق ؟!! ، فإذاً هذه نكتة مهم أن الحقوق يمكن أن تتشكل وتتقولب وتتزيا وتتهيكل وكذلك الملكية وكذلك المالية وهذا باب واسع وثمين.

ونذكر فائدة معترضة متصلة:- أصلاً هذا بحث آخر ولكنه مرتبط بصميم هذا البحث وإن كان بحثاً آخر في منهج الاستنباط ، توجد جدلية يثيرها الحداثويون وقبلهم أثارها الأصوليون من علماء الامامية أكثر ما يثيره الحداثويون في قراءة النص الديني وبدون تعصب يعني ليس من حيث الكم والكيف نصف ما أثاره علمائنا عبر عشرة قرون وهذا شيء طبيعي فهم نوابغ وعقول عشرة قرون يبحثون في بحث معيّن التي هي مباحث الالفاظ في علم الأصول فمباحث الالفاظ في علم الأصول ، ولو تريد عبارة عصرية عنه عبارة عن نظام قراءة النص الديني ، نفس مباحث الألفاظ هي نفس مباحث قراءة النص الديني ، وهل تريد عنواناً عصرياً جديد ؟ ومن الجيد أن يعرف الانسان الترجمة العلمية وليست الترجمة اللسانية ، الترجمة العلمية للمباحث تدل على تضلع الإنسان في العلوم ، يجيد الترجمة لا ترجمة لسانية بل ترجمة معنى لمعنى واصطلاح لاصطلاح ، وهذا أمر ضروري للفاضل والباحث في العلوم الدينية ، أنَّ الكثير من المستجدات ولغط الحديث أو الشبهات أو الاثارات أو العطش الفكري بغض النظر عن الشبهات إذا امكن الإنسان أن يترجمه بمعناه المعهود القديم من القديم إلى الحديث ومن الحديث إلى القديم فسوف يسهل عليه الخطب في علاج هذه الأمور الجديدة ، تسمّى ترجماناً علمياً ، وهذا منهج مهم في الاستدلال والاستنباط ، مثلاً الفقهاء بحثوا في التأمين أصلاُ الآن صناعة من الصناعات التجارية ولها نظامها الخاص وسياستها الخاصة وفعلاً هي صناعة تجارية يطلع عليها الباحثون في العلوم الدينية ، هذا التأمين الفقهاء لم ينغروا بعنوان التأمين وإنما قالوا ما هي ترجمته فالماهوية ما هي فهل له ترجمة واحدة أو أنواع إما يرجع غلى البيع أو إلى الاجارة أو إلى الضمان أو غير ذلك فبالتالي هذه ترجمة وإلا فالعنوان المطبوع عصرياً هو التأمين ولكن الفقهاء لا ينساقون إلى سطح اللفظ كما مرّ بنا هذا المثال مراراً ومن الضروري التدبر فيه ، وهو أنَّ البنوك والمصارف تعبّر عن وضع الأموال عندها بالإيداع والودائع ولكن الفقهاء لم ينغرّوا بهذا العنوان ، وإنما قالوا عن ترجمته الصحيحة الفقهية هو قرض من الزبائن لبنك ، فهي قروض ماهيتها وليست وديعة بحيث تخذ أحكام الوديعة ، وهذا ليس في الفقه بل في القعائد هكذا وفي الأخلاق أيضاً هكذا ، إذا كان طالب العلم أو الفاضل أو الباحث أو المجتهد أو الفقيه - حسب المراتب - لا يلتفت إلى الترجمة العلمية فسوف ينغرّ وينخدع ، ولا يكون أسير الألفاظ بل أسير محوري في المعاني ومعاني المعاني ، وإلا فالتامين له معنى ، والوديعة أيضاً لها معنى ، ولكنه لا ينساق وينخدع بالمعنى الأوّلي المعنى الاستعمالي أو المعنى التصوّري اللغوي ، بل ولا التفهيمي ، وإنما يلاحق الفقيه أو المتكلم أو المفسّر أو أيّ عالم في العلوم الدينية يلاحق المعنى الجدّي النهائي ، فيرى هل هذا هو المراد أو المراد هو شيء آخر ؟ ، فهل هذا تأمين وضمان أو أنَّ المراد شيء آخر ؟ ، هذه يعبر عنها بالترجمة العلمية وهي ترجمة معنى لمعنى وهذا مهم جداً ، يعين الترجمة الدقيقة للمعاني ومعاني المعاني تدل على تضلّع الفقيه أو العالم في أي علم من العلوم الدينية وهذا منهج في الاستنباط فهنا نفس الكلام قراءة النص الديني أو الفلسفات الألسنية بالضبط هي تعني بما يقوم به مباحث الألفاظ ، لذلك حينما تدقق تجد أنَّ كل إثاراتهم وجودة عند علمائنا وزيادة عليها أضعافاً.

نعود إلى ما كنا فيه:- وهو أنه توجد عندنا أنواع المالية وأنواع الملكية وأنواع الحقوق ، نعم يوجد مبحث وإلى الآن لم نُثِره وقد ذكرت هذا المنهج من أجل اثارة هذا المطلب ، وهو مفيد في هذا البحث ، هذه الاثارة بحثها الأصوليون ولكن الحداثويون يذكرونها الآن وإلا فهي مذكورة من قبل الأصوليون قديماً ، مثلاً الميرزا القمّي في القوانين أو الكثير من الأصوليون يقولون الفقيه متهم في فهمه للظهور ، وما معنى هذا التعبير فهل الفقهاء يطعنون في أنفسهم ؟ كلا بل يقولون إنه في استظهار الفقيه للمعاني اللغوية لا يعول على استظهاره ، ولماذا ؟ لأنَّ الفقيه أو المتكلّم أو المفسّر أو أي عالم من العلوم المصطلحة ترسبت في ذهنه وارتكازاته اصطلاحات علمية كثيرة ، الآن مثل بعض الأخوة من الفضلاء قال لاحظ أنَّ الرواية وردت في أنَّ زيارة الحسين واجبة ، وهذا صحيح ولكن استعمال الروايات لكلمة واجبة ليس بالاصطلاح الأصوليين والفقهاء حتى نستظهر من كلمة ( واجبة ) اللزوم ، نعم ورد في الروايات أن زيارة الحسين فريضة ، ومعنى الفريضة اللزوم ، فاستعملت الفريضة في اللزوم ، فإذاً ما هو معنى واجبة في الروايات ؟ معناها في الروايات يعني التشريع المتأصّل وهو يختلف عن التشريع اللاحق مثلاً ، فالتشريعات الأصلية يعبّر عنها الشرع بواجبة سواء كانت مستحبة أو لزومية أو وضعية ، فالمقصود أنه هنا إذا أتى الفقيه وأراد أن يستظهر من لفظة واجبة طبعاً لا يلزم ان يحّكم وراسب اللفظ أو قل المعنى الموجود في ذهنه بسب اصطلاحات العموم على المعاني اللغوية ، فإذاً ماذا يصنع فهل يتجرّد عن هذه الرواسب والارتكازات التي عنده ؟ يقول: لابد أن يعتمد على ارتكاز اللغويين الذين هم بعيدين عن الشوائب الاصطلاحية العلمية.

يقال بأنَّ الشيخ الأنصاري مثلاً والمجدد الشيرازي وغيرهما من العلماء الأعلام الذين لم يكونوا من أبناء اللغة يعتمدون على استظهار المحقق الحلي والعلامة الحلي والشهيدين والكركي ، خمسة أو سبعة من الفقهاء العرب إذا استظهروا شيء فيقولون هذا ارتكازه صحيح لنهم أبناء اللغة وهم فحول ، هكذا نقل ، كما أنَّ العكس قد نقل أيضاً وهو أنه من جهة الدقة الصناعية إذا اتفق الشيخ الأنصاري والمجدّد مثلاً والآخوند فهؤلاء ليسوا من ابناء اللغة العربية فإذا اتفقوا على نكتةٍ صناعية في البحث الصناعي العقلي يقول جملة من الفقهاء إننا سوف لا نحيد عن هذه الوفاقيات الخماسية أو السباعية لأنهم في الدقة الصناعية هم الذروة ، والمقصود بغضّ النظر عن هذا ، وهذه أذكرها من باب الفوائد المعترضة ، والمقصود أنَّ ما ذكره الأصوليون أو الفقهاء من أنَّ فهم الفقيه في الظهور العرفي متهم يعني لا يركن بسرعة إلى استظهاره بل يستعين ، لأنَّ استظهاره مخلوط بالاصطلاحات والارتكازات وهذه تنعكس على كيفية استظهار الانسان شاء أم أبى ، وهذا أمر مهم أنَّ الفقيه أو المفسّر أو المتكلّم أو الباحث في الأخلاق لا ينحبس مع اصطلاحات العلم الذي هو فيه بل يحاول أن يخرج عنه ولو بالاعتماد على أولئك الذين ليس لديهم شوائب هذا الارتكاز ، ولماذا ذكرنا هذا في المقام ، نحن ذكرناه لأن هذا البحث لم يخترعه الحداثويون أو الفلسفات الألسنية وإنما هذا البحث ذكره الأصوليون من قبل أن القناعات المسبقة لدى الإنسان الباحث قد تؤثر تلقائياً عليه من يحث لا يشعر.

على ضوء هذا الطلب إذا التفنا إلى أنَّ الحقوق انواع والمالية انواع والملكية أنواع من غير الصحيح أن الفقيه إذا ورد دليل في حق معين أو مالية مال معينة أو ملكية معينة أن يحمل هذا الدليل على المعهود في ذهنه من أنواع الملك أو أنواع الملك أو أنواع الحقوق فربما هذا حق بزي جديد وبهيكل جديد وبشكل جديد وبموضة جديدة ، فإذاً هذه نكتة مهمة ، سوابق الارتكاز لا يحكّمها الفقيه على النص ، وهذا بحث مهم ولا ننفي الارتباط بملكة الاجتهاد وأعذروني أن أطيل فيه ، لأنه مؤثر جداً.

فالمهم أنه تعبيرهم أنَّ استظهار فقيه متهم فيه ، والمقصود من متهم هو أنه يلزم أن يحاسب الارتكاز الاستظهار يوزنه ويراه صحيحاً أو لا ، وهل هو مستند إلى وراسب خاطئة أو لا ؟ ، الشيخ محمد رضا المظفر رحمة الله عليه هو كان أستاذ الفلسفة فهو تلميذ الكمباني واستاذ قدير في الأسفار في النجف الشرف والشفاء وغير ذلك وقد درّس الكثير من الدورات الفلسفية ، أصلاً كتابه في المنطق يشهد بتضلّعه ، ولعل في تضلعه مع العلامة الطباطبائي عموم وخصوص من وجه وإن كان الكثير لا يعلم بهذا ، هكذا هي قدرة الشيخ محمد رضا المظفر ، فهو ليس شخصاً خارجاً عن العقليات والفلسفة ، ولكن مع ذلك الشيخ محمد رضا المظفر في ترجمته للملا صدرا في أوّل الأسفار ، ويقال إنَّ له ترجمتين للملا صدرا واحدة مبسوطة والأخرى مختصرة ، ففي ترجمته للملا صدرا أشكل على الملا صدرا وقال إنَّ التفسير الذي كتبه ملا صدرا أو شرح أصول الكافي الذي كتبه هو عبارة عن رواسب الأسفار أسقطها - بالتعبير العصري - أو طبّقها - بالتعبير الاصطلاحي القديم - وحكّمها على النص نصّ القرآن ونصّ الروايات ، ولذلك يقول المظفر إنَّ الملا صدرا لم يصنع لنا شيئاً وإنما كرر لنا كتابة الأسفار ، هذه هي عبارة المظفر وليست عبارتي ، ولا تقل لي إنَّ المظفر حسّاس ضد الفلسفة ، كلا بل هو مدرّس الفلسفة ، فهو يقول إنَّ الملا صدرا لم يصنع شيئاً بل عبارة عن تكرار كتاب الأسفار في شرح أصول الكافي وتكرار كتاب الأسفار في كتاب التفسير ، فيقول المظفر إنَّ سببه هو نفس النكتة المنهجية ، فهو لم يتحرّر عن رواسبه الفلسفية فأتى النص كأنما بذهنٍ شفّاف خالٍ ، إنما نظر إلى النص وقرأ النص بهذه الرواسب والقناعات المسبقة وهذا لا ينفع ، فأنت عليك أن تحرر من هذه الرواسب ثم تعال فإنَّ الوحي قطعاً ويقيناً له آفاق غير آفاق البشر ، قد تحاكم نتاج البشر من الفلسفة وغيرها عند الوحي ، أما إذا تجعل نظارتك العلمية عليها رواسب وتنظر إلى الوحي فلن تقرأ في الوحي غير رواسبك أنت ، هذا هو كلام المظفر.

لذلك البعض يقترح وهذا كله مذكور في منهج الاجتهاد ، فإنَّ هذا كله مرتبط بالاجتهاد والاستنباط ، وهو مهم لأنه من يوميات صناعة الاجتهاد ، قالوا إنَّ الأفضل في كل علم من العلوم الدينية سواء الفقه أو الأخلاق أو التفسير أو غيرها أنَّ العالم يذهب ابتداءً بالاستظهار الخام البَدْوِي البَدَوِي ولو أنَّ هذا استظهار خام عفوي ساذج فهذا لا بأس به ولكن بعد ذلك يرجع إلى أقوال العلماء في تفسير الروايات ، ولماذا ؟ يقول:- لأنه إذا بادر من البداية إلى أقوال العلماء تترسب عنده أقوالهم ولن يكون الفقيه ومتحرراً إلى ما هو أوسع من أفق العلماء ، وهذا ليس بالضرورة ولكن اجمالاً دائماً الأمر هكذا.

نعود إلى نفس المبحث:- وهو أنه إذا ورد دللي على حق معين أو ملك معين أو مالية معينة ليس من الصحيح للفقيه أن يحمل هذا الدليل الخاص على الملك المعهود او المال المعهود أو الحق المعهود ، ولماذا ؟ لأنه لربما في هذا الباب في هذا الفصل الروايات وردت بنموذج جديد من الحق نموذج جديد من المال نموذج جديد من المالك وهذا أمر مهم.

ليس الدليل العام ، بل نفس هذه الأدلة الخاصة تبين لك أنه كيف أنه عندنا شكل مربَّع أو مثلَّث أو مستطيل أو مسدَّس أو مسبَّع أو مدوّر فهذا قد يكون شكلاً جديداً ، فلا تطبّق عليه المدوّر ولا المسدّس ولا المسبّع ولا المثلّث ولا المربّع وإنما هذا شكلٌ جديد حلزوني أو هيولائي هلامي مثلاً وهلم جرا ولا مانع من ذلك ، ومن قال إنَّ الاشكال هي بهذه المعهودة عندك ؟!! ، نفس هذه الأدلة أنت لا تعبث بها بل عليك أن تنساق معها كما هي ، لا أنك تلوي عنق الدليل كما يقولون ، وتلوي عنق التدليل يعني أنت تتصرف فيه ، كلا بل أنت انساب معه ، فلاحظ كم هي حدوده وثغوره ، وهذه نكتة مهمة في الاجتهاد يلزم الالتفات إليها.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo