< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع الكلب.

كان الكلام في استعراض جملة الروايات الواردة في تحريم ثمن الكلب ووصلنا إلى وراية العياشي.

وهنا فائدة مهمة:- وهي أنَّ كتاب العياشي كما اعترف الكثير من كبار الأعلام طبعاً الكتاب هو من المصادر العظيمة الروائية في الغيبة الصغرى أو ربما بداياتها أو قبلها ، فبالدقة يلزم الإنسان أن يتحرّى ، وفي الأصل هذا الكتاب الشريف كان مشتملاً على أسانيد لكن دار الطبع ، فالناسخ قديماً كان هو دار طبع هذه المخطوطات كلها يعتبر الناسخ لها دار طبع وعنده صنّاع وغير ذلك فقديماً الناسخ هو دار طبع.

فعلى أي تقدير هذا الناسخ - الذي هو أحد دور الطبع الشهيرة - فحينما يقال لك ناسخ لا تظن أنه فرد يتحكّم في كتاب بل الناسخ قديماً يعتبر دار طبع وسيما إذا كان ناسخاً معروفاً بالدقة والمتانة فتصير هذه دار مشهورة في الطباعة ، فأحد النسّاخ المعروفين وربما هو من شيوخ الاجازة حذف أسانيد العياشي ، طبعاً حذف الأسانيد عدى الراوي الأخير ، فصار الكتاب مراسيل ، فماذا نصنع بالمراسيل ؟! ، ومع ذلك هذه الكتاب ضل أصلاً مهماً في باب التفسير والفقه والعقائد لطبقات علماء المذهب إلى يومنا الحاضر بوزان تفسير القمي ، وقد سئل العلامة الطباطبائي مراراً عن افضل تفسير فذكر تفسير القمي وتفسير العياشي ، ونفس السائرين على مدار سنين قالوا وأي موقع لتفسير الميزان فأنت بنفسك كتبته ؟ فأشار السيد بيده وكأنما لا يكترث بكتابه في مصاف تفسير الأئمة عليهم السلام ، وطبعاً الأمر هكذا ، فقال له لا يكترث بنتاج بشري في قبال تفسير المعصومين وهذا حق ، يعني عدة مرات بعض السائلين ممن نعرفهم من الزملاء.

فعلى أيّ حال تفسير العياشي هو طودٌ ومهم ، وتوجد هناك عملية تلافي لهذا الحذف في الأسانيد لو تقوم به لجنة أو لا أقل نفس الإنسان في يوميات تتبعه في الروايات ، أولاً الكثير من هذه الروايات الموجودة في العياشي موجودة في كتب روائية أخرى من كتب الصدوق أو الشيخ الطوسي أو الراوندي أو غيرهم ، وإن كان هذا لا يجزم بأنَّ الطريق هو هو ، فمثلاً الراوي زرارة نفس المتن نفس اللفظ ونفس الكلام ولكن لا أقل هذا يسمونه من التعويض الصحيح في السند من دون أن يكون تدليس في البين ، ولا أنه نجعله في المتن وإنما نجعله في الهامش ، والأسف النجف الأشرف هذه المدين العظيمة بعظمة أمير المؤمنين من الضروري أنها تحتاج إلى مركز كبير لعلم الحديث ، يعني طباعة كتب الحديث بطباعة علمية لا طباعة فقط أنيقة مبهجة وإن كان هذا استحقاق ، يعني كتب الحديث المفروض أن تطبع تالي تلو طباعة القرآن الكريم ، كيف أنَّ طباعة القرآن الكريم فاخرة ومرتبة ومقدسة فكتب الحديث المفروض أنها تطبع هكذا ، اهمال عظيم في طباعة كتب الحديث سواء من جهة كيفية الطباعة أو من جهة جمع النسخ أو من ناحية التحقيق العلمي ومن افضل من يعني ومتبحر في أحوال الكتب والتراث بلا منازع ربما في الآونة الأخيرة هو الاغا بزرك الطهراني ، يعني مع عظمة السيد الخوئي ففي الفقه والصول والمرجعية ولكن في هذا التخصص لا يلحق بالأغا بزرك الطهراني أبداً ، الاغا بزرك تخصص عمر في أحوال الكتب وعلم الرجال في هذا الجانب بل في مطلق علم الرجال ، عمر قضاه في علم الرجال وعلم الكتب وأبواب علم الدراية مع كونه فقيه وأصولي ومفسّر لا أنه فقط بحّاثة ، كلا ، لكن للأسف المصححين لكتب الحديث أو غيرها صحيح أنه تصحيح طباعة أو غيرها يراجعون كلام الاغا بزرك في ترجمة الكتاب فقط وقد ذكرنا مرارً أن أسلوب الاغا بزرك الطهراني في الذريعة لا يذكر كل الكلام في العنوان المخصص للكتاب ، بل تراه في عشرين مورد يذكر هذا الكتاب استطراداً ويذكر نكات لم يذكرها في ترجمة نفس الكتاب فتضيع على الباحث إذا لم يلتفت إلى هذا ، خصوصاً سابقاُ فإنه لم يكن هناك حاسوب فالتتبع كان يحتاج إلى شخص يطالس الذريعة باستمرار ، ولكن الآن مع الحاسوب يخرج كل الموارد التي ذكرها الاغا بزرك عن هذا الكتاب في كتابه.

فالمقصود أنه حتى طريقة التصحيح العلمي - يعني تصحيح الطباعة - عليها مؤاخذات كثيرة من الاخوة القائمين ، مع أنه شكر الله سعيهم على هذا الجهد ولكن مع ذلك هذا موجود ، فعلى أي حال وجود مركز تراث علم حديث في النجف الأشرف بل مدينة وليس مركز الآن تقام في بحر النجف أو بر النجف أو أي مكان هذا ضروري وحتى تكون مرتبطة بالعتب أو بالحوزة فهذا شيء ضروري جداً ، الآن العتبات الشريفة تطبع تراث العلماء فشكر الله سعيهم ، ولكن في الأولوية نفس كتب الحديث لأهل البيت عليهم السلام لابد من نسخها ، وهذا اللوم يوجه لي وإلى الكل ، فأنا لا ابرئ نفسي من الذنب ، فهذا الذنب أنا مشارك فيه ، يعني يوجد تقصير هو أننا نهتم بكتبنا قبل أن نهتم بكتب أهل البيت عليهم السلام ، وهذا خطير ، لأنهم بالتالي هم عدل الثقل الأوّل ، وإن شاء الله تنبري الهمم لإنشاء مدينة حديث وتراث تعني بهذه المخطوطات ، وهذا شيء مهم ، وهذا وعموماً التثبت والدقة العلمية هو نوع من اللا تساهل العلمي ، فعدم انشاء مثل هذه المراكز هو عين التساهل وهو عين التسامح وهو عين الانفلات في الاستدلال ، عدم التبحّر في علم الحديث من أكبر أسباب بالتساهل في الاستدلال في الروائي ، أكبر أسباب التسامح في الاستلال الروائي ، وإلا أنت ثبّت العرش ثم انقش ، أصلاً هذه المادة الروائية أين أصلها وفصلها وفي كم مصدر موجود ذلك تعال وزن بموازين علم الرجال ، أما بسرعة تقول هذه الرواية كذا فهذا ليس بصحصح فأنت لم تعرف أصلها وفصلها ومادتها نسخها وفي كم مورد موجودة هذا يسمونه تسرّع وتساهل وتصير عشوائية ، فالمقصود أنَّ المساهمة في إنشاء مثل هذا المركز أو هذه المدينة لعلم التراث الحديثي شيء ضروري جداً وهو يليق بهذه المدينة مدينة العلم.

ومثل هذا اقتراح مستدرك أسانيد الوسائل ، ألس هذا ضرورة ؟ يعني مواده موجودة ومصادره موجودة ولكن انجازه غير موجود ، مستدرك أسانيد الوسائل وليس مستدرك متون الوسائل الذي قام به العلامة النوري ، وأيضا يوجد اقترح آخر ذكرناه سابقاً الكليني من الضروري أن يستخرج جماعة من المحققين مشيخته يعني هذا الحديث من أي كتاب روائي نقله لأنه ذكر كل سلسلة السند ، وهذه السلسلة بعضها سلسلة إلى الكتاب وبعضها سلسلة داخل الكتاب مثل الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق ، هذا يزيد من التدقيق العلمي في روايات الكافي ، أليس نحن نقول لسنا متسامحون ولا نريد التساهل ؟!! فهذا يصبّ في التدقيق ، نريد تدقيقاً في الروايات وعدم تسامح في الاعتماد على الروايات ولا نبذل ذرة جهد علمي دقيق وانجاز علمي وصرح علمي في الحديث وهذا تناقض ، بل المفروض إذا نصرّ على أنفسنا بأن يكون عندنا تدقيق وتثبت ، فعلينا أن نعمل ، وفي الحقيقة لولا جهود الحرّ العاملي أصلاً لصار التساهل في الحديث أعظم واعظم ، مع أنَّ العاملي مشربه اخباري ، ولولا جهود المجلسي ولولا جهود الفيض الكاشاني ولولا جهود السيد هاشم البحراني ولولا جهود نفس الصدوق ، صحيح أنَّ مشربه اخباري ولكن تعال إلى هؤلاء ولاحظ ماذا صنعوا ، والشيخ الطوسي أَعظِم وأكرم ، وغيرهم من الكبار كالراوندي ، ولولا أنَّ السيد ابن طاووس وهو فقيه أصولي - وأقصد ابن طاووس رضي الدين سيد علي وليس السيد أحمد - لولا جهوده لو تصدّى للمرجعية فهو لا يقل عن المحقق الحلي وهو سيد فيأخذ دوراً أكثر ، ولكن هو فدى ذلك ، وهذه الدورة الدعائية لولاه لما كانت كتب الدعاء ، ولضاع منا علم دعاء الأئمة.

فالمقصود أنَّ عدم الاكتراث بعلم الحديث هو من أكبر أسباب التسامح والتساهل في الاستدلال ، ونوع من التفريط الكبير ، لأنَّ علم الرجال رتبةً يأتي بعد علم الحديث ، علم الحديث هو الذي يرصّف الطريق بعد ذلك تأتي محاسبات علم الرجال ، حتى مواد علم الرجال إنما تؤخذ من علم الحديث ، روى عنه من وروى عمّن وكم رواية له فهل هذه تأتي بها من الوحي أو أنك تأتي بها من التراث ؟ إنك تأتي بها من تراث الحديث ، هذه النتائج التي ذكرها السيد الخوئي من أين أتى بها السيد الخوئي فهل أتى بها من كتب الرجال ؟ أكثرها من تتبّعات كتب الحديث ، طبقته أين ومن الذي روى عنه ومن الذي روى عنه هو والنسج الصحيحة ما هي ، أصلاً أصل اشتغال السيد الخوئي وهذا ذكرناه مراراً في كتابه الرجال في الأصل هذا لم يكن كتاب رجال وإنما كان كتاب بعنوان جامع أحاديث الشيعة ، يعني في الأصل السيد الخوئي ينصب جهده على علم الحديث ولكنه حينما رأى السيد البروجردي أنجز في هذا المجال فغيّره إلى رجال ، فأصل القصّة التاريخية العلمية لكتاب طبقات السيد الخوئي هو هذا ، فلاحظ كم هي أهمية علم الحديث ، فعلى كلٍّ هذا نوع من الذكرى لنا جميعاً أننا نهتم بهذا الباب لأنه باب مهم.

نعود إلى العياشي:- العياشي والذي الكثير من الكبار ومنهم السيد الخوئي قال إنَّ أصله كان مسنداً ولكنه حذف ، فممكن علاج هذا الأمر بأن تقام طبعة مصحّحة جديدة مع الاستعانة بجهود الاغا بزرك الطهراني وفي الهامش نذكر المصادر الأخرى التي ذكرت متن هذه الرواية ، وهذا نوع من رفع الارسال إلى حدٍّ ما ، وهذا ما يعبّر عنه السيد الخوئي وهو يعتمده أيضاً بالتعويض في السند أو التبديل أو التركيب ، فله ثلاث أسماء ، وهذا ليس تدليساً لأنه مستند إلى مصدر ومطابق في الألفاظ ، هذه خطوة.

وهناك خطوة أخرى:- وهي أنَّ نفس الرواة الذين يروي عنهم العياشي إذا ظهر أنه يروي عن اصله بقرائن معينة بعض الأصول الروائية التي يروي عنها العياشي أسانيدها مشهورة خارجة عن الارسال ، يعني في عهد العياشي بلا شك أسانيدها مشهورة لأنها في عهد الشيخ الطوسي الذي هو بعد العياشي بما يقرب من مائة سنة أسانيدها مشهورة فكيف بالعياشي الذي هو أقدم ، وقصة الطرق إلى الكتب إذا كانت مشهورة وإن لم يرتضها السيد الخوئي ولكن ارتضاها الكثير من الفحول كالميرزا القمي والمجلسي صاحب البحار وغيرهم ، وقد ذكرنا هذا في الجزء الأوّل من علم الرجال ، فهذا أيضاً قسم من روايات العياشي تخرج عن الارسال بهذا الحاظ ، فعلى كلٍّ هذه نكتة رجالية حديثية نستفيد منها.

وإلا أنت تقول بسرعة هذا مرسل فلا اعتمد عليه وهذا غير صحيح ؟!! فهذا ليس بمقبول ، بل عليك أن تصبر وتتثبت من علم الحديث ثم يأتي علم الرجال.

فهنا العياشي في تفسيره عن الحسن بن علي الوّشاء ، يعني إذا كانت هناك قرائن على أنه أخذ الرواية من أصل الحسن بن علي الوشّاء ثم الحسن بن علي الوشّاء الذي هو من ثقات أصحاب الرضا عليه السلام ولو بالقرائن إذا ثبت أن أصله مشهور فهذه تخرج عن الارسال ، عن الرضا عليه السلام قال:- ( سمعته يقول: ثمن الكلب سحت والسحت في النار ) يعني حرام ، فهنا ليس حرمة وضعية فقط بل أيضاً توجد حرمة تكليفية ، مثل مؤاجرة البغي فأصل الفعل حرام والمؤاجرة أكثر حرمة لا أنها باطلة وضعاً بل هي حرام ، كما في الخمر ، وهذه نكتة دلالية أخرى افترض أنَّ الرواية مرسلة ولكن لاحظ أنه في بعض الأحيان نفس الرواية المرسلة تنبهك على قرينة وهي أنَّ ثمن الكلب قرن مراراً في الروايات المعتبرة بالخمر والبغي ، والخمر والبغي فيهما نكت أخرى في مفادهما ليس فقط حرمة وضعية وإنما توجد حرمة تكليفية مغلّظة من الكبائر ، فما هو السّر أنَّ التعاوض على الكلاب من الكبائر لا أنه وضعي فقط عدى ما استثناه الشارع ؟ ، وهذا يقرّب ما استظهرناه أمس فإنَّ هذه قرينة ثانية استدلالية تقرّب ما قربناه أمس من قرائن عديدة أنَّ اللهو المجوني بالكلاب من الكبائر ، المؤانسة مع الكلاب من الكبائر ، شبيه القضايا الأخرى.

في المنافع التي في الظاهر لولا قرائن المجون واللهو نقول هذه المنافع محللة مما يدل على أنَّ الشارع غاية تحريمه التكليفي ليس قصّة البُعد الوضعي وإنما يوجد بعد تكليفي ، وما هو ؟ مثل الخمر ، فلماذا يحرّم بيعها ؟ إنه لا من جانب أنَّ هذا المال ليس ملكاً فقط ، وإنما يريد أن يقطع الطريق على هذه النافع ، فغايتها واضحة ، فهذه نكتة مهمة أيضاً في الكثير من الروايات الواردة في حرمة بيع الكلب أنها ليست حرمة وضعية فقط وإنما توجد حرمة تكليفية أيضاً.

وحينئذٍ يبقى هذا المطلب في استدلالات الأعلام:- وهو أنهم استثنوا الصيود كما استظهر الشيخ الأنصاري ، وهو في محلّه ، أنَّ الروايات ليست مقيدة بالصيود وإنما الذي يصيد والذي يصيد لا يختصّ بالسلوقي ، أو يصطاد فهو لا يختص بالسلوقي ، لأنَّ القيد هنا أتي به بصيغة الفعل فصيغة الفعل لا يتوهم أحد أنه يختص بالسلوقي ، مع أن السلوقي إنما قيل له سلوقي لا أنه جينة خاصة من جينات نسل الكلاب وإن كان المعروف هو هذا الآن ، ولكن حاول الشيخ أن يستظهر أنَّ السلوق هي مدينة في اليمن تشتهر بهذا النمط من الكلاب ، وإن كان الاصطلاح في علم الحيوان للكلاب أنَّ السلوقي له شكل خاص ، ولكن الممارس في صيد الكلاب لا يختص بهذا الشكل المعيّن من جينة الكلاب بل توجد أنواع عديدة من الكلاب يصطاد بها ، فهذا يعم حينئذٍ حتى غير السلوقي مع أنه السلوقي قيل فيه أنه لا يختص بجينة معين ، فتوجد قرائن متعددة على عدم اختصاص كلب الصيد بنمطٍ معين.

بعد ذلك ذكر الشيخ الأنصاري أنَّ المشهور ألحقوا كلب الحراسة وكلب الماشية وكلب الحائط بكلب الصيد لا كلب البيت ، فهو يعبّر كلب البيت الذي يعتبرونه أهلياً فهذا لم يلحقه المشهور.

وما الدليل على ذلك ؟الدليل هو جملة من الشواهد بعضها ذكرها الشيخ وبعضها لم يذكرها:-

فمن الشواهد:- أنَّ المراد من الكلب الذي يصطاد يعني ما له منفعة راجحة ، الآن إذا لم نقل منفعة محللة وقد قلنا هذا ليس بصحيح فإنه في المنافع المحللة المكروهة يوجد تأمل في ايجابها للمالية أما إذا كانت المنفعة راجحة فما الممانع سيما إذا كانت أرجح من الصيد فكأنما هذا الاستثناء كناية ، فلاحظ أنَّ الفقهاء استظهروا من هذا الاستثناء كناية عن هذه المنفعة عن هذا النمط منها وما هو أرفع وهذا الاستظهار في محله وإلا فلا يوجد تعبد خاص في الصيد والاصطياد ، هذه قرينة اولى.

وهناك قرينة ثانية:- وهي أنَّ البعض استظهر أنَّ المراد من الذي يصطاد ليس فقط الصيد وإنما يعني الاستنفاع والاستعمال لمنفعة سبعية الكلب ، أما الهراش فلا أحد يستفيد من سبعيته ، أما إذا اتخذه كلب ماشية أو كلب حائط فهنا يربّي في الكلب ويثير فيه جانب السبعية والكلب هنا يرى دوره دور السبعية فينشط فيه جانب السبعية ، فالمراد من كلب الصيد مثلاً يعين الذي يستفاد من سبعيته أما هذا الي صار الجانب السعي فيه خامداً هامداً من الكلاب كان للوينة أو للعب ، يعني بعبارة أخرى الانتفاع بسبعية الكلب لغرض عقلائي راجح هو في حله صيداً أو حراسةً أو غيرها ، أما الاستفادة من الكلب للّعب أو المجون أو الزينة أو غيرها من هذه الأمور فهذه الأمور يحرّم الشارع المالية والتبايع فيها ، وهذا استظهار وتقريب ثالث متين.

وهناك تقريب رابع يمكن أن يضاف:- وهو ما ورد في باب الديات وفتاوى الفقهاء في ذلك ، ففي باب اليات وردت روايات وأفتى ذلك المشهور بأنَّ دية كلب الحائط أو الحراسة لها ضمان ، ولها ضمان فهذا معناه أنَّ المنفعة محللة وله مالية ، لأنَّ الشارع إذا اعتبر أنَّ له دية يعني له ضمان وله ضمان يعني له مالية ، فإذاً المالية محترمة عند الشارع وليست سحتاً في كلب الحائط وفي كلب الحراسة ، أصل اثبات الدية ولو أنه يوجد تعارض في الروايات في مقدار الدية في كلب الحراسة كم هي وفي كلب الحائط كم هي ولكن بالتالي بعض الروايات المعتبرة ذكرت أنَّ أصل الضمان والدية موجودة وهذا كافٍ ، مثلاً موثقة السكوني في باب التاسع عر من أبواب ديات النفس الحديث الثالث:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين فيمن قتل كلب الصيد ، قال: يقوّمه ، وكذلك البازي ، وكذلك كلب الغنم ، وكذلك كلب الحائط ) ، فهو يستفاد من سبعيته وهذه الاستفادة ليست مرجوحة عند الشارع.

وهناك رواية أخرى:- وفي سندها محمد بن حفص ، وتوجد عندي مراجعة له ولكني لم أراجع مدونتي فيه ، الآن هذا محمد بن حفص من الذي يقع في هذه الرتبة ؟ الكليني عن علي بن إبراهيم عن إبراهيم بن هاشم عن محمد بن حفص ، فإبراهيم بن هاشم ثبت أنه من الأجلاء فوق الثقات وهو يروي بكثرة عن محمد بن حفص فنفس كثرة الرواية عنه والاعتماد علية قرينة لا أقل على الحسن ، فالمهم أنَّ هذا محمد بن حص الامامي يروي علي بن أبي حمزة البطائني وإن كان ملعوناً ، ولكن مرّ بنا مراراً إذا كان الراوي إمامي يروي عن البطائني فمعنى ذلك أنَّ الرواية في زمن استقامته لا زمن انحرافه ، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( قال دية الكلب السلوقي أربعون درهما جعل ذلك له رسول الله صلى الله عليه وآله سلم ودية كلب الغنم كبش ودية كلب الزرع جريب[1] من بُرٍّ ودية كلب الأهل قفيز من تراب لأهله ) ، وكلب الأهل الذي يتخذونه عضواً في الأسرة وللعب والمؤانسة ، قال ( قفيز من تراب لأهله ) يعني أنَّ هذا لا مالية له ، وهذا نصّ من الرواية هنا ولو اتخذوه للزينة والمؤانسة ، فهذا نصٌّ بأنَّ هذه المالية باطلة وسحت ، ( قفيز من التراب لأهله ) ، وهذا نوع من التحقير.

وهذه الروايات أفتى بها المشهور ، وأصل الضمان أيضاً مقرّر. فيتحصّل من مجموع هذا البحث:- أنَّ الكلب إنما ماليته فيما هو منفعة محللة راجحة فقط ، أما المنافع الأخرى فهي لا تسوّغ ماليته بل التعاطي بها مجوناً فيه إشكال ، بل قد يجزم بحرمته ، مساورة الكلب والعياذ بالله ، وشبيه ما ورد من الطعن منه عليه السلام في يزيد بأنه ( يزيد شارب الخمور ....... ) فإنَّ هذه مؤاخذة وكأنما هي مثل تعداد كبائر.


[1] اختلاف المالية.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo