< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/03/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:بيع الميتة.

ويوجد تعليق على الخنزير:- هو أنه مرّ بنا إذا كانت توجد منافع محلَّلة للخنزير فلا إشكال من بيع الخنزير بلحاظ المنافع المحللة إذا افترض ذلك ولو من باب أنَّ كل شيء أنشئ تكويناً لابد فيه من فوائد ولكن قد لا يكتشفها الانسان الآن وإنما يكتشفها بعد أمد ، لأنه وإن كان ورد في الروايات أنَّ سيد الشهداء عليه السلام في أول دولة لأئمة أهل البيت عليهم السلام بعد دولة الظهور لصاحب العصر والزمان عليه السلام أنَّ خاصية دولة سيد الشهداء أنه يملآ الأرض طيباً وطهراً ، ومن ضمن انجازات دولة سيد الشهداء طبعاً يوجد فتح الهند وفتح الصين فإنَّ هذه من الانجازات الخاصة بسيد الشهداء ، يعني ينتشر الايمان في الهند الذين يعتبرون الآن هم ثلث العالم ، فعلى كلٍّ من ضمن انجازات سيد الشهداء أنه يملأ الأرض طيباً وطهراً ، ففي الروايات أنه يستأصل كلّ ما حرّم الله من الأرض كالخنزير مثلاً ، فهل هذا نستفيد منه الآن غاية شريعه هو ؟ يعني مثلاً نستفيد قاعدة هكذا وهي أنّ كل ما حرّم الله فالأهداف التشريعية يريد أن يزال عن وجه الأرض ؟ إنه ليس من المعلوم ، سيما إذا افترضنا منافع محللة موجودة ، الآن هذه من غايات دولة الحق والدولة الإلهية في زمن معيّن فهذا بحث آخر ، فلا توجد منافاة ، وإلا المسوخ موجودة والنجاسات موجودة ، ربما يعني هذا في تنمية معينة يصل إليها البشرية يكون الهدف هو ازالة كل ما حرّم الله عن وجه الأرض.

ولماذا نذكر هذا المطلب ؟

لأنه قد يقول قائل:- إنَّ الخنزير بلحاظ منافعة المحرّمة أو غيرها ترويج التجارة فيه وتكثيره لأنه إذا صارت هناك منافع محللة صار تكثيره وتنسيله وغير ذلك ، فإكثاره في الأرض فيه إشكال مثلاً ، باعتبار أنَّ الشرع يحرّمه ويبغضه ، فقد نستخرج حكماً حكومياً من هذه المباحث وليس فقط فقه فردي ، الفقه الحكومي يعني الفقه المجتمعي ، فتوجد جنبة ونظرة ليست فردية في البعد الفردي بل نظرة في ادارة وتدبير الأرض أو الأراضي أو البلدان أو ما شابه ذلك ، فهل يستحسن الشارع تكثير الخنازير وهل هو شيء مرغوب أو هو شيء محرّم ؟ ، هل يستفيد من حرمة بالنسبة إلى الولي افترض والي سياسي أو والي ديني أو أي والي معين ذي موقعية هل يسدّ الباب والطريق عن تكثير مثل محرّمات من هذا القبيل أو لا مثل المسوخ أو شيء آخر أو أنَّ هذا ليس غرضاً شرعياً وإنما هو من أغراض الدولة ومسؤولية الدولة ؟

فأقول:- ما ورد في شأن سيد الشهداء قد يكون هذا خاصاً بمقطع معين تصل إليه البشرية وما شاكل ذلك ، ولذلك لا يكون من وظائف الدولة في دولة الامام المهدي عليه السلام وإنما هو من وظائف دولة الحسين عليه السلام ، مما يدل على أنه لا يمكن أن نستفيد أنه هكذا.

فعلى كلٍّ هذا ذكرناه من باب الفائدة المعترضة ، ولكن هذا البحث يتكرر في كل الموارد مثلاً الفقهاء ذكروا بالنسبة إلى بعض الآلات المحرّمة الشارع يريد ابادتها ، مثلاً آلات الموسيقى والشطرنج وآلات عبادة الوثن ، لا أنه فقط حرام بيعها وتناولها ، بل استفاد الفقهاء من وراء الحرمة نستطيع أن نقول فقه حكومي تدبيري وهو عدم بقائها ، ولكن في كلَّ هذه المحرّمات لا نستطيع الاستفادة هكذا ، فمن مجرّد اعتبار الشارع نجاسة شيء وحرمة منافعة البارزة لا نستطيع أن نستفيد حرمة كل منافعه حتى غير البارزة ، والشيخ سيذكر هذا البحث في كم مسألة لاحقه وهو أنه هل المحرّمات الأعيان النجسة الأصل في كلّ منافعها محرّمة أو لا وإنما ما ثبت أنه محرّم من منافعها البارزة محرّم أما الباقي فيبقى على الحلّية ؟ ، وهذا له تداعيات في الفقه الحكومي فقه الدولة فقه التدبير ، ليس الحكومة السياسية بل حتى بمعنى الجانب الفتوائي أيضاً في توجيه المجتمع وما شابه ذلك.

فالمقصود أنَّ الفقهاء من هذ المسائل كما بحثوا في الفقه الفردي والوظيفة الفردية أيضاً شيئاً ما تطرقوا إلى الفقه بنظرة مجموعية مجتمعية أو قل تدبيرية وجود هذا الشيء ومنها بحث الخنزير.

الشارع هو لا يأتي يحدد لك المعيشة ما هي وإنما يحدد لك حدود معينة ، أما تدبير المعيشة إذا صار الكفار اشتغلوا بالمعيشة في الجانب المادّي أكفأ من المسلمين والمؤمنين فسوف يتقدّمون عليهم ﴿ كلٌّ نمدّ هؤلاء وهؤلاء ﴾ ، وكذلك الكلام في الجانب الصناعي فهم أخذوا بأسباب القوة ، وأما في الجانب الأسري والروحي فهم في دمار فهذا صحيح ولكن في الجانب المادي المعيشي الذي لم يحدده الشارع بشيء فهم اشتغلوا ﴿ ومن يعمل مثقال ذرة ..﴾ ، فهم سابقوا المسلمين وتقدموا عليهم فهذا بُعدٌ وذاك بُعدٌ ، فالشارع لا يأتي يحدد لك أنك لا تخترع طائرة أو غوصة أو نظام رقابي جيد أو خدمات جيدة للمجتمع بل الشارع لا يمنعك من هذا وإنما أنت وسباقك مع بقية البشر ، فالمقصود أنَّ الفقهاء لم يقتصروا لم يقتصروا في دراسة هذه المسائل والأحكام على البعد الفردي بل نظروا إلى بعدها في الفقه المجتمعي يعني نظروا إلى أنَّ كثرتها وتكثيرها موافق لأغراض الشارع أو لا وهلم جرا ، مثلاً الربا فإنَّ الشارع يريد أن يستأصله تماماً ليس فقط على الصعيد الفردي والخمر ايضاً هكذا ، فالشارع يريد أن يبيده إلا أن تستفيد منه في منفعة محلّلة وتضمنها ، فبعض الموارد من هذا القبيل ، وهذه نكتة مهمة يلزم أن نلتفت إليها.

المسألة السابعة:- ( يحرم التكسب بالخمر ولك مسكر مائع والفقاع اجماعاً بل في فتاوى فقاء الشيعة حرمة الفقاع كحرمة الخمر ) ، والفقّاع هو ماء الشعير الذي يباع في الأسواق الآن فهو نفسه الفقاع ، يعني يوجد في أعلاه زَبَد ، وطبيعة الشعير حينما يبقى مدّة يومين فإنها كافية بل أقل من يومين يزبّد فحينما يزبّد فالفقاعات التي تتصاعد من داخله إل أعلاه يسمى غليان ذاتي كيف أنَّ العصير العنبي يحرم كذلك ماء الشعير إذا غلى يحرم ، والفرق أنَّ العصير العنبي إذا غلى يحرم حتى يذهب ثلثناه ، ولكن ماء الشعير فإنه حتى لو ذهب تسعة أعشاره وبقي عشره فهذا يبقى حرام ، لأنَّ الحرمة لا ترتفع ، ولكنه الآن منتشر في أسواق المسلمين والمؤمنين ، لذلك الامام الرضا عليه السلام كان يقول:- ( كان الامام موسى بن جعفر والدي يحبّ ماء الشعير[1] فكان ينقعه بلا نار نصف يوم خوفاً من أن تسرع إليه الضراوة ) والضراوة هي نوع الحموضة أو المرورة التي تسبب تفاعل غليان وفتاوى تسالم علماء الامامية أن شارب ماء الشعير الحرام - والتي يسمونها بالتعبير الدارج البيرة - يحدّ ثمانين جلدة كشارب الخمر ، ( وبايع الفقاع حدُّه القتل كبايع الخمر ) ، هذا مع العلم أما الجاهل فهذا بحث آخر ، يعني في الأحكام في باب الحدود لم يفرّق الفقهاء نصاً متواتراً او مستفيضاً بين ماء الشعير الحرام - البيرة الفقاع - وبين الخمر ، بل في روايات أهل البيت تشدد أهل البيت عليهم السلام في الفقّاع شديد كتشددهم في الخمر ، ( خمرٌ استصغره الناس ) ، طبعاً هذا الفقّاع عالمياً الآن في علم العناصر الكيميائية وغير ذلك يبدأ من ثلاثة بالماءة كحول إلى خمسة عشر فحينئذٍ يسمّونه بيرة – أي ماء الشعير - ، وإذا ازداد الكحول يسمى نبيذاً ، والنبيذ يستحلّه العامة فضلاً عن الفقّاع ، وحيما ضرب فلان كان يشرب النبيذ ، يعني هم يستحلّون النبيذ ، والنبيذ لغوياً وقديماً عند الشعوب المختلفة النبيذ تبدأ درجة الكحول فيه من خمسة عشر بالماءة إلى خمسة وثلاثين بالماءة فيسمّى نبيذاً ، وكان يُكسَر الخمر بالماء ويقول لا يسكر ، سيما إذا كان مدمناً عليه فلا يُسكِرَه بسرعة فيقلب الخمر إلى نبيذ ويشرب ، وهم في فتاواهم هكذا موجود ، ولكن عند الامامية هذا حرام ، الفقّاع حرام فضلاً عن النبيذ ، الخمر كمفهوم بين الشعوب من قديم الأيام إلى الآن تبدأ نسبة درجة الكحول فيه من خمسة وثلاثين بالماءة إلى خمسة خمسين بالماءة أما ما فوق فهذا جنون وسموم.

فالمقصود هذا المطلب وهو أنَّ تشدد أهل البيت عليهم السلام في تحريم الفقاع ومن الضروري مراجعة النصوص لأنَّ هذا محل ابتلاء وصار تساهل كثير سواء على صعيد الشبهة الموضعية أو على صعيد الشبهة الحكمية ، رحمة الله شيخ الشريعة الذي هو من فقاء النجف الكبار وكان معاراً للآخوند عنده رسالة في العصير العنبي لو تلاحظونها فهي جيد جداً وفيها متعرّض لماء الشعير الفقهاء وغير ذلك ، فعلى كلٍّ يوجد تساهل من جهة الشبهة الموضوعية والشبهة الحكمية وهذه كارثة لأنه خمر يعني تشدد أهل البيت حدّاً الامام الباقر عليه السلام يقول وهذه الرواية يذكرها الفقهاء في كتاب الحدود يقول ( والله لو ولّيت الحكم لقتلت بايعه ولجلدت شاربه ثمانين جلدة ) ، وللعلم فقهاً تلاميذ أئمة أهل البيت كانوا يجهلون الأمر لا عموم المؤمنين في زمان الأئمة فقط فضلاً عن المسلمين ، فقهاء ولكن ليس من الطراز الأوّل بل من الطراز المتوسط كانوا يجهلون حرمة الفقاع إلا بعد ذلك تنبهوا وتعلموا من أئمة أهل البيت عليهم السلام وكان بعضهم مبتلى بذلك لأنهم لا يعلمون فهو ترعرع ونمى عليماً وغير ذلك وهذا موجود في الروايات كثيراً ، فالمقصود كما يقول أئمة أهل البيت ( خمرٌ استصغره الناس ) وهم في تشديد ، وكما في الروايات ( لو أنَّ قطرة خمر ألقيت في حب من الماء لحرم شرب ذلك الحب ) الذي هو جرّة من الماء ، فعلى أية حال ماء الشعير حرمته حرمة مغلظة جداً كحرمة الخمر لذلك تعبير الشيخ يقول ( يحرم التكسب الخمر وكل مسكر مائع والفقاع اجماعاً ) أي في سياق واحد ، ومن الضروري هذا ( مِلت الشعير ) وهي لغة انكليزية أو لاتينية وهذا مكتوب حتى على الكثير من الصناعات الغذائية فهذا ( مِلت الشعير ) عبارة عن خميرة الفقاّع وهو أشد إسكاراً من نفس الفقاع وللأسف هذه تستخدم في الكثير من الصناعات الغذائية أو المشروبات وهذا من الأمور المجهولة وهلم جرا ، وكذلك آش الشعير فإنه يصنع من شوربة الشعير فهاذ حرام أيضاً لأنَّ الشعير أوّلاً لابد أن يغلي جيداً يعني لا أنه يغلي ذاتاً وإما يغلى ثم بعد ذلك تصنع منه الشوربة فهو يندرج في نفس المطلب ، فعلى كلٍّ بحث الشبهة الحكمية في ماء الشعير والشبهة الموضوع يحتاج إلى صحوة علمية كثيرة ، ومرجعة كلمات الأعلام من صاحب الجواهر وكاشف اللثام وغيرهما إلى الشبهة الموضعية فتوجد حالة من الفعلة الكبيرة الشديدة جداً وهذا الخرم كما مرّ حرمته عند الفقهاء ليست حرمة فردية إنما حرمة تدبيرية حكومية مجتمعية فإنه يوجد تغليظ في تحريمه ( لعن الله بائعها وسائقها وحاملها ) وهلم جرا فواضح من هذا اللسان أنَّ الشارع يريد تدابير يقلع ماد الفساد هذه.

فعلى كلٍّ احد أنحاء اقامة هذا الحكم الشرعي المهم الخطير هو الوعي العلمي لا سيما في الوسط الخاص من بُعد الشبهة الحكمية والشبهة الموضوعية ، وسبب الشبهة الموضوعية هو في الحقيقة الشبهة الحكمية وليست الشبهة موضوعية بل بالدقة هي شبهة حكمية والشبهة الحكيم الأصل فيها الفحص لا البراءة أو التعذير وهلم جرا وإنما الأصل فيها الالزام بالفحص.

( يحرم التكسب بالخمر وكل مسكر مائع والفقاع اجماعاً نصّاً وفتوىً ) وإلا البيرة علبه بيرة واحدة حتى لو لم يكن متعوداً عليها فهو لا يسكر منها ولكن مع ذلك هي حرام لأنه توجد نسبة ( إجماعاً نصّاً وفتوىً وفي بعض الأخبار يكون لي على الرجل دراهم فيعطيني خمراً ، قال: خذها فأفسدها، قال ابن أبي عمير: اجعلها خلاًّ ) طبعاً حسب صناعة المخللات الخمر لا تنقلب إلى خل وإنما الخل ينقلب إلى خمر أما الخل فلا تنقلب إلى خل فما هو مراده عليه السلام ؟ لعلّ مراده عليه السلام هو هذا وهو أنه حين صناعة الخل يمكن استخدام ولو أنَّ هذا لا يفتي به الفقهاء لأنه دائماً الخل يمرّ عبر الخمر يعني أوّلاً يصير خمراً نجساً وهو حرام ثم يتبدل إلى خل أو طرشي أو شيء آخر من المخللات ، فالمهم أنه يقول الشيخ الأنصاري والمراد به إما أخذ الخمر مجاناً ثم تخليلها أو أخذها وتخليلها لصاحبها ، والحال أن الخمر لا يتخلّل إلا إذا كان خمراً بَعدُ لم تعزل لأنه حتى هذا الذي يخللونه لو فتحوه في اثناء الخمر حسب كلام المخللين في صناعة الخل يقولون إذا فتحت فسوف لا يتبدل من خمر إلى خل بل يلزم أن تبقية مسدوداً هكذا معروف عندهم ( أو أخذها وتخلليها لصاحبها ثم أخذ الخل وفاءً عن الدراهم ) ، طبعاً يعني إلا إذا علم أنَّ هذا خمر الآن في العلبة أو من دون أن يفتح الصندوق هذا يجوز بيعها الآن لأنها سوف تتبدل إلى الخل ، يعني إلا بهذا المعنى لا أنها مفتوحه فنفترض هكذا فهي جرار خمر ولكنها ليست مفتوحة الرؤوس فتتبدل بعد فترة إلى خل فهنا جائز ولا إشكال فيه وإن كانت هي خمر ، فتحمل الرواية على هذه الصورة الصحيحة ولا إشكال فيها ، لأنه العين النجسة التي يمكن أن تطهر وتكون طاهرة ولها منافع محللة لها مالية بهذا اللحاظ هنا الصورة الوحيد التي للخمر أو للشيء المحرّم له مالية وسيأتي بحثها بشكل مفصل ولا مانع من ذلك ، وهذا مما ينبه على أنَّ الأمور المحرّمة إذا وجدت لها منافع محللة لا مانع من ماليتها بلحاظ منافعها المحللة ولا من بيعها وغير ذلك ، وهذه شواهد على أن القواعد التي تحكم باب المحرّمات هي واحدة كما مر بنا مراراً.

المسألة اللاحقة:- ( يحرم المعاوضة على الأعيان المتنجسة غير القابلة للطهارة إذا توقفت منافعها المحللة المعتد بها على الطهارة ) ، يعني كم قيد فإذا كانت أموراً متنجسة ولكن المنافع المحللة ليست متوقفة على الطهارة مثل ما سيأتي كالاستصباح بالزيت أو الاصباغ أو غير ذلك فإذا كانت المنافع المحللة ليست متوقفة على الطهارة فهي إذاً لا يحرم المعوضة عليها ، ثم إذا كانت غير قابلة للطهارة فإذا كانت قابلة للطهارة فهذا أيضاً مثل ما مرّ بنا مثل العصير العنبي إذا غلى يحرم ولكن إذا ذهب ثلثاه يحل لأنه يصير دبساً عنبياً فلا مانع ، فإذاً كونه غير طاهر - متنجس - وغير قابل للطهارة ومنافعة المحللة متوقفة على الطهارة فبهذه القيود نعم حينئذٍ يندرج في العمومات التي أسسها الشيخ في البداية ( إنَّ الله إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه ) ، يقول الشيخ الانصار ولكن لا يمكن ان يستدل برواية تحف العقول التي فيها ( أو شيء من وجوه النجس ) لأنَّ المراد بعنوانه يعني العناوين نفسها نجسة لا أنه متنجس ، فهذا لطيف ، فلاحظ أنَّ الدهن المتنجس ليس نجساً بعنوانه بخلاف الخمر والدم فظاهر الرواية في وجوه النجس أي الشيء الذي بعنوانه الأولي نجس فلا يمكن التمسك بها.

والشيخ الطوسي ذهب قديماً وعدّة من القدماء ذهبوا إلى نجاسة الحيوانات الممسوخة ولكن المشهور شهرة كثيرة أن الحيوانات الممسوخة نجسة نجاسة كراهتية وليست نجسة نجاسة إلزامية ، وهذا التقسيم وإن لم يقبله السيد الخوئي ولكن المشهور شهرة عظيمة أنهم يقسمون النجس إلى نجس إلزامي ونجس كراهتي ، الحديد نجس كراهتي ، المسوخ أيضاً نجس كراهتي يعني يكره مساورته ويستحب غسل اليد منه ، فهو بهذا المعنى ، فبناء على مبنى الشيخ الطوسي وجماعة من القدماء المسوخ تندرج في الأعيان النجسة وهذا سبق وأن مرّ بنا.

بعد ذلك يذكر الشيخ الأنصاري يذكر استثناءات ، فلاحظوا أنه لا توجد تعبّد خاص إلى هذا الدرجة الذي مرّ بنا بل كله يفسر بحسب القواعد التي شدد الشيخ الأنصاري في بداية المكاسب المحرّمة على تأسيسها والـاكيد عليها في باب المعاملات كمنه صناعي في بحث المكاسب المحرّمة ، قال ( يستثنى من بيع المتنجسات أو الأعيان النجسة أو المتنجسة بيع المملوك الكافر ) ، وطبعاً الأمة أو العبد الكافر قامت الروايات المستفيضة أو المتواترة في الأبواب على جواز شرائه وبيعه واجارته ، وجملة من الروايات التي توهم طهارة اهل الكتاب السؤال الأصلي ليس عن طهارتهم إنما السؤال عن اجارتهم ( استأجر الجارية النصرانية تنظف كذا وكذا ) وهذا لا بأس به فإنَّ الشيء الجاف طاهر ، ولكن هذه الرواية قطّعها الكليني فحينما ترى الرواية مقطعة ترى كأنما السؤال منصب على طهارة النصرانية ، والرواية هي صحيحة السند وهي من الأدلة القوية على طهارة أهل الكتاب ، بينما لو تراجع التهذيب ترى الرواية ليست هكذا ، فهي ليست بصدد السؤال عن أصل نجاسة النصرانية بل هي مفروغ عنها إنما الراوي يسأل عن اجارتها فهل تصير اجارتها ، فالكلام في بيع الأعيان نفسه يأتي في اجارة الأعيان النجسة ، فالإمام عليه السلام يقول المنافع المحللة مثل التنظيف الذي لا يتوقف على الماء وبعض الأمور من تدبير المنزل التي لا تتوقف على مساورةٍ رطبةٍ فهذا لا مانع منه كحمل الأمور ونقلها ومن هذا القبيل ، فالمقصود أنَّ أكثر الروايات التي استدل بها متأخري العصر على طهارة أهل الكتاب مقطعة ، مما ينبه على خطورة علم الحديث ، فإن علم الحديث مرّ بنا مراراً مع الخوة أنَّ علم الحديث أن يلتفت الانسان وتكون عنده خبرة بكتب الحديث والمصادر الأصلية في كتب الحديث ، يعرف رويّة وطريقة المؤلف وتبويب الكتاب ومصادر نفس الكتاب التهذيب ما هي مصادره والكافي ما هي مصادره والفقيه ما هي مصادره وما هي الأبواب التي فيه ، مثل كأنما تقيم دراسة عن هذا الكتاب الحديث المعيّن والمائز بينه وبين بقيّة كتب الحديث هذا يسمونه علم حديث ، وهذا لا تحسبه عمل أكاديميين أو الاغا بزرك الطهراني أو غيره بل أنت كفقيه تدع الفقاهة لا بد أن تخوض في هذا المطلب وإلا المواد الاستدلالية التي ستستدل بها ربما تكون مقلوبة خاطئة ، فقد توجد رواية مقطعة تعتقد أنها رواية اصلية فالاستدلال ينقلب رأساً على عقب ، فعلم الحديث مهم جداً ، يعني العلم بكتب الحديث شجونها وشؤونها وارجاعاتها وحوالاتها وتبويبها فكل هذا مهم ، مثلاً ما هو دأب الشيخ الطوسي في التهذيب وهذا سرّ مهم ؟ إنَّ الشيخ الطوسي يتعرّض إلى رواية واحدة وعادةً الشيخ الطوسي قليل التقطيع ونادر التقطيع بالقياس إلى الكليني فالكليني أكثر تقطيعاً ثم الصدوق ثم الشيخ الطوسي غير هذا المطلب ، الشيخ الطوسي دأبه رواية واحدة يذكر لها طرق مختلفة ليس في باب واحد وذا تراجع التهذيب في أبواب متعددة تلفت أنَّ لها طرق ، فبمجرد مراجعتك للتهذيب في باب واحد وتقول السند ضعيف فأنت مخطئ ، وحتى في الوسائل مع أن صاحب الوسائل حاول أن يستقصي ولكن فاته الكثير ، وقد مرّ بنا هذا البحث مراراً مع الاخوة أن الوسائل يحتاج إلى مستدرك أسانيد السوائل لا مستدرك متون أحاديث الوسائل الذي صنعه الميرزا النوري ونعم ما قام به بل أيضا يحتاج إلى مستدرك لأسانيد السوائل فإنَّ الكثير من اسانيد الوسائل موجودة مسندة بأسانيد أخرى في نفس الباب صاحب الوسائل لم يستطع أن ينبّه عليها قد فاته أو غفل عنه ، الشيخ علي آل كاشف الغطاء الآن الكثير من هذا يأتي وتقدم من انجازاته أنه كانت عنده تعليقة على الوسائل استفاد منها كثيرين وزادوا عليها الكثير فالمقصود هذا مقدار من الوقوف على الأسانيد تقدم ويأتي وإلا فهو أكثر واكثر ، أليس تثبت العرش ثم تنقش ؟ أنت تريد أن تحدد الموقف من هذه الرواية أو الروايات فمن دون أن يصير عندك تتبع واستقصاء كيف تحكم ؟!! إنما يصير تتبعك ناقصاً وفحصك غير مجزي فهو مبتور ، كيف يتلافى الإنسان هذا مع أنَّ الخطوات سهلة فقد يستنكف شخص ويقول أنا صناعي علمي تحليل ، هذا صحيح ولكن هذا التتبع لابد منه ، هذا من المحدثين ، نعم ولكن لم يقم به المحدثين فهم لم يستطيعوا أن ينجزوا كل شيء فلابد أن قوم به وتكتشف الشيء الكثير مما لم تكتشفه أجيال الفقهاء والمحدثين فإنَّ بحر التتبع واسع ولا حدود له ، البارحة كنت أراجع فقرة من خطبة الزهراء عليه السلام فسبحان الله بمراجعة يسيرة رأيت مقطعاً أربع جمل من الخطبة الشريفة فيها ست نسخ في المصادر القديمة الأصلية ، نسخة الفقيه تختلف عن علل الشرائع ونسخة الشرائع تختلف عن نسخة الاحتجاج ، فلابد من المراجعة ، وإذا لم يعوّ د الانسان نفسه على المراجعة ، وقول إنَّ هذا شغل المحدّثين فنقول له إن لم ينجز لك المحدثين شيئاً فلابد لك أن تقوم بهذا العمل ، فلابد أن تراجع الأدلة والمصادر ، بل لابد أن نعوّد أنفسنا على علم الحديث وممارسته وإلا يصير كلامنا فرضي لأنك لم تراجع المصادر والمواد بصورة جيدة ، وما أكثر هذا ، فهناك غلبة على الفقهاء وحقّهم فهو بحث في الفن ولكن المصادر مهمة جداً ، فأوّلاً لابد من تنقيح مواد الاستدلال كيف يقول منتهي الصلاحية او غير ذلك مثلاً المواد الموجود فيها ، وهذا عبر التضلّع في علم الحديث يعني التضلّع في معرفة كتب الحديث ولا تعتمد على تتبّعات الآخرين فقط وإلا يصير الإنسان مقلداً في موارد خطيرة.


[1] أي ماء الشعير الحلال.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo