< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الفقه

40/01/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: بيع العذرة.

كان الكلام في بيع العذرة ومرّ بنا أن هناك جملة من الروايات ربما ينظر إليها متعارضة بعضها يجوز بيع العذرة وبعضها يمنع ومر بنا أن مشهور متأخري العصار لم ينبوا في مفاد هذه الروايات سواء في هذه العين النجسة العذرة أو في الأعيان النجسة الأخرى التي ستأتي لم يبنوا فيها على النهي المطلق ولم يستنطقوا ولم يستنبطوا ولم يستظهروا من الروايات الخاصة الواردة في كل عين عين من أعيان النجاسة النهي المطلق مع أنها خاصة بالدم أو بالعذرة أو بالميتة أو بالمني أو بالبول وغير ذلك من أعيان النجاسة المختلفة هذه النواهي الواردة في كل عين عين من أعيان النجاسة هي دليل خاص أولاً لم يستظهروا منه الـاسيس كما ذكرت لكم يعني التخصيص ، بل هو تأصيل لنفس ضوابط القواعد إن كانت منفعة محللة فكذا وإن كانت منفعة محرمة فكذا وهلم جرا المالية تنتفي إن كانت لم يكن له منفعة محللة وهكذا ، وقالوا على فرض أننا نتنزل أنه فيها تخصيص فتخصيها لا نجد اطلاق في التخصيص يعني في النهي وإنما النهي يحمل على مورد المنافع المحرمة تبقى المنافع المحللة تحت العمومات ، هذا اجمال مبنى متأخري هذ العصر في كل هذه المسائل التي يخوض فيها الشيخ الأنصاري الآن في الأعيان النجسة.

أما تفصيلاً في خصوص هذه الروايات الواردة سيما في العذرة كما مرّ بنا اختلفت وجوه وفذلكات الأعلام سواء من القدماء أو المتأخرين في كيفية الجمع بين هذه الروايات ، مع أنَّ النتيجة ربما تكون محسومة عند جماعة لكن في فذلكة الأدلة في الوصول إلى تلك النتيجة توجد فذلكات وطرق وخيارات مختلفة ، ومن مواطن تدريب الباحث على صناعة الاجتهاد هو تدقيق الباحث في فذلكات مختلفة في مسالة واحدة بين الأدلة ، يعني يحرج نفيه فكرياً كيف ستطيع أن يميز ويبت بالنقد والتدقيق بين الفذلكات المختلفة فهذه تعطي الإنسان دربة ، إذا ورّط الإنسان فكره وأحرج فكره في أن يميز ويلتفت غلى فوارق الفذلكات في مسألة واحدة التي ذكرها الأعلام وشيئاً فشيئاً يمرّس نفسه أن يقارن ينقد يوزن يرجح فذلكة على فذلكة قليلاً قليلاً يتمرس في صناعة الاجتهاد.

فمن الوجوه التي ذكرها الأعلام في المقام بعد الاعتماد على أنَّ موثقة سماعة رواية واحد سواء كان جمعاً في المروي أو جمعاً في الرواية:- بعضهم حصر أنه إذا كان جمع رواية فنعم ليس التعارض في الصدور أما إذا كان الجمع في المروي يصير تعارض في الصدور .

ونحن نقول:- كلا مادام الراوي واحداً فيمكن حينئذٍ أن ينقل مركز التعارض من الصدور إلى الدلالة أو جهة الصدور ، على ضوء ذلك البعض مثل بعض الأعلام حمل النهي على الكراهة والتجويز نص فيحمل الظهور أو الظهور القوي على النص ، سيما أنَّ لفظة السحت تستعمل في بعض الموارد المتعددة وإن كان ظهورها الأولي بقوة في الحرمة لكن استعملت في جملة من الموارد تقريباً عشرين بالمائة وهذا كافٍ في موارد الكراهة ، فإذً هذا غير ممتنع.

ولكن هذا الجمع من صاحب ذخيرة المعاد يسمى جمعاً محمولياً اصطلاحاً ، يعني أبقى الموضوع على حاله ولكن تصرف في المحمول ، وقد ردّ عليه بأن بعض لسان الحرمة ليس ظهوراً بل كان نصاً في الحرمة أو قل بدرجة التجويز ، فهذا الجمع فيه نظر.

ويوجد جمع آخر جمعه الشيخ الطوسي:- حيث حمل العذرة المجوّز بيعها على العذرة الطاهرة - أي عذرة مأكول اللحم - وحمل العذرة المحرّمة على عذرة الإنسان ، طبعاً التقابل ليس بين عذرة الانسان وإنما عذرة غير مأكول اللحم مطلاقاً نجسة لذلك الفأر غير مكول اللحم رجيعه نجساً فالرز لو طبخته وفيه منه صار كله نجساً وهلم جرا ، أو السنّور أو غير ذلك مما لا يؤكل لحمه ، لكن الشيخ جمع جمعاً موضوعياً ، الجمع الموضوعي يرفع التعارض ، وأيهما يقدم الموضوعي أو الحمولي أو بحس بالموارد والضوابط ؟ ثم ما هو الوجه لحمل الشيخ فهل هي قرينة داخلية أو قرينة خارجية ؟

الشيخ الأنصاري فسّر القرينة التي استند إليها الشيخ الطوسي الكثير قالوا كلام الشيخ الطوسي تبرعي ، وطبعاً الجمع التبرعي جمع صناعي عند القدماء وليس عند القدماء فقط بل هو موجود عند مشهور طرقات القدماء والقدمين والمتأخرين ومتأخري المتأخرين أغلبهم عندهم الجمع التبرعي صناعي وليس تحميلي تكليف غاية الأمر الجمع التبرعي مؤخر رتبة عن الجمع الذي يعبر عنه المعاصرين بالجمع العرفي ، وهذا بحثه في باب التعارض قد اثبتناه بأدلة عديدة ، ويلتزم به حتى علماء علوم اللغة فعلى كلّ هذا بحث مبنائي في محلّه خلافاً للمعاصرين من القرنين الأخيرين حيث الأغلبية منهم لا يسلمون بأن الجمع التبرعي صناعي.

فعلى أيّ تقدير فهل جمع الشيخ تبرعي أو عرفي ؟ الشيخ الانصاري حاول أن يبني على أنَّ جمع الشيخ الطوسي عرفي وليس تبرعياً ولكنه اعتمد على قرينة لا يقبل بها الكل.

وبغض النظر عن المقام هذا البحث ينفع في أبواب عديدة فلذلك نحن في صدد استعراض الفذلكات تفصيلاً لأنها تفيد ممارسة اجتهادية في أبواب عديدة في مسائل عديدة ، القرينة التي اعتمدها الشيخ هذه القرينة إذا تمت تصير حلال المشاكل في أبواب عديدة وهي تامة عندنا ولكن متأخري الأعصار لا يقبلونها أو المعاصرين يعني في القرن الأخير ، والقرينة هي تسمى بالقدر المتيقن ، مثلاً في أبواب عديدة تعارض روايات موجودة طائفتان أن أكثر غالباً كل طائفة كل لسان من السن الروايات المتعارضة فيه قدر متيقن بلا شك ، قدر متيقن ولو ليس ثبوتياً وإنما قدر متيقن اثباتي.

وما الفرق بين القدر المتيقن الثبوتي والاثباتي ؟

سنوضحه الآن ، فإذن يوجد قدر متيقن ، والبعض يعتمد على القدر المتيقن الثبوتي فقط أما القدر المتيقن الاثباتي فلا يقبله ، ولكن الصحيح هو أنه يمكن التعويل على القدر المتيقن سواء كان الثبوتي أو الاثباتي ، الفرق بينهما لا بأس بأن نشرحه الآن ، وهو أنَّ القدر المتيقن الثبوتي يعني حكمه مسلّم بحسب الواقع بغض النظر عن هذه الأدلة المتعارضة أو بلحاظها أو بغض النظر عنها لكن مسلم واقعا بأنَّ هذا حكمه المقدار الثبوتي مسلّم ، مثلاً القدر المتيقن لنفترض هو أن بيع عذرة الانسان محرّم والعذرة الطاهرة من الحيوان مأكل اللحم مسلّمة جواز البيع ، لو افترضنا بحسب الواقع - لأنه يوجد خلاف - فهذا يعبر عنه قدر متيقن ثبوتي ، يعني بغض النظر عن الأدلة بلحاظ مجموع الدلة أو أدلة أخرى وهلم جرا ، كلا بل بغض النظر عن تنافي هذه الأدلة الآن سواء كانت طائفتان او أكثر يعني بشكل علم اجمالي أو علم من أدلة من أبواب أخرى نعلم بأن - وهذا فرضاً ولا نريد أن نقول أننا نطبق على هذا المثال - فلو افترضنا أن عذرة الانسان محرمة البيع بحسب الواقع ولا ترديد في ذلك هذا يعبر عنه قدر متيقن ثبوتي ، الان مأكول اللحم مسلّم فإنَّ عذرة مأكول اللحم جائزة البيع هذا مسلّم ثبوتاً ، فيصير قدر متيقن ثبوتي ، وفي المقابل يوجد قدر متيقن اثباتي ، يعني اثباتاً ليس مسلماً وإنما بعد علاج الأدلة يمك الوصول إلى نتيجة الواقع لكن بحسب دلالة الأدلة نحن وأفق الدلالة والأدلة هذا قدر متيقن وذاك قدر متيقن ، فالقدر المتيقن الاثباتي يعني الذي ليس مسلم بحسب الواقع وإنما في جو مجموع هذه الأدلة المتعارض هذا قدر متيقن بحسب الأدلة سالم عن الصراع الموجود والتعارض الموجود بين الأدلة هذا يعبر عنه قدر متيقن اثباتي.

فإذاً يوجد قدر متيقن اثباتي وقدر متيقن ثبوتي ، والبعض لا يقبل القدر المتيقن الاثباتي ، وإنما يقبل القدر المتيقن الثبوتي كقرينة ، والنادر لا يقبل الاثنين معاً ، والبعض القليل ليس القليل جداً وربما الكثير وليس الأكثر فإنَّ الكثير لا يقبل بهذا ولكن الكثير ونحن نوافقهم على ذلك أن القدر المتيقن الاثباتي أيضاً قرينة.

وما الشاهد على كون القدر المتيقن قرينة ؟ وهذا ينفع في أبواب عديدة ، ولا يخفى في خضم هذا البحث أنَّ القدر المتيقن بقسميه جمع هو عرفي وليس جمعً تبرعياً ، البعض جعله من مصاديق الجمع العرفي ولكن الصحيح أنه جمع عرفي ، نعم وقبل أن نشرح أدلة القدر المتيقن القدر المتيقن بقسميه وإن كان جمعاً عرفياً لمن يرتضيه الجمع العرفي مراتب وليس مرتبة واحدة ، حتى الجمع التبرعي أيضاً راتب ، وماذا يعني مراتب ؟ يعني يوجد جمع عرفي أظهر يوجد جمع رعفي ظاهر يوجد جمع عرفي ظهور قوي ويوجد جمع عرفي أدنى مراتب الظهور فالجمع العرفي ليس مرتبة واحدة .

شبيه هذا المطلب يذكرونه مراراً أنَّ السياق قرينة عرفية يعتمد عليها ولكنها من اضعف قرائن الظهور ، أضعف لا أنها ساقطة لا يعتمد عليها ، كلا بل يعتمد عليها ولكنها هي من أضعف قرائن الظهور ، بعض الأحيان في علم الرجال أيضاً هكذا يوجد تعبير وهو أنَّ الراوي يقولون هو ضعيف يعني ليس ضعيفاً في نفسه بشكل ساقط بل بالقياس إلى البقية النقّاد هذا ضعيف.

فإذاً يوجد استعمال عند الرجاليين بهذا المعنى ، فالسياق وإن كان ظهروه عرفياً ولكنه ليس ظهوراً عرفياً قوياً بل أدنى مراتب الظهور الذي يعتمد عليه الآن هذا القدر المتيقن يمكن أن يقال هو شبيه السياق يعني من أضعف قرائن الجمع لا يعول عليه إلا عند وصول النوبة إليه وإلا إذا كانت توجد قائن اخرى فيعتمد عليها ، وهذا المطلب له مثال كثير ذكرناه في الحجج اللفظية نفس الحجج اللفظية كلها حجج لفظية أمارات دليل اجتهادي ولكن ليست كل الحجج اللفظية على مرتبة واحدة ، مثل الأصول العملية الأصول العملية هي أصول عملية لوكنها ليست على مرتبة واحدة بل هي على مراتب ، بل لو تدققون فإنَّ الأصول العملية المحرزة التي هي رتبتها رتبة أولى في الأصول العملية نفس الأصول العملية ليست رتبة واحدة ، قاعدة التجاوز والفراغ أصل محرز والاستصحاب أيضاً أصل محرز ولكن قاعدة التجاوز مقدّمة على الاستصحاب ، يعني معنى الأصول العملية المحرزة أنها رتبة واحدة ، كلا بل نفس الرتب الواحدة فيها رتب ، فكيف بك بمراتب الأصول العملية ، فلا ننسى هذه المراتب والرتب فكونها مراتب شيء وكونها ليست معتبرة أصلاً شيء آخر.

وما هو الشاهد على أنَّ هذا القدر المتيقن قرينة ؟

أصلاً نكفي بشاهد واحد لا أقل ، والشاهد هو هذا ، وهو أن نفس أن يقول قدر متيقن ففيه إيقان ، وإيقان يعني قوّة دلالة ولو بضميمة معاضدة ، وفي الظهور أدنى درجة من قوة الدلالة يقدم القوي على الضعيف ، أي الضعيف النسبي مثل الجزئي الاضافي فهو ضعيف إضافي بالنسبة إلى ذلك القوي ، فنفس الاعتراف بتيقن القدر أو قدر متيقن هو قوة دلالة ، ولكن من العجيب أنَّ جملة من الأعلام يقولون بأنَّ القرينة الخارجية لا نعترف بها ، وهذا غير مقبول ، إذ كيف لا تعترف بالقرينة سواء كانت خارجية أو داخلية ؟!! أليس الخاص المنفصل مقدم على العام مع أنه منفصل ؟!! أو المقيد المنفصل فكونه منفصلاً لا يعني أنه لا يحكم على الكلام منفصلاً عنه مادام الكل في سياق مرادٍ واحد وموضوع واحد ومحمول واحد ؟!! ، فالصحيح هو أنَّ القدر المتيقن حجة ، نعم في قبال قرائن عرفية أخرى يكون ظهورها مقدم والجمع بها.

فعلى كلٍّ هل جمع الشيخ هذا يعوّل عليه فإنه من الجهة الكبروية نعم ولكن هل يعوّل عليه من الجهة الصغروية ؟

هنا أشكل على الشيخ الطوسي أو الشيخ الأنصاري:- بأنَّ العذرة في كلا الدليلين مورد السؤال هو عذرة الاسنان وليس عذرة ما يؤكل لحمه ، أصلاً ما يؤكل لحمه في اللغة لا يستعمل في اللغة إلا توسعاً أو استعمالاً قليلاً يعني استعمال توسعي اطلاق لفظة العذرة على مدفوع الحيوانات وإنما يطلق على مدفوع الانسان ، فمحل السؤال أصلاً في كلا الموردين هو عذرة الانسان فكيف نحمله على غيره ، إن هذا ليس بممتنع ولكن بهذا المقدار فهذا ليس وجهاً قوياً ولا يصار إليه إلا إذا انسدت الوجوه ؟ ولماذا نقول يصار إليه إذا اندت الوجوه ؟ لأنه ولو أنه وجه ظهور ضعيف ولكنه يصار إليه مع انتفاء درجات الظهور الأخرى في الفذلكات ، فلاحظ هذه عملية تمييز درجات الفذلكات والعلاجات يجب أن نتمرّس فيها لكي لا نظل في حيرة وبلبلة علمية.

وهناك جه آخر من الجمع:- وقد ذكره المجلسي حث قال إنَّ المراد من العذرة هي عذرة الانسان ولكن في بعض البلدان ينتفع منها فنحمل أدلة الجواز عليها لأنها منفعة محللة وفي بعض البلدان لا ينتفع منها فتحمل الحرمة على تلك البلدان لأنها ليست فيها منفعة محللة.

إذاً جمع المجلسي جمعاً موضوعياً وليس بلحاظ القدر المتيقن بل بلحاظ تنوّع الأفراد للموضوع ، وهذا التنوّع مطابق للقواعد العامة فنحمل ألسن الروايات الخاصة المتعارضة على هذه الضوابط العامة.

وقد أشكل على هذا الجمع:- بأنَّ ظاهر مورد سؤال السائل في كلا الطائفتين هو العذرة التي ينتفع منها للتسميد ، فهي محل نفع عرفي ، وإلا لماذا يأتي ويسأل ؟ لا أنَّ مورد سؤاله عدم النفع فكفيف تحمل هذا الحمل ؟

وأشكل اشكالاً ثانياً :- وهو أنَّ العذرة دائماً يسمّد بها فكيف تقول في بعض العرف وبعض العرف ؟

ولنقيّم هذين الاشكالين في محلّهما أولا:-

أما الاشكال الثاني:- فصحيح أنَّ العرف يسمّد بعذرة الانسان ولكن ليس دائماً المدن أو الأماكن مهيأة للانتفاع بالتسميد فربما المكان لا يكون زراعياً ونقل هذه العين النجيسة إلى ذلك المكان لا فائدة منه ، فبالتالي توجد موارد أنها لا ينتفع بها منفعة محللة ، لأنه قيمة نقلها أعلى من بيع السوق فلا ينفع ولا هي قريبة ، شبيه الماء الآن ، فالماء في الصحراء له مالية ، أما الماء جنب النهر العذب لا قيمة له إذا كان قد افترض أنه ماء زلال ولا يحتاج إلى تنقية ، فهذا ليس بأمرٍ غريب جداً أنَّ عيناً واحدةً في بيئة معينة لها مالية وفي بيئة أخرى ليس لها مالية أصلاً ، بل هو قابل للتصوّر والتصوير.

هذا هو الاشكال الثاني ، فميزوا بين الاشكال الثاني والأوّل ، فإن الاشكال الثاني قال إنه أصلاً لا يوجد تمييز موضوعي فالعذرة دائماً لها تسميد ، ونحن نقول: كلا ليس دائماً لها تسميد ، بل أغلب الاشياء مثلاً الآن في بعض الموارد لباس أو آلية معينة اقتصادية لا تستعمل بسنين بل تستعمل مرة واحدة ، هي شتوية ففي الصيف لا ثمرة لها ، هي لا تبقى إلى الشتاء ، أو بالعكس ، فشيء طبيعي أنَّ ماليتها مرهونة بمكان وزمان وإلا سوف تنعدم ماليتها وتنتفي وهذا صحيح ، فكلامنا في الاشكال الثاني لا يصير خلط بين الاشكال الأوّل والثاني ، وأنا عمداً مهّدت الاشكال الثاني حتى نأتي إلى الاشكال الأوّل ، هذا بالنسبة إلى الاشكال الثاني وهو أنه لا نعرف تنوّع بيئي لمالية العذرة ، ونحن نقول كلا بل يوجد تنوّع وكل الأعيان فيها هكذا تنوع

أما الاشكال الأول:- وهو أنَّ أسئلة السائلين هي في مورد الانتفاع ؟

وهذا صحيح ، ولكن عليه السلام له أن يجب بشكلٍ عام ليس فقط في خصوص مورد السائل ، وهذا كثير بل كثيراً ما يوجد في أجوبتهم عليهم السلام يجيب عليه السلام في غير مورده عمداً ، الآن لحكمةٍ ما لا يجيب عن مورد السائل لأنه سلام الله عليه افترض أنه يرى أهمية المورد الذي لم يسأل عنه السائل ، فالسائل مثلاً اعتنى بمورد وبفرض وبتقدير معين والامام عليه السلام يرى أن تلك التقادير الغالبة رعايتها أهم ولو أجابه على مورده فقد يعكسها إلى عموم المكلفين فيوجب الالتباس لهم لأنَّ التقدير الآخر أكثر وقوعاً ، فمن هذا القبيل يوجد الكثير.

نعيد العبارة:- فهو إما أن يجيبه عن تقدير آخر لم يسال عنه ذاك أهم لسببٍ وآخر ، أو يجيبه عن تقديره وعن تقدير آخر حتى يستوفي الأقسام ، ومن هذا القبيل موجود الكثير ، ففي رواية سماعة افترضاه جمع في المروي أو جمع في الراوي وهذا قابل للتصوير ، وإذا صار هذا قابلاً للتصوير يحمل عليه البقية ، وهو شيء ليس بممتنع ، فما ذكره المجلسي هو جمع عرفي ولا بأس به ، ولكن هل هو المتعين أو توجد وجوه أقرب منه ؟

دققوا أنه لماذا صناعياً من باب المثال كلّ العلماء كالشيخ الأنصاري وغيره يقولون إنَّ هذا أقرب ، وما معنى أقرب ، أو يقولون ذاك قريب وذاك بعيد وذاك أوجه فما معنى هذه التعابير وما معناها صناعياً ؟ معنى قريب وأقرب وأوجه وغير ذلك كلّها صناعية سليمة وموجودة بعبارة أخرى ، لكن الآن إذا وجدت أوليس الآن ذكرنا أنَّ السياق يعوّل عليه إذا لم توجد قرينة أخرى ؟!! فهذا الكلام مرّ بنا وأيضاً كلام البلاغيين والأصوليين فهذا ماذا يعني ؟ يعني أنه يمكن أن تجتمع قرينة السياق مع قرينة غير السياق أقوى منها لكن لا يعول على السياق وإما يعول على القرينة الأقوى ، وهل هذا يعني أنَّ قرينة السياق في نفسها ليست موزونة وليست معتبرة ؟!! كلا بل هي موزونة ومعتبرة ولكن هنا لا يعول عليها وإنما يعوّل على الأقوى ، فمعنى أقرب وقريب وأوجه وبعيد ليس مرادهم أنه ساقط عن الاعتبار بل يريدون أن يميزون في مراتب الظهور أو مراتب الفذلكات الصناعية ، مثل الآن افترض أنَّ أحد الأعلام يستدل بالاستصحاب ، صحيح أنَّ الاستصحاب في نفسه حجّة وهنا يثبت النتيجة ، ولكن الصحيح أنه يوجد دليل اجتهادي يقدم عليه ، لا أنَّ الاستصحاب في نفسه ليس بحجة ولا أنَّ الاستصحاب لا يؤدي إلى هذه النتيجة ، كلا بل هو يؤدي إليها ولكن لا يعوّل عليه لأنه يوجد أقوى منه.

ونريد أن نقول عبارة لو هضمناها فهذا شيء ممتاز:- ونحن ومنذ أيام متريثون في هذا البحث لأجل هذا المطلب ، وهو أنَّ تعدد الفذلكات الصناعية أو الفقهية او العرفية عند الأعلام في مسالة واحدة في مبحث واحد إما بسبب تعارض الروايات أو بحسب تعارض قواعد فقيهة تتنازع في التطبيق في المسألة الواحدة بين وجوه اختلف فيها الأعلام ويعبرون في كلّ وجه بأنه أوجه أو قريب أو أقرب فهل كلها صحيحة ؟ نعم كلّها صحيحة في نفسها ولكن من هو الأقوى ، فتارةً تكون بعض الوجوه في نفسها ليست بصحيحة فهذا ساقط وهذا بحث آخر ، وتارةً هو في نفسه صحيح ولكن يوجد أصح منه ويوجد أصح من الأصح ، فهنا أيها الباحث لتكن عندك القدرة في تمييز أصل الصحيح عن غير الصحيح هذه مرحلة أولى ، وهناك مرحلة ثانية هي أنه لابد أن تكون عندك قدرة على التمييز بين مراتب الصحيح وتقدّم ما هو الأقوى عمّا هو الأوسط فيها ، مثلاً الشيخ الأنصاري يدمن على قول أقواها أوسطها أضعفها ، فهو لا يريد أن يقول الضعيف غير معتبر في نفسه ، كلا بل يقول هو أضعف بالقياس إلى الفذلكات الثلاث أو الأربع ، فهو يقول كلّ هذه الأقوال متينة ووجيهة ، وهذا ليس عند الشيخ الأنصاري فقط بل حتى عند من قبله ومن بعد ، وهذا يسمّونه عملية التضلّع الصناعي الفقهي ، فهو يستطيع أن يوزن ثم يحدد المراتب.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo