< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الأصول

35/05/25

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : شرائط جريان الاصول
كان الكلام في الجهة الثاني وهي الفحص في الشبهات الموضوعية فان المعروف بين الاصوليين عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية ويصح لكل مكلف ان يرجع في أي شبهة من الشبهات الموضوعية الى البراءة سواء كان قبل الفحص او بعده، ولكن ذهب السيد الصدر الى التفصيل بين البراءة العقلية والبراءة الشرعية حيث انكر البراءة العقلية الا ما يكون بالمقدار المرتكز العقلائي في الموالي العقلائية فهو صحيح اذا كان العبد يرى ان المولى لم يبين شيء ليس من عهدته ولا يرجع الى البراءة العقلائية لان حق الطاعة للمولى الحقيقي اسبق من البراءة العقلية، وتقدم البيان ان العقل الذي حكم بالبراءة العقلية هو بنفسه حكم بتنظيم حق الطاعة فحينئذ قال انه اذا كان هناك مرتكز عقلائي في البين بهذا المقدار يجب الفحص بحيث لا يكون اهمالا للحكم، واما البراءة العقلية فاطلاق ادلتها تشمل قبل الفحص وبعد الفحص الا الوجه الاول والوجه الثاني من الوجوه التي ذكرناها في الشبهات الحكمية ففي الوجه الاول ذكرنا ان هناك شك مستقر هو الموضوع للبراءة والوجه الثاني لم يثبت اطلاق لدليل البراءة لكي تشمل الشبهة قبل الفحص وهذان وجهان من الوجوه العشرة التي تمسكوا بها لإثبات عدم جواز الرجوع الى البراءة في الشبهات الحكمية قبل الفحص، والكلام جاري في الشبهات الموضوعية ايضا فاطلاق دليل البراءة تام يشمل قبل الفحص وبعده في الشبهات الموضوعية الا ان الوجه الاول والوجه الثاني يمنع اما لنفي هذا الاطلاق او لعدم تحقق الموضوع قبل الفحص، والمشهور ذهبوا الى عدم وجوب التفحص في الشبهات الموضوعية واستدلوا على ذلك
اولا : بالإجماع وقالوا ان الاجماع قائم على ذلك، ويرد عليه انه لم يثبت بل ذهب جماعة من الفقهاء والاصوليين الى وجوب الفحص في بعض موارد الشبهات الموضوعية ففي الفقه موارد متعددة وجوب الفحص فيها
الدليل الثاني : قالوا انه ليس من وظيفة الشارع ان يبين الشبهات الموضوعية، والجواب عنه ليس في كل الشبهات نرجع فيها الى الادلة نعم صحيح في الشبهات الحكمية نرجع الى الادلة حتى نعثر على الحكم الالزامي اما في الشبهات الموضوعية لا حاجة لنا الى الرجوع الى الادلة بل نرجع الى من يثبت هذا الموضوع وهم اهل الخبرة فاذا كان الموضوع فيه معرضية للوقوع خلاف الواقع فيجب على هذا المكلف الفحص ولا يجوز له الرجوع الى البراءة وبقول السيد الصدر اذا كان هناك ترك للحكم الشرعي يستلزم منه ترك الحكم او اهمال للحكم يجب الفحص بهذا المقدار
الدليل الثالث : الاستدلال بجملة من الروايات التي وردت في ابواب متفرقة تدل على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية منها صحيحة زرارة قال : قلت : فهل علي إن شككت في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ قال : (لا، ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك)[1] وهذا يدل على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، ومنها ما ورد عن امير المؤمنين عليه السلام -في الطهارة والنجاسة- قال (ما أبالي أبول أصابني أو ماء، إذا لم أعلم)[2] ففي حالة عدم العلم ليس علي ان اتفحص والرجوع الى البراءة في مثل هذا جاري، ومنها الروايات الواردة في الشك في تذكية ما يؤخذ من سوق المسلمينعن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال : سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فرا، لا يدري أذكية هي أم غير ذكية، أيصلي فيها ؟ فقال : نعم، ليس عليكم المسألة، إن أبا جعفر (عليه السلام) كان يقول : (إن الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك)[3] وهذه الروايات تدل على عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية، لكن الجواب عنه بان هذه الروايات وردت في خصوص الطهارة والنجاسة وسوق المسلمين والمستفاد منها ان الشارع سهل في هذه الامور الثلاثة واما في غيرها فليس عندنا دليل على عدم وجوب الفحص بل الدليل وارد في موارد متفرقة من الفقه على وجوب الفحص مثل ما في باب الزكاة لو كانت عنده دراهم ويعلم او يشك ان في ضمنها مغشوش فيجب الفحص لإخراج الدراهم المغشوشة
فالصحيح ان يقال انه لا يجب الفحص اذا لم يكن في الموضوع معرضية للوقوع في الحرام او يستلزم في ترك الفحص اهمال للحكم فبهذا المقدار يجب الفحص وفي غيره لا يجب وبذلك يمكن الجمع بين الكلمات فمن قال بوجوب الفحص في الشبهات الموضوعية أي فيما اذا كانت تلك الموضوعية فيها معرضية للوقوع في الحرام او في ترك التفحص انما يستلزم اهمال الحكم وفي غير ذلك لا يجب الفحص فنجمع بين الكلمات بهذا
ثم ان السيد الصدر رحمه الله اطال الكلام في المقام حيث ذكر الوجوه التسعة التي ذكرناها في الشبهات الحكمية لإثبات وجوب الفحص فيها وذكرها كلها حتى يثبت انها تشمل الشبهات الموضوعية او لا تشملها، والحق انه تطويل لا طائل تحته اذ انه يقول ان الطريقة المتعارفة عند اهل الفن اذا كان هناك شبهة او شك فعليه ان يتفحص فيما اذا كان في تركه اهمال للحكم او ارتكابه فيه معرضية للوقوع في الحرام فبهذا المقدار يجب الفحص فان العقلاء يحكمون بان ترك التفحص في الشبهة الموضوعية اذا كان يستلزم اهمال الحكم الشرعي او ان الدخول قبل الفحص فيه معرضية للوقوع في الحرام فالعقلاء يحكمون بانه يجب الفحص فلا حاجة لذكر هذه الوجوه ثم بيان هل تشمل او لا تشمل .
الجهة الثالثة : بعد العلم بوجوب الفحص في الشبهات الحكمية يجب الفحص ايضا في الشبهات الموضوعية اذا كان ترك الفحص يستلزم منه اهمال الحكم او يعرض للوقوع في الحرام، والظاهر ان مقدار الفحص يكون بالمقدار المتعارف بحيث يحصل الاطمئنان بعدم وجود الدليل في الشبهات الحكمية او يحصل له الاطمئنان بعدم المعرضية في الوقوع خلاف الواقع وهو الطريق المتعارف، فما حَكم به العقلاء من انه بعد التفحص ليس فيه معرضية للوقوع في الحرام في الشبهات الموضوعية او انه اطمئن بعدم العثور على دليل فحينئذ يرجع الى البراءة في الشبهة الحكمية ولا فرق في اصل الدليل او وجود الدليل ولكن الاشكال في سنده او في دلالته فان الدليل الذي يصل الينا ويستشكل في سنده او يستشكل في دلالته ايضا شبهة ويجب الفحص حتى يثبت ان هذا النص صحيح ومعتبر سندا لنرجع اليه وتام دلالة حتى نأخذ بهذا الحديث او لا، فالمدار على حصول الاطمئنان بعدم الدليل والمدار في الشبهات الموضوعية ان الاطمئنان خرج على انه لم يهمل الحكم ولم يكن معرضية للوقوع خلاف الواقع، حتى لو كان هذا الشخص مجتهدا وتفحص في الادلة فيمكنه الرجوع الى الاعلم منه لاستبيان الحال في هذه المسألة اذ ليس هو من التقليد ويكون حرام عليه بل يمكن الاستناد الى الاعلم منه في تثبيت الدليل او نقله ليحق له الرجوع الى البراءة وهذا المقام ايضا متعارف واما الجاهل فيرجع الى مقلده في تثبيت ذلك الحكم او يرجع الى اهل الخبرة في الموضوع المشتبه كما هو موجود بالنسبة الى الكحول اذ ان المكلف اذا شك في ان الكحول هل هو نجس او لا فيرجع الى اهل الخبرة في فان حكم اهل الخبرة انه نجس فيحكم بنجاسته وان اختلف اهل الخبرة في ذلك البعض فيحق له الرجوع الى البراءة او الى اصالة الطهارة لأنه موضوع مشكوك ومشتبه هذا بالنسبة الى الشبهات الموضوعية فلا فرق بين العالم والجاهل .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo