< قائمة الدروس

الموضوع:- شرائط الوضوء.

استدراك.

قلنا في الامر السابع انه هل الموالاة العرفية واجب بالوجوب النفسي ام انه واجب بالوجوب الشرطي؟ قلنا ان المشهور ذهب الى انه واجب بالوجوب النفسي بحيث لو ترك هذه الموالاة عمدا اثم ولكن لا يبطل الوضوء اذا كانت الاعضاء السابقة باقية على رطوبتها ، واستدل على ذلك بأمور اربعة.

الاول:- قاعدة الاشتغال ، وقد اجبنا عن ذلك بان قاعدة الاشتغال اذا اجريناها في اصل اعتبار الموالاة ووجوبها فهي لا تجري فيما اذا شككنا بان وجوب الموالاة وجوب شرطي او وجوب نفسي بل الكل متفقون على ان القاعدة هي البراءة.

الثاني:- ان الامر يدل على الفور فقوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ﴾[1] ، يدل على الفور وكذا باقي الروايات ، والمراد من الفورية هو اتيان كل جزء لاحق عقيب الجزء السابق وهذا معناه الموالاة ومعنى الموالاة هنا وجوب نفسي أي يجب اتبان كل فعل عقيب كل فعل سابق وهو معنى الموالاة ، فلو ترك هذه الموالاة فيكون قد ترك واجبا شرعيا عليه فيأثم ولكن البطلان مبني على جفاف الاعضاء السابقة وعدم الجفاف.

ولكن هذا الدليل ممنوع كبرى وصغرى ، اما الكبرى فمن قال ان الامر يدل على الفور وقد ثبت في الاصول ان الامر لا يدل لا على الفور ولا على التأخير وانما نستفيد الفورية والتأخير من ادلة اخرى وفي المقام لو قلنا بان الامر يدل على الفور لوجب ان نلتزم بان كل مكلف اذا قام من النوم ان يتوضأ لان قوله تعالى اذا قتم للصلاة فسر بالقيام من النوم مع انه لم يقل احد بوجوب ذلك فورا ، فاذا لم يجب فورا في بداية الوضوء لم يجب فورا في اثناء الوضوء فلا دليل على الفورية.

ولكن السيد الخوئي (قدس سره) استشكل في المقام بانه على فرض التنزل وقلنا بان الامر يدل على الفور ولكن لا تجري الفورية في المقام ايضا باعتبار ان هذه الفورية مخالفة لبعض الروايات الواردة فلا نستفيد الفورية الا انه يحتاج الى تأمل.

الثالث:- الاجماع وقد قلنا ان ثبوت هذا الاجماع في هذه المسالة الخلافية يحتاج الى تأمل ، فهل ان هذا الاجماع تعبدي كاشف عن راي المعصوم او ليس كذلك.

الرابع:- ظاهر الموثقة والصحيحة وغيرهما من الروايات التي تقدمت التي تدل على المتابعة ، ولكننا قلنا ان هذا لا يفيد الفورية ابدا وانما على فرض دلالتها على الموالاة فإنما نستفيد منها الموالاة العرفية ولكن ذكرنا ان المتابعة بمعنى الترتيب لا بمعنى الموالاة ، وعلى فرض التنزل واستفادة الموالاة من المتابعة فهي الموالاة العرفية لا شيء اخر.

اذن لا دليل على الوجوب النفسي للمتابعة وانما المنساق من هذه الاوامر الوجوب الشرطي أي يشترط في الوضوء ان يكون كل فعل تابع مع الفعل السابق فلا يكون بينهما فصل طويل بين الافعال.

الامر التاسع:- قلنا بان الجفاف تارة يكون مستندا الى التأخير والابطاء ولا اشكال في بطلان الوضوء لأنه منصوص بالموثقة والصحيحة ، اما اذا كان الجفاف لأجل طارئ من الطوارئ مثل حرارة الجو وحرارة البدن فهل هذا ايضا يوجب البطلان؟ ذكرنا ان ذلك لا يوجب البطلان اذا كانت الموالاة العرفية صادقة.

الا انه ينشا اشكال وهو انه اذا جفت الاعضاء لحرارة الجو او لحرارة البدن فهل يعتبر حينئذ الجفاف في بقية الاعضاء اللاحقة او يسقط هذا الاعتبار؟ فلو جف ماء الوجه لأجل حرارة الجو سقط هذا الاعتبار حينئذ ثم غسلنا اليد اليمنى فهل يعتبر جفاف اليد اليمنى قبل اليد اليسرى ام يسقط؟ ربما يتوهم ان الجفاف اذا سقط بالنسبة الى العضو السابق لأجل طارئ من الطوارئ فيسقط بالنسبة الى بقية الاعضاء حينئذ فلو جفت الاعضاء ولو لأجل الابطاء لا يوجب البطلان بالنسبة الى الاعضاء اللاحقة.

لكن تقدم سابقا اننا قلنا بان الموالاة لن تخرج عن المعنى العرفي الى أي معنى اخر ، فالموالاة تارة يراد منها الموالاة العرفية وهي ان لا يفصل زمن طويل بين الافعال واخرى الموالاة الشرعية بمعنى عدم جفاف الاعضاء السابقة.

وبعبارة اخرى قلنا ان الموالاة تارة تكون فعلية وتارة تكون شرعية وهذه الموالاة الشرعية هي ايضا لم تخرج عن الموالاة العرفية فكان العرف رأى بان الموالاة له حدان احد بان لا يفصل بينهما زمان وحد اخرى ان يبقى اثر من الفعل السابق وهي الرطوبة ، هذه الموالاة بهذا المعنى مأخوذة في افعال الوضوء جميعا فلا فرق بين العضو السابق وبين الاعضاء اللاحقة فلابد من حفظ الموالاة في جميع هذه الافعال فلا يسقط اعتبار عدم الجفاف في العضو اللاحق.

الامر العاشر:- ذكرنا بان الروايتان الموثقة والصحيحة تدلان على ان الجفاف واليبوسة اذا حصلت قبل الشروع في اللاحق يوجب بطلان الوضوء هذا ما استفدناه من الصحيحة وهو ظاهر ونص في هذا المورد اذا كان هذا الجفاف سببه الابطاء والتأخير ، اما اذا كان السبب امر طارئ مثل الهواء الحار او حرارة البدن فقد قلنا ان الوضوء يصح ولا اشكال فيه ، لكن هنا صحيحة اخرى تدل على عدم اعتبار ذلك فيقع التعارض بين هذه الصحيحة مع هاتين الروايتين المعتبرتين.

وهذه الصحيحة هي عن حريز، في الوضوء يجف، قال: قلت: فإن جف الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال: جف أو لم يجف اغسل ما بقي، قلت: وكذلك غسل الجنابة؟ قال: هو بتلك المنزلة، وابدأ بالرأس ثم أفض على سائر جسدك، قلت: وإن كان بعض يوم؟ قال: نعم))[2] .

وهذا يدل على ان الجفاف لا اعتبار به مطلقا وهذه الصحيحة تعارض الصحيحة والموثقة التي تنصان على ان جفاف الاعضاء السابقة موجب للبطلان.

الجمع بين هذه الروايات:-

اولا:- الشيخ (رحمه الله) في كتابي التهذيب والاستبصار تارة جمع بينهما بان قال انه يوجد جمع عرفي بينهما وهو عام مطلق ومقيد فصحيحة حريز تدل على عدم اعتبار الجفاف مطلقا سواء اكان الجفاف لأجل التأخير ام كان الجفاف لطارئ مثل حرارة الجو او حرارة البدن ، واما الروايتان انما تنصان على ان الجفاف اذا كان للتأخير والابطاء فانه يوجب البطلان ، فنحمل هذه الصحيحة على النص الوارد في هاتين الروايتين المعتبرتين ونقيد اطلاق صحيحة حريز بما ورد في هاتين الروايتين فلا معاضة بينهما.

ثانيا:- جمع الشيخ (رحمه الله) بينهما بان نحمل صحيحة حريز على التقية لان اكثر العامة يذهبون الى ان الموالاة سنة وليست بواجب فالحنفية يذهبون الى انها سنة والشافعية لهما قولان والحنبلية يقولون بالوجوب الا ان اغلبهم يذهبون الى ان الموالاة سنة فنطرح صحيحة حريز وتبقى الموثقة والصحيحة على حالها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo