< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/07/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط الوضوء.

قال السيد الماتن (رحمه الله) : (مسألة 23): إذا لم يتمكن من المباشرة جاز أن يستنيب بل وجب وإن توقف على الأجرة، فيغسل الغير أعضاءه وينوي هو الوضوء ، ولو أمكن إجراء الغير الماء بيد المنوب عنه بأن يأخذ يده ويصب الماء فيها ويجريه بها، هل يجب أم لا؟ الأحوط ذلك، وإن كان الأقوى عدم وجوبه، لأن مناط المباشرة في الإجراء، واليد آلة، والمفروض أن فعل الإجراء من النائب، نعم في المسح لا بد من كونه بيد المنوب عنه لا النائب، فيأخذ يده ويمسح بها رأسه ورجليه، وإن لم يمكن ذلك أخذ الرطوبة التي في يده ويمسح بها ، ولو كان يقدر على المباشرة في بعض دون بعض بعض))[1] .

كان الكلام فيمن عجز عن اتيان الوضوء مباشرة فعليه ان يستنيب.

والمراد من الاستنابة في كلام السيد المان (رحمه الله) أي الاستعانة لا ان يأتي غيره بالوضوء نيابة عنه كما سياتي توضيح ذلك بالفروع اللاحقة.

وذكرنا الادلة على ذلك وهي الاجماع وقد قال بعض الفقهاء انه متسالم عند الجميع ولا اشكال فيه.

وقد ناقش بعض الفقهاء في لفظ الاجماع وان هذا الاجماع لم يكن الا مدركياً لوجود الوجوه التي ذكرناها.

ولكن هذه المناقشة ضعيفة اذ كل مسالة تمسك الفقهاء بدليل آخر معناه ان الاجماع صار مدركيا فهذا مجرد احتمال ، فان الاجماع والتسالم على هذا الحكم يكشف عن ان هذا هو رأي المعصوم ورضى المعصوم بهذا الحكم وان استندوا الى التقريب بادله أخرى ، وهذا يصدر ممن لا يعتني بكلمات الفقهاء.

واستدلوا ايضا بقاعدة الميسور وقد عرفتم الاشكال بالتمسك بالقاعدة في المقام كبرى وصغرى والجواب عن هذا الاشكال.

وتمسكوا ايضا بمرتكزات المتشرعة التي لم يرد ردع عنها ، فان المرتكز ان المكلف اذا كان قادرا على اتيان الفعل مباشرة فانه يأتي بالفعل بجميع اجزائه وجزئياته مباشرة اما اذا كان عاجزا فيتوسل بالغير في اتيان ما لم يتمكن منه وهذا امر مركوز عند المتشرعة الا اذا ورد نهي عن ذلك ولم يرد.

وكذا تمسكوا بالروايات في المجدور والكسير فانهم ييممون و وكذا ما ورد في صحيحة سليمان ابن خالد الذي كان الامام عليه السلام وجعا وجعا شديدا فامر بتغسيله وذكرنا ان هذه الروايات وان كانت واردة في التيمم وفي الغسل ولكن يتعدون عن التيمم والغسل الى غيرهما وهو الوضوء بالاتفاق.

الدليل الرابع:- وهو ما ذكره المحقق الهمداني[2] (رحمه الله) وهو ان المباشرة في افعال الوضوء بل في كل فعل واجب لم يثبت بدليل لفظي يدل على انه يعتبر ان يأتي المكلف بالواجب مباشرة بهذه الصيغة اذ لو ثبت بدليل لفظي لقلنا بالاطلاق حتى في صورة العجز ، فانه لو كان قادرا يجب عليه ان يأتي بالفعل فان لم يكن قادرا يجب ان ينتقل الى البدل اذا كان له بدل مثل الوضوء اما اذا لم يكن له بدل فيسقط حينئذ.

ولكن لا يوجد دليل لفظي يدل على المباشرة بل استفدناه من ظواهر الاخبار وحال الخطابات التي ورت في الوضوء والتي وردت في سائر الواجبات فإننا استفدنا ان تسند الافعال الى المكلفين ، وحينئذ اسناد الفعل الى المكلف واستناده اليه انما يكون تارة بإتيانه مباشرة اذا كان قادرا على ذلك فلو اتى بذلك الفعل على نحو التسبيب والاستعانة بالغير لا يقبل منه ولم تبرأ ذمته ولا يسقط الواجب.

واما اذا لم يكن قادرا على ذلك بحيث ان هذا الشخص عاجز عن اتيان الفعل مباشرة فحينئذ انما يحق له ان يأتي بالفعل ولو بالاستعانة فان الاستعانة بالغير ايضا من مراتب الاسناد الى الفاعل ، فالفعل يسند الى الانسان حقيقة كما اذا كان قادرا على ذلك كما ان الفعل يسند الى الانسان على نحو الحقيقة اذا كان بالتسبيب اذا كان عاجزا عن ذلك وشأن هذه الافعال الواجبة شأن كثر من الامور فمن أمر بالتعظيم والتبجيل لشخص فان كان قادرا على التعظيم فلابد له ان يقوم به واما اذا كان عاجزا عن ذلك فانما يكتفى بما يثبت انه تعظيم بحركة يده او اقامة فهذه هي تعظيم ولكن تلك كان بالمباشرة وهذه لما كان عاجزا فانه يسند اليه التعظيم ولكن على نحو التسبيب فأيضا اسناده اليه على نحو الحقيقة.

وهذا صحيح لان الوضوء في المقام لما ورد في الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ[3] وفي الاخبار ورد وجوب غسل الوجه واليد فان هذه انما ظاهرها يدل على اتيان المكلف هذه الافعال مباشرة وان ينسب هذا الفعل اليه فاذا كان قادرا على اتيان هذا الواجب فلابد ان يسند اليه على نحو المباشرة وان كان عاجزا عن ذلك فيستعين بالغير وينسب اليه هذا الفعل ايضا على نحو الحقيقة عند العرف ن فالعرف يرى ان هذا الفعل بالنسبة الى العاجز ايضا مسند اليه كما يرى ان الفعل مع القدرة مسند اليه ، وبهذا نقول ان الحكم مطابق للقاعدة.

ثم قال السيد الماتن (رحمه الله) : (وإن توقف على بذل الأجرة وجب)[4] .

والدليل على ذلك اطلاق معقد الاجماع الذي تقدم نقله اولاً ولانه هنا من باب المقدمية فاذا كان مقدمة ثابتة ولا اشكال فيه ، ويمكن الاستدلال عليه ايضا بما ورد في شراء ماء الوضوء ولو كان باضعاف قيمته.

ولكن هذا المال الذي يبذله لأجل الاستعانة في الوضوء ـــ وسياتي ان شاء الله في بحث التيمم ـــ تارة يكون على نحو المتعارف في مثل هذه الامور ، اما اذا توقف على بذل مال كثير بحيث ان الاجير يطلب اكثر مما هو المتعارف فانه ضرر مالي والضرر المالي منفي بقاعدة نفي الضرر فلا يجب عليه ان يبذل ، اذن وجوب البذل بما اذا كان متعارفا اما اذا خرج عن التعارف ففي مثل هذه الامور فلا يجب عليه لأنه ضرر والضرر منفي بقاعدة الضرر.

الا ان السيد الخوئي (رحمه الله) فصّل فقال ان كان الدليل الاجماع وتلك الروايات فلا نستفاد منها ذلك وان كان ما يحتاج الى هذا التفصيل خارج ، فهذا كلام زائد فمعقد الاجماع اطلاقه وتلك الروايات ايضا واردة فانها تدل على انه يجب عليه ان يستعين بالغير كما ورد فان اطلاق الرواية يشمل ما اذا كان مع المال او بغير المال.

ثم قال السيد الماتن (رحمه الله): (فيغسل الغير أعضاءه وينوي هو الوضوء)[5] .

لا اشكال ان الخطاب متوجه الى ذلك العاجز الذي عجز عن ان يتوضأ بالمباشرة فهو المخاطب بالوضوء فيجب ان ينوي الوضوء هو حينئذ والمتقرب الى الله هو حينئذ والذي يثاب على فعله هو حينئذ فيجب عليه ان ينوي الوضوء هو بنفسه ، والمتولي لذلك انما هو بمنزلة الآلة فلا يحتاج الى نية ولا فرق بين ان يكون انسانا او يكون حيوانا معلما او يكون آلة من الآلات وحينئذ لا حاجة الى ان ينوي الوضوء ولكن بعض الفقهاء فصل في المقام باعتبار الادلة التي ذكرناها ففي بعض الادلة نستفيد ان النية من الشخص المكلف بالوضوء وفي بعضها لا نستفيد ذلك. ويأتي التفصيل ان شاء الله تعالى.


[2] وهذا الرجل فذ في تحقيقه فانه يقول السيد الوالد انه لما كتب كتابه فان العلماء من بعده استغنوا عن بقية الكتب، وكذا لم يخرج في تحقيقاته عن النظر العرفي.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo