< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

37/07/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- شرائط الوضوء.

كان الكلام في انه يشترط في الوضوء ان لا يكون هناك خوف من استعمال الماء ، فلو كان المكلف خائفا من استعمال الماء من ضرر ونحو ذلك يسقط الوضوء وينتقل حكمه الى التيمم وحينئذ يبطل الوضوء لو اتى به.

الا ان هذا الكلام مبني على ما ذكرناه في بحث الاصول من ان الذي حكمه التيمم لو اتى بالوضوء هل يبطل الوضوء او لا؟ فمن قال بعدم بطلان الوضوء قال بوجود الملاك ومن قال ببطلان الوضوء قال لا طريق لنا لإحراز وجود الملاك.

ومجمل الكلام فانه تارة نبحث من حيث الادلة العامة[1] كأدلة نفي الحرج وادلة نفي الضرر وقد عرفتم انه قد يتمسك بهذين الدليلين بانهما يثبتان سقوط الخطاب ولكنه لا يثبت سقوط الملاك اذ ان هناك دلالة مطابقية ودلالة التزامية فاذا سقطت الدلالة المطابقية لأجل الحرج او لأجل الضرر ولكن لا دليل على سقوط الدلالة الالتزامية الدالة على ثبوت الملاك.

فاذا سقط الخطاب معناه لا امر بالوضوء فينتقل الحكم الى التيمم لأنه يوجد علم اجمالي اما وضوء او تيمم فاذا سقط الوضوء يثبت التيمم فهو احد فردي العلم الاجمالي ، ولكنه لو اتى والحال هذه بالوضوء فهل يصح وضوئه او لا؟ فاذا قلنا بالصحة فلابد من اثبات الملاك وقد تقدم تفصيله وعرفتم انه لا طريق لنا لاكتشاف الملاك ، فان اكتشاف الملاك اما بالخطاب او بدليل خارجي او بالاستصحاب والكل لا يمكن الاعتماد عليه.

واما من حيث الادلة الخاصة[2] الواردة في الوضوء والتيمم في انه هناك مسوغات للتيمم تدل على وجوب التيمم عند عدم امكان استعمال الماء شرعا مثل خوف الضرر ونحو ذلك ، فحينئذ نقول هذه الادلة الثانوية ترفع الخطاب والملاك عن الوضوء او انها ترفع الخطاب فقط؟ حينئذ اذا توضا في موارد الخوف هل يصح وضوئه لأجل الملاك او لا يصح وضوئه؟

ذكرنا ايضا ان ما ذكرنا في الادلة العامة يجري في المقام من ان الادلة التي تدل على سقوط الوضوء اذا كان هناك خوف من استعمال الماء تدل على سقوط الخطاب واما كون الملاك باقيا فهو يحتاج الى دليل وهو اما خطاب الوضوء وقد سقط الخطاب او دليل خارجي ولا يوجد دليل خارجي يدل على وجود الملاك اذا سقط خطاب الوضوء واما الاستصحاب وقد ذكرنا ان الاستصحاب لا يجري للشك في الموضوع اذ لا نعلم ان هذا الملاك دائمي[3] او مادامي[4] وحينئذ اذا كان الشك في الموضوع فلا يجري الاستصحاب وحينئذ لا دليل على اثبات وجود الملاك.

اما الكلام الجهة الثالثة وهي من التمسك بالاستظهار العرفي في المقام ، فهل هناك عرف يدل على اثبات الملاك في موارد سقوط الخطاب او لا؟

ولابد من الرجوع الى العرف الخاص وهو عرف من جعل القانون والتشريعات لا العرف السائد عند الناس فنلاحظ انه اذا اسقط قانونا او تشريعا فانه يرى ان الخطاب سقط والملاك سقط ايضا فلو اتى احد بذلك الخطاب الساقط بداعي الملاك فهو مستهجن بل يوبخ عليه.

ولكن عند هذا العرف الخاص اصطلاحان اصطلاح تبديل القانون واسقاط القانون ولا ريب في انه اذا اسقطوا قانونا فمعناه انهم يسقطونه خطابا وملاكا فلو اتى احد بذلك الخطاب الساقط بداعي الملاك فانه يستهجن ويوبخ عليه.

وتارة عندهم اصطلاح تجميد القانون فقد ترد ظروف طارئة على البلاد وعلى هذا الموضوع المعين فشرع قانون مغايرا لأجل تلك الظروف الطارئة وجمد القانون السابق وربما يقال انه اذا لم يسقط المقنن والمشرع ذلك القانون بل جمده لأجل ظروف طارئة اذا اتى بهذا القانون المجمد فربما يقال انه لا يعاقب عليه حينئذ ولكن هو موضع كلام.

فلا يمكن ان نتمسك بالعرف لاثبات الملاك اذ العرف على خلاف ذلك.

واما الكلام في الجهة الرابعة وهي من جهة كلمات العلماء ، فليس في البين اجماع حتى يمكن الاعتماد عليه لاثبات الملاك اذ من استدل على صحة الوضوء في موارد التيمم لم يتمسك بالاجماع ولم يستند عليه اذ لو كان هناك اجماع لاستند عليه وانما استند على تلك الادلة التي ذكرناها وهي الادلة العامة والادلة الخاصة وقد عرفتم وجه المناقشة فيها.

وحينئذ قد يقال في المقام بانه هنا نرجع الى الفرض والتقدير أي لو كان خطاب في البين لثبت الملاك حينئذ سقط الخطاب فيمكن استصحاب الملاك حينئذ على فرض التقدير.

ولكن هذا مجرد فرض وتقدير فمن قال بانه لو ثبت الخطاب لثبت الملاك وان سقط الخطاب لا يسقط الملاك فهذا رجوع الى ما فرضناه سابقا مع انه فرض وتقدير , فان اثبات الملاك مع هذا الفرض ليس الا من التشريع حينئذ.

وهنا ايضا قد يتمسك بالدليل الترتبي ففقال المحقق النائيني (رحمه الله) من ان الترتب هل يجري في موارد الوضوء والتيمم او لا يجري؟

ذكرنا في بحث الاصول ان المحقق النائيني (رحمه الله) استفاد من قوله تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾[5] ، ان القدرة فيها قدرة شرعية ومع انتفاء هذه القدرة الشرعية لا خطاب ولا ملاك فقال بعدم ثبوت الامر الترتبي في الطهارات الثلاث لان القدرة فيها قدرة شرعية ، وقد ناقشنا ذلك في بحث الاصول ولذا ذهب بعضهم الى ان الترتب يمكن ان يتحقق في المقام اذ القدرة هنا قدرة عرفية لا هي قدرة شرعية اذ عرفتم ان القدرة الشرعية اذا انتفت ينتفي الخطاب لا اطلاق للخطاب فلا ملاك حينئذ فلا يصح الوضوء في مورد التيمم.

ولكن ذهب بعضهم الى الامر الترتبي لان القدرة هنا عرفية لا قدرة شرعية فانه مأمور بالتيمم في موارد الخوف فلو عصى هذا الامر الترتبي واتى بالوضوء فيمكن القول بالصحة بناء على صحة الترتب في المقام وسياتي تفصيل ذلك في فصل التيمم.

ثم قال السيد الماتن (رحمه الله) : ((ولو كان جاهلا بالضرر صح وإن كان متحققا في الواقع، والأحوط الإعادة أو التيمم))[6] .

فانه قال في مورد الجهل يمكن القول بصحة وضوئه لان المناط في سقوط الوضوء هو العلم بالضرر او الخوف منه وقد علمتم سابقا ان الخوف هو موضوع للحكم في المقام وكلاهما منتفيان مع الجهل فلو توضا والحال هذه يمكن القول بصحة وضوئه.

ولكن هذا القول على اطلاقه غير صحيح وسياتي انه سوف يرجع عن هذا القول في بحث التيمم ، فانه يمكن التفصيل بانه لو كان هناك ضرر واقعي حينئذ ربد ان نقول ببطلان الوضوء او كان هناك ضرر كبير حدث فانه ايضا يمكن القول ببطلان وضوئه للعرف فان العرف يحكم بان الاقدام على الضرر ان كان ضررا واقعيا حدث او ضررا كبيرا فالعرف يحكم بسقوط الوضوء فلا يجوز له الوضوء ولو توضا فلابد من الاعادة او التيمم ، واما اذا كان الضرر يسيرا مما يتحمله الناس عادة فيمكن القول بصحة وضوئه مع الجهل والاحتياط بالاعادة او التيمم.

ثم ذكر السيد الماتن (رحمه الله) : الثامن: أن يكون الوقت واسعا للوضوء والصلاة، بحيث لم يلزم من التوضؤ وقوع صلاته ولو ركعة منها خارج الوقت، وإلا وجب التيمم ، إلا أن يكون التيمم أيضا كذلك، بأن يكون زمانه بقدر زمان الوضوء أو أكثر، إذ حينئذ يتعين الوضوء. ولو توضأ في الصورة الأولى بطل إن كان قصده امتثال الأمر المتعلق به من حيث هذه الصلاة على نحو التقييد ، نعم لو توضأ لغاية أخرى أو بقصد القربة صح، وكذا لو قصد ذلك الأمر بنحو الداعي لا التقييد))[7] .


[1] - وهي الجهة الاولى التي تقدم الكلام فيها.
[2] - وهي الجهة الثانية التي تقدم الكلام فيها.
[3] - أي هو موجود حتى مع سقوط الخطاب.
[4] - أي مادام الخطاب موجود فهو موجود فاذا سقط الخطاب فهو يسقط معه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo