< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

35/12/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كتاب الطهارة – نواقض الوضوء
كان الكلام في ناقضية النوم وذكرنا أنه لا ريب ولا إشكال عند الامامية في ان النوم نقض للوضوء بل ادعي ضرورة المذهب على ذلك والاجماع المتسالم عند الجميع عليه وتدلّ عليه روايات مستفيضة نذكرها فيما سيأتي، إلا أن المخالف في هذه المسألة هم العامة حيث تشتت أقوالهم فنسب إلى الأوزاعي عدم نقض النوم لكن ابن حزم في المحلّى حينما يستطرد الأقوال يقول إن ابن الاوزاعي يقول بأن النوم القليل لا يكون ناقضاً لا النوم الكثير، فكيفما كان أقوالهم متشتتة في هذا تبلغ ثمانية أقوال فراجعوا كتبهم، ومن الخاصة الصدوق ووالده حيث أنهما لم يذكرا في الرسالة والمقنع النوم من النواقض بل ذكروا البول والغائط والمني والريح ولم يذكروا النوم في ذلك وقد نقل عبارتهما صاحب الحدائق(قده) في كتابه القيّم، فحينئذٍ هل أن الصدوق ووالده هما من المخالفين أم أنهم يريدون من العبارة شيئاً آخر ؟
أظنّ أنه لا يمكن أن نعتبرهما من المخالفين إذ الصدوق هو بنفسه ينقل روايات ناقضية النوم في كتابه الفقيه ويقول في ابتداء كلامه ( أنا لم أنقل إلّا ما أعمل به ) فحينئذ ٍكيف يكون هنا مناقضاً لقوله وهذه الروايات بمرأى منهما وبمسمع ؟!! فكيف يحكمون بأن النوم ليس بناقضٍ ؟!! فلابد من تأويل عبارتهما.
إن هذه العبارة ذكر فيها هذه الأربعة - البول الغائط المني الريح - وهذا يقصد به مقابل العامة حيث أنهم عمّموا إلى أن كلّ ما يخرج من الانسان من القيء والقلس والقبلة والوذي والمذي والرعاف كلّها يعتبرونها من النواقض، فالصدوق ذكر الأربعة دون هذا لبيان أنّ هذه ليست من النواقض فهذه هي النواقض وأمّا النوم فلا يقصد منه أنه ليس بناقضٍ مقابل العامة فلذلك عبارتهما في الرسالة يمكن حملها على ذلك وإلا فلا يمكن احتمال أنهما مخالفين للإماميّة مع وجود روايات مستفيضة . هذا ما يتعلق بالبحث السابق.
ولكن هذا الاختلاف في أصل النوم، إنما الكلام في أمورٍ لابد أوّلاً من بيان الروايات في الجملة حتى نستفيد منها والروايات التي وردت في النوم مستفيضة فيها صحاحٌ وفيها غير الصحاح لكن عمل المشهور بها، وعَمَلُنا في أن الرواية وإن كانت ضعيفة السند ولكن إذا عمل بها المشهور فيعتمد عليها لأن المدار هو على وثوق الصدور لا وثاقة الراوي في العمل بالرواية، ففي المقام نذكر الروايات الواردة وما هو المستفاد منها والروايات هي مستفيضة نذكر المهمّ منها:-
فمنها:- صحيح ابن الحجاج عن أبي عبد الله عليه السلام عن الخفقة والخفقتين فقال:- ( ما أدري ما الخفقة والخفقتين إن الله تعالى يقول" بل الانسان على نفسه بصيرة " فإن علياً كان يقول من وجد طعم النوم قائماً أو قاعداً فقد وجب عليه الوضوء ) [1]، فهو أوكل الأمر إلى الوجدان فإن الانسان على نفسه بصيرة فالخفقة أو خفقتان هي مقدمات، أنه ليس المدار على كلّ مقدمة بل أوكل المكلف إلى نفسه إذ النوم من الوجدانيات فمن غلب ومن وجد طعم النوم وجب عليه الوضوء وهذا أمرٌ صحيح جداً، وهذه الرواية هي عمدة ما في روايات الباب إلا أنها تشرح كلّ ما ورد فلا اعتبار بمقدمات النوم بمجرد الخفقة او الخفقتين أو أنه يغمض العينين وغير ذلك وإنما الذي يوجب الوضوء من وجد طعم النوم.
ومثل هذه الصحيحة صحيحة زيد الشحّام عن أبي عبد الله عليه السلام لكن لم يرد فيها لفظ ( قائماً أو قاعداً ) وإنما هذا اللفظ قد ورد في هذه الصحيحة دون صحيحة زيد الشحّام ولكنها مثل هذه الرواية وهي:- ( إن الانسان على نفسه بصيرة كان علياً يقول من وجد طعم النوم فقد وجب عليه الوضوء ).
ومنها:- معتبرة عبد الله بن المغيرة ومحمد بن عبد الله عن الرضا عليه السلام:- ( قال:- سألناه عن الرجل ينام على دابته، فقال:- إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء )[2]، وهذه الرواية معتبرة من حيث السند تبيّن أنّ النوم الذي يكون موجباً وناقضاً للوضوء إنما هو ما يذهب العقل فهي عين تلك الرواية المتقدمة - ( من وجد طعم النوم ) - فطعم النوم هو أنه يذهب العقل، فالشعور والادراك يذهبان عند غلبة النوم على الانسان، فأيضاً هذه توضّح حقيقة النوم.
ومنها:- صحيحة زرارة عن الصادق عليه السلام:- ( قال:- يا زرارة قد تنام العين ولا ينام القلب )[3]أن للنوم مقدّمات فقد تنام العين ولكن السمع بَعدُ ولا ينام القلب أيضاً فقد تنام العين ولا ينام القلب والأذن ( فإذا نامت العين والاذن والقلب وجب الوضوء )، فهي تفسّر معنى النوم، تفسّر ما يذهب العقل فالذي يكون موجباً للوضوء وهو ما يذهب السمع وما يذهب العين وما يذهب القلب - أي الادراك والشعور - فهذا هو النوم الموجب للوضوء، فمقدمات النوم من الخفقة أو الخفقتين أو أن العين تنام فهذه المقدمات وليست نوماً.
ومنها:- خبر سعد عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- أذنان وعينان تنام العينان ولا تنام الأذنان وذلك لا ينقض الوضوء )[4]، إنكم تعرفون وثبت بالعلم الحديث أن السِّنَة التي هي من مقدّمات النوم أوّل ما يوجب الغلبة على العين وأما السمع فهو أقوى من العين فلا يغلب على السمع إلا بعد استيلاء النوم على الشعور، إذا غلب على السمع فهذا معناه أنه نومٌ عميقٌ والرواية تشير إلى هذا المعنى ( فإذا نامت العينان والاذنان انتقض الوضوء ).
ومنها:- خبر عبد الحميد بن عواض:- ( من نام وهو راكع أو ساجد أو ماشٍ أو على أي الحالات فعليه الوضوء ) [5]، فهو لم يذكر حقيقة النوم لما فسّر في تلك الروايات لكن هذه الرواية تبيّن أن النوم لا يختصّ بحالة معيّنة فأي ّحالة كانت إذا غلب النوم فحينئذٍ يكون ناقضاً للوضوء سواء كان راكعاً او ساجداً قائماً أو قاعداً أو مضطجعاً أو غير ذلك من الحالات، فهذه الرواية تبيّن أن النوم لا يختص بحالة ردّاً على العامة حيث قالوا أن النوم في بعض الحالات لا يوجب الانتقاض فهذه الرواية تردّ تفصيل العامة.
ومنها:- مرسلة الفقيه عن موسى بن جعفر عليهما السلام :- ( سئل عن الرجل يرقد وهو قاعدٌ هل عليه وضوء ؟ فقال:- لا وضوء عليه مادام قاعداً إن لم ينفرج ) [6]، وهذه الرواية صدرها يشبه ما يقوله بعض العامة من أن النوم قاعداً - وأظنه أبو حنيفة - لا يوجب نقض الوضوء، ولكن الامام عليه السلام إذا كانت روايته هذه في المقدّمة فلابد من حملها على التقيّة إذ هي تنافي تلك الروايات، ولكن الرواية قالت:- ( إن لم ينفرج ) وهذا كلامٌ مجملٌ وسيأتي من المحقق الهمداني أنه فسر عبارة ( إن لم ينفرج ) أي لم يسترخِ بحيث تسترخي الأعضاء عنده فإذا استرخت الأعضاء فمعناه أنه نومٌ غالب قد غلب على سمعه وعينه وقلبه فاسترخت الاعضاء حينئذٍ، فبناءً على هذا التفسير الرواية لا تخالف تلك الروايات، وأمّا إذا كان هناك تفسير آخر للرواية سياتي بيانه فالرواية موافقة للتقيّة فلابد من طرحها.
ومنها:- موثقة سماعة بن مهران:- ( سأله عن الرجل يخفق رأسه وهو في الصلاة قائما أو راكعاً، فقال:- ليس عليه وضوء )، هذا الخفقان هو مقدّمات النوم وليس هو حقيقة النوم، فهو لم يسأل عن حقيقة النوم حتى يبيّن له ذلك وإنما سأل عن مقدمات النوم - وهو الخفقة والخفقتان - فهذا هل يوجب الوضوء فقال عليه السلام ( ليس عليه وضوء ) فالرواية لم تخالف تلك الروايات المتقدّمة.
ومنها:- رواية عمران بن حمران أنه سمع عبداً صالحاً - كناية عن الامام موسى بن جعفر عليه السلام - يقول:- ( من نام وهو جالس لا يتعمّد النوم فلا وضوء عليه )، وهذه الرواية في ظاهرها موافقة للعامّة فلابد من حملها على التقيّة إلا أن نفسّرها تفسيراً آخر وسياتي بيان ذلك.
ومنها:- رواية بكر بن أبي بكر الحضرمي قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام:- هل ينام الرجل وهو جالس ؟ فقال:- كان أبي عليه السلام يقول إذا نام الرجل وهو جالس مجتمع فليس عليه وضوء )، ومعنى ( مجتمعٌ ) أي لم تسترخ اعضاؤه فإذا كان مجتمعاً لم تسترخ اعضاؤه فليس عليه وضوء، فالنوم جالسا بهذه الكيفية لا يكون ناقضاً، ( وإذا نام مضطجعاً فعليه الوضوء )، وهذا مقابل بعض العامّة حيث قالوا بأن النوم مضطجعاً يوجب الوضوء والنوم جالساً لا يوجب الوضوء والامام عليه السلام أشار في كلامه ( وهو مجتمع ) أي بَعدُ لم تسترخِ أعضاؤه - أي لم يكن مسترخياً يقع من جانب إلى جانب - فحينئذٍ هذا لم يكن نوماً حقيقةً وناقضاً للوضوء بل هو مقدّمات النوم.
ومنها:- صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( قال:- سألته عن الرجل يخفق وهو في الصلاة، فقال عليه السلام:- إن كان لم يحفظ حدثاً منه فعليه الضوء وإعادة الصلاة وإن كان يستيقن انه لم يحدث فليس عليه وضوء ولا إعادة )، فهو لم يعرف ما صدر منه وأيّ خصوصية صدرت منه فهذا عليه الوضوء، وسيأتي أنه هل النوم في حدّ نفسه هو موجبٌ للوضوء أي له موضوعيّة أو أنّ النوم طريقٌ إلى صدور الحدث من الانسان ؟ وهذه الرواية سيأتي تفسيرها هل أنها إشارة إلى أن النوم في حدّ نفسه له موضوعيّة أو أنه إذا صدر في حال النوم حدثٌ يوجب النقض وإن لم يحدث منه شيء فلا نقض.
ومنها:- وراية الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام في بيان العلل ويرويها الصدوق في العلل وغير العلل أنه قال:- ( إنما وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصّة ومن النوم ) [7]دون سائر الاشياء التي يذهب أبناء العامّة إلى كونها من النواقض كالقلس والقيء والمذي والقبلة والرعاف وأمثالها، فكل هذه الاشياء يعتبرونها من النواقض دون سائر الأشياء لأن الطرفين هما طريق النجاسة وهذا لا إشكال فيه، وأما النوم فإن النائم إذا غلب عليه النوم يُفتَح كلّ شيءٍ منه فتسترخي أعضاءه حينئذٍ فينفتح كلّ شيء عنده واسترخى فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج من الريح فوجب عليه الضوء لهذه العلّة، وهذا إشارة إلى ما ذكرنا من أن النوم هل هو بحدّ نفسه ناقض للوضوء أو أنّه طريقٌ إلى ما يخرج عنه ؟ وهذه الرواية تبيّن ذلك، وتعلمون أنّ هذه ليست عللاً وإنما هي حكمة وسيأتي تفسير ذلك انشاء الله تعالى.
ومنها:- رواية عبد بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( في الرجل هل ينقض وضوؤه إذا نام وهو جالس ؟ قال:- إذا كان يوم الجمعة في المسجد فلا وضوء عليه ) [8]، وهذه الرواية نحملها على التقيّة إذ إنكم تعلمون أن الرجل إذا نام في المجلس فأراد أن يخرج حين خطبة الإمام والناس جالسون يستمعون أو يصلّون فهذا يعتبر خلاف التقيّة فهم لا يعرفون نيّته أيّ شيء هي، فهذا يحمل على التقيّةوذلك إنه في حال ضرورة، وهذه الرواية تحمل على هذه الحالة وسياتي أيضاً.
وغير ذلك من الروايات التي تتّفق على أنّ النوم ناقضٌ للوضوء، وإنّما الاختلاف في بعض الخصوصيّات التي سيأتي بيانها.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo