< قائمة الدروس

الأستاذ السيد علي السبزواري

بحث الفقه

35/04/29

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : كتاب الطهارة - فصل – في احكام الاواني - انية الذهب والفضة
كان الكلام في المسألة التي ذكرها الماتن قدس سره من ان الماء اذا انحصر في انية الذهب والفضة فهل يصح الوضوء من هذه الانية ؟، وتقدم ان الاقسام ثلاثة : الاول ما اذا انحصر الماء في الانية ولم يمكن تفريغه فينتقل حكمه الى التيمم لفرض عد التمكن من الاستعمال فان عدم التمكن من الاستعمال تارة يكون تكويني لعدم وجود الماء وتارة اخرى يكون تشريعي لحرمة التصرف، فان هذا الماء الموجود في انية الذهب والفضة المحرم استعمالهما فاخذ الماء منهما يكون استعمال فعندئذ لا يتمكن من استعمال الماء فينتقل حكمه شرعا الى التيمم
الصورة الثانية : ما اذا انحصر الماء في انية الذهب والفضة لكنه يتمكن من تفريغ الماء من الانية فقالوا بوجوب التفريغ مقدمة لوضوء الشرعية فيجب تفريغه ولا يعد استعمالا وحتى لو كان استعمال لا يصدق عليه محرم اذ انه مقدمة للواجب، السيد السبزواري رحمه الله وجمع من الفقهاء يقولون ان صدق الاستعمال على هذا النحو من التفريغ عرفا لا يسمى استعمالا له، فان الاستعمال المحرم هو ما عد عرفا انه محرم اما اذا كان مقدمة من اجل الوضوء فهو لا يسمى استعمالا مطلقا
الصورة الثالثة : ما اذا لم ينحصر الماء ويتمكن من التفريغ في اناء اخر فهل يصح الوضوء من هذا الاناء او لا ؟، وقد تقدم ان نفس الاستعمال محرم او لم يكن محرما كما في الصورة الثانية لكن لو خالف ذلك وعصى وتصرف في الماء الموجود في الانية واخذ منه غرفة اما دفعة واحدة او على نحو التدريج فعلى هذا هل يصح الوضوء والغسل او لا يصح ؟ وتقدم الكلام في بحث انية الغصب وهنا ذكرنا انه يمكن القول بصحة وضوئه وغسله باعتبارهما تحققا بالغرفة التي اخذها فهي وان كانت محرمة اذ انها استعمال لكن الوضوء لم يكن محرم فيمكن القول بالصحة اما لوجود الملاك او بالقول بالترتب او لان هذا الاستعمال في الصورة الثانية لا يسمى استعمال بل مقدمة للوضوء فلا اشكال فيه من هذه الناحية .
ثم ذكر الماتن قدس سره : وإن توضأ أو اغتسل منهما بطل سواء أخذ الماء منهما بيده، أو صب على محل الوضوء بهما، أو ارتمس فيهما.[1]بل الظاهر الصحة لأنه يمكن تصحيح الوضوء اما على نحو الترتب او لوجود الملاك نعم يختلف ذلك باختلاف كيفية التصرف فان كان الوضوء بصب الماء من الانية على محل الغاسل فهذا استعمال محرم وهو لا يمكن التقرب به، واما ان يكون الاخذ غرفة من الماء تدريجا او دفعة واحدة فالصورة الثانية قالوا يجب التفريغ وتارة يكون دفعي وتارة يكون تدريجي فالمكلف لما يأخذ غرفة من هذا الماء يسمى تفريغ فلا يمكن القول بالبطلان لأنه لا فرق فيه بين ان يكون دفعي او تدريجي، واما ان نقول على نحو الترتب أي انه عصى بأخذ الغرفة من هذا الاناء لكن الوضوء الذي توضء به من الماء الموجود على الكف لا يسمى استعمال للأناء فيمكن القول بالترتب او لوجود ملاك الوضوء ويمكن تصحيحه من هذه الناحية، اما الارتماس فقد حكم عليه السيد الماتن هنا وفي بحث انية الغصب فان الارتماس في انية الغصب يوجب بطلان الوضوء لأنه تصرف في المغصوب وتصرف في انية الذهب يوجب لبطلان الوضوء لأنه استعمال محرم، لكن الارتماس على اطلاقه مشكل فهو تارة يكون في وسط الماء أي انه وضع يده في الماء وقصد به الوضوء فيمكن القول بالبطلان كما قالوا لأنه استعمال للأنية وهو محرم، وتارة يقصد الوضوء عند اخراجه من الماء فلماذا نقول بالبطلان لأنه لا فرق بينه وبين الماء المغترف فانه يمكن القول بالصحة، وان قوله الاظهر البطلان مشكل وان كان الاحتياط لا يترك فان من ذهب الى البطلان في جميع الصور هو الذي يوجب الاحتياط الاستحبابي
الصورة الثالثة : ما ذكره رحمه الله : نعم ان لم يكن الماء منحصرا عنده وامكن تفريغ الماء من انية الذهب والفضة فانه لو توضئ والحال هذه من الانية فالأظهر البطلان والكلام نفس الكلام الذي ذكرناه في المقام فان هذا الشخص لم يكن مأمور بالتيمم الان، في الصورة الاولى كان مأمور بالتيمم وفي الصورة الثانية كان مأمور بالتفريغ والصورة الثالثة ليس مأمور بالتيمم لان عنده ماء اخر ويمكنه تفريغه، فلو توضئ والحال هذه معناه تصرف بالأناء واستعمال لأنية الذهب والفضة وهو محرم فيكون الوضوء باطل، الا ان الكلام نفس ما تقدم فيمكن القول بصحة الوضوء على نحو الترتب فانه عصى لكن لو اغترف من الماء الموجود في انية الذهب والفضة وتوضئ من الماء المغترف فلماذا نقول بالبطلان فهو استعمل الاناء وكان محرما فهو اثم بذلك لكنه لو اغترف منه فهو يتوضأ بالماء المغترف فالترتب صحيح في المقام والملاك موجود فيمكن القول بالصحة، فما ذكره الماتن من انه استعمال محرم اذ لم يكن مأمور في التيمم وعنده ماء اخر فحينئذ يعد استعمال وان كان صحيح استعمال لكنه وضوء من المغترف فلا يوجب البطلان
ثم ذكر الماتن قدس سره : بل الأمر كذلك لو جعلهما محلا لغسالة الوضوء، لما ذكر من أن توضيه حينئذ يحسب في العرف استعمالا لهما، نعم لو لم يقصد جعلهما مصبا للغسالة لكن استلزم توضيه ذلك أمكن أن يقال إنه لا يعد الوضوء استعمالا لهما، بل لا يبعد أن يقال : إن هذا الصب أيضا لا يعد استعمالا، فضلا عن كون الوضوء كذلك [2]، فقد ذهب السيد الماتن الى البطلان ايضا لان قصده في جمع الماء في هذه الانية استعمال لها وما يوجب المحرم يكون باطل، الا ان هنا صورتان
الصورة الاولى : وهو ما اذا كان قصده من جمع الغسالة في انية الذهب والفضة الادخار والاستعمال في المستقبل فيعد عرفا انه استعمال لأنية الذهب والفضة وهو محرم شرعا فوضوئه وغسله باطل وان كانا من ماء مباح
الصورة الثانية : انما اجتمعت الغسالة في انية الذهب والفضة لا عن قصد لكن بعد الصب على اليد او الوجه اجتمعت، فقال يمكن القول بالصحة لان الوضوء من ماء مباح واجتماع الغسالة لم يكن مقصود حتى نقول بانه استعمال لأنية الذهب والفضة فيكون الوضوء صحيح والغسل وان اجتمعت الغسالة في انية الذهب والفضة
الا انه استشكل في كلتا الصورتين الاولى التي ذكرنا انه قصد من وضع الانية تحت ماء وضوئه وغسالة وضوئه لأجل الجمع والاستعمال والادخار ونحو ذلك فقصد الجمع في هذه الانية فقد قلنا انه استعمال لأنية الذهب والفضة واذا عد استعمال يكون محرم وهذا دليله واضح لان العرف يرى ان الذي يضع انية الذهب والفضة تحت ماء وضوئه لجمع الغسالة يسمى استعمال فيكفي في البطلان، لكنهم استشكلوا على هذه الصورة ان هذا استعمال لو عد بما ينصرف من هذا أي انه يأخذ الماء من اناء الذهب وغيره من التصرفات اما جمعه لا يسمى استعمالا، لكن هذا الاشكال خلاف المتعارف العرفي لان العرف يرى ان انية الذهب والفضة تستعمل في جمع الماء او اكل الطعام او شرب الماء فكلها استعمالات عرفية فيصدق عليه استعمال فالوضوء محرم لأنه استلزم المعصية، الدليل الثاني الذي استدلوا به في المقام هو ان الوضوء علة للمعصية اذ يستلزم اجتماع الماء في تلك الانية فيحرم الاستعمال ويبطل الوضوء
لكن هذا غير تام فانه من قال ان الوضوء بنفسه او الغسل بنفسه علة للمعصية وكما هو المعروف ان الوضوء غسلات ومسحات اما الغسالة التي انفصلت من الوضوء وكان قصد صحاب الانية الجمع فيها فجمعها معصية لكن الوضوء من قال بانه علة هذا من ناحية الصغرى، اما من ناحية الكبرى من قال ان من كان علة للمعصية يحرم المعلول ايضا تبعا للعلة فمن قال عندنا كبرى من هذه الناحية صحيح ان العلة والمعلول متلازمان لكن لا تثبت حرمة الازم بحرمة لازمه الا اذا ثبت بدليل فان هذه علة وهي جمع الماء في الانية المعلول محرم لأنه استعمال للأنية فتسري الحرمة من المعلول الى العلة فليس لدينا قاعدة كلية حرمة المعلول تسري الى العلة فتحرم ايضا الا اذا ثبت بالفهم العرفي او بمقتضى الدليل الشرعي ومثل هذا مفقود في المقام، فيكفينا في البطلان ان العرف يرى ان هذا الشخص لما يتوضأ ويقصد جمع الغسالة في انية الذهب والفضة انه استعمال عرفا فيحرم الوضوء وحينئذ يبطل من ناحية انه استعمال لهذه الانية .
اما الوجه الثاني : انهم قالوا يمكن القول بالصحة اذا لم يقصد جمع الغسالة في انية الذهب والفضة وانما صب وجرى الى هذه الانية فان الماتن قال انه مثل هذا لا يسمى استعمال اذ ان الاستعمال تابع للقصد، وثانيا ان الوضوء لم يكن بنفسه سبب في اجتماع الماء انما الغسالة المنفصلة اجتمعت
اسشكل على ذلك وقالوا بالبطلان ايضا في المقام فقد قالوا انه لا فرق بين صب الطعام من انية الذهب والفضة في اناء اخر ونأكل منه فقد قال الماتن ان الاكل حرام لأنه يعد استعمال فما الفرق بين الصورتين فهناك افراغ وقلت بالحرمة وهنا صب واجتماع للغسالة في انية الذهب والفضة وان لم يكن قصده، لكن الامر واضح فهناك ان انطبق عليه عنوان الاستعمال لأنية الذهب والفضة وقلنا بحرمة اكل الطعام فهنا لا ينطبق عليه استعمال فهو يتوضأ بماء مباح واجتمعت الغسالة في انية من ذهب او فضة من غير قصد فلم يعد استعمال ابدا ففرق بينهما واضح، الامر الثاني قالوا ان هذا الوضوء سبب توليدي للمعصية كرمي السكين والقتل او رمي الشخص نفسه من مكان عالي ويموت فهو سبب توليدي للمعصية فيحرم من هذه الناحية اذ ان اختيارية السبب كافية في اختيارية المسبب، لكن هذا الجواب على اطلاقه ممنوع، فالصحيح ان قاعدة رمي السكين للقتل فقتل طرف اخر فهو مسبب ومسؤول عن هذا القتل لأنه باختياره وقصد السبب كافي في قصد المسبب، لكن في المقام ليس على اطلاقه انه سبب توليدي فان كلام السيد الماتن ان الصب في هذه الانية واجتماع الماء فيها لم يكن بقصد منه ولم يكن باختياره ولا ان يكون الوضوء سبب في ذلك الا اذا انطبق عليه سبب توليدي فلا اشكال عليه حينئذ فما ذكره السيد الماتن قدس سره في الصورة الثانية صحيح ان هذا لم يعد استعمالا وان الوضوء لم يكن سبب في الصب فلا يعد جمعا


[1] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي، ج1، ص313، ط ج .
[2] العروة الوثقى، السيد محمد كاظم اليزدي، ج1، ص314، ط ج .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo