< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الرجال

37/03/05

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع: أصحاب الإجماع
عند الكلام في القول الثاني: وأمّا صحّة رواياتهم فقد عرفت ما فيه الكفاية، فلا حاجة للإعادة. وأمّا عدم الدلالة على توثيق من بعدهم فهو الأقوى كما تقدم قريباً. بقي الكلام في القول الثاني، وهو الذي ذهب إليه جماعة من الأعلام منهم السيد أبو القاسم الخوئي (ره)، وهو أن المراد بيان وثاقة هؤلاء الأشخاص وجلالتهم في أنفسهم فقط من دون نظر إلى رواياتهم. وممّن ذهب إلى هذا الرأي أيضاً المحقق الشيخ عبد الله بن الحسين التستري المتوفى سنة ١٠٢١ للهجرة.
وحكى عنه تلميذه الشيخ عناية الله القهبائي، قال: قال: الأستاذ مولانا النحرير المدقق والحبر المحقق المجتهد في العلم والعمل عبد الله بن حسين التستري قدس سره: (وربّما يخدش بأن حكمهم بتصحيح ما يصح عنهم، انما يقتضي الحكم بوقوع ما أخبروا به وهذا لا يقتضي الحكم بوقوع ما أخبر هؤلاء عنه في الواقع والحاصل أنهم إذا أخبروا أن فلاناً الفاسق حكم على رسول الله (ص) مثلاً بما يقتضي كفره – نستغفر الله منه – فإن ذلك يقتضي حكمهم بصّحة ما أخبروا به وهو وقوع المكفّر عن الفاسق المنسوب إليه ذلك لا صحّة ما نسب إلى الفاسق في نفس الأمر. إلى أن قال :إن الجماعة المذكورين في هذه التسميات الثلاث إذا أخبروا عن غير معتبر في النقل فإنه لا يلزم الحكم بصحة ما أخبروا عنه في الواقع نعم يلزم ذلك إذا أخبروا عن معتبر ) انتهى.
قد يستدل للقول الثاني بجملة من الأدّلة، الأول، أن العبارات الثلاث الصادرة من الكشي (ره) يحتمل منها الوجوه الخمسة المتقدمة وبما أنها مجملة لا تعيّن لأحد الوجوه المتقدمة إلاّ أن الإحتمال الثاني وهو وثاقة هؤلاء فقط هو القدر المتيقن فنأخذ به ونطرح الباقي ولا بأس بهذا الدليل.
الدليل الثاني: ان الشيخ الكشي اكتفى في تسمية الطبقة الأولى بقوله: (اجتمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأولين من أصحاب أبي جعفر (ع) وأبي عبد الله (ع) وانقادوا لهم بالفقه...ألخ)، وهذه العبارة تدل بالمطابقة على وثاقتهم لا غير ويمكن أن تكون هذه العبارة قرينة على المراد من العبارتين الأخريين في الطبقة الثانية، والثالثة وهي تصحيح ما يصح عن جماعة فيحمل على التصديق.
الدليل الثالث: ما ذكره السيد أبو القاسم الخوئي (ره) قال: (المراد تصديقهم لما أخبروا به وليس اخبارهم في الإخبار مع الواسطة إلاّ الإخبار عن قول الواسطة وتحديثه، فإذا قال ابن أبي عمير حدثني زيد النرسي قال حدثني علي بن يزيد قال قال أبو عبد الله (ع) كذا. لا يكون إخبار ابن أبي عمير إلاّ تحديث زيد، وهذا ما ورد في الطبقة الأولى واضح وكذلك الحال في الطبقتين الأخيرتين أي الأجماع على تصحيح ما يصح عنهم، لإن ما يصح عنهم ليس متن الحديث في الإخبار مع الواسطة لو لم نقل مطلقاً، فحينئذٍ إن كان المراد من الموصول مطلق ما صحّ عنهم يكون لازمه قيام الإجماع على صحّة مطلق إخبارهم سواء كان مع الواسطة أو لا. إلاّ أنه في الإخبار مع الواسطة لا يفيد تصديقهم. وتصحيح ما يصّح عنهم غيرهم من الوسائط فلا بدّ من ملاحظة حالهم ووثاقتهم وعدمها...ألخ).
وحاصله أن معنى تصحيح ما صحّ عنهم هو أن النقل عن هؤلاء صحيح فكما يقال صحّ عن فلان أو في الصحيح عن ابن أبي عمير أي أن نقل الرواة الخبر إلى ابن أبي عمير صحيح لا أن الحديث صحيح فكذلك المقام فإن المراد من نقلهم صحيح لا أن رواياتهم صحيحة. وفيه أن اراد أن هذا هو المعنى الظاهر من تصحيح ما يصح عنهم، فيرد عليه أن العبارة لو لم تكن ظاهرة في خلاف ما ذكره لا أقل من عدم كونها ظاهرة في ذلك.
نعم إن أراد أن هذا المعنى هو القدر المتيقن عن العبارة لكونها مجملة فهو وان كان في محلّه إلا أنّه يرجع إلى الدليل الأول. أقول: وممّا يؤيد هذا المعنى الذي اخترناه وهو ان المراد من العبارة هو وثاقتهم فقط. ما ذكرناه سابقاً في وجه بطلان سائر الأقوال من أن الشيخ (ره) وغيره من الأعلام ناقشوا روايات صفوان وابن أبي عمير وغيرهما ممّن ذكر في معقد الإجماع ثم قد يرد على هذا القول بأنه لو كان المراد هو ذلك، لماذا اقتصر على هؤلاء الثمانية عشر مع أن هناك جملة من الرواة ليسوا أقلّ شأناً منهم.
والجواب: أن وجه الإقتصار على هؤلاء هو كونهم أعلام يرجع إليهم في الفتيا وليسوا فقط مجرد رواة. ومن هنا قال الكشي : وانقادوا لهم بالفقه وأقروا لهم بالفقه والعلم. وهذا بخلاف غيرهم كما لا يخفى. هذا وقد أورد المحدّث النوري إيراداً آخر وحاصله:(أن أئمة فنّ الحديث والدراية صرّحوا بأن الصحّة والضعف والقوة والحسن وغيرهما من أوصاف فنّ الحديث، تعرّضه بإعتبار اختلاف حالات رجال السند وقد يطلق على السند مسامحة فيقولون في الصحيح عن ابن أبي عمير، وهو خروج عن الإصطلاح فالمراد بالموصول في ما يصح عنه هو متن الحديث لإنه الذي يتصف بالصّحة والضعف ...ألخ). وفيه أن الصّحة كما تقع وصفاً للمتن تقع وصفاً للسند أيضاً وتخصيصها بالمتن فقط لا دليل عليه.
بقي شيء في المقام وهو أن المامقاني (ره) في مقياس الهداية ذكر:(أن المراد بهذا الإجماع ليس المعنى اللغوي وهو مجرد إتفاق الكل بل المعنى المصطلح وهو الإتفاق الكاشف عن رأي المعصوم (ع) على أن يكون المجمع هو القبول والعمل بروايات أولئك...ألخ).
وقال السيد أبو القاسم الخوئي (ره): )ثم إنا لو تنزلنا عن ذلك وفرضنا ان عبارة الكشي صريحة في ما نسب إلى جماعة واختاره صاحب الوسائل – وهو الحكم بصحّة الحديث المنقول عنهم ونسبته إلى أهل البيت (ع) بمجرّد صحّته عنهم من دون إعتبار العدالة فيمن يروون عنه – فغاية ذلك دعوى الإجماع على حجّيته رواية هؤلاء عن المعصومين (ع) تعبّداً وان كانت الواسطة بينهم وبين المعصوم ضعيفاً أو مجهول الحال. فترجع هذه الدعوى إلى دعوى الإجماع على حكم شرعي وقد بيّنا في المباحث الأصولية أن الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجّة وأدلّة حجّية خبر الواحد لا تشمل الأخبار الحدسيّة(. انتهى
أقول: الظاهر أن المراد بالإجماع هنا غير الإجماع في المسائل الفقهية الذي هو كاشف عن رأي المعصوم (ع) وعليه فالإجماع هنا عبارة عن شهادة جماعة كثيرة بوثاقة هؤلاء الأشخاص ليس المطلوب من هذا الإجماع أن يكون كاشفاً عن رأي المعصوم (ع)، نعم إذا كشف عنه يكون زيارة خير على خير ويكون آكد في المطلوب، والله العالم.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo