< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الرجال

36/12/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : التوثيقات الضمنيّة (العامة)

بعد أنِ انتهى الكلام حول كتب الأربعة (الكافي، من لا يحضره الفقيه، التهذيب، الإستبصار)، نشرع في هذا الفصل في أبحاثٍ مهمةٍ في علم الرجال، وهو التوثيق الضمنيّ أو العام في مقابل التوثيقات الصريحة أو الخاصة. ومعنى كونها توثيقات ضمنيّة أنّ توثيق الرجال فيها من حيث إندراجهم تحت عنوانٍ عام ٍينطبق على أفراد المجموعة الموثقة أوتوثيق عام ويندرج هذا في العنوان العام، فيقول الرجالي مثلاً : كالشيخ المامقاني(ره): مشايخ فلان (أي النجاشي)ثقة، أو يقول مشايخ (ابن قولويه) ثقة أو مشايخ (علي بن إبراهيم) ثقة، و..ألخ

ما نعنيه بالتوثقيات الخاصة ما مرّ معنا سابقاً، كأن يقول الرجالي :كالشيخ النجاشي(ره) فلان (زرارة) ثقة، أو محمد بن مسلم ثقة، أو يونس بن عبد الرحمان ثقة، والخ... ويندرج تحت هذا الفصل مجموعة من العناوين العامة أو قيل أنها منها.

أول ما نبدأ به بحثنا من مباحث التوثيقات العامة: كتاب (المزار) للشيخ أبي القاسم جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه (ره) . وقد قيل بتوثيق كل ما هو موجود في الكتاب، كما ذهب إليه السيد الخوئي (ره) تبعاً للوسائل، أو بعضهم في الجملة كما ذهب إليه شيخنا الأجّل مرجع الطائفة الشيخ جواد التبريزي (اعلى الله مقامه)، أو المشايخ المباشرين فقط، كما ذهب إليه أستاذنا الشيخ الرميتي (حفظه الله).

أولاً- التعريف بصاحب الكتاب.

خير ما نبدأ به تعريف الشيخ النجاشي(ره) له، فقد ذكره في ترجمة كتابه الفهرست أو (رجاله)، بعدما عنونه (...وكان أبوه يلقب مسلمة من خيار أصحاب سعد- بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري القمي- وكان أبو القاسم (ره) (صاحب الكتاب) من ثقات أصحابنا وأجلّائهم في الحديث والفقه...)[1] روى أبو القاسم (ره) عن أبيه وأخيه عن سعد، وقال أبو القاسم جعفر(ره) ما سمعت من سعد (ره) إلا أربعة أحاديث. وعليه قرأ شيخنا أبو عبد الله المفيد(ره) ، ومنه حمل الفقه).

ثم قال الشيخ النجاشي(ره) في مدحه له عبارة، لعلّه لم يقلها إلا فيه : ) وكل ما يوصف به الناس من جميلٍ وثقةٍ وفقهٍ فهو فوقه [2] . أي : هو أعلى من الكل فوق الوصف، كما ذكره العلامة (ره) في الخلاصة هكذا، ووثّقه شيخ الطائفة (ره) في الفهرست.

ذكره من العامة ابن حَجَر في لسان الميزان وهو من علماء العامة: (جعفر بن محمد بن جعفر بن موسى بن قولويه أبو القاسم القمي الشيعي من كبار الشيعة وعلمائهم المشهورين، وذكره الطوسي وابن النجاشي وعلي بن الحكم في شيوخ الشيعة، وتلمذ له المفيد، وبالغ الطوسي في إطرائه، وحدّث عنه حسن بن عبيد الله الغضائري، وحدّث عنه محمد بن سليم الصابوني سمع منه بمصر)[3] .

نقول: إنصافاً الشيخ أبو القاسم جعفر ابن قولويه (ره) أجلّ وأشهر من أنّ يعرّف، وهو من طبقة العلماء المتقدمين. لم أجد تاريخ ولادته، ولكنه قيل أنه روى عن سعد (٤) أحاديث، أو حديثين مع العلم أنّ سعد توفى سنة ٣٠٦ھ، وعليه، فمن المحتمل أنّه (ره) ولد بعد المائتين وتسعين للهجرة، أو اقل بقليل، والله العالم.

أما تاريخ وفاته، فقد اختلف فيه، قال العلامة(ره) في الخلاصة: إنّ وفاته ٣٦٩ھ . وبعضهم قال إنّها ٣٦٧ھ ، والأغلب قال: إنّها في العام ٣٦٨ھ . فيكون عمره الشريف قد ناهز الثمانين والله العالم.

أخذ الشيخ ابو القاسم أبن قولويه (ره) العلم عن الأعلام، كالشيخ الكليني (ره)، ووالد الصدوق علي بن محمد بن بابويه (ره)، وغيرهم مما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى، وأخذ أغلب حديث سعد عن أبيه وعن أخيه الذي مات وهو شاب، وسنذكر أيضاً أن مشايخه المباشرين(٣١-٣٢) شيخاً، أما مجموع الرّواة في كتابه (كامل الزيارات) فهو (٣٨٨) شيخاً.

ثانياً- كيف أستفاد الأعلام التوثيقات الضمنيّة: قال أبو القاسم(ره) في ديباجة كتابه (المزار) : (ولم أخرج فيه حديثاً روي عن غيرهم إذا كان فيما روينا من حديثهم (صلوات الله) عليهم كفاية عن حديث غيرهم، وقد علمنا أنّا لا نحيط بجميع ما روي عنهم في هذا المعنى (الزيارة) ولا في غيره، ولكن ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا (ره) ولا أخرجت فيه حديثاً روي عن الشذّاذ من الرجال يؤثر ذلك عنهم عن المذكورين غير المعروفين بالرواية والمشهورين بالحديث والعلم الخ...)[4] .

اختلف الأعلامُ (ره) في تفسير هذه العبارات، على آراءٍ ثلاثة هي :

الرأي الأول : أنّ كل الرواة في سند كامل الزيارات ثقات، وأول من قال بهذا القول الشيخ الحر (ره) في كتابه الوسائل، في الفائدة السادسة من خاتمة الكتاب قال:(وقد شهد علي بن إبراهيم أيضاً بثبوت أحاديث تفسيره وأنها مرويّة عن الثقات عن الأئمة (عليهم السلام)، وكذلك جعفر بن محمد بن قولويه، فإنّه صرّح بما هو أبلغ من ذلك في أول مزاره)[5] .

وتبعه على ذلك المرجع الراحل السيد أبو القاسم الخوئي (ره) قال: (ما ذكره صاحب الوسائل (ره) متينٌ، فيحكم بوثاقة من شهد علي بن إبراهيم أو جعفر بن محمد بن قولويه بوثاقته، اللهم إلا أنّ يبتلى بمعارضٍ)[6] . والغريب في الأمر أن صاحب المستدرك(ره) قد أفرط في توثيق الروّاة فلم يبق ضعيف أو مجهول على الأغلب إلا وثّقه، ومع ذلك تراه هنا أنه استفاد من عبارة ابن قولويه، توثيق مشايخه المباشرين فقط وهذا منه عجيب.

الرأي الثاني : توثيق الرواة بالجملة، ذهب إليه المرجع الراحل الشيخ جواد التبريزي(ره)، حيث ذكر أن المفهوم من عبارته وثاقة جملة من الروّاة (سواء من مشايخه المباشرين أم لا) فلا التوثيق راجع إلى جميع من هو موجود في الكتاب، ولا إلى مشايخه المباشرين، بل إلى جملة منهم غير معيّنين.

الرأي الثالث : ( أن مشايخه المباشرين هم الثقات فقط دون غيرهم)، ذهب إليه جماعة من الأعلام، وهو الإنصاف، لما سيتضح لك إن شاء الله تعالى.

ثالثاً - مناقشة أقوال العلماء:

دليل القول الأول (بأنّ الرواة في المزار كلهم ثقات)، ويعتمد على أمرين :

الأول : ما قاله ابن قولويه في الديباجة: (ما وقع لنا من جهة الثقات من أصحابنا)[7] ولم يقل مشايخنا، فلو كان المراد : هم المشايخ المباشرين، لما صحّ التعبير بالأصحاب، بل التعبير الصحيح أن يكون بلفظ المشايخ، لإن المتعارف أن يطلق لفظ الأصحاب على غير الأساتذة، ولكن الإنصاف، أن هذا ليس بإشكال علمي بل إشكال فني، ولفظ الأصحاب يطلق على المشايخ الأساتذة وغيرهم نعم، الأنسب أن يقول : مشايخي، ولكنه ارتكب خلاف الأنسب. وبالجملة :ان شيخه يكون من أصحابه، كما لا يخفى.

(الثاني): ما قاله ابن قولويه في الديباجة حيث ترّحم عليهم بقوله :(رحمهم الله) مع أنّ بعض مشايخه المباشرين أحياء فكيف يترحم عليهم؟

الجواب : لا مانع من الترحم على الجميع إذ رحمة الله وسعت كل شيء، الأحياء منهم والأموات، ولعله تغليباً للأموات منهم، أضف إلى ذلك، أنّه لو كان الترحم لكل الرواة في المزار لما صحّ ذلك، إذ فيهم من لا يجوز الترحم عليه، فهذا الدليل لنا لا لكم. ثم أعلم أن المرجع الراحل السيد أبو القاسم الخوئي (ره)، قد عدل عن رأيه في أخر عمره الشريف.

أمّا القول الثاني: (ما ذهب إليه المرجع الراحل الشيخ التبريزي(ره) وغيره من الأعلام ، من توثيق رواته بالجملة)، فلا دليل له بل يرد عليه، (أولاً) : أنّه خلاف ظاهر العبارة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo