< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/08/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعادل والتراجيح 20

وأمّا ما ذكره صاحب الكفاية (رحمه الله): من أن الخبر الموافق للعامّة لا يكون حجّة مع وجود الخبر المخالف لهم باعتبار أن النفس تطمئن بأن الخبر الموافق لهم إمّا غير صادر أو أنه صادر على نحو التقية. فيرد عليه: ان مجرّد وجود الخبر الموافق للقوم لا يوجب حصول الاطمئنان بعدم صدوره أو صدوره تقية، لأن الأحكام المشتركة بين الفريقين كثيرة جدّاً. وعليه: فيحتمل أن يكون مضمون الخبر الموافق لهم هو الحكم الواقعي، والخبر المخالف لم يصدر أو صدر بغير داعي الجدّ.والخلاصة: أن الموافقة والمخالفة للقوم من المرجحات لا من تمييز الحجّة عن اللاحجّة. نعم، إذا كان في الخبر الموافق لهم قرائن التقية، بحيث يستفاد من نفس الخبر أنه صدر تقية، ففي هذه الصورة يكون الخبر غير حجّة، ولا تكون المخالفة لهم من المرجحات.

وأمّا ما ذكره -صاحب الكفاية (رحمه الله)- بالنسبة للوجه الثامن: فقد اتضح جوابه ممّا تقدم.والنتيجة في نهاية المطاف: أنه على ما ذهبنا إليه من عدم تمامية شيء من الطوائف المتقدمة، فإن مقتضى القاعدة الأولية وان كان هو التساقط والرجوع إلى الأصول العملية، لكن، بما أنه لم يذهب أحد إلى التساقط مطلقاً، نظراً للإجماع وللإخبار العلاجية -إذ الأعلام ما بين آخذ بالمرجحات وهم الأكثر، وما بين آخذ بالتخيير بين الروايات كما ذهب إليه بعض الأعلام منهم صاحب الكفاية- اقتصرنا على الأخذ بالقدر المتيقن من المرجحات، وهو ما وافق الكتاب المجيد والسنّة النبوية الشريفة، وما خالف العامّة.لا يقال: إذا لم تثبت أخبار الترجيح فلا بدّ من القول بالتخيير مطلقاً، لعدم ذهاب أحد من الأعلام إلى التساقط. فإنه يقال: إن مقتضى القاعدة -كما ذكرنا سابقاً- هو الأخذ بالترجيح أو ما كان محتمل الترجيح لدوران الأمر بين التعيين والتخيير في الحجّية، وقد عرفت أن القدر المتيقن من المرجحات هو موافقة الكتاب المجيد ومخالفة العامّة.

بقي شيء في المقام، وهو ما ذكره صاحب الكفاية (رحمه الله) حيث قال: «نعم قد استدل على تقييدها ووجوب الترجيح في المتفاضلين بوجوه أخر. منها: دعوى الإجماع على الأخذ بأقوى الدليلين. وفيه: أن دعوى الإجماع -مع مصير مثل الكليني إلى التخيير وهو في عهد الغيبة الصغرى ويخالط النواب والسفراء قال في ديباجة الكافي: ولا نجد شيئاً أوسع ولا أحوط من التخيير- مجازفة ...» (انتهى كلام صاحب الكفاية).من جملة الأدلّة على تقييد اطلاقات التخيير بأدلّة المرجحات:الإجماع: وقد ذكره الشيخ الأنصاري (رحمه الله) أيضاً، وقد أشكل عليه صاحب الكفاية وغيره من الأعلام، بأنه كيف يتحقق الإجماع مع ذهاب مثل الشيخ الكليني إلى التخيير، وهو في عهد الغيبة الصغرى. والإنصاف: أنه إجماع مدركي أو محتمل المدركية، إذ يحتمل كون المستند في ذلك المقبولة والمرفوعة المتقدمتين، فلا يكون إجماعاً تعبّدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (عليه السّلام).نعم، يبقى الكلام فيما نسب إلى الشيخ الكليني (رحمه الله): من الذهاب إلى التخيير. ولكن عبارته المحكية عنه ظاهرة في خلاف ذلك، إذ ظاهرها هو الأخذ بالترجيح، فإن لم يمكن لعدم معرفة وجود المرجحات فالتخيير حينئذٍ.قال الشيخ الكليني (رحمه الله): «اعلم يا أخي –أرشدك الله تعالى- أنه لا يسع أحداً تمييز شيء ممّا اختلفت الرواية فيه من العلماء برأيه إلّا ما أطلقه العالم (عليه السّلام) بقوله: «اعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله عزّ وجل فذروه» وقوله (عليه السّلام): «دعوا ما وافق القوم فإن الرشد في خلافهم» وقوله (عليه السّلام): «خذوا بالمجمع عليه فإن المجمع عليه لا ريب فيه» ولا نعرف من جميع ذلك إلّا أقلّه ولا نجد شيئاً أحوط ولا أوسع من ردّ علم ذلك كلّه إلى العالم، وقبول ما وسع من الأمر فيه، بقوله (عليه السّلام): «بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم»» (انتهى كلام الشيخ الكليني).

ويظهر أن الشيخ الكليني (رحمه الله): ناظر في كلامه إلى مقبولة ابن حنظلة، لأنه رواها في كتابه الكافي، فيكون كلامه هذا نقلاً لمضمون تلك الرواية، ومع ذلك لم يذكر المرجحات المذكورة في صدر الرواية، أعني: الأصدقية، والأورعية، والأعدلية، لأنه يعتبرها أنها مرجحات لحكم أحد الحاكمين على حكم الآخر، وليست مرجحات لأحد الخبرين المتعارضين.وحاصل كلامه: أنه جعل الرواية الآمرة بالترجيح بأحد هذه الأمور الثلاثة -وهي موافقة الكتاب، ومخالفة العامّة والمجمع عليه أي المشهور- مقيّداً لأخبار التخيير، وأنه إذا أحرز أحد هذه المرجحات فيكون العمل عليها وإلّا وجب المصير إلى إطلاقات التخيير.نعم قد يشكل عليه: بأنه بعد البناء على كون تلك الإطلاقات مقيّدة بما دلّ على الترجيح بأحد تلك الأمور الثلاثة، لا يصح الرجوع حينئذٍ في موارد الشك في كونه ممّا فيه أحد تلك الأمور إلى تلك الإطلاقات، لكون ذلك من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، وهو غير جائز.وقد يجاب عن هذا الإشكال:إمّا بأنه قائل: بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.وإمّا من باب إحراز الموضوع بالعدم الأزلي: فيدخل حينئذٍ تحت الكبرى والعام أي يستصحب عدم تحقق مخالفة الكتاب في أحد هذين الخبرين بمفاد ليس التامة، فيندرج حينئذٍ تحت الكبرى، وهو إطلاقات التخيير نظير استصحاب عدم قرشية المرأة بالعدم الأزلي، وبعد إحراز الموضوع يدخل تحت، قوله (عليه السّلام) في مرسلة ابن أبي عمير: «إذا بلغت المرأة خمسين سنة لم تر حمرة إلّا أن تكون امرأة من قريش».

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo