< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/08/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعادل والتراجيح 19

وأمّا ما ذكره -صاحب الكفاية (رحمه الله)- بالنسبة للوجه السادس: فهو في الجملة حق، وقد ذكرنا أنه إذا اختلفت الروايات في مورد واحد -كما في الاستظهار على ما تقدم- فإذا كان بينها قدر متيقن فنأخذ به. ومن هنا، قلنا يجب الاستظهار في يوم واحد حيث اتفقت الروايات على هذا القدر، والباقي يكون مستحباً، وأمّا إذا لم يتفق، فلا بدّ من العلاج بينها.ثم أنه لو قطعنا النظر عن ضعف المقبولة سنداً، وقطعنا النظر عن كون المراد من المجمع عليه هو الإجماع الاصطلاحي بحيث قلنا إن المراد منه هو الشهرة: إلّا أنه مع ذلك هي بمثل هذا الترجيح المذكور فيها غير معمول به عند الأعلام في موردها -وهو الحكومة- حتى يتعدى منها إلى غير موردها وهو مقام الفتوى، إذ ليس بناء الأعلام في مقام ترجيح أحد الحاكمين على الرجوع إلى مدركهما، بل الحاكم بعدما أخذ بالرواية، وحكم في الواقعة على وفق رأيه في الشبهات الحكمية، فيجب على الكل الالتزام به حتى بالنسبة إلى باقي المجتهدين، لأن الحكم لا يُنقض بفتوى المجتهد الآخر ولو فرضنا تعارض حكمه مع حكم مجتهد آخر، كما لو حكما في الواقعة دفعة واحدة، فيرّجح حكم أحدهما في مقام الخصومة من حيث صفات الحاكم من الأعدلية والأوثقية والأفقهية، ومع فرض تساويهما من حيث الصفات، فغايته هو سقوط الحكمين والرجوع إلى حكم حاكم ثالث في رفع الخصومة، لا الرجوع إلى مدرك الحكمين حتى بالنسبة إلى مجتهد ثالث فضلاً عن المتخاصمين.ثم أن ما فرضناه من تعارض الحكمين: إنما هو لو حكما في الواقعة دفعة واحدة -أي في زمن واحد- وإلّا فعلى فرض تعاقب الحكمين -كما هو الغالب- يكون المتبع هو الأسبق منهما، لاندفاع الخصومة بحكمه في الواقعة، ولا ينظر إلى ما حكم به الآخر، فلا محيص حينئذٍ من الإعراض عن ذيل المقبولة في موردها، وبذلك لا تكون دليلاً على لزوم الترجيح حتى يقيّد بها المطلقات أخبار التخيير.

وأمّا ما ذكره -صاحب الكفاية (رحمه الله)- بالنسبة للوجه السابع: فيرد عليه: أن الأخبار الواردة في الأخذ بما يوافق الكتاب وطرح ما يخالفه على طائفتين:الطائفة الأولى: الأخبار التي ذكرناها سابقاً الواردة في مقام العلاج في خصوص الروايات المتعارضة، والتي منها رواية ابن حنظلة الآمرة بالأخذ بما يوافق الكتاب في مقام الترجيح، وطرح ما يخالفه.الطائفة الثانية: الأخبار الواردة في عرض الأحاديث على القرآن الأمرة بطرح المخالف للكتاب في نفسه، مثل قوله (عليه السّلام): «ما خالف قول ربّنا لم نقله» أو «أنه زخرف» أو «باطل» ونحو ذلك، وقد ذكرنا بعضها سابقاً.إذا عرفت ذلك، فنقول: إن الخبر الذي لا يكون حجّة هو الخبر المخالف للكتاب بالتباين الكلّي، فهو لا يمكن صدوره عنهم (عليهم السّلام) وأنه زخرف وباطل. وأمّا الخبر الذي يكون بينه وبين الكتاب المجيد عموم وخصوص من وجه، فلا يندرج في قوله (عليه السّلام): «ما خالف قول ربّنا لم نقله» بل يقدّم ما هو الأظهر منهما، وإلّا فيعمل بينهما قواعد التعارض من التخيير أو الرجوع إلى الأصل؛ وكون الكتاب قطعي الصدور لا يوجب تقديمه على الخبر بعدما كانت دلالة الكتاب المجيد على العموم ظنيّة؛ وأمّا الذي يكون مرجحاً لأحد المتعارضين فهو الموافقة والمخالفة للكتاب بالعموم المطلق أو العموم من وجه، فإذا كان أحد المتعارضين موافقاً للعام الكتابي وكان الآخر مخالفاً له؛ إمّا بنحو العموم المطلق أو العموم من وجه يكون الترجيح للخبر الموافق للكتاب. وعليه: فهذا القسم من المخالفة للكتاب لا يكون مشمولاً لقولهم (عليهم السّلام): «ما خالف قول ربّنا لم نقله» أو «أنه زخرف» أو «باطل»، وذلك للعلم بصدور المخصص والمقيّد لعموم الكتاب وإطلاقه، إذ لم يذكر في الكتاب المجيد غالباً إلّا أمهات المسائل، وأمّا تفصيل الأحكام وموضوعاتها وجزئيات المسائل فهو مذكور في السنّة النبوية الشريفة.هذا، وقد ذكر الميرزا النائيني (رحمه الله): أن الموافقة والمخالفة للكتاب بالعموم المطلق ليست من المرجحات لعدم المعارضة بين العام والخاص فلو كان أحد المتعارضين موافقاً للكتاب والآخر مخالفاً له بالعموم والخصوص المطلق فاللازم هو الجمع بين الكتاب وبين الخبر المخالف له بتخصيص العام الكتابي بما عدا مورد الخاص الخبري أو يخصص العام الخبري بما عدا مورد الخاص الكتابي، فالمخالفة بالعموم والخصوص خارجة عن الطائفتين من الأخبار الواردة في عرض الأخبار على الكتاب لعدم التنافي. ويرد عليه: ان هذا الكلام إنما يتمّ لولا ابتلاء الخاص الخبري بالمعارض، فإنه مع الابتلاء لا يكون الخبر الخاص المخالف لعموم الكتاب مخصصاً له، وعليه: فلا تنافي حينئذٍ بين تخصيص الكتاب بالخبر الواحد وبين دخول هذا النحو من المخالفة في أدّلة الترجيح واقتضائها لطرحه عند معارضته مع الخبر الموافق للكتاب، كيف ولازم خروج هذا القسم من المخالف للكتاب عن موضوع أخبار الترجيح هو حصر مورد الترجيح بالموافقة والمخالفة بما يكون على نحو العموم من وجه، وبعد ندرة المخالف للكتاب على هذا النحو، وقلّة وجوده في الأخبار المتعارضة يلزم حمل ما أطلق فيه الترجيح بموافقة الكتاب ومخالفته على المورد النادر الذي هو بحكم المعدوم. ومن هنا: كان لا بدّ من تعميم المخالفة في تلك الأخبار إلى ما يشمل العموم المطلق.وحاصل الكلام إلى هنا: أنه يندرج في أدلّة الترجيح صورتان:الصورة الأولى: ما إذا كان التعارض بين الخبرين بالتباين الكلّي، وكان أحدهما موافقاً للعام الكتابي والآخر مخالفاً له، فيقدم الموافق له.لا يقال: بما أن المخالف أخص من عام الكتابي، فلماذا لا يخصص به؟ فإنه يقال: إن مقتضى القاعدة وان كان هو تخصيص العام الكتابي به -بناءً على ما هو الصحيح من جواز تخصيص العام الكتابي بالخبر الواحد- إلّا أنه لمّا كان مبتلى بالمعارض فلا يصلح لأن يكون مخصصاً كما أشرنا إليه سابقاً.الصورة الثانية: ما إذا كان التعارض بين الخبرين بالعموم والخصوص من وجه: فإذا كان أحدهما موافقاً للكتاب والآخر مخالفاً له، قُدّم الموافق له.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo