< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/08/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعادل والتراجيح 16

ولكي يتضح الحال على مبنانا، ومبنى القوم، أقول: يقع الكلام في سبعة أمور:الأمر الأوّل: هل التخيير هو فقط في صورة تعادل الخبرين وتكافئهما في المزايا المنصوصة، بحيث لا يجوز الأخذ بأحدهما تخييراً إلّا عند فقد المرجح أم أنه يجوز الأخذ بأحدهما تخييراً ولو مع وجود المرجح لإطلاق أدلة التخيير، وحمل أخبار الترجيح على الاستحباب؟الأمر الثاني: في تعيين المرجحات المنصوصة.الأمر الثالث: بناءً على وجوب الترجيح. هل يجب الاقتصار على المرجحات المنصوصة أم يتعدّى إلى غيرها؟الأمر الرابع: هل يجب الترتيب بين المرجحات أم لا؟الأمر الخامس: ما يتعلق بمرجحيّة الشهرة، بناءً على القول بالترجيح بها وتقسيمها إلى ثلاثة أقسام.الأمر السادس: ما يتعلق بالتخيير من حيث كون التخيير في المسألة الأصولية لا في المسألة الفقهية. وهل التخيير في المسألة الأصولية بدوي أم استمراري؟ وكذا الحال في المسألة الفقهية. فهل التخيير فيها بدوي أم استمراري؟الأمر السابع: قد عرفت أنه لا تعارض في موارد الجمع والتوفيق العرفي، إلّا أنه يقع الكلام في بيان المزيّة التي توجب الجمع بين المتعارضين في الدلالة، باعتبار أن الجمع مهما أمكن أولى من الطرح، ففي كل مورد يكون أحدهما قرينة على الآخر بحسب متفاهم العرف فهو خارج عن التعارض، ولا ضابطة لذلك.إذا عرفت ذلك، فنقول:أمّا الأمر الأوّل:المعروف بين الأعلام: أن التخيير انما هو في صورة تعادل المتعارضين وتكافئهما في المزايا المنصوصة، فلا يجوز الأخذ بأحدهما تخييراً إلّا عند فقد ما يقتضي الترجيح.وحُكي عن شارح الوافية السيد الصدر (رحمه الله): القول بالتخيير مطلقاً، قال الشيخ الأنصاري: «ثم أنه يظهر من السيد الصدر (رحمه الله) الشارح للوافية: الرجوع في المتعارضين من الأخبار إلى التخيير والتوقف والاحتياط، وحمل أخبار الترجيح على الاستحباب، حيث قال بعد إيراد إشكالات على العمل بظاهر الأخبار: ان الجواب عن الكل ما أشرنا إليه من أن الأصل التوقف في الفتوى والتخيير في العمل ان لم يحصل من دليل آخر العلم بعدم مطابقة أحد الخبرين للواقع يعني أحدهما المعيّن وان الترجيح هو الفضل والأولى» (انتهى كلام الشيخ الأعظم).وحُكي عن الكليني (رحمه الله) أيضاً (أي القول بالتخيير مطلقاً): ولكن سيتضح لك عدم صحّة هذه النسبة بالنسبة للشيخ الكليني (رحمه الله).وقد ذهب إلى التخيير أيضاً صاحب الكفاية (رحمه الله)، وقال: «فالتحقيق أن يقال: ان أجمع خبر للمزايا المنصوصة في الأخبار هو المقبولة والمرفوعة مع اختلافهما وضعف سند المرفوعة جدّاً، والاحتجاج بهما على وجوب الترجيح في مقام الفتوى لا يخلو عن إشكال» (انتهى كلام صاحب الكفاية).

لا يخفى أن صاحب الكفاية (رحمه الله): ذكر عدّة وجوه لعدم صلاحية المقبولة والمرفوعة لتقييد اطلاقات أدلّة التخيير، ثم ذكر أن باقي الروايات يتضح حالها مما ذكر في المقبولة والمرفوعة، وذكر أخيراً بعض الأدلّة للقول بالتخيير غير أخبار الترجيح. ونحن سوف نذكر هذه الوجوه التي ذكرها صاحب الكفاية بتوضيح منّا ثم نرى ما هو الإنصاف في المقام:الوجه الأوّل (من الوجوه لعدم صلاحية المقبولة والمرفوعة -وسواها- لتقييد اطلاقات أدلّة التخيير):هو اختلاف المقبولة والمرفوعة في الاقتصار على بعض المرجحات وفي الترتيب بينها:فالمقبولة: اقتصرت في مرجحات الخبر بعد مرجحات الحكم على الشهرة وموافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامة ثم مخالفة ميل الحكام. والمرفوعة: لم تذكر موافقة الكتاب والسنّة، وإنما ذُكر مكانها الترجيح بالأعدلية والأوثقية، وذُكر في آخرها مكان مخالفة ميل الحكام موافقة الاحتياط.وقد اختلفتا في الترتيب أيضاً: فالمقبولة قدمت الترجيح بالأعدلية والأفقهية والأصدقية والأورعية على الترجيح بالشهرة، بعكس المرفوعة فأخرت الترجيح بالصفات على الترجيح بالشهرة، وعليه: فإذا كان أحد الخبرين مشهوراً عند أرباب الحديث، وكان الآخر شاذاً لكن مع أصدقية راويه وأورعيّته من راوي الحديث المشهور، فيقع التعارض حينئذٍ بين المقبولة والمرفوعة، لأن المقبولة تقتضي تقديم الخبر الشاذ الجامع للصفات على الخبر المشهور، والمرفوعة يقتضي العكس. وهذا التعارض يوهن تقييد إطلاقات التخيير.

الوجه الثاني (من الوجوه لعدم صلاحية المقبولة والمرفوعة -وسواها- لتقييد اطلاقات أدلّة التخيير):وهو مختص بالمرفوعة: أي أن المرفوعة لا تصلح لتقييد المطلقات لضعفها سنداً، حيث لم يروها إلّا ابن أبي جمهور الإحسائي في غوالي اللآلئ عن العلّامة (رحمه الله) مرفوعاً إلى زرارة. قال الشيخ الأنصاري (رحمه الله) في مبحث البراءة في المسألة الثالثة من الشبهة التحريمية: « وهذه الرواية أي المرفوعة وان كانت أخص من أخبار التخيير إلّا أنها ضعيفة السند وقد طعن صاحب الحدائق فيها وفي كتاب الغوالئ وصاحبه، فقال: «إن الرواية المذكورة لم نقف عليها في غير كتاب العوالي ، مع ما هي عليها من الإرسال ، وما عليه الكتاب المذكور : من نسبة صاحبه إلى التساهل في نقل الأخبار والإهمال ، وخلط غثها بسمينها وصحيحها بسقيمها ، كما لا يخفى على من لاحظ الكتاب المذكور» (انتهى كلامه).

الوجه الثالث (من الوجوه لعدم صلاحية المقبولة والمرفوعة -وسواها- لتقييد اطلاقات أدلّة التخيير):إن الاستدلال بالمقبولة على وجوب الترجيح في مقام الفتوى مشكل: لاحتمال اختصاص الترجيح بتلك المزايا بموردها، وهو باب الخصومة والحكومة، والتعدّي عن موردها إلى مقام الفتوى منوط:إمّا بإلغاء خصوصية المورد.وإما بتنقيح المناط: وهو كون كل من الفتوى والحكم مجعولاً شرعياً، فالمرجح لأحدهما يكون مرجحاً للآخر، إلّا أن كليهما ممنوع:أمّا إلغاء خصوصية المورد: فلتوقفه على إطلاق الآمر بالأخذ بذي المزية، وعدم العبرة بخصوصية المورد وهي الخصومة، ومن المعلوم توقف هذا الإطلاق على عدم القدر المتيقن في مقام التخاطب، والمفروض وجوده في مقبولة ابن حنظلة وهو الخصومة والحكومة، وقد عرفت في مبحث المطلق والمقيّد أن القدر المتيقن في مقام التخاطب -عند صاحب الكفاية- يمنع من الإطلاق.وأمّا تنقيح المناط: فلعدم حصول العلم به ولعدم إحاطتنا بملاكات التشريع، وأمّا الظن به فإنه لا يغني من الحق شيئاً.

أضف إلى ذلك: أن هناك فرقاً بين الحكومة والفتوى يمنع عن حصول العلم بالمناط، وهو أن رفع الخصومة في صورة تعارض الحاكمين منوط بترجيح أحد الحاكمين على الآخر، إذ لا تنقطع الخصومة بالتخيير، لإمكان أن يختار كل من المتخاصمين غير ما يختاره الآخر، وذلك يوجب بقاء المنازعة لا ارتفاعها، وهذا بخلاف الفتوى فإنها لا تتوقف على الترجيح، إذ لا مانع من الإفتاء بأحد الخبرين تخييراً.وممّا يؤكد توقف فصل الخصومة على ترجيح أحد الخبرين: هو أن الإمام (عليه السّلام) لم يأمر بالتخيير في المقبولة في صورة تساوي الخبرين، بل أمر (عليه السّلام) بإرجاء الواقعة إلى لقائه (عليه السّلام)، فلو لم يكن فرق بين الحكم والفتوى، لم يأمر بالتوقف وتأخير الواقعة إلى زمان اللقاء.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo