< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/07/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعادل والتراجيح 9

الخلاصة:

     الكلام في: التعادل والتراجيح.

     ويقع الكلام في عدّة أمور:

الأمر الأوّل: في تعريف التعارض.

الأمر الثاني: في خروج الورود والحكومة والتخصيص والتخصص عن التعارض.

     أما تتمة الكلام في الأمر الثاني، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

 

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): فصل: التعارض هو تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد حقيقة أو عرضاً بأن علم بكذب أحدهما إجمالاً مع عدم امتناع اجتماعهما أصلاً...[1] يقع الكلام في عدّة أمور:الأمر الأول:اعلم أن الدليلين أو الأدلة إنما يوصفان أو توصف بالتعادل والتراجيح بعد التعارض، وإلّا فلو لم يكن تعارض بين الأدلة فلا تعادل ولا ترجيح.ثم ان التعارض مَقْسَمٌ لكلٍّ من التعادل والتراجيح، وهما قسمان منه، ومن هنا لو جعل العنوان هو مبحث التعارض كما صنعه بعض الأعلام لكان في محلّه، ولكن الذي يهوّن الخطب أن الأحكام الثابتة للتعارض هي نفسها ثابتة للتعادل والتراجيح، فلا يهمّنا حينئذٍ كون العنوان هو مبحث التعارض أو مبحث التعادل والتراجيح.ثم ان الوجه في إفراد التعادل وجمع الترجيح هو أن سبب التعادل أمر واحد، وهو انتفاء المرجّح لأحد الدليلين على الآخر، وأمّا سبب جمع الترجيح فهو أمور متعددة مرّجحة لأحد الدليلين على الآخر، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.إذا عرفت ذلك، فنقول: إن المشهور عرّف التعارض بأنه تنافي مدلولي الدليلين على وجه التناقض أو التضاد، بأن يثبت أحدهما شيئاً وينفيه الآخر. كما إذا دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على عدم وجوبه، أو يثبت أحدهما شيئاً ويثبت الآخر ضده. كما إذا دلّ أحدهما على وجوب شيء والآخر على حرمته. وقد يرجع التضاد إلى التناقض أيضاً، باعتبار الدلالة الإلتزامية، لإنه إذا دلّ دليل على وجوب شيء فيدل على عدم حرمته بالالتزام. وكذا العكس. وعليه، فيكون أحدهما دالاً على الوجوب بالمطابقة والآخر دالاً على عدمه بالالتزام. وكذا بالنسبة إلى الحرمة.ثم ان صاحب الكفاية (رحمه الله): خالف المشهور في تعريف التعارض، حيث عرّفه: «بأنه تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة ومقام الإثبات على وجه التناقض أو التضاد حقيقة أو عرضياً ...» وأشار بقوله حقيقة أو عرضاً إلى أن التنافي بينهما:

إمّا ذاتي بحيث لا يمكن اجتماعهما في حدّ أنفسهما أصلاً، كما إذا دلّ دليل على وجوب شيء وآخر على عدم وجوبه مع اشتراط الوحدات الثمانية للتناقض المذكورة في علم المنطق.

وإمّا عرضي أي ما كان التنافي بينهما من جهة أمر خارج عن ذاتهما، كالعلم الإجمالي بكذب أحدهما مع عدم امتناع اجتماعهما ذاتاً، كما إذا دلّ أحدهما على وجوب صلاة الجمعة في يومها والآخر على وجوب الظهر فيها، وعلمنا بالضرورة من الدين عدم وجوب ستة صلوات في اليوم الواحد، فيعلم إجمالاً حينئذٍ بكذب أحدهما، إذ لا منافاة بين وجوب الصلاتين في يوم الجمعة ذاتاً لإمكان اجتماعهما فلا تعارض ذاتي بينهما، وان التعارض بينهما من جهة العلم الإجمالي بكذب أحدهما الغير المعيّن، وان في يوم الجمعة لا تجب علينا صلاة الظهر وصلاة الجمعة بل إمّا الظهر أو الجمعة.ثم ان السبب في ذهاب صاحب الكفاية (رحمه الله) إلى تعريف التعارض بأنه تنافي الدليلين أو الأدلة بحسب الدلالة وفي مقام الإثبات، هو أن التعارض من أوصاف الدليلين أو الأدلة، وإن كان منشأه تنافي المدلولين ذاتاً أو عرضاً، ومجرّد تنافي المدلولين لا يوجب صدق التعارض ما لم يكن بينهما تنافٍ في مرحلة الإثبات ومقام الدلالة.ولكن الإنصاف: أن التعارض هو التنافي، والتنافي المزبور قائم حقيقة بنفس المدلولين بلا مساس له بالدليل بما هو دليل إلّا بنحو من العناية، باعتبار أن الحاكي عن المتنافيين كأنه عين المحكي. ومن هنا، صحّ لصاحب الكفاية (رحمه الله) أن يعرفّه بتنافيهما بحسب الدلالة ومقام الإثبات، فيكون التنافي عنده قائماً بنفس الدليلين ويكون اتصافهما بالتنافي من باب وصف الشيء بحال نفسه لا بلحاظ حال متعلقه. وهذا بخلاف تعريف المشهور، فيكون وصفهما بالتنافي من باب وصف الشيء بحال متعلقه لا بلحاظ حال نفسه، لأن التعارض في الحقيقة انما يعرض الدليلين باعتبار كونهما يثبتان المتنافيين ويحكيان عن المتناقضين سواء كان التنافي في تمام المدلول أو في جزئه كالعامين من وجه.

والحاصل: أن التعارض إنما يلحق الدليلين بالعرض والذي يتصف به أوّلاً وبالذات هو مدلول الدليلين.والخلاصة إلى هنا: ان الضابطة الرئيسيّة في تعارض الدليلين هي ما يؤدي إلى ما لا يمكن تشريعه ويمتنع جعله في نفس الأمر، ولكن بعد أن يكون كل منهما واجداً لشرائط الحجّية، فلو علم بكذب أحد الدليلين لمكان العلم بكون أحدهما غير واجد لشرائط الحجّية واشتبه بما يكون واجداً لشرائطها كان ذلك خارجاً عن باب التعارض، ويكون في اشتباه الحجّية باللاحجّية، ولا يأتي فيه أحكام التعارض وإنما يعمل فيه ما تقتضيه قواعد العلم الإجمالي.

الأمر الثاني: أنه قد اتضح ممّا ذكرناه من معنى التعارض، أن موارد الورود والحكومة والتخصيص والتخصص كلّها خارجة عن التعارض لعدم التنافي بين الوارد والمورود والحاكم والمحكوم والعام والخاص والعام والخارج تخصّصاً.ولا بأس ببيان الفرق بين الورود والحكومة والتخصيص والتخصّص، ثم نرى كيفية خروج هذه الموارد عن حقيقة التعارض.أقول: أمّا الورود، فهو عبارة عن كون أحد الدليلين رافعاً لموضوع دليل المورود وجداناً وحقيقة، ولكن بعناية التعبّد بالدليل الوارد بحيث لولا التعبّد من الشارع لكان المورود جارياً، وذلك كما في الطرق والأمارات المعتبرة بالنسبة إلى الأصول العقلية كالبراءة العقلية والاحتياط العقلي والتخيير العقلي، فإنه بالتعبّد بالأمارات المعتبرة والطرق يتمّ البيان، فلا يبقى موضوع لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان الذي هو موضوع البراءة العقلية.

أما تتمة الكلام في الأمر الثاني، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo