< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/06/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التعادل و التراجیح 3

الخلاصة:

     الكلام في :التعادل والتراجيح.

     ويقع الكلام في عدّة أمور:

الأمر الأوّل: في تعريف التعارض.

الأمر الثاني: في خروج الورود والحكومة والتخصيص والتخصص عن التعارض.

     الكلام في: ان الحكومة على قسمين:

القسم الثاني: فهو مثل حكومة الأمارات على الأصول الشرعية، أيما كان دليل الحاكم رافعاً لموضوع دليل المحكوم، وليس ناظراً إليه لا بتوسعة ولا بتضييق.

     الكلام في: خروج موارد التخصّص والورود والتخصيص والتقييد عن التعارض.

     أما الأمر الثالث، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

 

وأمّا القسم الثاني من الحكومة: فهو مثل حكومة الأمارات على الأصول الشرعية، أي ما كان دليل الحاكم رافعاً لموضوع دليل المحكوم، وليس ناظراً إليه لا بتوسعة ولا بتضييق.

وعليه:

فضابطة الحكومة بالقسم الأوّل - وهو الذي لو لم يكن المحكوم مجعولاً لكان دليل الحاكم لغواً

لا تنطبق على هذا القسم من الحكومة، إذ لا يوجد لغو في جعل الأمارات، إذا لم تكن الأصول العملية الشرعية مجعولة.

وهذا بخلاف القسم الأوّل، إذ لا معنى لقولك: «لا رضاع بعد فطام» إذا لم يكن للرضاع حكم، وكذا لا معنى لقولك: «لا ربا بين الوالد وولده» إذا لم يكن للربا حكم.

 

وممّا ذكرنا، يندفع الإشكال على الحكومة: حيث أشكل ان ضابطة الحكومة لا تنطبق على ما ذكرنا، إذ ليس لدليل نفي الضرر شرحٌ وتفسيرٌ للأدلة الأوّلية، والحال أنّ معنى الحكومة: هو أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي شارحاً ومفسّراً للدليل الآخر.

ووجه الاندفاع: ان أدلة نفي الضرر ناظرة إلى عقد الحمل كما عرفت، وتنطبق عليه الحكومة بالقسم الأوّل: وهو الذي لو لم يكن المحكوم مجعولاً لكان دليل الحاكم لغواً.

ومن هنا، لو لم يكن الحكم مجعولاً للشيء بعنوانه الأولي، لكان نفي الحكم الضرري عنه لا معنى له.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنه لا إشكال في أن التعارض لا يصدق على موارد الحكومة، لأنه بعد كون دليل الحاكم متعرضاً لحال غيره وناظراً إلى شرح مدلوله وبيان المراد منه، لا يكاد يرى العرف تنافياً بين مدلوليهما كي تدخل موارد الحكومة في موضوع التعارض، بل الحاكم عند العرف بعناية شارحيته لبيان مدلول الغير وتعرضه له، يكون بمنزلة القرينة المتصلة الحاكية مع ذيها عن معنى واحد، بلحاظ أن مدلول المحكوم هو الذي تكفّل الحاكم بشرحه لا غيره، وكذا الحال في معنى الآخر للحكومة أي الرافعة لموضوع المحكوم، إذ من المعلوم ان كل دليل متكفّل لبيان حكم لا يكون متكفّلا لتحقق موضوعه، بل مفاده ثبوت الحكم على تقدير وجود الموضوع، وأمّا كون الموضوع موجوداً أو غير موجود فهو خارج عن مدلول هذا الدليل، ومن المعلوم أن الموضوع المأخوذ في أدلّة الأصول هو الشك، وأمّا كون المكلف شاكاً أو غير شاك فهو خارج عن مفادها، والأمارات ترفع الشك بالتعبّد الشرعي وتجعل المكلف عالماً تعبّدياً وان كان شاكاً وجدانياً، فلا يبقى موضوع للأصول، ولا منافاة بين الأمارة والأصل، فإن مفاد الأصل هو البناء العملي على تقدير الشك في شيء، ومفاد الأمارة ثبوت هذا الشيء وارتفاع الشك فيه، ولا منافاة بين تعلّق شيء على شيء وبين الحكم بعدم تحقق المعلق عليه، مثلاً: مفاد البراءة الشرعية هو البناء العملي على عدم التكليف على تقدير الشك فيه، فإذا دلّ خبر معتبر على ثبوت التكليف لم يبقَ شك فيه بالتعبد الشرعي باعتبار حجّية الخبر، فهو عالم بالتكليف بحكم الشارع، وهكذا.

 

وأمّا موارد التخصّص: فهي أيضاً خارجة عن التعارض ولا يصدق التعارض عليها قطعاً، لأن التخصّص كما تقدّم هو خروج موضوع أحد الدليلين عن موضوع الآخر بالوجدان، فلا مجال حينئذٍ لتوّهم التنافي بين الدليلين أصلاً، فإذا دلّ الدليل على وجوب إكرام العالم مثلاً، فلا مجال لتوّهم التنافي بينه وبين ما دل على حرمة إكرام الجاهل، إذ الجاهل خارج عن موضوع العالم بالوجدان وتكويناً.

 

وأمّا الورود: فهو أيضاً عبارة عن الخروج الموضوعي بالوجدان، غاية الأمر أن الخروج المذكور من جهة التعبّد الشرعي -كما أوضحناه سابقاً- كالأمارات المعتبرة بالنسبة إلى الأصول العقلية من البراءة والاحتياط والتخيير.

 

وأمّا التخصيص والتقييد: فلا يصدق عليهما التعارض أيضاً، بل لا اشكال في خروجهما عنه، إذ من المعلوم أنه لا تعارض بين الدليلين، إذا كان أحدهما قرينة على التصرف في الآخر بنظر العرف، بحيث لا يبقى لهم تحيّر بحسب ما ارتكز في أذهانهم من قرينية أحدهما للآخر في المحاورات العرفية، كالنص والظاهر، أو الظاهر والأظهر، كالعام والخاص والمطلق والمقيد وأمثالهما، ممّا يكون أحد الدليلين ظاهراً والآخر نصّاً أو أظهر، فإنهما لا يرونهما بحسب الدلالة ومقام الإثبات متنافيين ولا بحسب المدلول، بل يتصرفون في الظاهر بواسطة النص أو الأظهر، فإنه إذا ورد: «اكرم العلماء» و «لا تكرم الفساق منهم» لا يبقى أهل العرف متحيرين في العمل بهما، بل يجمعون بينهما بأن مراد المتكلم من العام هو غير الخاص ويجعلون الخاص قرينة على التصرف في العام، لأن أصالة الظهور في الخاص تكون حاكمة على أصالة الظهور في العام، بل في بعض الفروض يحتمل أن تكون واردة عليها كما إذا كان الخاص قطعيَ السند والدلالة، فلا اشكال في تخصيص العام به، ولا مجال لجريان أصالة الظهور في طرف العام، لأن الخاص رافع لموضوعها، للعلم بأن العموم ليس بمراد، فالخاص يكون وارداً على أصالة العموم؛ بل يمكن أن يقال: إن مؤدى الخاص يكون خارجاً عن مفاد أصالة الظهور بالتخصّص لا بالورود، لِما عرفت من أن ورود أحد الدليلين على الآخر انما يكون بمعونة التعبّد بأحدهما، والخاص القطعيَ السند والدلالة لا يحتاج إلى التعبّد، لأنه يعلم بصدوره وإرادة مؤداه، والعلم لا تناله يد التعبّد.

ومهما يكن: فيجب الأخذ بظهور الخاص وتخصيص العام به، فإن أصالة الظهور في طرف الخاص تكون حاكمة على أصالة الظهور في طرف العام، لأن الخاص يكون بمنزلة القرينة على التصرف في العام.

 

لا يقال: إن تقديم الخاص على العام لو كان بالحكومة، فما الفرق بينها وبين التخصيص، فالتخصيص، حينئذٍ يرجع إلى الحكومة.

فإنه يقال: إن أحد الدليلين:

تارة: يكون بنفسه حاكماً على الآخر ولو كانت النسبة بينهما العموم من وجه.

وأخرى: يكون أحد الدليلين في حدّ نفسه معارضاً للدليل الآخر، إلّا أن أصالة الظهور فيه تكون حاكمة على أصالة الظهور في الآخر، كالعام والخاص، فإن الخاص في حدّ نفسه يتعارض مع العام ولو في بعض المدلول، ولكن أصالة ظهوره في التخصيص تكون حاكمة على أصالة ظهور العام في العموم فترتفع المعارضة بينهما.

والخلاصة إلى هنا: أنه لا تعارض بين الدليلين، إذا كان أحدهما قرينة على التصرف في الآخر، بحسب ما ارتكز في أذهان أهل العرف من الجمع بينهما، بالتصرف في أحدهما والتعارض المترائي بينهما بدوي يزول بالتأمل والالتفات، والله العالم.

 

أما الأمر الثالث، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo