< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/05/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات الإستصحاب 79

الخلاصة:

 

     الكلام في: قاعدة الفراغ والتجاوز، ووجه تقديمهما على الاستصحاب.

     يقع الكلام في عدة أمور: الأمر الحادي عشر: في جريان قاعدتي التجاوز والفراغ في الشرط أم لا. وقبل البحث عن ذلك، نقول: إن الشرط على أربعة أقسام:

     الكلام في: القسم الأوّل: وهو ما يكون شرطاً عقلياً في تحقق عنوان المأمور به كالنية بمعنى قصد العنوان.

     الكلام في: القسم الثاني: وهو ما يكون شرطاً شرعياً لصحّة المأمور، وهو على صورتين: الصورة الأولى: ما إذا لم يكن للشرط محل مقرر شرعي. الصورة الثانية: وهي ما إذا كان للشرط محل مقرّر شرعي.

     أما تتمة الكلام في الصورة الثانية من القسم الثاني من الأمر الحادي عشر، فتأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

 

إذا عرفت ذلك، فنقول:أمّا القسم الأوّل: وهو ما يكون شرطاً عقلياً في تحقق عنوان المأمور به كالنية بمعنى قصد العنوان.والإنصاف أنه لا تجري فيها قاعدة التجاوز، وذلك أوّلاً: لاختصاص جريان القاعدة بما إذا كان المشكوك أمراً شرعياً له محل مقرر شرعي، والنية بمعنى قصد العنوان ليست كذلك.وثانياً: ان كون الأفعال كصلاة الظهر وصلاة العصر عن قصد ونية من اللوازم العقلية بوجود القصد والنية، فلا يمكن أن تتحقق بالتعبّد بوجود القصد الذي هو مفاد قاعدة التجاوز.وعليه: فمع الشك في كون المأتيّ به عن مثل هذا القصد يشك في تعنوِنه من أوّل شروعه فيه بعنوان الظهرية أو القصدية، كما انه مع هذا الشك لا تجري قاعدة الفراغ أيضاً في المشروط، لاختصاصها بما إذا كان العمل محرزاً بعنوانه وكان الشك متمحضاً في صحته وفساده، ومن غير فرق أيضاً بين أن يكون الشك في النية في أثناء العمل وبين أن يكون بعد الفراغ منه، فإنه على كل تقدير لا تجري قاعدة التجاوز بالنسبة إلى الشرط ولا قاعدة الفراغ بالنسبة إلى المشروط، فلو شك المكلف في أن ما بيده صلاة أو غيرها بطل ويجب الاستئناف، لأجل قاعدة الاشتغال، كما أنه لو شك في أن ما بيده ظهر أو عصر يبطل أيضاً إذا علم أنه قد صلّى الظهر، لأنه لا يعلم كونه من حين الشروع عصراً.نعم، لو علم أنه لم يصل الظهر أو شك في الإتيان بها عدل إليها وصحّت صلاته.وأمّا النية بمعنى قصد القربة: فهي من الشرائط الشرعية للصلاة، ويأتي الكلام فيه في الأمر الثاني، وحاصله: أن المكلف لو شك في النية أثناء الصلاة، فلا تجري فيها قاعدة التجاوز لعدم كونها ممّا لها محل مقرر شرعي فلا يصدق عليها عنوان التجاوز عن المحل والدخول في الغير. وأمّا قاعدة الفراغ: فتجري في الأجزاء التي شك في اقترانها بقصد القربة.

وأمّا القسم الثاني: وهو ما يكون شرطاً شرعياً لصحّة المأمور به سواء كان شرطاً للصلاة حال وجود الأجزاء دون غيرها من الأكوان المتخللة أو كان شرطاً للصلاة مطلقاً حتى في حال الأكوان المتخللة بين الأجزاء.

وهو على صورتين:الصورة الأولى: ما إذا لم يكن للشرط محل مقرر شرعي بكونه قبل الدخول في الصلاة وانما المعتبر شرعاً مجرّد وقوع الصلاة في حال وجود الشرط كالستر والاستقبال.فالمعروف بين الأعلام: أنه لا تجري قاعدة التجاوز فيه لعدم صدق عنوان التجاوز عن المحل بالنسبة إليه بالدخول في المشروط، ومجرّد حكم العقل بوجوب تحصيله قبل الصلاة مقدمة ليكون افتتاح الصلاة بالتكبير في حال وجوده غير مجدي في جريان القاعدة فيه، فلا يندرج في قوله (عليه السّلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة: «كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه». لما عرفت من أن العبرة في جريان قاعدة التجاوز انما هو التجاوز عن المحل الشرعي للمشكوك فيه ولا عبرة بالمحل العقلي أو العادي.ومن هنا: اِلتزم الأعلام بعدم جريان قاعدة التجاوز فيما إذا كان الشك بعد التجاوز عن المحل العادي، كمن كانت عادته أن يستنجي في بيت الخلاء مثلاً، وشك فيه بعد تجاوزه عن محله العادي فلا تجري قاعدة التجاوز فيه. وكذا من كانت عادته الإتيان بالصلاة في أوّل الوقت وشك فيه بعد تجاوزه لم يكن مجال لجريان قاعدة التجاوز في حقه.وعليه: فما يحكى عن صاحب المدارك (رحمه الله) وغيره من الاعلام -من أن الشك في الشروط عند الدخول في المشروط أو الكون على هيئة الداخل حكمه حكم الشك في الأجزاء في عدم الالتفات فلا اعتبار بالشك في الوقت والقبلة واللباس والطهارة وأمثالها بعد الدخول في الغاية والمشروط- لم يكتب له التوفيق.ثم ان ما ذكرناه من عدم جريان قاعدة التجاوز: لا فرق فيه بين أن يكون الشك في الشرط في أثناء المشروط وبين أن يكون الشك فيه بعد الفراغ منه.نعم، تجري قاعدة الفراغ في المشروط إذا كان الشك في الشرط بعد الفراغ منه، فإنه يشك حينئذٍ في صحته وفساده والقاعدة تقتضي الصّحة. وأمّا إذا كان الشك فيه في أثناء المشروط فتجري أيضاً قاعدة الفراغ في الأجزاء الماضية، ويحكم بصّحة الصلاة مع احرازه للشرط فعلاً. وبالجملة: فشكه في تحقق الشرط في الأجزاء السابقة مورد لقاعدة الفراغ ووجود الشرط حين الاشتغال بالأجزاء اللاحقة محرز بالوجدان، فلا مانع حينئذٍ من الحكم بصحّة الصلاة، فإذا شك في وقوع الركعة الأولى مع الاستقبال مع إحرازه حين الاشتغال بالركعة الثانية فتجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الركعة الأولى، وأمّا الاستقبال في الركعة الثانية فهو محرز بالوجدان فيحكم بصّحة الصلاة.نعم، إذا شك في تحقق الشرط حتى بالنسبة إلى ما بيده من الأجزاء المستقبلية فلا تجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الأجزاء الماضية لعدم ترتب أثر عملي على جريانها فيها، لأنه فعلاً شاك في صحّة الجزء الذي هو مشغول به ولم يفرغ منه، فلا بدّ من الاعتناء بالشك واستئناف العمل لقاعدة الاشتغال فمن شك في الطهارة من الحدث في أثناء الصلاة فلا تجري قاعدة الفراغ في الأجزاء الماضية لعدم ترتب الأثر العملي، لأنه شاك في تحقق الطهارة فعلاً في الجزء الذي بيده ولم يفرغ منه، فلا بدّ من الاعتناء بالشك واستئناف العمل لقاعدة الاشتغال.وأمّا القول: بجريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الأجزاء السابقة، ووجوب الوضوء للأجزاء اللاحقة مع التمكن منه وعدم فوات الموالاة ففي غير محلّه، لأن الطهارة من الشرائط المعتبرة في الأكوان المتخللة بين الأجزاء فهو شاك في تحقق الطهارة في الآن الذي هو مشغول بتحصيل الطهارة الجديدة، ولا تجري فيه قاعدة الفراغ لعدم تحقق الفراغ بالنسبة إليه فلا بدّ من استئناف العمل لقاعدة الاشتغال.

وأمّا الصورة الثانية: وهي ما إذا كان للشرط محل مقرّر شرعي كصلاة الظهر والمغرب بالنسبة إلى صلاة العصر والعشاء، وكالطهارة الحدثية بناءً على أنها الغسل والمسح كما قد يستفاد من قوله تعالى: ﴿ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ...[1] .وهناك قول، ولعلّه المشهور: وهو أن الطهارة عبارة عن الأثر الحاصل من الغسل والمسح أي هي المسبَب. وبناء عليه، لا يكون للطهارة محل مقرّر شرعي بل هي من الشروط المقارنة مثل الاستقبال والستر ونحوهما.وبالجملة: فإذا كان للشرط محل مقرّر شرعي فهل تجري قاعدة التجاوز في الشرط عند الشك فيه في أثناء المشروط أو لا تجري؟ ثم أنه على تقدير الجريان، فهل تترتب جميع آثار وجود الشرط حتى بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه أو يجب الاقتصار على ترتيب آثار وجود الشرط بالنسبة إلى خصوص ما بيده من المشروط؟

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo