< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/05/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات الإستصحاب 73

الخلاصة:

     الكلام في: قاعدة الفراغ والتجاوز، ووجه تقديمهما على الاستصحاب.

     يقع الكلام في عدة أمور: الأمر الخامس: ما المراد من الغير الذي يعتبر الدخول فيه في قاعدة التجاوز. فهل المراد منه مطلق الغير سواء كان من الأجزاء أو من المقدمات. وأيضاً، هل يعتبر خصوص الأجزاء المستقلة أم يشمل جزء الجزء. وأيضاً، هل يشمل الغير الأجزاء المستحبة كالقنوت ونحوه أم يختص بالأجزاء الواجبة.

     وفي المقام عندنا ثلاث مسائل: المسألة الأُولى: في شمول القاعدة لجزء الجزء.

     وفي المقام عندنا ثلاث مسائل: المسألة الثانية: لو شك في الركوع حال الهويّ إلى السجود أو شك في السجود حال النهوض إلى القيام فهل تجري قاعدة التجاوز.

     أما تتمة الكلام في المسألة الثانية من الأمر الخامس، فتأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

 

الأمر الخامس: ما المراد من الغير الذي يعتبر الدخول فيه في قاعدة التجاوز. فهل المراد منه مطلق الغير سواء كان من الأجزاء أو من المقدمات كالهوي إلى السجود والنهوض إلى القيام. وأيضاً، هل يعتبر خصوص الأجزاء المستقلة أم يشمل جزء الجزء كآخر السورة عند الشك في أوّلها وككل آية بالنسبة إلى آية أخرى. وأيضاً، هل يشمل الغير الأجزاء المستحبة كالقنوت ونحوه أم يختص بالأجزاء الواجبة.إذا عرفت ذلك، فنقول، عندنا ثلاث مسائل:المسألة الأُولى: ذهب الميرزا النائيني (رحمه الله) إلى عدم شمول القاعدة لجزء الجزء، وأنها مختصة بالأجزاء المستقلة بالتبويب التي رسم لكل منها باب على حدّة عند تدوين كتاب الصلاة، كتكبيرة الإحرام والقراءة والركوع والسجود والتشهد ونحو ذلك، فلو شك المصلي في أوّل السورة وهو في آخرها يلزمه الرجوع إليها، وإعادة السورة من أوّلها.والسرّ فيما ذهب إليه (رحمه الله): هو أنه أرجع قاعدة التجاوز إلى قاعدة الفراغ، وقاعدة الفراغ مختصة بالشك في الكل أي انما تجري بعد الانتهاء من العمل من العمل المركب. ومقتضى ذلك أنه لا تجري قاعدة التجاوز في الأجزاء أصلاً. نعم، خرجنا عن ذلك في الأجزاء المستقلة في باب الصلاة لدليل خاص -صحيحة زرارة المتقدمة وصحيحة اسماعيل بن جابر- حاكم بتنزيل الجزء منزلة الكل في جريان القاعدة، ويبقى الباقي تحت القاعدة.وحاصل ما ذكره: ان شمول قوله (عليه السّلام): «كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» للشك في الأجزاء انما كان بعناية التعبّد والتنزيل ولحاظ الأجزاء في المرتبة السابقة على التأليف، فإنه في تلك المرتبة يكون كل جزء من أجزاء الصلاة وأجزاء أجزائها من الآيات والكلمات بل الحروف شيئاً مستقلاً في مقابل الكل. وأمّا في مرتبة التأليف والتركيب لا يكون الجزء شيئاً مستقلاً في مقابل الكل بل شيئية الجزء تندك في شيئية الكل. وعليه: فدخول الأجزاء في عموم «الشيء» في عرض دخول الكل لا يمكن إلّا بعناية التعبّد والتنزيل، ولا بدّ من الاقتصار على مورد التنزيل، والمقدار الذي قام الدليل فيه على التنزيل هو الأجزاء المستقلة بالتبويب، فإن عمدة ما ورد في عدم الاعتناء عند الشك في أجزاء الصلاة هو صحيحة زرارة ورواية اسماعيل بن جابر، والمذكور فيهما هو الأجزاء المستقلة بالتبويب كتكبيرة الاحرام والقراءة والركوع والسجود ونحو ذلك. وبالجملة: بعدما كان الظاهر من صدر الروايتين هو الأجزاء المستقلة، فلا سبيل إلى دعوى عموم «الشيء» المذكور في الذيل لأجزاء الأجزاء، فإن الصدر يقتضي تضييق دائرة مصّب عموم «الشيء» واطلاق «الغير» المذكور في الذيل، فلا يعم أوّل السورة وآخرها أو أوّل الآية وآخرها، وإلّا كان ينبغي تعميمه لأوّل الكلمة وآخرها، مع أن الظاهر أنه لا قائل به، فالقدر الثابت من الدليل هو جريان قاعدة التجاوز في خصوص الأجزاء المستقلة بالتبويب، ولا تجري القاعدة عند الشك في أوّل السورة مع كون المكلف في آخرها فضلاً عن الشك في أوّل الآية وهو في آخرها أو أوّل الذكر وهو في آخره. هذا حاصل ما ذكره.ولكن الأنصاف: أنه لا فرق في شمول القاعدة للجزء المستقل وغير المستقل، فلو شك المصلّي في آية بعد الدخول في آية أخرى من المحل أو السورة لا يجب العود إلى تدارك المشكوك فيه فضلاً عمّا لو شك في أوّل السورة وهو في آخرها، ومجرّد عدم ذكر هذه الأمور في الصحيحتين لا يقتضي المنع عن شمول القاعدة لأجزاء الأجزاء بعد صدق الشك في «الشيء» بعد التجاوز عن محله بالدخول في غيره في قوله (عليه السّلام): «كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه»، وكذا قوله (عليه السّلام) في صحيحة زرارة: «إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء». وأمّا لو كان مجرّد عدم ذكر هذه الأمور في الصحيحتين مانعاً عن شمول القاعدة لها، لاقتضى المنع عن جريان القاعدة فيما لو شك في قراءة الفاتحة بعد الدخول في السورة، إذ المذكور في الصحيحة: «قلت: شك في القراءة وقد ركع» مع أنه ليس كذلك.نعم، الصحيحتان منصرفتان عن الشك في أبعاض آية بعد الدخول في البعض الآخر منها، وكذا لو شك المصلي في جزء من الكلمة بعد الدخول في الجزء الآخر فيها. وبالجملة: فدعوى انصراف «الشيء»، وكذا «الغير» في الصحيحتين عمّا ذكر قريبة جدّاً.وأمّا ما ذكره (رحمه الله): من ارجاع قاعدة التجاوز إلى قاعدة الفراغ، فلم يكتب له التوفيق، وقد عرفت أنهما قاعدتان مستقلتان فلا حاجة للإعادة.

المسألة الثانية: لو شك في الركوع حال الهويّ إلى السجود أو شك في السجود حال النهوض إلى القيام فهل تجري قاعدة التجاوز. وبعبارة أخرى: لو كان «الغير» الذي دخل فيه هو من المقدمات لا من الأجزاء فهل تشمله القاعدة.حكي عن بعض الأعلام: جريان القاعدة في المقدمات كجريانها في الأجزاء.وذهب الأكثر: إلى عدم الجريان، لأنّ جريان القاعدة مشروط بصدق التجاوز والخروج عن المحل المشكوك فيه، ولا يصدق هذا المعنى عند الدخول في المقدمات لعدم كونها من أجزاء الصلاة. وبعبارة أخرى: يظهر من الروايات اختصاص «الغير» الذي اعتبر الدخول فيه في الحكم بالمضي، هو خصوص ما رتّب على المشكوك فيه شرعاً، والهويّ إلى السجود والنهوض إلى القيام ليسا ممّا رُتّب على المشكوك فيه شرعاً. وممّا يشهد لذلك: قوله (عليه السّلام) في صحيحة إسماعيل بن جابر المتقدمة: «وان شك في السجود بعدما قام فليمضِ» فإنه لو كان يكفي الدخول في المقدمات لم يكن وجه للتحديد بالقيام عند الشك في السجود. ولماذا لم يحدِّد بالنهوض عند الشك في السجود مع أن النهوض إلى القيام أقرب من السجود إلى القيام، ويصدق على النهوض أنه غير السجود. وعليه: فالتحديد بالقيام يدل على عدم كفاية الدخول في المقدمات.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo