< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

40/05/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات الإستصحاب 71

الخلاصة:

     الكلام في: قاعدة الفراغ والتجاوز، ووجه تقديمهما على الاستصحاب.

     يقع الكلام في عدة أمور: الأمر الأوّل: هل قاعدة الفراغ وقاعدة التجاوز، قاعدة واحدة. أم أنّهما قاعدتان مستقلتان.

     لكي يتضح الحال، لا بدّ من التكلّم في مقامين: المقام الثاني: في مقام الاثبات، وأنه ماذا يستفاد من الروايات الواردة في المقام، هل يستفاد منها قاعدة واحدة، أم قاعدتان.

     يقع الكلام في عدة أمور: الأمر الثاني: هل قاعدة التجاوز مختصّة بباب الصلاة، أم لا.

     أما الكلام في الأمر الثالث، فيأتي في الدرس القادم إن شاء الله تعالى.

 

وأمّا موثقة ابن أبي يعفور عن أبي عبد الله (عليه السّلام): «قال: إذا شككت في شيء من الوضوء وقد دخلت في غيره فليس شكك بشيء، انما الشك إذا كنت في شيء لم تجزه».[1] فقد استدل بها لقاعدة التجاوز، ولكن سيتضح لك ان شاء الله تعالى في الأبحاث الآتية انها دليل لقاعدة الفراغ. هذا كلّه في الروايات الدالّة على حكم الشك في الوجود بمفاد كان التامة.

وأمّا الروايات الدالّة على حكم الشك في صحّة الموجود بنحو كان الناقصة المعبّر عنها بقاعدة الفراغ:فمنها: موثقة محمد بن مسلم أو صحيحته عن أبو جعفر (عليه السّلام) قال: «كل ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو»[2] .ومنها: روايته الأخرى، قال: «سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول: كل ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكراً فأمضه ولا إعادة عليك فيه»[3] .وهي ضعيفة بعدم وثاقة موسى بن جعفر البغدادي الواقع في السند.ومنها: غير ذلك من الروايات الواردة في موارد الخاصة.ومن الواضح جدّاً أن قوله (عليه السّلام): «ممّا قد مضى فأمضه كما هو» صريح في أن المشكوك فيه هو صحّة الشيء بمفاد كان الناقصة الذي هو مفاد قاعدة الفراغ. وعليه: فبعد تباين الروايات السابقة من حيث الدلالة مع هاتين الروايتين، لا مجال للقول بأن جميع الروايات تدل على شيء واحد وهو بيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة بإرجاع هاتين الروايتين إلى بيان حكم الشك في وجود الصحيح كما أفاده الشيخ الأنصاري (رحمه الله)، إذ لا داعي لارتكاب هذا التأويل في مفاد تلك الروايات بعد ظهور الروايات السابقة في قاعدة التجاوز وظهور هاتين الروايتين في قاعدة الفراغ، بل يؤخذ بظهور ما تقتضيه تلك الروايات المتقدمة وظهور ما تقتضيه هاتين الروايتين. وعليه: فيستفاد منهما قاعدتان مستقلتان: أحديهما: متكفلة لبيان حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة المعبّر عنها بقاعدة التجاوز. والأخرى: لبيان حكم الشك في صحّة الشيء بمفاد كان الناقصة المعبّر عنها بقاعدة الفراغ مع الذهاب إلى اعتبار الدخول في الغير في الأولى دون الثانية. وعليه: فلا معارضة بين هذه الروايات، إذ المعارضة انما تكون في فرض اتحاد القاعدتين، واستفادة كبرى واحدة من تلك الروايات، وهي حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة. وإلّا فبناءً على تعدّد القاعدة وتعدّد الكبرى المستفادة منها، فلا تعارض بين تلك الروايات، لأن ما كان منها متكفلاً لاعتبار الدخول في الغير في الحكم بالمضي، انما هو صحيحة زرارة وصحيحة اسماعيل بن جابر أو موثقته، وهما متمحضتان في الاختصاص بكبرى قاعدة التجاوز، وما كان منها غير متكفل لاعتبار الدخول في الغير انما هو موثقة محمد بن مسلم وروايته الأخرى وموردهما انما هو الشك في صحّة الشيء وتماميته الذي هو مفاد قاعدة الفراغ، لا الشك في أصل وجود الشيء الذي هو مفاد كان التامة. وعليه: فلا معارضة بين الروايات حتى يحتاج إلى العلاج فيما بينها، وإلى التكلّف بإرجاع الروايات المختلفة إلى مفاد واحد وبيان كبرى واحدة، وهي حكم الشك في الشيء بمفاد كان التامة. هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل.

 

الأمر الثاني:المعروف بين الأعلام بلا خلاف بينهم: هو جريان قاعدة الفراغ في جميع الأبواب من العبادات والمعاملات، كما أن الروايات الواردة في المقام يستفاد منها العموم: منها: موثقة ابن مسلم المتقدمة: «كل ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه كما هو».وأمّا قاعدة التجاوز: فالمشهور بين الأعلام أنها لا تختص بباب الصلاة بل تشمل الحج ونحوه، وكذا الطهارة إلّا الوضوء فإنها لا تجري فيه. وبعضهم ألحق بالوضوء الغسل والتيمم.وعن جماعة من الأعلام، منهم صاحب الكفاية (رحمه الله) والمحقق الهمداني (رحمه الله): أنّهم خصّصوا قاعدة التجاوز بباب الصلاة.أقول: قد استدل المشهور القائل بعدم الاختصاص بباب الصلاة: بصحيحة زرارة المتقدمة حيث ورد فيها في ذيلها: «يا زرارة إذا خرجت من شيء ثم دخلت في غيره فشكّك ليس بشيء». وكذا استدلوا بصحيحة اسماعيل بن جابر المتقدمة، قال أبو جعفر (عليه السّلام): «ان شك في الركوع بعدما سجد فليمضِ، وان شك في السجود بعدما قام فليمضِ، كل شيء شك فيه ممّا قد جاوزه ودخل في غيره فليمض عليه». ووجه الاستدلال: هو الإطلاق في صحيحة زرارة: «إذا خرجت من شيء» فإن المراد منه مطلق الشيء ولا يختص بالصلاة. وكذا قوله (عليه السّلام) في صحيحة اسماعيل: «كل شيء ممّا شك فيه ممّا قد جاوزه ...» فإنه عام يشمل الصلاة وغيرها.وقد عرفت، أن صاحب الكفاية: خصّها بالصلاة. وكذا المحقق الهمداني، حيث قال في مصباحه: «وكيف كان فالظاهر أن هذه القاعدة مخصوصة بالصلاة لا أنها كقاعدة الصحّة سارية في جميع أبواب الفقه لقصور الروايتين -أي صحيحة زرارة وصحيحة إسماعيل- عن إثبات عمومها حيث إن سوق هذه القاعدة بعد ذكر الشكوك المتعلقة بجملة من أجزاء الصلاة خصوصاً في جواب سؤال السائل حيث سأل عن حكم الأجزاء واحداً بعد واحد يوهن ظهورها في العموم بل يصلح أن يكون قرينة لإرادة أجزاء الصلاة من إطلاق الشيء بل لعل هذا هو المتبادر من اطلاقه في مثل المقام» (انتهى كلامه). وفيه: ما ذكرناه في مبحث المطلق والمقيد من أن القدر المتيقن في مقام التخاطب لا يضّر بالإطلاق، وبذلك يرّد على صاحب الكفاية أيضاً، حيث جعل مقدمات الحكمة في مبحث المطلق والمقيد أربعة، الثلاثة المعروفة، والرابعة عدم وجود القدر المتيقن في مقام التخاطب. وبيّنا هناك عدم صحّة هذا الكلام. وعليه: فالقدر المتيقن في الصحيحتين لا يضّر بالإطلاق.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo