< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

39/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لاضرر ولا ضرار(14)

 

لا زال الكلام في التنبيه الرابع: وهو أنَّ لفظ الضرر المذكور في أدلة «نفي الضرر» موضوع للضرر الواقعي، ولا ربط لعلم وجهل المكلف بذلك. ولكنّ أُشكل في تطبيق هذه القاعدة على بعض الموارد[1].

 

والجواب: أما بالنسبة لخيار الغَبن: فهذا الإشكال مبنيٌّ على أنّ مستند الخيار فيه قاعدة «نفي الضرر»، وأما اذا قلنا بأن المستند في «خيار الغبن» هو الشرط الضمني -كما أشرنا إليه سابقاً[2]- باعتبار أن المرتكز عند العقلاء في المعاملات المالية هو تساوي العوضين عند مبادلة مال بآخر بحيث لا يكون التفاوت بينهما فاحشاً، فعند تخلّف هذا الشرط الضمني يثبت الخيار للمغبون.

وعليه فإذا علم بالغبن ومع ذلك أقدم على المعاملة، فيكون بذلك قد أسقط هذا الخيار له، فلا إشكال حينئذ.

وأما بالنسبة لخيار العيب: فقد يقال أيضاً إن المستند في ثبوت الخيار فيه هو الارتكاز العقلائي على كون العوضين سالمين من العيب حين المعاملة.

وإن شئت فقل: إن المعاملات العقلائية مبنية على أصالة السلامة في العوضين، فإذا تمت المعاملة بناءً على هذا الارتكاز ثم ظهر العيب في أحد العِوضين، فيثبت الخيار حينئذٍ لتخلّف هذا الشرط الضمني، فاذا علم بالعيب ومع ذلك أقدم على المعاملة فيكون بذلك قد أسقط الشرط المزبور.

وقد يقال -بل لعلّه الأقوى-: إنّ المستند في خيار العيب هو الروايات الخاصة الدالة على أنّه في حال الجهل بالعيب يثبت الخيار للجاهل. كما أنّها دلّت على أن له أن لا يفسخ ويأخذ الأَرش:

منها: معتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: *«أيّما رجل اشترى شيئا وبه عيب وعَوَار لم يتبرأ إليه ولم يُبَيَّن له، فأحدث فيه بعد ما قبضه شيئا ثم علم بذلك العوار وبذلك الداء انه يمضي عليه البيع ويرد عليه بقدر ما نقص من ذلك الداء والعيب من ثمن ذلك لو لم يكن به»[3].*

ومنها: مرسلة جميل، عن بعض أصحابنا، عن أحدهما (عليهما السلام): *«في الرجل يشتري الثوب أو المتاع فيجد فيه عيبا، فقال: إنْ كان الشيء قائما بعينه رده على صاحبه وأخذ الثمن، وإن كان الثوب قد قطع أو خيط أو صبغ يرجع بنقصان العيب»[4]،* هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.

وكذا غيرهما من الروايات، وتفصيل ذلك موكول إلى علم الفقه.

 

وأما بالنسبة لصحة الوضوء: وفي المقام عدة أجوبة:

*الجواب الأول:* ما ذهب إليه الميرزا النائيني (رحمه الله).

وحاصله: «أن المنفي بحديث «لا ضرر» هو الحكم الضرري في عالم التشريع، بحيث يكون الحكم هو السبب في الضرر.

والضرر الحاصل في موارد الجهل لم ينشأ من الحكم الشرعي، وانما نشأ من جهل المكلف به خارجاً.

ولذا لو لم يكن الحكم ثابتاً في الواقع لوقع المكلف في الضرر أيضاً». (انتهى حاصل كلامه).

*أقول:* لعل جواب الميرزا النائيني (رحمه الله) مأخوذ من جواب الشيخ الأعظم الأنصاري (رحمه الله) في رسالته المعمولة في قاعدة «نفي الضرر»، حيث قال: «فتحصل: أن القاعدة لا تنفي إلا الوجوب الفعلي على المتضرر العالم بتضرره، لأن الموقع المكلف في الضرر هو هذا الحكم الفعلي»[5]. (انتهى كلامه).

*والإنصاف* أنّ ما ذكراه في محله ولا بأس به، لأنّ الضرر حصل من جهله به، فهو المُوقِع له في الضرر.

*الجواب الثاني:* لو سلمنا أن منشأ الضرر هو الحكم الشرعي، وأنّ قاعدة «لا ضرر» حاكمة في المقام -كما ذهب السيد أبو القاسم الخوئي (رحمه الله)- إلا أنّ قاعدة «لا ضرر» إنما تنفي الأحكام الإلزامية فقط.

وأما الأحكام غير الإلزامية فلا تنفيها قاعدة «لا ضرر»، لأن الضرر فيها لم يكن منشؤه الشارع -لأن الشارع رخّص في تركها من أول الأمر-.

وعليه فحيث قلنا إن الوضوءمستحبٌ في نفسه، وإن قاعدة «لا ضرر» لا تجري في الأحكام غير الإلزامية، فإن الوضوء يكون صحيحاً وإنْ كان ضرريّاً.

*الجواب الثالث:* أنَّ قاعدة «نفي ضرر» كقاعدة «نفي الحرج» امتنانيَّة، فلا تجري في موردٍ كان على خلاف الامتنان.

وفي مقامنا هذا لو جرت قاعدة «نفي ضرر» فإنّها ترفع الأمر دون الملاك، لأنّ رفع الملاك خلاف الإمتنان.

*ولا يقال* إنه لو ارتفع الأمر لارتفع معه الملاك، إذْ أنّ الذي يدل على الملاك هو الأمر.

*فإنه يقال* إن هذا صحيح، لو لم تكن هناك قرينة على بقاء الملاك، وفي المقام قرينة على بقاء الملاك وهي الإمتنان، فحينئذٍ يمكن القول بصحة العبادة حتى ولو لم يكن في الوضوء أمر بالإستحباب.

نعم، في غير قاعدة نفي الضرر ونفي الحرج إذا ارتفع الحكم لا يبقى دليل على الملاك.

ثم لا يخفى عليك أن الموجب لصحة الطهارة المائية في هذا المورد، هو إطلاقات أدلة الوضوء، لا مجرد عدم جريان قاعدة «نفي ضرر»، لأن عدم جريان القاعدة إنما يحرَز بها عدم المانع من الصحة، ولا يثبت بها المقتضي، بل المقتضي للصحة هو إطلاقات الادلة.

نعم لو كان الضرر محرماً شرعاً كما لو أدّى ذلك إلى إتلاف النفس، أو بتر عضوٍ من أعضاء بدنه، لكانت الطهارة المائية باطلة، إذْ لا يمكن التقرب بالمبغوض.

وأما في غير هاتين الحالتين فلا يحرم الاضرار بالنفس، كما أشرنا إليه سابقاً، هذا كله اذا كان المكلف جاهلا بالضرر.

أمّا لو كان المكلف عالماً بالضرر، فهناك ثلاثة أقوال:

*القول الأول:* ما ذهب إليه الميرزا النائيني (رحمه الله)، وهو الحكم بفساد الطهارة المائية بلا فرق بين العلم بالضرر والعلم بالحرج.

*القول الثاني:* ما ذهب إليه السيد اليزدي صاحب العروة (رحمه الله) وجماعة كثيرة من المحشين على العروة، وهو التفصيل بين العلم بالضرر فنحكم بالفساد، وبين العلم بالحرج فنحكم بالصحة.

*القول الثالث:* ما ذهب إليه جماعة كثيرة من الأعلام وهو الإنصاف -كما سيتضح إن شاء الله تعالى-، وهو الحكم بالصحة في كلٍّ من العلم بالضرر والعلم بالحرج.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الدرس 135: قاعدة لا ضرر ولا ضرار 13. (إضغط لتصفح الموضوع)

[2] الدرس 134: قاعدة لا ضرر ولا ضرار 12. (إضغط لتصفح الموضوع)

[3] الوسائل باب 16 من أبواب الخيار ح2.

[4] الوسائل باب 16 من أبواب الخيار ح3.

[5] رسائل فقهية للشيخ الأنصاري (رحمه الله): ص118.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo