< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

39/03/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: لاضرر ولا ضرار(13)

كان الكلام في الأمثلة التي ذكرها الفقهاء. ومنها مسألة جواز طلاق الحاكم الشرعي زوجة الممتنع زوجها عن الإنفاق عليها، فإذا كان ممتنعاً عن الإنفاق مع قدرته عليه، فالحاكم الشرعي يخيّر الزوج بين الإنفاق عليها أو طلاقها، فإن امتنع عن كليهما، فيجوز عندئذٍ للحاكم أن يطلقها، ويقع الطلاق بائناً ولكن العدة رجعية، ولكن هل هذا لأجل قاعدة «لا ضرر» أم لشيءٍ آخر.

والإنصاف أن هذه المسألة ليست مستندة إلى قاعدة «نفي الضرر» أيضاً، بل الدليل عليها هو الروايات الخاصة:

مثل صحيحة أبي بصير -يعني المرادي- قال: «سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: من كانت عنده امرأة فلم يُكْسِها ما يواري عورتها ويطعمها ما يقيم صلبها كان حقاً على الإمام أن يفرق بينهما»[1]، والقدر المتيقن هو امتناع الزوج عن الإنفاق مع يساره، أما إذا كان معسراً فهو محل خلاف.

وصحيحة ربعي بن عبد الله والفضيل بن يسار جميعاً، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في قوله تعالى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ﴾ قال: «إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، وإلا فرّق بينهما»[2].

وأما ما ذكره الميرزا النائيني (رحمه الله): من أنّ هذه الروايات -صحيحة أبي بصير وصحيحة ربعي- معارِضة للروايات الدالة على أنها «ابتليت فلتصبر» ففي غير محله، لأنّ الروايات الآمرة بالصبر واردة في موردين أجنبيين عن مسألتنا:

المورد الأول: فيما اذا امتنع الزوج عن المواقعة كما في موثقة اسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه (عليه السلام): «أن علياً (عليه السلام) كان يقول: إذا تزوج الرجل امرأة فوقع عليها «وقعة واحدة» ثم أعرض عنها فليس لها الخيار لتصبر فقد ابتليت ...»[3].

المورد الثاني: ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله) في الفقيه قال: «روي أنه إن بلغ به الجنون مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد بليت ...»[4]. هذه الرواية ضعيفة بالإرسال.

وعليه فلا معارضة بين الروايات.

إن قلت: إنّ الروايات الدالة على جواز طلاق الحاكم الشرعي لزوجة الممتنع زوجها عن الإنفاق، معارِضة للنبوي المعروف بين الفريقين، «الطلاق بيد من أخذ بالساق» الدال على انحصار الطلاق بيد الزوج.

قلت: لا معارضة بينهما لأن تلك الروايات أخصّ من هذا النبوي فتُقدم عليه.

وحاصل هذه المسألة أن الحاكم الشرعي يخير الزوج بين الإنفاق والطلاق، فإن امتنع عن كليهما فيطلقها الحاكم الشرعي، وتفصيل ذلك موكول إلى علم الفقه.

ومما يدل أيضاً على أن المستند في الطلاق ليس قاعدة «نفي الضرر» هو ما ذكرناه من أن حديث «لا ضرر» ناظرٌ إلى نفي الضرر في عالم التشريع، ولا دلالة فيه على وجوب تدارك الضرر الخارجي الحاصل من غير جهة الحكم الشرعي كما فيما نحن فيه، فإن الضرر هنا حاصلٌ من امتناع الزوج عن النفقة، ولا ربط له بالشارع المقدس حتى يُنفى بحديث «لا ضرر»، نعم الحكم بجواز الطلاق من قبل الحاكم الشرعي يوجب تدارك الضرر الناشئ عن عدم الإنفاق، الا انك عرفت ان هذا الضرر ليس مشمولاً لحديث «لا ضرر»، لأنه ضرر خارجي والله العالم.

التنبيه الرابع: من المعلوم أن الالفاظ موضوعة للمعاني الواقعية دون المعلومة، وعليه فلفظ الضرر المذكور في أدلة «نفي الضرر» موضوع للضرر الواقعي، ولا ربط للعلم والجهل بذلك.

ومن هنا كانت الأحكام الواقعية يشترك فيها العالم والجاهل.

واذا كان الأمر كذلك، فالمرفوع في أدلة «نفي الضرر» هو الحكم الضرري -أي الضرر في الواقع- سواء علم به المكلف أم لا.

وهذا من حيث الكبرى لا اشكال فيه، وانما وقع الاشكال في بعض الموارد:

 

منها: ما ذكره الفقهاء من تقييد خيار الغبن وخيار العيب بحال الجهل بهما، وأما مع العلم بالغبن والعيب فلا خيار للمكلف. مع أنّ المفروض بمقتضى ما ذكرناه من كون المرفوع هو الحكم الضرري في الواقع بثبوت الخيار لهما، اذْ العلم لا يؤثر في رفع الحكم مع وجود الضرر.

ومنها: ما ذكره الفقهاء من الحكم بصحة الطهارة المائية مع جهل المكلف بكونها ضررية. مع أنّ المفروض هو الحكم ببطلانها وإعادة الصلاة المبنية عليها. لما عرفت أنه لا دخالة للعلم والجهل في نفي الحكم الضرري اذا كان الضرر واقعياً. فكيف حكم الفقهاء بالصحة مع كون الحكم بوجوب الوضوء منفياً لقاعدة «نفي الضرر».

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الوسائل باب 1 من أبواب النفقات ح2.

[2] الوسائل باب 1 من أبواب النفقات ح1.

[3] الوسائل باب 14 من أبواب العيوب والتدليس ح8.

[4] الوسائل باب 12 من أبواب العيوب والتدليس ح3.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo