< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

39/02/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : لاضرر ولا ضرار

كان الكلام فيما سبق في الجهة الأولى عن مدرك القاعدة، وخلاصة ما ذكرناه أن الثابت عندنا هو لفظ «لا ضرر ولا ضرار».

أما الجهة الثانية: في شرح مفردات الحديث «الضَرَر- الضِرار-لا».

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): وأما دلالتها، فالظاهر أن الضرر هو ما يقابل النفع، من النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو المال، تقابل العدم والملكة...

أما كلمة الضرر:

الضرر هو إسم مصدر. والمصدر هو الضُر. فيقال: ضرَّ يضرُّ ضرّاً وضَرراً.

وعليه: فالضرر يقابله المنفعة. والضُر يقابله النفع.

الفرق بين المصدر واسم المصدر:

إن معنى المصدر هو نفس الفعل الصادر من الفاعل. غاية الأمر يكون الفرق بينه وبين الفعل -على ما ذكره النحاة- هو أنَّ الزمان مأخوذ في مفهوم الفعل (اي يكون جزءاً منه)، بخلاف المصدر فإنَّ الزمان ليس جزءاً من مفهومه.

قال ابن مالك في ألفيته:

المصدر اسم ما سوى الزمان     من مدلولي الفعل كأمنٍ من أمن

فالفعل يدل على شيئين الحدث والزمان. والمصدر يدل على الحدث فقط.

وقد ناقشنا هذا الكلام سابقاً في مبحث المشتق وقلنا: ان الفعل ايضاً ليس الزمان جزءاً من مفهومه فراجع ما ذكرناه فلسنا بحاجة للإعادة[1] .

واما اسم المصدر: فهو الحاصل من المعنى المصدري يقال توضئ زيد توضؤاً ووضوءً.

والخلاصة: أن التوضؤ هو المصدر والوضوء اسم مصدر وهي الطهارة الحاصلة من المصدر.

معنى الضرر لغة وعرفاً:

أما الضرر لغة فقد ذكر له عدة معاني:

منها: ما عن الصحاح: مكان ذو ضرر أي ضيِّق.

ومنها: ما عن القاموس: من أن الضر والضرر ضد النفع: الشدة والضيق.

ومنها: ما عن المصباح: الضرر بمعنى فعل المكروه، وضرَّه فعل به مكروهاً.

أما الضرر عرفاً فهو النقص: إما في المال: كما إذا خسر التاجر في تجارته. أو في العرض كما إذا حدث شيء على شخص ما، من مسبة ونحوها أوجبت هتكه عند العرف. وإما في البدن كما إذا أكل شيئاً فصار مريضا، أو قطعت يده مثلاً. ويقابله المنفعة: كما تقدم وهي الزيادة إما من حيث المال كما إذا ربح التاجر في تجارته. أو من حيث العرض كما إذا حدث شيء ما للشخص من مدح ونحوه أوجب تعظيمه. أو من حيث البدن كما إذا شرب المريض دواء فعوفي منه.

وقد اتضح مما ذكرنا: أن بين الضرر والمنفعة واسطة لان المال مثلاً إذا لم ينقص ولم يزد عليه لا يصدق عليه الضرر ولا المنفعة. فلا يقال ان صاحبه انتفع به او تضرر.

وعليه: فهما من الضدين اللذين لهما ثالث. فالتقابل بينهما تقابل الضدين وليسا هما من تقابل العدم والملكة كما عن صاحب الكفاية.

ثم ان المناسب للحديث الوارد في قصة سمرة بن جندب من هذه المعاني اللغوية للضرر هو الضيق والشدة. ومن المعاني العرفية له هو النقص في العرض. فلو تأملنا الروايات الواردة في المقام لوجدناها تشير الى هذا المعنى: أما مرسلة زرارة المتقدمة: «يا سمرة لا تزال تفاجئنا على حال لا نحب أن تفاجئنا عليها». وأما معتبرة ابي عبيدة المتقدمة: «فكان إذا جاء إلى نخلته ينظر إلى شيء من أهل الرجل يكرهه الرجل». وهذا سبَّب للأنصاري ضيق وشدة ولم يسبب له نقص في مال او ضرر نفسي.

أما كلمة ضرار: فقد استظهر صاحب الكفاية أن تكون بمعنى الضرر جيء بها تأكيدا. فتكون مصدرا للفعل المجرد.

ولكنه بعيد: اذ لو كان مصدراً للفعل المجرد للزم التكرار في الكلام بحسب المعنى، ويكون بمنزلة قوله: «لا ضرر ولا ضرر» وهو خلاف المتبادر منه. اذ ليس معنى الضرار ذلك قطعاً. بل معناه -بناءً على كونه مصدراً لباب المفاعلة بأن يكون من صيغ المزيد فيه-:

إما السعي في ايصال الضرر: كما هو الظاهر من مثل: قاتله. وضاربه. وخادعه. وقد اختاره السيد محسن الحكيم في تعليقته على الكفاية.

وإما الإصرار على الضرر: كما اختاره الميرزا النائيني والمحقق ضياء الدين العراقي عليهما الرحمة.

وإما الاضرار بالغير من دون انتفاع.

وليس المراد به هنا: أي في خصوص قضية سمرة بن جندب فعل الاثنين وان كان المشهور عند الصرفيين والنحويين ان الاصل في المفاعلة الاشتراك في المبدأ.

ولكن المحقق الاصفهاني: ناقش هذا الاصل وحاصله: ان هيئة المفاعلة وضعت لقيام الفاعل مقام ايجاد المادة وكون الفاعل بصدد ايجاد الفعل وهناك شواهد على ذلك من القرآن المجيد وغيره من الاستعمالات العرفية.

 

اما من الكتاب العزيز:

منها: قوله تعالى: ﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا[2] .

ومنها: قوله تعالى: ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾.

ومنها: قوله تعالى: ﴿وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا[3] . الى غيرها من الآيات الشريفة التي لاريب في إرادة الفعل الواحد منها.

 

واما الاستعمالات العرفية فكثيرة ايضاً:

منها: قولهم: عاجله بالعقوبة. وبارزه بالمحاربة. وخالع المرأة. الى غير ذلك من الموارد المستعملة عند العرف ولا ريب في ارادة الفعل الواحد من هذه الأمثلة.

والانصاف: ان ما ذكره المحقق الأصفهاني وان كان في محله الا انه ليس على اطلاقه بل الاستعمال العرفي كما يقتضي ذلك يقتضي ايضاً ارادة الفعل من الاثنين كما لا يخفى.

ومهما يكن: فان المراد بالضرار في موثقة زرارة والمضار الواردة في مرسلة زرارة ومعتبرة ابي عبيدة هو الاصرار على الضرر كما عن الميرزا النائيني والمحقق ضياء الدين العراقي. لأن سمرة بن جندب كان بصدد الاضرار بالأنصاري بدليل معارضة لكلام النبي صلى الله عليه وآله حينما امره بالاستئذان ثم طلب منه بيع النخلة وتعويضه بنخل في الجنة فلم يقبل وأصر على الاضرار بالأنصاري.

ثم لو فرضنا: الاجمال في كلمة ضرار وانه لم يتضح معناها فلا يضر فيما نحن بصدده وهو قاعدة لا ضرر.

فالذي يدل على القاعدة هو خصوص لا ضرر الوارد في الموثقة كما هو الحال في سائر الروايات المشتملة على فقرتين او أكثر فاذا كانت احدى الفقرات مجملة فلا يضر ذلك بالاستدلال في بقية الفقرات إذا كانت مبينة.

هذا كله بالنسبة لكلمة ضرر وضرار.


[1] كتابنا أوضح المقول في علم الأصول: الجزء الأول، ص262.
[2] سورة البقرة، الآیة9.
[3] سورة البقرة، الآیة231.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo