< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

39/02/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : لاضرر ولا ضرار

قال صاحب الكفاية (رحمه الله): ثم إنّه لا بأس بصرف الكلام إلى بيان قاعدة الضرر والضرار على نحو الاقتصار، وتوضيح مدركها وشرح مفادها، وإيضاح نسبتها مع الأدلة المثبتة للأحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الأولية أو الثانوية، وأنّ كانت اجنبية عن مقاصد الرسالة، إجابة لالتماس بعض الأحبّة، فأقول وبه أستعين

أقول: قاعدة لا ضرر ولا ضرار وإن كانت من القواعد الفقهية ولا ربط لها بالمسائل الأصولية إلا أنّه تعارف البحث عنها عند الأعلام عند البحث عن أصالة الإشتغال وشرائط الأصول العملية.

ومع ذلك: ترك البحث عنها جملة من الأعلام لخروجها عن المسائل الأصولية.

ولكن: الإنصاف يقتضي البحث عنها تعميماً للفائدة، لا على نحو الإطناب المُمِلّ، ولا الإيجاز المُخِلّ.

وعليه: فيقع البحث من ثلاث جهات.

الجهة الأولى: في بيان مدركها.

الجهة الثانية: في شرح مفادها.

الجهة الثالثة: في بيان نسبتها مع الأدلة المتكفلةللأحكام الثابتة للموضوعات بعناوينها الأولية.

أما الجهة الأولى: فمدركها عدّة من الروايات:

منها: ما رواه الكليني (رحمه الله): وعن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار، وكان منزل الأنصاري بباب البستان، فكان يمر به إلى نخلته ولا يستأذن، فكلمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة، فلما تأبى جاء الأنصاري إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكا إليه وخبره الخبر، فأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخبَّره بقول الأنصاري وما شكا وقال: إذا أردت الدخول استأذن فأبى فلما أبى ساومه حتى بلغ به من الثمن ما شاء الله فأبى أن يبيع، فقال: لك بها عذق يمد لك في الجنة فأبى أن يقبل فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) للأنصاري: اذهب فاقلعها وارم بها إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار[1] ».

 

أقول: هذه الرواية موثقة باعتبار:

1- أنَّ العدّة التي روى عنها الكليني (رحمه الله) فيها على الأقل شخصٌ عادل -كما ذكرنا في مسائل علم الرجال- وهو محمد بن يحي الأشعري أو علي بن إبراهيم بن هاشم، ويحتمل قوياً أن يكونا معاً في العدّة.

2- وأنَّ أحمد بن محمد بن خالد البرقي صاحب المحاسن فهو ثقةٌ بلا إشكال، وكونه يروي عن الضعفاء لا يوجب خدشاً من جهة وثاقته كما بيناه سابقاً في علم الرجال.

3- وأنَّ والد البرقي محمد بن خالد فهو ثقة. فقد وثقه الشيخ الطوسي (رحمه الله). أما قول النجاشي (رحمه الله) أنه كان ضعيفاً في الحديث فلا يدلّ على تضعيف الرجل حتى يقال أنَّ النجاشي (رحمه الله) مقدّمٌ على غيره في هذا الفن، بل يحتمل جداً أن يكون مراده من هذه العبارة هو روايته عن الضعفاء، وهذا لا يقدح في وثاقته.

4- وأنَّ عبد الله بكير فهو ثقة ومن أصحاب الإجماع، لكنه فَطَحي وبسببه كانت الرواية موثقة.

نعم قد يقال: بأن الرواية صحيحة لأنّ عبد الله بن بكير وإن كان في بداية أمره فطحياً لكنه عَدَلَ إلى مذهب الحقّ. لأنّ عبد الله الأفطح بن الإمام الصادق (عليه السلام) –والذي ينسب إليه الفطحية- لم يدُم طويلاً، ويقال أنّه عاش بعد أبيه سبعين يوماً فقط. ومن هنا رجع أكابر الفطحية إلى الإمام الكاظم (عليه السلام).

5- وأنَّ زرارة بن أعين فقد وثقه المتقدمون والمتأخرون، وهو أفقه الستّ الأوائل من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام).

وهذه الرواية موثقة بطريق الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي (رحمهما الله).

ومنها: ما رواه الكليني (رحمه الله): وعن علي بن محمد بن بندار، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه عن بعض أصحابنا، عن عبد الله بن مسكان، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) نحوه (مثل الرواية السابقة)، إلا أنه قال: «فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنك رجل مُضار ولا ضرر ولا ضرار على مؤمن قال: ثم أمر بها فقُلعت ورمي بها إليه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): انطلق فاغرسها حيث شئت[2] ».

أقول: هذه الرواية ضعيفة بالإرسال (عن بعض أصحابنا)، وبِعَليّ بن بندار، فهو وإن كان من مشايخ الكليني (رحمه الله) إلا أنه لم يثبت عندنا أن كل مشايخ الكليني (رحمه الله) ثقات، كما ثبت في غيره كمشايخ علي بن إبراهيم. فهذا الرجل غير موثق.

ومنها: ما رواه الشيخ الصدوق (رحمه الله): بإسناده عن الحسن الصيقل، عن أبي عبيدة الحذاء قال: «قال أبو جعفر (عليه السلام): كان لسمرة بن جندب نخلة في حائط بني فلان فكان إذا جاء إلى نخلته ينظر إلى شيء من أهل الرجل يكرهه الرجل قال: فذهب الرجل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فشكاه فقال: يا رسول الله إن سمرة يدخل عليَّ بغير إذني فلو أرسلت إليه فأمرته أن يستأذن حتى تأخذ أهلي حذرها منه، فأرسل إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) فدعاه فقال: يا سمرة ما شأن فلان يشكوك ويقول: يدخل بغير إذني فترى من أهله ما يكره ذلك، يا سمرة استأذن إذا أنت دخلت ثم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يسرك أن يكون لك عذق في الجنة بنخلتك؟ قال: لا، قال: لك ثلاثة؟ قال: قال ما أراك يا سمرة إلا مُضارّاً اذهب يا فلان فاقطعها (فاقلعها) واضرب بها وجهه[3] ».

أقول: هذه الرواية عندنا معتبرة لأنَّ رجال السند فيها هم بين من هو موثق بتوثيق أو عام وبين من هو من المعاريف:

قال الشيخ الصدوق (رحمه الله) في المشيخة: وما كان فيه عن الحسن بن زياد فقد رويته عن محمد بن موسى بن المتوكل (رضي الله عنه) عن علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه، عن يونس بن عبد الرحمن، عن الحسن بن زياد الصيقل، وهو كوفي مولى وكنيته أبو الوليد[4] . (انتهى كلامه)

أما محمد بن موسى المتوكل فهو ثقةٌ، لا لأجل أن الشيخ الصدوق (رحمه الله) ترضَّى عليه. بل لأجل أنه من المعاريف.

وأمّا علي بن الحسين السعد آبادي فهو من مشايخ ابن قولويه المباشرين وقد عرفت في أكثر من مناسبة أن مشايخ ابن قولويه المباشرين ثقات.

وأمَّا أحمد بن أبي عبد الله البرقي وأبوه فقد عرفت سابقاً أنهما ثقتان.

وأما يونس بن عبد الرحمان فهو ثقة.

وأما الحسن بن زياد الصيقل فهو ثقة من المعاريف.

وأمَّا أبي عبيدة الحذاء فهو ثقة.

الخلاصة: أن هذه الروايات الثلاث اشتملت على قصة سمرة بن جندب.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo