< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

38/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الإستدلال بالإجماع على البرائة

الشبهة الوجوبية فوافق الأخباريون الأصوليين في عدم وجوب الاحتياط فيها الاّ القليل منهم كالمحدث محمد أمين الاسترابادي، فإنه المنفرد بين الأخباريين بوجوب الاحتياط فيها. ثم أنه لا موجب لتخصيص المعذورية بالحكم الوضعي أي جواز التزويج بها بعد انقضاء العدّة وعدم حرمتها عليه مؤبدا بل قوله (ع): (وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك)[1] يشمل معذورية الجاهل من جهة العقوبة حيث انه مطلق.

ثم أن قوله(ع): (أمّا إذا كان بجهالة فليتزوجها بعدما تنقضي عدّتها) وكذا قوله (ع) في الذيل: (نعم إذا انقضت عدتها فهو معذور في أن يتزوجها)[2] مقيد بجملة من الروايات بما إذا لم يدخل في العدّة، والاّ فتحرم عليه مؤبدا كما في حسنة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال: (إذا تزوج الرجل المرأة في عدتها ودخل بها لم تحل له أبدا عالما كان أو جاهلا وان لم يدخل حلّت للجاهل ولم تحلّ للآخر)[3] .

ولكن قد يشكل في الاستدلال بالصحيحة بالنسبة للشبهة الحكمية حيث قال (ع): (احدى الجهالتين أهون من الأخرى) الجهالة بأن الله حرّم عليه ذلك لأنه لا يقدر على الاحتياط معها. وجه الاشكال انه إذا كان لا يقدر على الاحتياط فمعنى ذلك أنه غافل عن الحرمة ويكون المراد بالجهالة الغفلة فلا تشمل الجاهل البسيط أي الشاك الملتفت لأنه يقدر على الاحتياط لإلتفاته إلى حرمة التزويج في العدّة. وبذلك تخرج الصحيحة عن الاستدلال بها للمطلوب.

ثم انه هناك اشكال آخر في الصحيحة من حيث التفكيك فيها بين الجهالتين من جهة القدرة على الاحتياط وعدمها وحاصل الاشكال ان المراد بالجهالة في قوله: (وقد يعذر الناس في الجهالة بما هو أعظم من ذلك) ان كان هي الغفلة فلا وجه حينئذ لتخصيص التعليل بعدم القدرة على الاحتياط بالجاهل بالحكم لأن الجاهل بالعدّة أيضا، إذا كان غافلا لا يقدر على الاحتياط معها وان كان المراد من الجهالة هو الجهل البسيط أي الملتفت فلا يصح التعليل حينئذ لأن الجاهل بالحكم كالجاهل بالعدّة يكون قادرا على الاحتياط)[4] .

والخلاصة أنه لا فرق بين الجهل بالحرمة وبين الجهل بالعدّة فإنه إذا كان الجهل بمعنى الشك أي الجهل البسيط كان قادرا على الاحتياط في الصورتين واذا كان بمعنى الغفلة فلا يكون قادرا على الاحتياط في الصورتين اللهم الاّ ان يقال ان الغالب هو معرفة حرمة التزويج بذات العدّة حيث يبعد تصوّر الجهل بالحرمة بعد اشتهار حرمة تزويج المعتدة بين المسلمين في جميع الاعصار والامصار.

وعليه فالجهالة هنا بمعنى الغفلة عن الحرمة ولذا لا يقدر على الاحتياط معها وهذا بخلاف الجهل بكونها في العدّة - فإن الغالب هو الالتفات إلى العدّة إذا أراد التزويج بالمطلقة المدخول بها أو المتوفى عنها زوجها كذلك، ومن هنا يقدر على الاحتياط لإلتفاته وعدم غفلته والله العالم.

بقي شيء في المقام وهو أن الفقهاء استفادوا من قوله (ع) في ذيل الصحيحة: (فقلت: فإن كان أحدهما متعمدا والأخر بجهل. فقال: الذي تعمد لا يحل له أن يرجع إلى صاحبه أبدا)[5] عدم الفرق في الحرمة الأبدية بين ما لو كان الزوج عالما بالحكم والموضوع أو كان جاهلا بهما معا وكانت المعتدّة المعقود عليها عالمة بهما، وهذا بخلاف ذات البعل فإنه لا أثر لعلمها على ما يستفاد من الروايات، فلو كان الزوج جاهلا بالحرمة وبكونها ذات بعل وهي عالمة بالحكم فلا تحرم عليه مؤبدا إذا لم يدخل بها بل له أن يتزوجها بعد فراقها من زوجها وانتهاء عدتها.

قوله: (وأما الاجماع فقد نقل على البرائة الا أنه موهون ولو قيل بإعتبار الاجماع المنقول في الجملة فإن تحصيله في مثل هذه المسألة ممّا للعقل إليه سبيل ومن واضح النقل عليه دليل بعيد جدّا)[6] .

قال الشيخ الانصاري: (وأما الاجماع فتقريره من وجهين، الأوّل دعوى اجماع العلماء كلّهم من المجتهدين والاخباريين على ان الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث هو ولا تحريمه من حيث انه مجهول الحكم هي البرائة وعدم العقاب على الفعل وهذا الوجه لا ينفع الاّ بعد عدم تمامية ما ذكر من الدليل العقلي والنقلي للحظر والاحتياط فهو نظير حكم العقل الآتي.

الثاني دعوى الاجماع على ان الحكم فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو هو عدم وجوب الاحتياط وجواز الارتكاب وتحصيل الاجماع بهذا النحو من وجوه...الخ)[7] .

أقول امّا تقرير الاجماع على الوجه الاوّل فهو غير نافع على ما ذكره الشيخ لكونه مساوقا لحكم العقل بقبح العقاب بلا بيان المسلم عند الاخباري والاصولي. وبالجملة فإنه لا اشكال في أصل الكبرى وهو البرائة، إذا لم يقم دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث هو ولا على تحريمه من حيث انه مجهول الحكم، ولكن الصغرى غير ثابتة عند الكل إذ الأخباري يدعي قيام الدليل على التحريم من حيث انه مجهول الحكم الواقعي.

وأما تقريره على الوجه الثاني فأيضا غير تام ولا حاجة لذكر الوجوه على تحصيل الاجماع، وكيف يتم مع مخالفة الأخباريين وذهابهم إلى وجوب الاحتياط في الشبهة الحكمية التحريميّة وجملة منهم من أجلّاء الأصحاب وأعيانهم، أضف إلى ذلك ان هذا الاجماع لو كان حاصلا فلا يكون اجماعا تعبديّا كاشفا عن رأي المعصوم(ع) لاحتمال استناد المجمعين إلى الدليل العقلي أو النقلي فيكون مدركيا أو محتمل المدركية والله العالم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo