< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

38/01/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات لحديث الرفع

ثم أن هناك عدّة أمور متعلقة بفقه الحديث. ومن الأهمية بمكان يحسن التعرض لها:

الأمر الأوّل اعلم أن الفرق بين الرفع والدفع -كما أشرنا إليه في بعض المناسبات – هو أن الرفع يستعمل في المورد الذي فرض وجوده في الزمان السابق أو في المرتبة السابقة عن ورود الرفع. وأما الدفع فيستعمل غالبا في المورد الذي فرض ثبوت المقتضي لوجود الشيء قبل إشغاله لصفحة الوجود في الوعاء المناسب له فيكون الرفع مانعا عن استمرار الوجود والدفع مانعا عن تأثير المقتضي للوجود.

وعليه فإذا كان الأمر كذلك فيشكل حينئذ الأمر في الحديث لأن الوارد في الحديث الشريف هو الرفع وكان الأنسب استعمال كلمة الدفع لعدم ثبوت تلك الأحكام في زمان حتى ترفع. وبالجملة فاستعمال الرفع مكان الدفع يكون على نحو المجاز.

وأجاب الميرزا النائيني بما حاصله من أن هذا المقدار من الفرق بينهما لا يمنع من صحّة استعمال الرفع بدل الدفع على وجه الحقيقة بلا تصرّف وعناية، فإن الرفع في الحقيقة يمنع ويدفع المقتضي عن التأثير في الزمان اللاحق والمرتبة اللاحقة لإن بقاء الشيء كحدوثه يحتاج إلى علّة البقاء وإفاضة الوجود عليه من المبدأ الفياض في كل آن فالرفع في مرتبة وروده على الشيء انما يكون دفعا حقيقة باعتبار البقاء وان كان رفعا باعتبار الوجود السابق فاستعمال الرفع في مقام الدفع لا يحتاج إلى علاقة المجاز بل لا يحتاج إلى عناية أصلا بل لا يكون خلاف ما تقتضيه ظاهر اللفظ لأن غلبة استعمال الرفع فيما يكون له وجود سابق لا يقتضي ظهوره في ذلك.

وعليه فلا مانع من جعل الرفع في الحديث الشريف بمعنى الدفع في جميع الأشياء التسعة المرفوعة ولا يلزم من ذلك مجاز في الكلمة ولا في الإسناد فيكون المراد من رفع التسعة دفع المقتضي عن تأثيره في جعل الحكم وتشريعه في الموارد التسعة. غايته أنه في الثلاثة الأخيرة – وهي الحسد والطيرة والتفكر في الوسوسة في الخلق- يكون المراد دفع المقتضي عن تأثيره في أصل تشريع الحكم وجعله فيها مع ثبوت المقتضي له منّة على العباد وتوسعة عليهم، وفي غير ما لا يعلمون من الخمسة الأخر – وهي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يطيقون وما اضطروا إليه- يكون المراد دفع تأثير المقتضي عن شمول الحكم واطراده لحال النسيان والاضطرار والإكراه والخطأ وما لا يطاق، فتكون نتيجة الدفع تخصيص الحكم بما عدا هذه الموارد، وهو تخصيص واقعي وليس تخصيصا ظاهريا وفي ما لا يعلمون يكون المراد دفع مقتضيات الأحكام الواقعية عن تأثيرها في ايجاب الاحتياط مع أن ملاكاتها كانت تقتضي ايجاب الاحتياط.

وفيه ان ما ذكره (ره) من احتياج الموجود السابق في مرحلة بقائه إلى علة البقاء وافاضة الفيض عليه في كل آن وان كان صحيحا ومتينا إذ الممكن كما يحتاج إلى المؤثر في حدوثه كذلك يحتاج إليه في بقائه، وعلة الحدوث لا تكفي في البقاء بحيث يكون البقاء غنيّا عن المؤثر إلا انه مع ذلك لا يوجب انقلاب الرفع في مرحلة وروده إلى كونه دفعا حقيقة كما هو ظاهر.

والإنصاف ان يقال انه لا يعتبر في صدق الرفع وصحّة استعماله حقيقة وجود المرفوع حقيقة بل يكفي وجوده ولو باعتبار وجود مقتضيه فانه مع وجود المقتضي للشيء يعتبره العقلاء كأنه موجود فيرتبون عليه أحكاما كثيرة فتراهم يطلقون السقوط في اشتراط سقوط الخيار في متن العقد مع انه في الحقيقة عبارة عن عدم الثبوت، حيث كان المصحح لإطلاق السقوط عليه وجوده الادّعائي بلحاظ وجود مقتضيه وهو العقد.

والخلاصة أنه لا مانع من إبقاء الرفع في الحديث الشريف على ظهوره في الرفع الحقيقي في جميع الأمور التسعة، حيث انه يكفي في صحة اطلاق الرفع فيها مجرّد اعتبار وجود الشيء سابقا لوجود مقتضيه والله العالم.

الأمر الثاني ان الرفع فيما لا يعلمون يغاير الرفع في البقية فان الرفع فيما لا يعلمون رفع ظاهري ينتج عدم وجوب الاحتياط في موارد الشك والشبهات ولا يمس الواقع لما عرفت ان الاحكام الشرعية مشتركة بين العالم والجاهل. وبالجملة فان الرفع فيما لا يعلمون بمعنى دفع مقتضيات الاحكام في تأثيرها لإيجاب الاحتياط. وأما الرفع في البقية فهو رفع واقعي ينتج نتيجة التخصيص الواقعي.

وتوضيحه ان مقتضى عموم أدلة الاحكام الواقعية عدم دخل الخطأ والنسيان والاضطرار والإكراه ونحوها في ترتبها على موضوعاتها، فان مقتضى عموم قوله تعالى }والسارق والسارقة فاقطعوا ايديهما جزاء بما كسبا{، وقوله تعالى: }الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة { هو ثبوت القطع والجلد على من اكره على السرقة والزنا أو اضطر إليهما. ومقتضى حديث الرفع هو اختصاص الاحكام بغير صورة الخطأ والنسيان والاكراه والاضطرار وما لا يطيقون.

وعليه فلا قطع ولا جلد على من اكره على السرقة والزنا. وذكرنا سابقا أن الرفع بمعنى الدفع فيكون حاصل المعنى هو أن مقتضيات الاحكام الواقعية وان كانت تقتضي ترتب الاحكام على موضوعاتها مطلقا من غير دخل للخطأ والنسيان في ذلك إلا أن الشارع دفع تلك المقتضيات عن تأثيرها في ترتب الحكم على الموضوع الذي عرض عليه الخطأ والنسيان والإكراه ونحو ذلك، فلا حكم مع عروض هذه الحالات فتكون النتيجة تخصيص الاحكام الواقعية بالموارد التي لم يطرأ عليها هذه الحالات.

ثم لا يخفى عليك ان حديث الرفع يكون حاكما على أدّلة الاحكام الواقعية فلا تلاحظ النسبة بينهما كما لا تلاحظ النسبة بين أدلة الاحكام الواقعية وبين ما دل على نفي الضرر والعسر والحرج ولا فرق بين أدّلة نفي الضرر والعسر والحرج وبين دليل رفع الاضطرار والاكراه ونحو ذلك الاّ في أن الحكومة في أدّلة نفي الضرر والعسر والحرج انما تكون باعتبار

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo