< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/12/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مناقشة حديث الرفع

أنه قد وثقه جماعة من المتأخرين منهم العلامة والشهيد الثاني في الدراية والشيخ البهائي في ولا يخفى أن الحديث بطريق الكافي ضعيف بالرفع، وأما بطريق الصدوق فهو صحيح إذ لا يوجد من يخدش فيه إلاّ أحمد بن محمد بن يحيى العطار، حيث إنه لم يوّثق بالخصوص ولكن الإنصاف أنه من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته ويؤيد ذلك عدّة أمور:

أوّلا أنه من شيخوخة الإجازة بإعتبار أنه من مشايخ الصدوق.

وثانيا أنه قد وثقه جماعة من المتأخرين منهم العلامة والشهيد الثاني في الدراية والشيخ البهائي في المشرق والمقدس الأردبيلي وغيرهم. وتوثيق المتأخرين وان لم يعتمد عليه لكون توثيقاتهم مبنيّة على الحدس إلاّ أنه يصلح للتأييد.

وثالثا قد اعتمد على روايته جماعة من الأصحاب المتقدمين منهم السيرافي كما يظهر ممّا حكاه النجاشي عنه في ترجمة الحسين بن سعيد الأهوازي وأن له ثلاثين كتابا. قال: (أخبرني بهذه الكتب غير واحد من أصحابنا من طرق مختلفة كثيرة، فمنها ما كتب إليّ به أبو العباس أحمد بن محمد بن نوح السيرافي (رحمه الله) في جواب كتابي إليه، والذي سألت تعريفه من الطرق إلى كتب الحسين بن سعيد الأهوازي (رضي االله عنه) إلى أن... قال: (وأخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن يحيى العطار القمّي قال: حدثنا أبي وعبد الله بن جعفر الحميري وسعد بن عبد الله جميعا عن أحمد بن محمد بن عيسى...الخ).[1]

هذا ظاهر في اعتماد السيرافي عليه مع ما ورد في حق السيرافي من التعظيم والتوثيق، قال النجاشي في حقه: (كان ثقة في حديثه متقنا لما يرويه فقيها بصيرا بالحديث والرواية وهو استاذنا وشيخنا ومن استفدنا منه وله كتب كثيرة ...الخ). [2]

رابعا ان الأعلام أجمعوا على العمل بحديث الرفع في باب الفقه من العبادات والمعاملات في العقود والإيقاعات ولم أجد رادّا له. وفي الحقيقة هذا يوجب أعلى مراتب الإطمئنان بصحته وصدوره عن المعصوم (ع).

والخلاصة إلى هنا أنه لا إشكال في صحة الحديث وأما دلالته فهو أن الإلزام من الوجوب والحرمة ممّا لا يعلم ومجهول فهو مرفوع فعلا أي ظاهرا، ومعنى رفعه ظاهرا أي رفع تنجّزه، فالرفع يتعلق ببعض مراتب الحكم وهو مرتبة التنجز ولا معنى لرفعه واقعا لاستلزامه التصويب واختصاص الاحكام الواقعية بالعالمين بها وهو ينافي الأخبار الكثيرة الدالة على اشتراك الأحكام الواقعية بين العالم والجاهل، أضف إلى ذلك ان المرفوع لو كان هو الحكم بجميع مراتبه أي الرفع الواقعي عن موطنه وهو عالم التشريع لم يحسن الإحتياط في مورده، إذ الإحتياط إنما هو لإدراك الواقع على ما هو عليه، فإذا لم يكن في الواقع حكم، فما معنى الإحتياط مع أنه لا إشكال في حسن الإحتياط في مورد الشبهة الوجوبية أو التحريمية بفعل الأولى وترك الثانية.

ويظهر من صاحب الكفاية وأغلب الأعلام ان المرفوع هو الحكم الواقعي ظاهرا أي مرتبة التنجّز. وحاصل ما أفاده أن الإلزام المجهول سواء كان في الشبهة الحكمية كحرمة شرب التتن أو الموضوعية كحرمة المايع الخارجي المشكوك كونه خمرا ممّا لا يعلمون فهو مرفوع ظاهرا.

ويظهر من الشيخ الأعظم (ره) ان الرفع ورد من أوّل الأمر على إيجاب الإحتياط، قال (ره): (وحينئذ فنقول معنى رفع أثر التحريم فيما لا يعلمون عدم إيجاب الإحتياط أو التحفظ فيه ...الخ).[3]

وفيه ما لا يخفى فإن المراد من الموصول في قوله (ص) رفع ما لا يعلمون هو نفس الأحكام الواقعية لأنها هي المجهولة فتكون هي المرفوعة ظاهرا لأن الرفع ورد على الموصول. نعم يلزم من رفع الحكم الواقعي ظاهرا عدم إيجاب الإحتياط لعدم إمكان الجمع بين الترخيص الظاهري ووجوب الإحتياط.

هذا ويظهر من جماعة من الأعلام أنه لا بدّ من التقدير في الكلام، بحيث يكون هناك مجاز في الكلمة أو في الإسناد لشهادة الوجدان على وجود الخطأ والنسيان في الخارج وكذا غير الخطأ والنسيان ممّا ذكر في الحديث الشريف، فلا بدّ أن يكون المرفوع أمرا آخر مقدّرا صونا لكلام الحكيم عن الكذب واللغوية.

قال الشيخ (ره): (فإن حرمة شرب التتن مثلا ممّا لا يعلمون فهي مرفوعة ومعنى رفعها كرفع الخطأ والنسيان رفع آثارها أو خصوص المؤاخذة ...الخ)[4] . وهو يشير إلى الخلاف في تعيين ما هو المقدر، فقيل إن المقدّر هو المؤاخذة والعقوبة، وقيل إنه عموم الآثار، وقيل إنه أظهر الآثار بالنسبة إلى كل واحد من التسعة.

والإنصاف أنه لا حاجة إلى التقدير فإن التقدير إنما يحتاج إليه إذا توقف تصحيح الكلام عليه، كما إذا كان الرفع حقيقيا تكوينيا فلا بدّ حينئذ في تصحيح الكلام من تقدير أمر يخرجه عن الكذب، وأما إذا كان الرفع رفعا تنزيليا تشريعيا لا حقيقيا فلا يحتاج إلى تقدير شيء في البين ومن الواضح أن الرفع بالنسبة إلى جميع المذكورات هو رفع تنزيلي تشريعي، فإن الرفع التشريعي للشيء عبارة عن خلو صفحة التشريع عنه، وان كان صفحة التكوين مشغولة به ولا منافاة بين الرفع التشريعي والثبوت التكويني كما في قوله (ص): (لا ضرر ولا ضرار)، فإن الضرر والإضرار موجودان في الخارج بكثرة وليس المراد من الحديث الشريف هو نفيهما خارجا للزوم الكذب وإنما المراد عدم تشريعهما أي نفي الأحكام الضررية، وكذا قوله (ع): (لا شك لكثير الشك)، فإن المراد نفي الحكم عن كثير الشك أي لا شرعية لكثير الشك. نعم رفع المذكورات تشريعا إنما يكون برفع آثارها الشرعية، حيث ان التنزيل لا بدّ من كونه بلحاظ الآثار المترتبة على الشيء. ففي فرض تعدّد الأثر ربما يقع الكلام في أن التنزيل هل هو بلحاظ جميع الآثار أو بلحاظ بعضهن ولكن ذلك غير مرتبط بالتقدير.

والخلاصة أنه يصح إضافة الرفع إلى هذه الأمور المذكورة في الحديث إضافة تشريعية ولا يلزم منها مجاز في الإسناد أو الكلمة. ثم لا يخفى عليك ان الموصول في قوله (ص): (رفع عن أمتي تسعة... وما لا يعلمون)، فيه احتمالان:

الأوّل أن يكون المراد منه الشبهة الموضوعية لأن المراد من الموصول فيما استكرهوا عليه وما اضطروا إليه وما لا يطيقون هو الفعل الذي استكرهوا عليه أو اضطروا إليه أو لا يطيقونه، فإن هذه العناوين لا تعرض الأحكام الشرعية وإنما تعرض الأفعال الخارجية ومقتضى وحدة السياق أن يكون المراد من الموصول فيما لا يعلمون أيضا هو الفعل الذي اشتبه عنوانه كالشرب الذي اشتبه كونه شرب الخمر أو الخلّ، وعليه فيختص الحديث بالشبهات الموضوعية ولا يعم الشبهات الحكمية الكلية.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo