< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/12/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:الإستدلال على البراءة

والخلاصة أن النزاع بين الأصولي والأخباري في تمامية البيان من قبل المولى وعدمه، فكان همّ الإخباري إثبات إندراج مورد الشبهة تحت قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل بدعوى وجود البيان على التكليف المشتبه من جهة العلم الإجمالي أو من جهة أخبار الإحتياط بزعم صلاحيتها للبيانية على التكليف الواقعي، كما أن همّ الأصولي إنكار هذه الجهة وإثبات عدم صلاحية أخبار الإحتياط للبيانية وللمنجزية للتكليف المشكوك إما بنفسها أو من جهة معارضتها بما دلّ على الترخيص في ارتكاب المشتبه الموجب لحملها على الإستحباب أو الإرشاد.

قوله: (وقد استدل على ذلك بالأدلة الأربعة أما الكتاب فبآيات أظهرها قوله تعالى: وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا...الخ).[1]

قد أختلف الأعلام في دلالة هذه الآية الشريفة على البرائة، فقد ذهب جماعة منهم إلى أنها أجنبية عن ذلك فإن مفادها الإخبار بنفي العذاب الدنيوي عن الأمم السابقة قبل إتمام الحجّة عليهم ببعث الرسول الظاهري فلا دلالة لها على حكم مشتبه الحكم من حيث إنه مشتبه، وبالمقابل ذهب أكثر الأعلام إلى دلالتها على البرائة، وقد أفاد الشيخ الأنصاري في تقريب التمسك بها ما حاصله ان بعث الرسول إما كناية عن بيان التكليف ووضوحه للمكلف ولو كان ذلك بالعقل – أي الرسول الباطني- وإنما كنّى عنه ببعث الرسول بلحاظ كون البيان بسببه غالبا كما يكنّى عن دخول الوقت بأذان المؤذن فيمثل قولك: لا أبرح من هذا المكان حتى يؤذن المؤذن بلحاظ كون معرفته في الأغلب باذان المؤذن وبالجملة فإن بعث الرسول إمّا كناية عن ذلك وإما عبارة عن البيان الذي يأتي به الرسول الظاهري، وحينئذ يخصّص عموم الآية بغير المستقلات العقلية فإن ما استقل به العقل من حسن العدل وحسن ردّ الوديعة ونحوهما يستحق الإنسان العذاب على مخالفتهما ولو لم يبعث الرسول الظاهري أو بعث ولم يبين، وحينئذ إمّا يخصص عموم الآية الشريفة أو يلتزم في المستقلات العقلية بعدم استحقاق العقاب على المخالفة حتى يبعث الرسول الظاهري ويبيّن، وعليه فيبقى عموم الآية الشريفة سالما عن التخصيص.

والخلاصة أن الآية الشريفة تدل على نفي العذاب قبل البيان، وبالجملة فإن الشيخ الأنصاري وان أفاد في تقريب التمسك بها ما ذكرناه إلاّ أنه نفسه اختار الرأي الأوّل حيث قال: (وفيه أن ظاهره الإخبار بوقوع التعذيب سابقا بعد البعث فالمراد بالعذاب هو الدنيوي الواقع في الأمم السابقة...الخ).[2]

والإنصاف أن الآية الشريفة دالة على البرائة لأن نفي العذاب الدنيوي عند عدم إتمام الحجّة يدل بالأولوية القطعية على نفي العذاب الأخروي، إذ العذاب الدنيوي أهون بكثير من العذاب الأخروي لكونه منقطعا، بخلاف العذاب الأخروي فإنه مستمر وأبدي.

ثم أن صاحب الكفاية أشكل على الإستدلال بها للبرائة بأن المنفي في الآية الشريفة هو فعلية العقاب لا استحقاقه ونفي الفعلية لا يدل على نفي الإستحقاق مع أن محل الكلام مع الإخباري هو نفي الإستحقاق، قال (ره): (وفيه أن نفي التعذيب قبل إتمام الحجّة ببعث الرسل لعله كان منّة منه تعالى على عباده مع استحقاقهم لذلك ...الخ).

وفيه أن قوله تعالى: (وما كنّا معذبين ...) مستعملة في أن الفعل غير لائق به تعالى ولا يناسب صدوره منه، وكذا قوله تعالى: (ما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم)[3] . وقوله تعالى: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذّبهم وهم يستغفرون).[4] فإن قوله تعالى (وما كنّا) (وما كان) ومثل هذا التعبير في القرآن الكريم يراد منه أن الفعل غير لائق به ولا يناسبه.

وبالجملة فإن قوله تعالى: (وما كنّا معذبين حتى نبعث رسولا)[5] يراد منه أن التعذيب قبل البيان لا يليق به تعالى ولا يناسب حكمته وعدله، وبذلك يدل على عدم كون العبد مستحقا للعذاب، إذ مع فرض استحقاق العبد له لا وجه لعدم كونه لائقا به تعالى بل عدم لياقته به إنما هو لعدم إستحقاق العبد له. وبما ذكرناه تصبح الآية الشريفة دالة على البرائة.

قوله: (لو سلم اعتراف الخصم بالملازمة بين الإستحقاق والفعلية لما صحّ الإستدلال بها إلاّ جدلا مع وضوح منعه ضرورة أن ما شك في وجوبه أو حرمته ليس عنده بأعظم مما علم حكمه...الخ).[6]

أشار بذلك إلى دفع ما ذكره الشيخ الأنصاري من ان الخصم وهو الأخباري يسلّم بالملازمة بين نفي الفعلية ونفي الإستحقاق، فنفي الفعلية المستفادة من الآية الشريفة كاف في إلزامه.

ثم أن الوجه في التسليم بالملازمة هو أن الأدلة التي أقامها الأخباري على الإستحقاق تدل على فعلية العقاب مثل أخبار التثليث الدالة على أن الأخذ بالشبهة موجب للوقوع في الهلكة والظاهر من الهلكة هو الهلكة الفعلية لا مجرد الإستحقاق. ووجه الدفع، أوّلا ان الإستدلال حينئذ يكون جدليا لا ينفع في إثبات المدعى إلا باعتقاد الخصم ولا ينفع الأصولي المنكر للملازمة. وثانيا منع هذا الإعتراف من الخصم إذ لا تزيد الشبهة عنده على المعصية الحقيقية ولا ملازمة عنده بين الإستحقاق والفعلية فيها فكيف يعترف بالملازمة بينهما في الشبهة ومجرد استدلاله باخبار التثليث لا يقتضي ذلك، فان الوعيد بالهلكة في اخبار التثليث ليس الا كالوعيد بالعذاب على المعصية لا بدّ أن يكون محمولا على الإستحقاق ثم انه حكي عن الأخباريين أنهم استدلوا بهذه الآية الشريفة على نفي الملازمة بين حكم العقل والشرع بتقريب أن الملازمة تقتضي ثبوت العذاب عند استقلال العقل بقبح شيء ولو مع عدم بعث الرسل والآية الشريفة تنفي العذاب مع عدم بعث الرسل فلا ملازمة بين حكم العقل والعذاب ويلزمه عدم الملازمة بين حكمه وحكم الشرع والاّ لما احتاج التعذيب إلى بعث الرسل.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo