< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/12/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تعريف الأصول العملية

قوله: (وهي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل ممّا دلّ عليه حكم العقل أو عموم النقل...ألخ).

قد ذكرنا في أكثر من مناسبة معنى الأصل العملي الشرعي والعقلي وبيّنا الفرق بينه وبين الأمارة إلا أنه لا بدّ من بيان الفرق بينهما هنا ولو على نحو الإجمال لكي يكون الإنسان على بصيرة من أمره، وينبغي التنبيه على أمرين قبل بيان الفرق بينهما.

أوّلهما: إنّ الشك في الشيء قد يؤخذ موضوعا للحكم الواقعي كالشك في عدد ركعات الصلاة، ففي موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد الله (ع) أنه قال له: (يا عمار أجمع لك السهو كله في كلمتين متى شككت فخذ بالأكثر فإذا سلمت فأتم ما ظننت أنك نقصت)[1] ، حيث أوجب الشك تبدّل الحكم الواقعي إلى الركعات المنفصلة. والمراد بالسهو في الموثقة هو الشك. وقد يؤخذ الشك موضوعا للحكم الظاهري كالشك في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال، حيث إنه موضوع الظاهري الذي هو أصل البرائة هنا وكالشك في حرمة شرب التتن ونحو ذلك.

ثانيهما: إن المراد من الشك المبحوث عنه هنا ليس خصوص ما تساوى طرفاه المقابل للظن والوهم بل المراد منه ما يشمل الوهم والظن غير المعتبر شرعا، فإن الأحكام المذكورة فيما بعد مترتبة على الجهل بالواقع وعدم انكشافه لا وجدانا ولا تعبدا.

إذا عرفت ذلك، فنقول إن الأمارة ما كانت لها جهة كشف وحكاية عن الواقع ويكون مفادها عبارة عن نفس الحكم الواقعي، والأصل العملي ما ليس له جهة كشف وحكاية عن الواقع كالبرائة والإحتياط والتخيير أو كان له جهة كشف وحكاية ولكن الشارع لم يعتبره من هذه الجهة، وذلك كالإستصحاب. وحاصل الفرق بين الأمارة والإستصحاب هو أن دليل الأمارة متكفل لنفي الشك وإلغاء إحتمال الخلاف بخلاف دليل الإستصحاب – لا تنقض اليقين بالشك – حيث إنه ناظر إلى إبقاء اليقين السابق مع حفظ أصل الشك والإحتمال ومن هذه الجهة يكون الإستصحاب برزخا بين الأصول وبين الأمارات، فإنه من جهة انخفاظ الشك والإحتمال في موضوعه كان شبيها بالأصول وتقدم عليه الأمارات بنحو الحكومة ومن جهة إقتضائه لبقاء اليقين السابق كان شبيها بالأمارات ويقدم على سائر الأصول الشرعية والعقلية ويقوم أيضا مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الطريقية كما تقدم، ومن هنا جاز للشاهد أن يشهد بالملكية الفعلية بمقتضى الإستصحاب ويفتي المجتهد على طبق ذلك.

نعم لا يجوز له أن يحكم بالإستصحاب لإن الحاكم الشرعي في مقام القضاء وفصل الخصومة له موازين خاصة، وهي البيّنة واليمين والإقرار وليس الإستصحاب منها، وهذا بخلاف مقام الإفتاء فإنه يفتي بمقتضى خبر الواحد والإستصحاب ونحوهما من الأدلة. ثم ان هناك فرقا آخر بين الأمارة والأصل العملي ذكرناه سابقا أيضا، وحاصله أن الأمارة وان كان موردها الجهل بالواقع إلا أنه لم يؤخذ الشك والجهل في لسان دليلها، وهذا بخلاف الأصل العملي فإن الشك قد أخذ في لسان دليله، كما في قوله (ع) في موثقة عمار عن أبي عبد الله (ع): (كل شيء نظيف حتى تعلم أنه قذر فإذا علمت فقد قذر وما لم تعلم فليس عليك)[2] وكذا غيرها من الروايات.

ومن هنا كانت الأمارة حاكمة على الأصل العملي حيث يكون دليلها رافعا لموضوع الأصل العملي تعبدا فإنه بمقتضى تتميم الكشف وإلغاء احتمال الخلاف يثبت العلم التعبدي بالواقع وبه يرتفع الشك المأخوذ في الأصل ارتفاعا تعبديّا لا حقيقيا، وعليه فلا مجال للأصلي العملي في مورد الأمارة وبالجملة فإنه لا تنافي بين الأمارات والأصول فإنه ليس في باب الأمارات حكم مجعول من الوجوب والحرمة حتى يضاد الوظيفة المجعولة لحال الشك بل ليس المجعول في باب الأمارات إلا الطريقية والوسطية في الإثبات وكونها محرزة المؤدى.

والخلاصة أنه لا نعني بالحكومة إلا ما كانت رافعة لموضوع الآخر رفعا تعبديا أي ببركة ثبوت المتعبّد به، ارتفع موضوع الآخر بخلاف الورود الذي هو عبارة عن رافعية احد الدليلين لموضوع الآخر رفعا وجدانيا ولكن بعناية التعبّد به بحيث ارتفع موضوع الآخر بنفس التعبّد بالدليل لا بثبوت المتعبّد به، وهذا هو الفارق بين الحكومة والورود، وهذا بخلاف التخصّص الراجع إلى خروج فرد عن موضوع الآخر تكوينا بلا عناية تعبّد في البين نظير خروج الجاهل عن موضوع العالم المحكوم بوجوب إكرامه.

وذكرنا سابقا أن هناك قسما آخر للحكومة وهو ما كان الحاكم ناظرا إلى موضوع الآخر موسعا له أو مضيقا وليس رافعا له وسيأتي إن شاء الله تعالى المزيد من التوضيح في الأبحاث الآتية.

ثم أن قوله (ره) وهي التي ينتهي إليها المجتهد بعد الفحص واليأس عن الظفر بدليل إشارة إلى أن الأصول العملية لا تقع في طريق الإستنباط لعدم إنطباق ضابط المسألة الأصولية عليها حتى تكون من المسائل الأصولية العملية إذ ليست الأصول العملية إلا وظائف للجاهل بالحكم الشرعي الواقعي من دون أن تقع في طريق الإستنباط ليستنتج منها حكم كلي فرعي. ومن هنا احتجنا إلى إدراجها في المسائل الأصولية إلى قوله (ره): وهي التي ينتهي إليها المجتهد...هذا وقد ذكرنا في مبحث تعريف علم الأصول أربعة فوارق بين المسألة الأصولية والقاعدة الفقهية فراجعها فإنها مهمّة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo