< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/07/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: هل تجب المعرفة التفصيلية في الأصول الإعتقادية

 

(قوله وما لا دلالة على وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان أصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة ولا دلالة لمثل قوله تعالى: وما خلقت الجن والأنس ولا لقوله (ص): وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس...ألخ)[1] .

هذا في الواقع ردّ على ما ذكره الشيخ الأنصاري حيث قال (ره):(- بعد أن قسّم الأمور الإعتقادية على قسمين- ان الفرق بين القسمين المذكورين وتمييز ما يجب تحصيل العلم به عمّا لا يجب في غاية الإشكال. وقد ذكر العلّامة في الباب الحادي عشر فيما يجب معرفته على كل مكلف من تفاصيل التوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد أموراً لا دليل على وجوبها كذلك مدعياً ان الجاهل بها عن نظر واستدلال خارج عن رقبة الإيمان مستحق للعذاب الدائم وهو في غاية الإشكال... ثم قال انتصاراً للعلامة: نعم يمكن ان يقال أن مقتضى عموم وجوب المعرفة مثل قوله تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون. أي ليعرفون. وقوله (ص): ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، بناءً على ان الأفضلية من الواجب خصوصاً مثل الصلاة تستلزم الوجوب. وكذا عمومات وجوب التفقه في الدين الشامل للمعارف بقرينة استشهاد الإمام (ع) بها لوجوب النفر لمعرفة الإمام (ع) بعد موت الإمام السابق. وعمومات طلب العلم، هو وجوب معرفة الله جلّ ذكره ومعرفة النبي (ص) والإمام (ع) ومعرفة ما جاء به النبي (ص) على كل قادر يتمكن من تحصيل العلم فيجب الفحص حتى يحصل اليأس ...إلى أن قال:( ومن هنا قد يقال ان الإشتغال بالعلم المتكفل لمعرفة أوليائه أهم من الإشتغال بعلم المسائل العملية بل هو المتعين لأن العمل يصح عن تقليد فلا يكون الإشتغال بعلمه إلاّ كفائياً بخلاف المعرفة.)[2] انتهى

وحاصل ما أجاب به صاحب الكفاية أنه لا دلالة لما ذكره الشيخ من الآيات والروايات على وجوب معرفة ما ذكر من التفاصيل بالعموم. أمّا الآية الشريفة الأولى فلأن المعرفة تختص به سبحانه وتعالى ولا تعم غيره. وعليه فلا إطلاق في الآية الشريفة حتى يستدل به على وجوب المعرفة بتفاصيل الأمور الإعتقادية.

وأمّا النبوي فلأنه ليس بصدد بيان حكم المعرفة حتى يكون له إطلاق يؤخذ به في مورد الشك في وجوب المعرفة بل إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات الخمس. وأنها أفضل من سائر الواجبات بعد المعرفة، وأمّا آية النفر فلأنها ليست بصدد بيان موضوع التعلم حتى يكون إطلاقه قاضياً بعدم الإختصاص ببعض الموارد بل إنما هي بصدد بيان ما يجعل وسيلة إلى التفقه الواجب، وانه يحصل بأن ينفر من كل فرقة طائفة للتفقه ولا يجب نفر الجميع، وعليه فلا إطلاق فيه من حيث المورد.

وأّمّا الروايات فلإنها في مقام وجوب طلب العلم من دون نظر إلى ما يجب العلم به فلا إطلاق فيها. هذا حاصل ما أجاب به (ره) ثم أن الشيخ (ره) قد رجع بنفسه أخيراً عن الإلتزام بوجوب تحصيل العلم بما ذكره العلّامة من تفاصيل التوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد لا من باب أنه لا عموم فيما ذكر من الآيات والروايات بل لآن تحصيل العلم بتلك التفاصيل لا يتمكن منه إلا المجتهد ومثله يحرم عليه التقليد فيجب عليه الإشتغال بتحصيل العلم بالمسائل العملية.

قال(ره): (هذا ولكن الإنصاف ممّن جانب الإعتساف يقتضي الإذعان بعدم التمكن من ذلك إلاّ للأوحدي من الناس لأن المعرفة المذكورة لا تحصل إلاّ بعد تحصيل قوّة استنباط المطالب من الأخبار وقوّة نظرية أخرى لئلا يأخذ بالأخبار المخالفة للبراهين العقلية ومثل هذا الشخص مجتهد في الفروع فيحرم عليه التقليد ...إلى أن قال: هذا إذا لم يتعيّن عليه الإفتاء والمرافعة لإجل قلّة المجتهدين وأمّا في مثل زماننا فالأمر واضح.)[3] انتهى

والخلاصة أنه عند الشك لا بدّ من الرجوع إلى الأصل المقتضي لعدم وجوب المعرفة نعم حيث قلنا بعدم وجوب تحصيل المعرفة في الزائد عن المقدار المعلوم فليس له إنكاره وجحده إذ لا يستلزم عدم وجوب المعرفة بشيء جواز انكاره بل ربما يكون انكاره حراماً عليه بل موجباً لكفره إذا كان من الضروريات لما يظهر منهم من التسالم على كفر منكر ضروري الدين كالمعراج والمعاد الجسماني ونحوهما فلا بدّ لمثل هذا الشخص حينئذٍ من الإعتقاد إجمالاً بما هو الواقع.

(قوله ثم أنه لا يجوز الإكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلاً أو شرعاً حيث أنه ليس بمعرفة قطعاً فلا بدّ من تحصيل العلم لو أمكن ومع العجز عنه كان معذوراً ان كان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الإستعداد كما هو المشاهد في كثير من النساء بل الرجال ...ألخ)[4] .

قد عرفت سابقاً انه يجوز العمل بالظن الخاص في القسم الثاني من الإعتقاديات وهي التي لا يجب على المكلف تحصيل العلم واليقين بها لا بحكم العقل ولا بحكم الشرع ولكن إذا حصل له العلم واليقين أحياناً يجب عليه حينئذٍ بحكم العقل والشرع الإعتقاد به كتفاصيل التوحيد وكيفية علمه تعالى وتفاصيل الحشر والنشر ونحوهما.

وأمّا القسم الأوّل من الإعتقاديات فلا يجوز الإكتفاء بالظن فيها إذ الظن ليس مصداقاً للمعرفة الواجبة في الأصول الإعتقادية إذ المعرفة عرفاً هي العلم ولا تصدق على غيره فمع التمكن من تحصيل العلم يجب تحصيله ولا يجوز الإكتفاء بالظن ومع عدم التمكن منه يكون معذوراً ان كان العجز عن تحصيل العلم مستنداً إلى القصور الناشىء عن عدم المقتضى كقلّة الإستعداد وغموض المطلب أو وجود المانع كغفلته وعدم إلتفاته، وهذا لا كلام فيه.

انما الكلام في أن الجاهل في هذا القسم من الإعتقاديات هل هو موجود في الخارج أم لا. أمّا بالنسبة إلى معرفة الله سبحانه وتعالى فوجوده في غير الصبيان والمجانين في غاية الندرة حيث ان من كان له عقل ولو في أدنى مراتبه يدرك أن للعالم صانعاً فإن معرفته سبحانه وتعالى أمر فطري للبشر. وأمّا بالنسبة إلى النبوّة الخاصة والإمامة فوجود الجاهل بهما كثير فإن كثيراً من الكفار خصوصاً نسائهم جاهلون بمسألة النبوة الخاصة كما أن كثيراً من المخالفين خصوصاً نسائهم جاهلون بمسألة الإمامة وكذلك بالنسبة إلى المعاد الجسماني فإن كثيراً من الناس من جهة غموضه المطلب جاهلون بالمسألة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo