< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/05/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الإنسداد الكبير

قوله:(وأمّا المقدمة الثانية فأمّا بالنسبة إلى العلم فهي بالنسبة إلى أمثال زماننا بيّنة وجدانية يعرف الإنسداد كل من تعرض للإستنباط والإجتهاد ...ألخ)[1]

أقول من المعلوم انسداد باب العلم الوجداني إلى كثير من الأحكام الشرعية فإن ما يوجب العلم الوجداني التفصيلي بالحكم من الخبر المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية ظهوراً وصدوراً لا يفي إلا بالقليل جداً من الأحكام الشرعية ويعرف ذلك من تصدّى ويتصدى للإستنباط.

وأمّا انسداد باب العلمي فهو يتوقف على القول بعدم حجّية خبر الواحد الثقة أو على القول بعدم حجّية الظواهر بالنسبة لغير المقصودين بالإفهام وهما ممنوعان أشد المنع. لما عرفت من الأدلة الدالة على حجّية خبر الواحد الثقة لا سيّما السيرة العقلائية القائمة على العمل بذلك. وأما بالنسبة لحجّية الظواهر فقد عرفت سابقاً أنها حجة ليست مخصوصة بالمقصودين بالإفهام، مضافاً إلى أننا مقصودون بالإفهام. وعليه فلا مجال للقول بانسداد باب العلمي في معظم الفقه بل هو مفتوح بحمده تعالى.

وقد ذكرنا سابقاً أن أغلب الأحكام الشرعية ثبتت عن طريق خبر الواحد لأن المعلوم بالعلم الوجداني التفصيلي هي أمهات المسائل مثل وجوب الصلاة والصوم والحج والزكاة ونحوها وبعض الأجزاء والشرائط التي تثبت بالنص المتواتر أو المحفوف بالقرينة القطعية ونحوهما. وأما أغلب الأجزاء والشرائط والموانع فقد ثبتت عن طريق خبر الواحد الثقة، وعليه فلا يلزم من الرجوع إلى الأصول العملية في الشبهات التي لم يمكن على طبقها خبر الواحد الثقة محذور الخروج من الدين أو مخالفة العلم الإجمالي وغير ذلك من المحاذير، وتترتب على ذلك عدم الفائدة العملية من مبحث الأنسداد لأن عمدة المقدمات هي هذه المقدمة.

وقد بينّا بحمده تعالى ان باب العلمي مفتوح نعم لو ذهبنا إلى ما ذهب إليه المحقق القمي من عدم حجّية الظواهر بالنسبة لغير المقصودين بالإفهام مع كوننا غير مقصودين بالإفهام أو ذهبنا إلى أن المعتبر من حجّية خبر الواحد هو الخبر الصحيح الأعلائي – وهو ما كان جميع سلسلة سنده من الإمامية مع تعديل كل من الرواة بعدلين في جميع الطبقات – لكان للدليل مجال واسع بل مما لا بدّ منه لأن الخبر الصحيح الأعلائي بهذه الأوصاف كالخبر المتواتر والمحفوف بالقرينة القطعية لا يفي بمعظم الأحكام الشرعية ولكنك عرفت بطلان مقالة المحقق القمّي كما أنك عرفت أن الثابت هو حجّية خبر الثقة وهو يفي بمعظم الأحكام.

قوله:(وأّما الثالثة فهي قطعية ولو لم نقل بكون العلم الإجمالي منجزاً مطلقاً أو فيما جاز أو وجب الإقتحام في بعض أطرافه كما في المقام ...ألخ).

المقدمة الثالثة وهي عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة وترك التعرض لها. وقد استدل عليها الأعلام بوجوه ثلاثة خلافاً لصاحب الكفاية حيث استدل عليها بوجهين فقط، إذ الوجه الثالث وهو العلم الإجمالي بثبوت التكاليف الوجوبية والتحريمية في الوقائع المشتبهة لا يصح الإستناد إليه عند صاحب الكفاية لعدم جواز إهمالها وترك التعرّض لها لإن العلم الإجمالي فيما إذا جاز أو وجب الإقتحام في بعض الأطراف كالإضطرار إلى بعض أطرافه إذا كان مقارناً للعلم الإجمالي أو متقدماً عليه لا يكاد يؤثر شيئاً بل يجوز إرتكاب جميع الأطراف أما البعض المضطر إليه فواضح. وأما بقية الأطراف فلكون الشك فيها بدوياً لجواز أن يكون الحرام المعلوم بالإجمال هو البعض المضطر إليه.

وأما الوجهان الآخران اللذان استُند إليهما الأعلام لعدم جواز إهمال التكاليف وترك التعرض لها فهما أولاً: الإجماع على عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة عند إنسداد باب العلم والعلمي والرجوع إلى البرائة وأصالة العدم في جميع الوقايع المشتبهة. هذا وقد ذكر الميرزا النائيني ان الإجماع المدعى في المقام وان لم يكن من الإجماع المحصل الفعلي فإن المسألة لم تكن معنونة عند العلماء آجمع ولم يقع البحث عنها في قديم الزمان عند ارباب الفتوى إلا أنه يكفي الإجماع التقديري فإنه رب مسألة لم يقع البحث عنها في كلمات الأصحاب إلاّ انه ممّا يعلم إجماعهم واتفاقهم عليها فإنه لا يكاد يمكن اسناد جواز الإعتماد على أصالة العدم وطرح جميع الأحكام في الوقايع المشتبهة إلى أحد من أصاغر الطلبة فضلاً عن أرباب الفتوى.

ويرد عليه ان الإجماع المدعى ليس إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (ع) بل هو إجماع مدركي أو محتمل المدركية ان يحتمل كون مدرك هذا الإجماع هو العلم الإجمالي بوجود التكاليف في الوقايع المشتبة أو يحتمل كون مدركهم هو الوجه الثاني الآتي اي محذور الخروج عن الدين، وعليه مع هذا الإحتمال كيف يكون الإجماع تعبدياً كاشفاً عن رأيه (ع).

الوجه الثاني الذي استدل به على عدم جواز الإهمال هو ما ذكره جماعة من الأعلام منهم الشيخ الأنصاري حيث قال:(إن الرجوع في جميع تلك الوقايع الى نفي الحكم مستلزم للمخالفة القطعية الكثيرة المعبّر عنها في لسان جمع من مشايخنا بالخروج عن الدين بمعنى ان المقتصر على التدين بالمعلومات التارك للأحكام المجهولة جاعلاً لها كالمعدومة يكاد يعدّ خارجاً عن الدين لقلّة المعلومات التي أخذ بها وكثرة المجهولات التي أعرض عنها وهذا أمر يقطع ببطلانه كل أحد بعد الإلتفات إلى كثرة المجهولات ...ألخ)[2] . والإنصاف ان هذا الوجه متين.

ثم ان الفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الثالث الذي ذكره الأعلام ولم يذكره صاحب الكفاية وهو العلم الإجمالي بوجود واجبات ومحرمات في الوقايع المشتبهة فإنه سبب ودليل لعدم جواز إهمال تلك التكاليف الموجودة في الوقايع المشتبهة. وبالجملة فالفرق بينهما هو الوجه الثاني مبني على لزوم المخالفة الكثيرة المعبّر عنها بالخروج عن الدين وهذا بنفسه محذور مستقل حتى على مسلك من يقول ان العلم الإجمالي لا يقتضي التنجيز ولا يستدعي الموافقة القطعية بل يجوز المخالفة القطعية كما ذهب إليه بعض الأعلام، وهذا بخلاف الوجه الثالث فإنه مبني على منجزية العلم الإجمالي وعدم جريان الأصول النافية في أطرافه ولو كان المعلوم بالإجمال تكليفاً واحداً تردد بين أمور محصورة بحيث لم يلزم من مخالفته إلا مخالفة تكليف واحد لا مخالفة تكاليف كثيرة كما هو مبني الوجه الثاني.

والخلاصة أن ما يصلح ان يكون دليلاً لعدم جواز إهمال التكاليف هو الوجه الثاني، وكذا الوجه الثالث الذي ذكره الأعلام ولم يذكره صاحب الكفاية. والله العالم.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo