< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

وأمّا قول صاحب الكفاية: (إلاّ أن يقال: إن العقل وان لم يستقل بتنجزه بمجرده بحيث يحكم بإستحقاق العقوبة على مخالفته إلاّ أنه لا يستقل أيضاً بعدم استحقاقها معه فيحتمل العقوبة حينئذٍ على المخالفة...ألخ)[1] .

وحاصله أن العقل وان لم يحكم بتنجز التكليف بمجّرد الظن به ليترتب عليه إستحقاق العقوبة إلاّ أنه لإحتمال بيانية الظن للحكم الواقعي لا يحكم أيضاً بعدم إستحقاق العقوبة، فتكون العقوبة محتملة، وحينئذٍ فدعوى إستقلال العقل بلزوم دفع الضرر المشكوك كالمظنون قريبة. وفيه ان هذا الكلام بعيد عن الواقع إذ كيف يحتمل العقاب مع عدم إعتبار الظن وعدم كونه منجزّاً للتكليف بل ينبغي القطع بعدم العقاب لإستقلإل العقل بقبحه.

هذا كلّه إذا أريد بالضرر العقاب الأخروي، وأما إذا أريد به غير العقاب الأخروي من المصالح والمفاسد الموجودة في متعلق التكليف بناءً على تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد الراجعة إلى العباد كما هو الصحيح. فنقول إن الظن بالتكليف ملازم الظن بالمصلحة والمفسدة لإن المصالح والمفاسد من الأمور الواقعية التكوينية ولا تأثير للعلم والجهل بها.

وعليه فالظن بالتكليف يلازم الظن بها قطعاً، فإذا ظن بالحرمة فيلازمه الظن الضرر ولكنك عرفت في بعض الأمور التي ذكرناها تمهيداً، أنه لا يوجد حكم عقلي بوجوب دفع الضرر مطلقاً وإنما ثبت في موارد خاصة كما تقدم هذا إذا كانت المفسدة تعود إلى شخص المكلف، وأما إذا كانت نوعية فالضرر لا يعود على المكلف بل يعود إلى النوع.

وعليه فلا يكون الظن بالحكم في هذه الموارد ملازماً للظن بالضرر إذ لا ضرر على المكلف بل على النوع. وبالجملة فالصغرى غير ثانية هنا، وعلى فرض ثبوتها فقد عرفت أنه لا يجب دفعها، وعليه فالكبرى أيضاً غير ثابتة، إذ الذي يجب دفعه عقلاً هو الضرر الأخروي أي العقاب. هذا إذا كان الظن بالحرمة وأمّا الظن بالوجوب فهو وإن كان يلازمه الظن بالمصلحة إلاّ أن فوت المصلحة لا يكون ضرراً لأن الضرر إنما هو النقص في أحد جوانب الشخص ممّا يرجع إلى ماله أو بدنه أو عرضه. ومن المعلوم أن فوت المصلحة لا يعدّ نقصاً بل قد يكون إستيفاء المصلحة نقصاً كما في الجهاد إذ قد يفقد بعض أعضائه في الجهاد ممّا يُعد نقصاً في بدنه كما إذا قطعت يده أو انقلعت عينه ونحو ذلك، وكما في الزكاة والخمس فإن دفع الحقوق وإن كان فيه مصلحة إلا أنه نقص مالي.

ومهما يكن فإن أقصى ما يقتضيه فوت المصلحة هو عدم النفع، والعقل لا يستقل بقبح الإقدام على ما يقطع منه فوت النفع فضلاً عن الظن ما لم يلزم فيه محذور آخر من معصية المولى ومخالفة أمره بل حتى إرتكاب الحرام فإنه وان كان فيه مفسدة إلا أنه ليس كل مفسدة ضرراً بل بعضها فيه نفع كما في السرقة فإنه وان كان فيه مفسدة قطعاً لكون السرقة حراماً. ولكن فيها منفعة لأن السارق ينتفع بالمال.

هذا والغريب في الأمر ان صاحب الكفاية منع من كون الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد في المأمور به والمنهي عنه. قال:(بل إنما هي تابعة لمصالح وفيها كما حققناه في بعض فوائدنا...). وهذا منه عجيب، علماً أنه ذكر في أكثر من مناسبة أن الأحكام تابعة لمصالح ومفاسد في المتعلقات لا في الأحكام.

وعلى كل حال فإن دعوى كون المصلحة في الأمر لا في المتعلق دعوى فاسدة بل المصالح والمفاسد إنما تكون في المتعلقات. والخلاصة إلى هنا أن الضرر المظنون ان كان المراد به الضرر الأخروي أي العقاب فالكبرى وان كانت مسلمة إلاّ أن الصغرى غير ثابتة إذ الظن بالحكم لا يلازم الظن ولا احتمال العقاب، وإن كان المراد به الضرر الدنيوي الشخصي فالكبرى غير ثابتة مع المناقشة في بعض موارد الصغرى وان كان المراد به الضرر الدنيوي النوعي فكل من الصغرى والكبرى غيرثابتة. والله العالم


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo