< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/04/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: آية الأذن

قال صاحب الكفاية:(ومنها آية الأذن: ومنهم الذين يؤذون النبيّ ويقولون هو أٌذُنُ قل أٌذنٌ خيرِ لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين...ألخ). وتكملة الآية الشريفة: (ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم)، وجه الإستدلال بالآية الشريفة أنه سبحانه وتعالى مدح نبيّه (ص) بتصديقه للمؤمنين وقرنه بالتصديق لله، فإذا كان التصديق حسناً يكون واجباً إذ لا قائل بالفصل وبذلك يتم المطلوب وهو حجّية خبر الواحد.

وقد أشكل على هذا الإستدلال بعدّة إشكالات، قال صاحب الكفاية: (وفيه أولاً أنه إنما مدحه بأنه أذنٌ وهو سريع القطع لا الأخذ بقول الغير تعبداً...ألخ) وأشار إليه الشيخ، حيث قال: (ويرد عليه أولاً أن المراد بالأُذن سريع التصديق والإعتقاد بكل ما يسمع لا من يعمل تعبّداً بما يسمع من دون حصول الإعتقاد بصدقه فمدحه بذلك لحسن ظّنّه بالمؤمنين وعدم إتهامهم) انتهى.

وفيه أن المراد بالأذن هو مجرّد إظهار القبول وعدم المبادرة إلى تكذيب المخبر فيما يخبر به لإنه هو الذي يكون خيراً لجميع الناس، وليس المراد من الأُذن هو سريع الإعتقاد إذ لا يتناسب ذلك مع مقام النبّوة فضلاً عن كونه كمالاً له وموجباً لمدح الله سبحانه وتعالى إياه.

قال صاحب الكفاية:(وثانياً إنه إنما المراد بتصديقه للمؤمنين هو ترتيب خصوص الأثار التي تنفعهم ولا تضرّ غيرهم ...ألخ). هذا الإشكال الثاني ذكره الشيخ الأعظم أيضاً، حيث قال: (وثانياً إن المراد من التصديق في الآية ليس جعل المخبر به واقعاً وترتيب جميع آثاره عليه إذ لو كان المراد به ذلك لم يكن أذُنُ خير لجميع الناس إذ لو أخبره أحد بزنا أحدٍ أو شربه أو قذفه أو إرتداده فقتله النبيّ (ص) أو جلده لم يكن في سماعه ذلك الخبر خير للمخبر عنه بل كان محض الشر له خصوصاً مع عدم صدور الفعل منه في الواقع نعم يكون خيراً للمخبر من حيث متابعة قوله وإن كان منافقاً مؤذياً للنبيّ (ص) على ما يقتضيه الخطاب في (لكم) فثبوت الخير لكل من المخبر والمخبر عنه لا يكون إلا إذا صدق المخبر بمعنى إظهار القبول عنه وعدم تكذيبه وطرح قوله رأساً مع العمل في نفسه بما يقتضيه الإحتياط التام بالنسبة إلى المخبر عنه ...إلى أن قال: (ويؤيده أيضاً ما عن القمّي (رحمه الله) في سبب نزول الآية أنه: نمّ منافق على النبيّ (ص) فأخبره الله ذلك فأحضره النبيّ (ص) وسأله فحلف أنه لم يكن شيء ممّا ينم عليه فقبل منه النبيّ (ص) فأخذ هذا الرجل بعد ذلك يطعن على النبيّ (ص) ويقول إنه يقبل كلمّا يسمع أخبره الله أنّي أنمّ عليه وانقل أخباره فقبل وأخبرته أنّي لم أفعل فقبل فردّه الله تعالى بقوله لنبيّه (ص) (قل أذن خير لكم) ومن المعلوم أن تصديقه (ص) للمنافق لم يكن بترتيب آثار الصدق عليه مطلقاً) انتهى.

ولا يخفى عليك أن ما ذكره علي بن إبراهيم القمّي في تفسيره هو رأي منه وليس رواية. وبالجملة فإن الآية المباركة في مقام بيان آداب المعاشرة مع الناس من إظهار القبول فيما يقولون وعدم المبادرة إلى تكذيبهم، فمدحه سبحانه وتعالى لنبيّه (ص) إنما كان من جهة حسن أخلاقه (ص) ورأفته بالأمّة، حيث لم يكن يبادر إلى تكذيب من يخبره بخبر يعلم بكذبه بل كان يظهر له القبول من غير ترتيبِ أثر عملي على إخباره.

وممّا يؤيد ما ذكرنا ما ورد في رواية محمد بن فضيل عن أبي الحسن موسى (ع): قال: قلت له جعلت فداك الرجل من أخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه فأسأله عنه فينكر ذلك، وقد أخبرني عنه قومٌ ثقاتٌ، فقال لي: يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك، فإن شهد عندك خمسون قسامة وقال لك قولاً فصدّقه وكذبّهم ولا تذيعنّ عليه شيئاً تشينه به وتهدم به مرؤته فتكون من الذين قال الله: (إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة)[1]

وهي ضعيفة بسهل بن زياد وبيحيى بن المبارك فإنه مجهول وبمحمد بن الفضيل فإنه مشترك بين الأزدي الضعيف والنهدي الثقة، والقسامة بالفتح الأيمان تقسم على أولياء القتيل إذا ادّعوا الدم. والمراد بتصديق المؤمن فيه هو تصديقه ظاهراً وعدم إتهامه بالكذب أخلاقياً لا جعل المخبر به واقعاً وترتيب آثاره عليه وإلا يلزم ترجيح الواحد على الخمسين مع كونهم مؤمنين مثله.

قال صاحب الكفاية:(وهكذا المراد بتصديق المؤمنين في قصّة إسماعيل فتأمل جيداً انتهى). أشار بذلك إلى ما رواه الكليني (ره) عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن حماد بن عيسى عن حريز قال: كانت لإسماعيل بن أبي عبد الله (ع) دنانير وأراد رجل من قريش أن يخرج إلى اليمن فقال: إسماعيل يا أبت إن فلاناً يريد الخروج إلى اليمن وعندي كذا وكذا ديناراً فترى أن أدفعها إليه يبتاع لي بها بضاعة من اليمن، فقال أبو عبد الله (ع): يا بنيّ أما بلغك أنه يشرب الخمر فقال إسماعيل: هكذا يقول الناس فقال يا بني: لا تفعل فعصى إسماعيل أباه ودفع إليه دنانير فاستهلكها ولم يأت بشيء منها فخرج إسماعيل وقضي أن أبا عبد الله (ع) حجّ وحجّ إسماعيل تلك السنة فجعل يطوف بالبيت ويقول: اللهم أجرني وأخلف عليّ فلحقه أبو عبد الله (ع) فهمزه بيده من خلفه، فقال له: مه يا بنيّ فلا والله ما لك على الله (هذا) حجّة ولا لك أن يأجرك الله ولا يخلف عليك وقد بلغك أنه يشرب الخمر فائتمنته، فقال إسماعيل يا أبتي أنّي لم أره يشرب الخمر إنما سمعت الناس يقولون، فقال يا بنيّ: إن الله عزوجل يقول في كتابه: (يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين) يقول يصدّق الله ويصدّق المؤمنين فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم ولا تأمن شارب الخمر، فإن الله عزوجل يقول في كتابه: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم) فأي سفيه أسفه من شارب الخمر، إن شارب الخمر لا يزوّج إذا خطب ولا يشّفع إذا شفع ولايؤتمن على أمانة فمن ائتمنه على أمانة فاستهلكها لم يكن للذي ائتمنه على الله أن يأجره ولا يخلف عليه)[2]

وإنما نقلناه بتمامه لما فيه من أحكام عديده وآداب إسلامية وموعظة لمن إتعظ والرواية حسنة بإبراهيم بن هاشم، ولكن لا يخفى عليك، إن التصديق في هذه الحسنة يراد منه ترتيب جميع الآثار على المخبر به ولو كان فيه ضرر على الغير لا ترتيب خصوص الآثار التي تنفع المخبر ولا تضر الغير كما في رواية محمد بن فضيل المتقدمة: (كذّب سمعك وبصرك ....ألخ) وذلك لإن مقصود الإمام الصادق (ع): (فإذا شهد عندك المؤمنون فصدّقهم) أي فصدقهم في قولهم انه يشرب الخمر فلا تائتمنه ولا تعطه دنانيرك.

ومن هنا استدل بها جماعة من الأعلام على حجّية الشياع مطلقاً أي ولو لم يفد الإطمئنان. والخلاصة إلى هنا أن الآية الشريفة ليست دليلاً على حجّية خبر الواحد. هذا تمام الكلام في الإستدلال بالكتاب المجيد، والله العالم.

 


[2] الكافي، الكليني : ح٥، ص٢٥٥ من كتاب المعيشة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo