< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:حجّية خبر الواحد

الوجه الثالث: من جهة مفهوم الشرط بإعتبار أن الموضوع في الآية الشريفة هو طبيعة النبأ وقد علق وجوب التبيّن عنه على كون الجائي به فاسقاً فإذا انتفى الشرط وهو مجيء الفاسق بطبيعة النبأ لم يجب التبيّن عنه فكأنه قيل: النبأ يجب التبيّن عنه إن جاء به الفاسق والنبأ لا يجب التبيّن عنه إن لم يجيء به الفاسق. هذا ما أفاده صاحب الكفاية(ره) وقد وافقه على أن القضية الشرطية في هذه الآية الشريفة لها مفهوم وليست مسوقة لتحقق الموضوع جماعة من الأعلام.

أقول قد ذكرنا سابقاً في مبحث المفاهيم أن القضية الشرطية لكي يكون لها مفهوم لا بدّ أن يكون تعليق الجزاء فيها على الشرط مولولياً بأن لا يكون الشرط ممّا يتوقف عليه الجزاء عقلاً كما في قولك: إن جائك زيد فأكرمه فإن تعليق إكرام زيد فيها على مجيئه مولوي بإعتبار أن إكرامه معلق على مجيئه شرعاً من دون أن يكون معلقاً عليه عقلاً ضرورة إمكان إكرامه عقلاً وإن لم يكن جائياً خارجاً، فهذه القضية يمكن أن يكون لها مفهوم إذا كان الشرط قيداً للحكم لا للموضوع، ويمكن أيضاً أن يكون الشرط قيداً للموضوع فيكون قوله إن جائك زيد فأكرمه: أكرم زيد الجائي فلا تدل القضية على المفهوم. وأمّا إذا كان تعليق الجزاء على الشرط فيها عقلياً كقولك: إن ركب الأمير فخذ ركابه، حيث أن تعليق أخذ الركاب على الركوب عقلي ضرورة عدم إمكان تحقق أخذه بدون تحقق الركوب خارجاً فلا تكون القضية الشرطية لها مفهوم دالة على الإنتفاء عند الإنتفاء.

وكذا قولك: إن رزقت ولداً فأختنه، فإن تحقق الختن خارجاً متوقف عقلاً على رزق الولد، هذا هو الميزان في كون القضية لها مفهوم أو ليس لها مفهوم وإذا كان الأمر كذلك، فهل القضية الشرطية في الآية الشريفة مسوقة لتحقق الموضوع بحيث إذا انتفى الشرط انتفى الموضوع ولا مفهوم لها حينئذٍ، أم أن الجزاء فيها ليس معلقاً على الشرط عقلاً بل شرعاً وبالتالي إذا انتفى الشرط يبقى الموضوع موجوداً. هناك ثلاث إحتمالات في الآية الشريفة:

الأول: أن يكون الموضوع فيها مطلق النبأ وله حالتان إذ قد يكون الجائي به عادلاً وقد يكون فاسقاً وقد علّق الحكم على حالة كون الجائي به فاسقاً تعليقاً مولولياً فيكون مفادها أن النبأ إن جائكم به فاسق فتبيّنوا فتدل على انتفاء وجوبه عند كون الجائي به عادلاً وهذا ما استظهره صاحب الكفاية (ره) وجماعة من الأعلام من الآية الشريفة.

الثاني: أن يكون الموضوع فيها نبأ الفاسق لا مطلق النبأ وعليه فعدم التبيّن بإنتفاء نبأ الفاسق لعدم ما يتبيّن عنه نظير إنتفاء الختان عند إنتفاء الولد وهو ما ذهب إليه الشيخ الأعظم، فالشرط في الآية الشريفة وهو مجيء الفاسق جزء الموضوع والجزء الآخر هو نبأه، فالشرط يكون محققاً للموضوع لا أنه من حالاته وعليه فينتفي الموضوع بإنتفاء الشرط، وقد وافقه جماعة من الأعلام لأن قوله تعالى: )فتبيّنوا(، وإن كان خالياً عن الصلة إلاّ أنها بتقدير عنه، يعني فتبيّنوا عنه والضمير إنما يرجع إلى النبأ الذي جاء به الفاسق المذكور في الشرط ولا وجه لإرجاعه إلى مطلق النبأ، نعم لو كانت الآية الشريفة هكذا: النبأ إن كان الجائي به فاسقاً فتبيّنوا: لكانت الآية الشريفة لها مفهوم ويكون مفادها النبأ إن لم يكن الجائي به فاسقاً فلا تتبيّنوا عنه، فتدل حينئذ على إعتبار نبأ العادل، ولكن الآية الشريفة ليست هكذا، بل هي قوله تعالى: (يا آيها الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبيّنوا ...)الآية وجعلها هكذا: النبأ إن كان الجائي به فاسقاً فتبيّنوا...يكون تصرفاً فيها بلا شاهد وهو أيضاً خلاف ما يقتضيه ظاهرها وإلاّ فكل قضية يمكن أن يتصرف فيها على وجه ترجع إلى كونها ذات مفهوم.

الثالث: أن يكون الموضوع في الآية الشريفة الجائي بالنبأ بقرينة قوله تعالى: (إن جائكم)، فحينئذً يثبت لها مفهوم لإن الجائي بالنبأ له حالتان. الأولى أن يكون الجائي به عادلاً والأخرى أن يكون فاسقاً وقد علق الحكم فيها على حالة كونه فاسقاً تعليقاً مولولياً فيكون مفادها أن الجائي بالنبأ إن كان فاسقاً فتبيّنوا. فتدل على إنتفاء وجوبه عند إنتفائه وكونه عادلاً.

هذا وقد استظهر الميرزا النائيني (ره) من الآية الشريفة أن الموضوع فيها مطلق النبأ والشرط هو مجيء الفاسق به. وهذا الأستظهار إنما هو من مورد نزول الآية حيث موردها هو إخبار الوليد بإرتداد بني المصطلق وقد اجتمع في إخباره عنوانان كونه من الخبر الواحد وكون المخبر فاسقاً والآية الشريفة إنما وردت لإفادة كبرى كلية لتمييز الأخبار التي يجب التبيّن عنها عن الأخبار التي لا يجب التبيّن عنها وقد علّق وجوب التبيّن فيها على كون المخبر فاسقاً فيكون الشرط لوجوب التبيّن هو كون المخبر فاسقاً لا كون الخبر واحداً لإنه لو كان الشرط ذلك لعلّق وجوب التبيّن في الآية عليه لإنه بإطلاقه شامل لخبر الفاسق فعدم التعرض لخبر الواحد وجعل الشرط خبر الفاسق كاشف عن إنتفاء التبيّن في خبر غير الفاسق.

وعليه فيكون مفاد منطوق الآية الشريفة أن الخبر الواحد ان كان الجائي به فاسقاً فتبيّنوا، ومفاد المفهوم أن الخبر الواحد ان لم يكن الجائي به فاسقاً فلا تتبيّنوا فيكون لها مفهوم حينئذٍ. وفيه ان هذا التصرف في الآية الشريفة بلا شاهد يقيني وما ذكره (ره) يحتاج إلى دعوى علم الغيب إذ يحتمل أن يكون تعليق وجوب التبيّن على مجيء الفاسق بالنبأ لا على كونه خبر واحد إنما هو للإشارة إلى فسق الوليد لا لإفادة كبرى كلية.

وعليه فالأقرب من الإحتمالات الثلاثة للآية الشريفة هو الإحتمال الثاني أي كون الموضوع نبأ الفاسق كما أختاره الشيخ الأعظم والسيد محسن الحكيم وغيرهما من الأعلام فلا مفهوم لها حينئذٍ بل هي مسوقة لتحقق الموضوع وبذلك نكون قد حافظنا على ظهور الآية الشريفة، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo