< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/03/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: حجّية خبر الواحد

قال صاحب الكفاية (ره): (وكيف كان فالمحكي عن السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس عدم حجّية الخبر واستدل لهم بالآيات الناهية عن إتباع غير العلم ...ألخ)[1] .

إعلم أن المشهور بين الأعلام حجّية خبر الواحد بل ادّعى بعضهم الإجماع عليه في الأعصار المتأخرة خصوصاً بالنسبة إلى الأخبار المدّونة فيما بأيدينا من الكتب، ولكن لا يصح الإعتماد على هذا الإجماع لإختلاف مباني المجمعين في مدرك الحجّية فإن منهم من يعتمد على هذه الأخبار لتخيّل أنها قطعية الصدور ومنهم من يعتمد عليها من أجل إعتماده على الظن المطلق بمقدمات الإنسداد ومنهم يعتمد عليها لأجل قيام الدليل بالخصوص عنده على حجّيتها والإجماع الذي يكون هذا شأنه – أي مدركياً أو محتمل المدركية – لا يصلح الإتكال عليه وأخذه دليلاً في المسألة إذ ليس هو إجماعاً تعبدياً كاشفاً عن رأي المعصوم (ع) ولا يكفي مجرّد ثبوت الإجماع على النتيجة مع إختلاف نظر المجمعين.

هذا وقد حكي القول بعدم الحجّية عن جماعة من الأعلام منهم السيد والقاضي وابن زهرة والطبرسي وابن إدريس، ولنقدم أولاً أدلة النافين للحجّية بالأدلة الثلاثة الكتاب العزيز والسنة النبوية الشريفة والإجماع. أمّا الكتاب العزيز فبعدّة آيات منها قوله تعالى: ﴿ ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا [2] ، ومنها قوله تعالى: ﴿ وما يتبع أكثرهم إلا ظناً إن الظن لا يغني من الحق شيئا [3] ، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ذمّ إتباع الظن وعدم الإعتماد عليه.

قال صاحب الكفاية:(والروايات الدالة على ردّ ما لم يعلم أنه قولهم (ع)...ألخ).

هذا هو الدليل الثاني، قال الشيخ الأعظم وأمّا السنّة فهي أخبار كثيرة تدل على المنع من العمل بالخبر غير المعلوم الصدور إلاّ إذا أحتف بقرينة معتبرة من كتاب أو سنّة معلومة مثل ما رواه في بصائر الدرجات عن محمد بن عيسى، )قال: أقرأني داوود بن فرقد الفارسي كتابه إلى أبي الحسن الثالث(ع) وجوابه بخطه، فقال: نسألك عن العلم المنقول إلينا عن آبائك وأجدادك قد اختلفوا علينا فيه فكيف العمل به على إختلافه إذا أفرد إليك فقد اختلف فيه فكتب (ع) وقرأته ما علمتم أنّه قولنا فألزموه وما لم تعلموا فردوه إلينا...ألخ(.[4] [5] ورواه صاحب الوسائل عن ابن إدريس في آخر السرائر نقلاً من كتاب مسائل الرجال لعلي ّ بن محمد أن محمد بن علي بن عيسى:)كتب إليه...ألخ([6] مع إختلاف يسير في اللفظ .

أقول أمّا رواية بصائر الدرجات فما نقله صاحب الوسائل عن هذا الكتاب يكون معتبراً لإن صاحب الوسائل له طريق إليه معتبر. وأما ما لم ينقله صاحب الوسائل بل ينقله صاحب البحار أو كان مأخوذاً من النسخة المطبوعة في هذه الأيام فلا نعتمد عليه لعدم ثبوتها بطريق معتبر، والذي يهون الخطب أن أكثر ما ينقله صاحب الوسائل عن بصائر الدرجات مطابق للنسخة المطبوعة في هذه الأيام، وعليه فهذه الرواية بما أنه لم ينقلها صاحب الوسائل فلا نعتمد عليها وأما ما رواه صاحب الوسائل عن ابن إدريس في مستظرفات السرائر فليس بحجّة لأن ابن إدريس لم يذكر طريقه إلى كتاب مسائل الرجال فتكون الرواية مرسلة.

قال صاحب الكفاية: (أو لم يكن عليه شاهد من كتاب الله أو شاهدان ...ألخ).

كما في صحيحة عبد الله بن أبي يعفور، قال: (وحدثني الحسين بن أبي العلاء أنه حضر أبن أبي يعفور في هذا المجلس قال سألت أبا عبد الله (ع) عن اختلاف الحديث يرويه من نثق به ومنهم من لا نثق به، قال(ع): إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله (ص)وإلاّ فالذي جائكم به أولى به)[7] .

وكما في مرسلة عبد الله بن بكير عن رجل عن أبي جعفر في حديثٍ، قال:(إذا جائكم عنّا حديث فوجدّم عليه شاهداً أو شاهدين من كتاب الله فخذوه وإلا فقفوا عنده ثم ردّوه إلينا حتى يستبين لكم)[8] ، وهي ضعيفة بالإرسال وأما كون ابن أبي بكير من أصحاب الإجماع فلا يفيد شيئاً كما ذكرناه في علم الرجال.

قال صاحب الكفاية: (أو لم يكن موافقاً للقرآن...ألخ)، كما في معتبرة السكوني عن أبي عبد الله (ع)، قال:(قال رسول الله (ص): إن على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه)[9] .

وكما في رواية جابر عن أبي جعفر (ع) في حديث قال: (انظروا أمرنا وما جائكم عنّا فإن وجدتموه للقرآن موافقاً فخذوا به وان لم تجدوه موافقاً فردوه...الحديث)[10] . ولكنها ضعيفة بعمرو بن شمر الجعفي. وكما في رواية محمد بن مسلم قال: (قال أبو عبد الله (ع): يا محمد ما جائك في رواية من برٍ أو فاجرٍ يوافق القرآن فخذ به وما جائك من رواية من روايةٍ برٍ أو فاجرٍ يخالف القرآن فلا تأخذ به)[11] [12] .ضعيفة بالإرسال.

قال صاحب الكفاية: (أو على بطلان ما لا يصدقه كتاب الله ...ألخ). كما في رواية كليب بن معاوية الأسدي عن أبي عبد الله (ع)، )قال: ما أتاكم عنّا من حديثٍ لا يصدّقه كتاب الله فهو باطل)[13] [14] . وهي ضعيفة لعدم وثاقة كليب الأسدي، وترّحم الإمام الصادق (ع) عليه لا يدل على التوثيق.

قال صاحب الكفاية: (أو أن ما لا يوافق كتاب الله فهو زخرف ...ألخ).

كما في صحيحة أيوب بن الحر،(قال: سمعت أبا عبد الله يقول: كل شيء فردوه إلى الكتاب والسنّة وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف)، وكما في رواية أيوب بن راشد عن أبي عبد الله (ع)، قال: ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف)[15] [16] [17] ، ضعيفة بجهالة أيوب بن راشد.

قال صاحب الكفاية: (أو على النهي عن قبول حديث إلاّ ما وافق الكتاب أو السنّة ...ألخ).

كما في صحيحة هشام بن الحكم حيث روى الكشي في ترجمة المغيرة بن سعيد، قال: حدثني محمد بن قولويه والحسين بن الحسن بن بندار القمّي، قالا: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدثني محمد بن عيسى بن عبيد عن يونس بن عبد الرحمن: ان بعض أصحابنا سأله وأنا حاضر، (فقال له: يا أبا محمد ما أشدّك في الحديث وأكثر انكارك لما يرويه أصحابنا فما الذي يحملك على رد ّ الأحاديث، فقال حدثني هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبد الله (ع) يقول: لا تقبلوا علينا حديثاً إلاّ ما وافق الكتاب والسنّة أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمة فإن المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدثه بها فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا وسنّة نبينا)[18] [19] .

والرواية صحيحة فإن الحسين بن الحسن بن بندار القمي وان كان مجهولاً إلا أن محمداً ابن قولويه ثقة، لإنه والد جعفر بن قولويه، وقد روى عنه في كامل الزيارات، وذكرنا في محله ان مشايخ ابن قولويه المباشرين الواقعين في سند كامل الزيارات ثقات.

قال صاحب الكفاية:(أو غير ذلك...ألخ). كالأخبار الآمرة بطرح ما خالف كتاب الله أو سنّة نبيه مثل معتبرة السكوني المتقدمة.

وكما في رواية هشام بن الحكم وغيره عن أبي عبد الله (ع) (قال: خطب النبي (ص) بمنى فقال: يا أيها الناس ما جائكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته وما جائكم يخالف كتاب الله فلم أقله)[20] ، وهي ضعيفة بطريق الكليني بمحمد بن اسماعيل البندقي النيشابوري، فإنه مجهول وضعيفة أيضاً بطريق البرقي في المحاسن بجهالة أبي ايوب المديني(المدني) فالتعبير عنها بالصحيحة في غير محله وكذا غيرها من الروايات.

قال الشيخ الأعظم بعد نقله لرواية هشام، :(والأخبار الواردة في طرح الأخبار المخالفة للكتاب والسنّة ولو مع عدم المعارض متواترة جداً)[21] .انتهى.

قال صاحب الكفاية: (والإجماع المحكي عن السيد في مواضع من كلامه ...ألخ). قال الشيخ الأعظم: (وأما الإجماع فقد ادعاه السيد المرتضى (قدس سره) في مواضع من كلامه وجعله في بعضها بمنزلة القياس في كون ترك العمل به معروفاً من مذهب الشيعة. وقد اعترف بذلك الشيخ يعني به شيخ الطائفة على ما يأتي في كلامه إلاّ أنه أوّل معقد الإجماع بإرادة الأخبار التي يرويها المخالفون وهو ظاهر المحكي عن الطبرسي في مجمع البيان، قال: لا يجوز العمل بالظن عند الإمامية إلاّ في شهادة العدلين وقيم المتلفات وأروش الجنايات). انتهى.

 


[6] وسائل باب9 من أبواب صفات القاضي ح36.
[11] وسائل باب9 من أبواب صفات القاضي ح10.
[13] وسائل باب9 من أبواب صفات القاضي ح37.
[15] المستدرك باب9 من أبواب صفات القاضي ح5.
[18] وسائل باب9 من أبواب صفات القاضي ح10.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo