< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

37/01/13

بسم الله الرحمن الرحيم

قال صاحب الكفاية : (كما أن الظاهر عدم اختصاص ذلك بمن قصد إفهامه، ولذا لا يسمع اعتذار من لايقصد إفهامه إذا خالف ما تضمنه ظاهر كلام المولى، من تكليف يعمه أو يخصه، ويصح به الإحتجاج لدى المخاصمة واللجاج، كما تشهد به صحة الشهادة بالإقرار من كل من سمعه ولو قصد عدم إفهامه، فضلاً عما إذا لم يكن بصدد إفهامه)[1] .

أشار بذلك إلى تفصيل المحقق القمي في حجّية الظواهر، وهو التفصيل بين من قصد إفهامه من الكلام وبين من لم يقصد، وحجّية الظواهر تختص بالأول دون الثاني.

قال الشيخ الإنصاري في الرسائل(ره): وأمّا التفصيل الآخر فهو الذي يظهر من صاحب القوانين (قدس سره) في آخر مسألة حجّية الكتاب وفي أول مسألة الإجتهاد والتقليد، وهو الفرق بين من قصد إفهامه بالكلام فالظواهر حجّة بالنسبة إليه، وذلك من باب الظن الخاص سواء أكان مخاطباً كما في الخطابات الشفاهيّة أم لا. كما في الناظر في الكتب المصنفة لرجوع كل من ينظر إليها وبين من لم يقصد إفهامه بالخطاب كأمثالنا بالنسبة إلى أخبار الأئمة الصادرة عنهم في مقام الجواب عن سؤال السائلين وبالنسبة إلى الكتاب العزيز بناءً على عدم كون خطاباته موجهة إلينا وعدم كونه من تأليف المصنّفين فالظهور اللفظي ليس حجّة حينئذٍ لنا إلا من باب الظن المطلق الثابت حجيّته عند انسداد باب العلم[2] انتهى.

أقول : إنّ التأمل في كلام المحقق القمي (ره) يفضي إلى أمرين، الأول، ما يظهر منه إنكار حجّية الظواهر بالنسبة إلى من لم يقصد إفهامه. والثاني إنكار إنعقاد الظهور، أي منع الصغرى.

أمّا الأمر الأول : فحاصل ما أفاده في وجه ذلك، هو أنّ الكلام إذا كان في مقام الجواب عن سؤالٍ سائلٍ خاصٍ، فللسائل الأخذ بظاهره فقط دون غيره، أمّا السائل فلإن احتمال خلاف الظاهر الذي يحتمله ليس إلا إحتمال غفلة المتكلم عن نصب قرينة المراد – إذا كان غير معصومٍ – أو غفلة السامع عن الإلتفات إليها، وهذا الإحتمال منفي بالأصل العقلائي وليس في البين إحتمال آخر يحتمله المخاطب، وأمّا غير المخاطب فلا ينحصر الإحتمال فيه، بل في البين إحتمال آخر يحتمله السائل آخر، وهو إحتمال أنّ تكون بين السائل والمجيب قرينة حاليّة أو مقاليّة سابقة الذكر أو لاحقة الذكر تكون بين المتكلم والمخاطب ومع هذا الإحتمال فلا يمكن الإعتماد على ظاهر الكلام، إذ لا أصل عقلائي ينفيه، خصوصاً بالنسبة إلى المتكلم الذي دأبه الإعتماد على القرائن المنفصلة عن الكلام، وغالب الروايات التي بأيدينا تكون من هذا القبيل، لإنّها وردت أجوبة عن أسئلة لأشخاص خاصة، فلا يجوز الإعتماد على ظواهرها. مع العلم أنّ عادة الشارع الإعتماد على القرائن المنفصلة، كما يظهر للمتتبع من الأخبار، فعلى هذا ينبغي أنّ تكون حجيّة الأخبار المودعة في الكتب من صغريات حجّية الظن المطلق.

وفيه، أنّ هذا الإحتمال أيضاً منفي بالأصول العقلائيّة ولا اختصاص لها بإحتمال غفلة المتكلم أو المخاطب فكما أنّ إحتمال الغفلة من المتكلم أو المخاطب مرجوح عند العقلاء، ومنفي عندهم كذلك إحتمال القرينة الخفيّة بينه وبين المخاطب مرجوح عند العقلاء وهي منفيّة بأصالة عدمها. نعم إحتمال القرينة المنفصلة بالنسبة إلى المتكلم الذي من عادته الإعتماد على القرائن المنفصلة يكون راجحاً إلا أن كل ذلك يقتضي وجوب الفحص عنها لا سقوط ظاهر عن الإعتبار. ثم انّه لو سلمنا إختصاص حجّية الظواهر بمن قصد إفهامه، إلا أننا لا نسلم كوننا غير مقصودين بالإفهام من الروايات الواردة عن أهل البيت (عليهم السلام)، وذلك لإنّ الراوي الذي الذي سمع الكلام من الإمام (ع) مقصود بالإفهام واحتمال غفلته يدفع بالأصل – ولا يحتمل غفلة الإمام (ع)لإنه معصومٌ- وعليه فيحكم بأنّ الظاهر هو مراد الإمام (ع)، وينقل هذا الراوي ما سمعه من الإمام (ع) للراوي اللاحق وهومقصود بالإفهام من الكلام الصادر من الراوي السابق، وهكذا الحال بالنسبة إلى إلى جميع سلسلة الرواة إلى أنّ ينتهي الأمر إلى أصحاب الجوامع كالشيخ الكليني والشيخ الصدوق والشيخ الطوسي – المعروفين بالمحمدين الثلاثة – ومن الواضح أن المقصود بالإفهام من الكتب كالكافي والفقيه والتهذيب ونحوها، هو كل من نظر فيها فيكون ظاهرها حجّة له. وبالجملة فالكتب المودعة فيها الروايات ككتب التأليف والتصنيف التي أعترف بحجّية ظواهرها أيضاً لكل من نظر فيها.

أمّا الأمر الثاني : أي منع إنعقاد الظهور بالنسبة لغير المقصودين بالإفهام وهو ما يعبر عنه بمنع الصغرى ، فحاصل كلامه(ره)، إنّ الرواة عندما يجيئون إلى الإمام(ع)، كانوا يسألونه عن عدة مسائل من الطهارة، والصلاة، والزكاة، والحج، والنكاح، والطواف، والبيع، والإجارة، والديّات، ونحوها، وعليه فهذه الروايات المرويّة عنهم (ع)، لم تصل إلينا كما صدرت عنهم (ع)بل وصلت إلينا مقطعة، فالعلماء لا سيّما المحمدون الثلاثة بذلوا جهداً كبيراً (جزاهم الله خير الجزاء) في تبويب المسائل وإرجاع كل مسألة إلى بابها المناسب لها تسهيلاً للأمر على المراجعين، ولولا ذلك لزم الفحص من أول كتاب الطهارة إلى باب الديات، لإجل أنّ يستنبط مسألة واحدة. وعمر الإنسان لا يفي بذلك، وبالجملة فهذا التقطيع على مبنى المحقق القمي سبب لنا مشكلة، وهي إحتمال وجود قرينة على خلاف ما نفهمه من الكلام فيحتمل انّ يكون الذيل المقطوع ونحوه قرينة على الصدر، وعليه فلم ينعقد للكلام ظهور مع هذا الإحتمال، وليس المقام من باب إحتمال وجود القرينة ليدفع بأصالة عدمها، بل من باب إحتمال قرينيّة الموجود، وهذا لا دافع له فيكون الكلام حينئذٍ مجملاً.

وفيه ان هذا الكلام، إنما يتم لو كان من قطّع الأخبار غير عارفٍ بأسلوب الكلام العربي وغير ضليع بالفصاحة والبلاغة أو كان غير متدين، بحيث يتعمد ترك ذكر القرينة لو كانت موجودة. ففي هذه الصورة يحتمل قوياً كون التقطيع موجباً لإنفصال القرينة عن ذيها لعدم معرفة المقطع أو تساهله في التقطيع. وأّما إذا كان المقطّع في غاية الورع والتديّن، وكان مثالاً يقتدى به في التقوى، وكان عارفاً بأساليب اللغة العربيّة وعالماً بالفصاحة والبلاغة كالمحمدين الثلاثة أصحاب الجوامع وأمثالهم من الأعلام فلا يرد الإشكال حينئذٍ، فإذا نقلوا رواية بلا قرينة نطمئن بعدمها.

وبالجملة إنّ ما ذكره المحقق القمي(ره)لم يكتب له التوفيق. فالإنصاف أنّه لا فرق بين حجّية الظواهر بين من قصد إفهامه وغيره، ومن هنا لو وقعت رسالة موجّهة من شخص إلى أخر بيدٍ شخص ثالث، فلا يتأمل في إستفادة مراد المرسل من الرسالة، فإذا فرضنا أن هذا الشخص الذي وقعت بيده الرسالة يشترك مع المرسل إليه فيما أراد المولى منهم، فلا يجوز له الإعتذار في ترك الإمتثال بعدم الإطلاع على مراد المولى. وكذا الحال في الوصايا الصادرة من موصي معين إلى شخص معين ثم احتجنا إلى العمل بها مع فقد الموصي إليه، فإن العلماء لا يتأملون في الإفتاء بوجوب العمل بظاهر هذا الكلام الموجه إلى الموصي إليه المفقود، وكذا الحال أيضاً في صحة الشهادة بالإقرار. فإذا أقرّ زيدٌ مثلاً على نفسه بشيء لعمرو وقد سمعه بكر، صح لبكر أنّ يشهد عليه عند الحاكم وان لم يكن مقصوداً بالإفهام بل كان مقصوداً بعدم الإفهام، وقد فهم من باب الإتفاق.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo