< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/12/30

بسم الله الرحمن الرحيم

المسألة الثانية : من المعلوم أنّ الشيخ الأنصاري (ره) وجماعة من الأعلام تمسّكوا لإثبات حرمة العمل بالظن بالأيات الناهية عن العمل بغير العلم لقوله تعالى : (ولا تقفُ ما ليس لك به علم)[1] ، وكذا غيرها من الآيات الشريفة، وعليه فالمستفاد منها هو حرمة العمل بالظن إلا ما أخرجه الدليل كالظواهر، وخبر الواحد الثقة ونحوهما، وإذا شك في حجّية بعض الظنونات لإحتمال خروجها عن تحت العام، يكون شكاً في التخصيص، ومقتضى القاعدة هي" التمسك بالعام الدال على حرمة العمل بالظن"[2] .

هذا الكلام لم يرتضه المحقق النائيني (ره) وأشكل عليه، بما حاصله : إنّ أدلة حجية الأمارات حاكمة على الآيات الشريفة الناهية عن العمل بالظن، لإنّها جعلت الظن علما تعبدياً، فيكون خارجاً عن موضوع الآيات الشريفة موضوعاً لا حكماً فقط، لإنّ موضوع الآيات الناهية هو العمل بغير العلم، في حين أنّ أدلة الأمارات جعلت الظن الخاص علماً بالتعبد، فهي نافية للحكم بلسان نفي الموضوع، وعليه فعند الشك في حجّية بعض الظنونات لا يصح التمسك بالآيات الناهية لإنّه من باب التمسك بالعام في الشبهات المصداقيّة، إذ يحتمل كون هذا الظن المشكوك حجيته علماً بالتعبد لإحتمال وجود الحجّية ومع إحتمال علميته لا يحرز دخوله في موضوع الآيات الشريفة الناهية لإن موضوعها عدم العلم.

هذا وقد ذكر السيد ابو القاسم الخوئي (ره) أنّ النزاع مبنيٌ على كون النهي في الآيات الشريفة نهياً مولوياً لا إرشادياً، إذ لو كان إرشادياً لحكم العقل، لما كان لهذا النزاع معنى حقيقة، ثم اختار كون النهي إرشادياً، إذ مفادها الإرشاد إلى حكم العقل بعدم صحة الإعتماد على الظن، فإنّه لا بدّ من العمل بما يحصل معه الأمن من العقاب، والعمل بالظن ممّا لا يحصل معه الأمن من العقاب لإحتمال مخالفة الظن للواقع.

وفيه أنّ النهي في الآيات الشريفة نهيٌ مولويٌ لا إرشاديٌ، حيث إنّ العمل بالظن من دون الإستناد إلى الحجّة تشريعٌ عمليٌ، كما أنّ اسناد مؤداه إلى الشارع من دون حجّة تشريعٌ قولي، وقد عرفت سابقاً، أنّ حكم العقل بقبح التشريع يستتبعه حكم شرعي، لإنّ حكم العقل بقبح التشريع واقعاً في سلسلة علل الأحكام، وليس واقعاً في سلسلة المعلولات، وهو حكم إبتدائي من العقل لما فيه من المفسدة، حيث تصرف العبد فيما ليس له، فراجع ما ذكرناه في المسألة الأولى.

ثم أنّه بعد الفراغ عن كون النهي في الآيات الشريفة نهياً مولوياً، نقول أن ما ذكره المحقق النائيني(ره) من كون أدلة حجّية الأمارات حاكمة على الآيات الشريفة الناهية عن العمل بالظن وان كان صحيحاً إلا أنّ ذلك لا يمنع من التمسك بالآيات الشريفة عند الشك في خروج بعض الظنونات عن حرمة العمل بالظن ولا يكون ذلك تمسكاً بالعام في الشبهات المصداقيّة. وذلك لإنّ الحجّية لا يترتب عليها الأثر من التنجيز عند الإصابة والعذر عند عدمها، إلا إذا وصلت إلى المكلف أي علِم بها، أمّا وجودها الواقعي بدون العلم لا أثر له أصلاً، وعليه فأدلة حجّية الأمارات إنما تكون حاكمة على الآيات الشريفة إذا وصلت إلى المكلف، ومع عدم وصولها يكون العمل بالظن عملاً بغير علم، وعليه ففي حال الشك في حجّية بعض الظنونات يصدق على العمل به، أنّه عمل بغير علم، فيكون داخلاً في موضوع الآيات الشريفة فتشمله حينئذٍ، ولا يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، إذ لا شبهة في المصداق، لإنّ إحتمال وجود الحجّة في الواقع ممّا لا أثر له.

ومما يؤكد أنّ الحجّة بوجودها الواقعي لا أثر له، وهو صحة التمسك بالأصول العمليّة من البراءة ونحوها عند الشك بوجود الدليل الإجتهادي، أي الشك بوجود الحجة، فإنّه عند الفحص في الشبهات الحكميّة وعدم العثور على الحجة يصح التمسك بأدلة الأصول العمليّة، مع أنّ إحتمال وجود الحجة لا زال موجوداً ولا يكون من التمسك بالعام في الشبهة المصداقيّة، وكذا الحال في الشبهات الموضوعيّة إلا أنّه لا يجب الفحص فيها.

والخلاصة إلى هنا، أنّه لا مانع من التمسك بعموم حرمة العمل بالظن عند الشك في خروج بعض الظنونات عن تحت حرمة العمل به، والله العالم.

قال صاحب الكفاية :(إذا عرفت ذلك فيما خرج موضوعاً عن تحت هذا الأصل أو قيل بخروجه يذكر في ذيل فصول)[3] .

ذكرنا سابقاً أنّ موضوع أصالة عدم الحجيّة هو الظن الذي لم يقم دليل على حجّيته وعليه فالخارج عنه يكون خروجاً موضوعياً لإن الدليل على إعتبار بعض الأمارات يجعلها علماً تعبداً، والعلم يغاير الظن موضوعاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo