< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الأصول

36/08/07

بسم الله الرحمن الرحیم

ذهب الشيخ الأنصاري إلى عدم شمول أدلة الأصول العملية لأطراف العلم الإجمالي؛ إذ لو كانت تشملها لتناقض صدر هذه الأدلة مع ذيلها؛ ففي خبر مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ( كل شيء هو لك حلال، حتى تعلمأنهحرامبعينه، فتدعه من قِبل نفسك؛ وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه، أو خدع فبيع قهرا، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك، والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أوتقومبهالبينة)[1]، نجد أن موضوع الصدر (كل شيء هو لك حلال) كل مشكوك، فيشمل أطراف العلم الإجمالي؛ لأن كل طرف بحد نفسه وبمعزل عن الطرف الآخر مشكوك. أما موضوع الذيل (حتى تعلم أنه حرام بعينه)، فهو كل معلوم سواء كان معلوما تفصيلا أم إجمالا؛ إذ مقتضى إطلاق العلم في الذيل الذي جعل غاية الحكم الظاهري هو عدم جريان الأصل، فيتناقض صدر الدليل مع ذيله، وحيث لا مرجح لأحدهما على الآخر، فيتساقطان. وعليه، فلا تكون أدلة الأصول شاملة لأطراف العلم الإجمالي.
ثم استشكل الشيخ الأعظم على نفسه بأن كلمة (بعينه) الواردة في الرواية، يمكن أن تكون شاهدا على أن المراد بالعلم في الذيل هو خصوص العلم التفصيلي لا الأعم منه ومن العلم الإجمالي.
وعليه، فلا مناقضة بين الصدر والذيل، فيجري الأصل حينئذ في الأطراف بلا معارض. وأجاب عن ذلك بأنه يمكن أن يكون المراد من (بعينه) هو تأكيد العلم لا تمييز المعلوم ليكون العلم في الذيل مختصا بالعلم التفصيلي.
وعليه، يبقى موضوع الذيل هو مطلق العلم الأعم من التفصيلي والإجمالي، وبالتالي لا يكون الدليل شاملا لأطراف العلم الإجمالي، وإلا حصل التناقض بين صدره وذيله.
وفيه: أولا : ما ذكره صاحب الكفاية في مبحث الاستصحاب من أن أدلة الأصول العملية ليست كلها مغيَّاة بالعلم، بل بعضها مطلق؛ كحديث الرفع[2]، وحديث السعة[3] [4]. وعليه، يمكن الاعتماد على هذه الأدلة لشمول أطراف العلم الإجمالي؛ إذ إجمال الدليل الذي فيه الغاية المذكورة، كما في رواية مسعدة المتقدمة، لا يسري إلى غيره، مما ليس فيه الذيل المذكور.
ثانيا : إن المفهوم عرفا من الأحاديث المغيَّاة بالعلم، هو أن العمل بالحكم الظاهري مغيَّى بالعلم الرافع للشك، وهو العلم الذي يكون متعلَّقه عين متعلَّق الشك، وهو العلم التفصيلي. أما العلم الإجمالي، فهو غير رافع للشك؛ لأن متعلقه الجامع بين الأطراف، بينما متعلق الشك كل طرف بخصوصه. وعليه، يكون نظر الذيل إلى العلم التفصيلي، فلا يلزم من شمول دليل الأصل لأطراف العلم الإجمالي المناقضة بين الصدر والذيل.
ثم لو سلمنا أن كلمة (بعينه) تأكيد للعلم في رواية مسعدة، إلا أن ذلك لا يتم في صحيحة عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ( كل شيء فيه حلال وحرام، فهو لك حلال أبدا، حتى تعرف الحرام منه بعينه، فتدعه )[5]؛ لأنها ظاهرة جدا في تمييز الحرام عن غيره، ولا سيما مع ذكر كلمة (منه). وعليه، فتكون الغاية ظاهرة في خصوص العلم التفصيلي.
ثالثا: إن قوله (عليه السلام) (بعينه) وإن احتمل أن يكون المراد منه تأكيد العلم، إلا أنه بعيد، خصوصا مع ملاحظة ما مثَّل به الإمام؛ "وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة، أو المملوك عندك لعله حر قد باع نفسه ..."؛ فإنه يرجح احتمال أن يكون المراد تمييز المعلوم.
رابعا : لو كانت أدلة الأصول العملية غير شاملة لأطراف العلم الإجمالي للمناقضة بين الصدر والذيل، فماذا عن أطراف العلم الإجمالي فيما إذا كان بعضها خارجا عن محل ابتلاء المكلف، أو غير مقدور له، أو لزم الحرج من اجتنابه الكل، أو اضطر إلى ارتكاب البعض؟ فإنه بناء على ذلك يلزم عدم جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي في هذه الموارد ونحوها التي لا يكون العلم الإجمالي فيها منجزا للتكليف، مع أن الشيخ الأنصاري نفسه لم يلتزم بذلك، بل أجرى الأصل في أطراف العلم الإجمالي في هذه الصور ونحوها مما كان العلم الإجمالي غير منجز.
نعم، على ما ذهبنا إليه سابقا، إن المانع من جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي هو لزوم المناقضة؛ أي إن المانع ثبوتي، فلا إشكال حينئذ هنا في جريان الأصل في أطراف العلم الإجمالي؛ لفرض خروج بعضها عن محل الابتلاء، أو كون الامتثال حرجيا، ونحو ذلك؛ لأن العلم الإجمالي لا يكون منجزا في هذه الصور. والله العالم.
والخلاصة : إن الأصول العملية النافية للتكليف لا يمكن أن تشمل أطراف العلم الإجمالي ثبوتا، ولو أمكن ذلك، لما قصرت أدلة الأصول العملية عن شمولها.


[3] وفي معتبرة السكوني، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، ( أن أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة، كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها، وفيها سكين؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام)، يقوَّم ما فيها، ثم يُؤكل؛ لأنه يفسد، وليس له بقاء، فإن جاء طالبها غرموا له الثمن، قيل: يا أمير المؤمنين لا ندري سفرة مسلم، أو سفرة مجوسي؟ - قال: هم في سَعَة حتى يعلموا ).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo